تتصرّف الولايات المتحدة الأميركية كما لو أنها حكومة عالمية، فتصدر قوانين تطبّقها على الدول الأخرى ورعاياها، وتعاقب وتكافئ دون التقيّد بأيّ معايير أخلاقية أو شرعية من منظور القانون الدولي، بل وتحوّر القوانين الدولية، وتنقضّ على المكتسبات التي رسّختها الشعوب بدمائها على مدى القرنين التاسع عشر والعشرين في مواجهة القوى الاستعمارية. ووصل الأمر بهذه الدولة إلى أن تقوم بعمليات قرصنة ضدّ الدول التي لا تستجيب لإملاءاتها، وإلى اغتيال الشخصيات التي تقاوم الهيمنة والتسلّط، ولو لم يكن ذلك في مواجهتها المباشرة، حتّى وصل الأمر إلى أن يصفها بعضهم بدولة "زقاقية voyou" . ولعلّ ما شجع الولايات المتحدة على هذا السلوك مسايرة بعض الدول القويّة كالدول الأوروبية ، أو خوف و/أو حاجة بعض الدول الضعيفة.
هذا النموذج ليس مجرد طريقة أخرى لتقدير أوضاع المعيشة، بل محاولة غير مسبوقة ربما في لبنان، لوضع إطار شامل للمتغيرات ذات الصلة بالتنمية والحياة، الأمر الذي يكتنفه بالعادة كثير من الالتباس والجدل. وهذا النوع من النماذج القياسية مثير للأسئلة، كونه يعمل على إعطاء قيم كمية لظواهر نوعية بطبيعتها؛ فوفق أي منظور اجتماعي يجري وضع النماذج المذكورة؟ وهل بنيت على أساس التكامل بين عمل الاختصاصيين من ناحية وتقدير الفئات المعنية بها لحاجاتها وغاياتها من ناحية ثانية؟ وما هي المتغيرات التي يجب أن تتضمنها حتى ترسم صورة دقيقة عن القضايا محل البحث؟ وما مدى دقة المؤشرات الدالة عليها؟ وكيف تُجمع بياناتها؟ وهل يمكن إخضاعها للتنقيح والمراجعة والتحقق؟ وفي نهاية المطاف هل هي صدًى لما يجول في عقول الخبراء وخواطرهم أم لما يدور على أرض الواقع؟
في الثاني عشر من شهر تموز/يوليو 2006 نفّذت وحدة خاصة من مجاهدي المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان على الحدود الشمالية للأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1948 عملية عسكرية هدفت إلى أسر جنود إسرائيليين لتحريك عملية تبادل الأسرى، اللبنانيين والفلسطينيين والعرب، القابعين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية منذ سنين. جاءت هذه العملية في الوقت الذي كان قطاع غزة في فلسطين قد دخل الأسبوع الثالث من حملة "أمطار الصيف" العسكرية الإسرائيلية التي بدأت بعمليات تدمير منظّمة لمعظم منشآت البنى التحتية في القطاع، شملت محطات الكهرباء والمياه والجسور والطرق ومباني بعض الوزارات، وحتى المدارس ورياض الأطفال والملاعب المستشفيات والبيوت السكنية.
يجد العالم منذ عقود صعوبة في تخطي أزماته بشتى أشكالها، السياسية كصعود اليمين ولا سيما في النصف الغربي من العالم، والاقتصادية كتواتر الانهيارات المالية والاقتصادية والنقدية في أنحاء عدة وصعوبة لجمها، والاجتماعية من خلال زيادة معدّلات الجريمة واللامساواة والفقر وتقويض دولة الرفاه، وانخفاض منسوب التضامن الاجتماعي، ناهيك بأزماته العسكرية المتفاقمة على وقْع تصدُّع قدرة النظام العالمي على ضبط الأمن والاستقرار. ولهذه الصعوبات أسباب متشعّبة، لكن ما لا يُتوقف عنده هو الصلة بين تدهور أوضاع العالم وأزمة العلم والمعرفة، بفروعهما وتصنيفاتهما وثقافتهما المختلفة، والتنافس المرير داخلها وفيما بينها. وقد بيّن انتشار وباء كورونا (كوفيد– 19) المستجدّ نقص الجهوزية في مواجهة الكوارث والأحداث المفاجئة.
مع دخول قانون "قيصر" حيّز النفاذ، وهو قانون أميركي أُعدّ لمعاقبة سوريا وحلفائها المنتصرين في الحرب على الجماعات المسلحة التكفيرية وداعميها، عاد النقاش بشأن العقوبات إلى الواجهة من جديد. فمنذ تسعينيات القرن العشرين زاد اللجوء إلى سياسة فرض العقوبات (The Sanctions) بشكل ملحوظ وبالتزامن مع تفرّد الولايات المتحدة الأميركية بالأحادية القطبية في السياسة الدولية. ولكن هذا الشكل من الضغط السياسي ليس بالجديد، إذ عرفته الحضارات القديمة والعصور الوسطى، كما عرفه القرن العشرون بعد انتهاء الحربين العالميتين، ولاسيما العقوبات المفروضة من الدول، أو تلك التي فرضها مجلس الأمن تحت ذرائع مختلفة، أبرزها حفظ السلم والأمن الدوليين.
تتضمّن هذه الدراسة مقاربة ثنائية البُعد، إذ تعالج في بُعدها الأول المسار القانوني الناشئ عن خيار إعادة هيكلة الدين العام المستحق على الحكومة اللبنانية بالدولار الأميركي "اليوروبوندز" والأوضاع القانونية التي يمكن أن تواجهها الدولة اللبنانية من قبل الدائنين وخاصة الأجانب منهم بعد إعلانها قرار تعليق الدفع Moratorium)) الصادر بتاريخ 7 آذار من العام 2020. فعملية إعادة الهيكلة محكومة بمجموعة من المبادئ والقواعد القانونية الموجودة في القوانين الوطنية وفي القانون الدولي وأيضًا في بنود عقد إصدار "اليوروبوندز" الخاص بالعام 2018. أما البُعد الثاني فهو البعد المالي الهادف إلى بيان أبرز المفاصل المالية لإصدارات "اليوروبوندز" من مهل زمنية وآلية توزيع السندات بين حامليها من لبنانيين وأجانب ونسب الأكثريات المطلوبة لأي خيار متاح للدائنين.
خاضت الولايات المتحدة الأميركية منذ تأسيسها عشرات الحروب والمعارك على جبهات داخلية وخارجية مختلفة، وخلّفت هذه المعارك ملايين الضحايا. فمن الحرب الأهلية التي خاضتها في العام 1860 إلى الحرب الباردة 1947 - 1991 مع الاتحاد السوفياتي وحلف وراسو التي أدّت إلى انهزام هذا المعسكر لتعلن بعدها أميركا زعامتها العسكرية والاقتصادية على العالم.
الجيوبوليتيك Geopolitic / Géopolitique مصطلح يتكوّن في الأصل من كلمتين يونانيّتين: Geo، وهي الأرض، ثمّ Politique ومعناها سياسة، فهي علم يقوم على علاقة جدليّة بين الأرض والسياسة، ويندمج فيه علم الجغرافيا بعلم السياسة، فيدرس التأثيرات المختلفة للإقليم، بكافّة عناصره (بحار، خلجان، مضايق، جبال، سهول، غابات...) وموقعه وشكله (جزريّ-من جزيرة-، قارّيّ) ومناخه، على أداء صنّاع القرار السياسيّ داخل الدولة نفسها، وعلى أداء السياسة الخارجيّة للدول بشكل عامّ. كما يدرس تأثير السياسة على الأرض، في محاولاتها للاستفادة من ميزاتها من أجل التغيير المستقبليّ لأبعاد الدولة الجغرافيّة، بفعل يُمارس علاقة قوّة في إطار جغرافيّ معيّن.
كشفت جولات القتال في جنوب اليمن بين قوات "المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعومة من الإمارات، والقوات الموالية لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، عن حجم التفكّك والتضعضع الذي أصاب قوى "التحالف" بقيادة السعودية. وإذا كانت تلك الجولات أفرزت واقعًا سياسيًا وعسكريًا جديدًا في الجنوب اليمني عامة، ومدينة عدن خاصة بما أنّها "العاصمة المؤقتة" لحكومة هادي، فإنّها في الوقت ذاته أرخت بظلالها على المسارين السياسي والعسكري لمستقبل الحرب على اليمن.
تعالج هذه الدراسة بصورة أساسية الإشكالية المتمثلة في السؤال الآتي: هل يمكن معالجة أزمة الدين من منظار مالي أو مالي/نقدي فقط دون التعامل مع الجوانب الاقتصادية للمشكلة مثل العجز التجاري والمالي، ودون النظر إلى أبعادها الإصلاحية مثل مراجعة النظام الضريبي؟ وهل الحل يكون تقنيًا في مجالي التحليل الاقتصادي الكلي والجزئي أم أنه محاط بعناصر الاقتصاد السياسي؟
أما الفرضية التي سننطلق منها فهي أن معادلة نمو الدين العام مكونة من جانب مالي ونقدي يتضمن معدل الفائدة والفائض الأولي في الميزانية العامة، ومن جانب اقتصادي يعبّر عنه النمو الحقيقي للناتج المحلي.
العنوان
بئرحسن - جادة الأسد - خلف الفانتزي وورلد - بناية الإنماء غروب - الطابق الأول
Baabda 10172010 Beirut – Lebanon P.O.Box: 24/47 وسائل الاتصال
متفرقات
|