يعالج هذا التقرير الاستراتيجي الخاص بعامي 2018 – 2019 قضية الدولة في المنطقة أو الوطن العربي من ناحية أبرز الأسئلة والتحديات المستجدة أمامها في هذه المرحلة إن الدولة الوطنية المقصودة في التقرير هي تلك الدولة المستقلة عن أية سلطة خارجية ودولة العدالة الاجتماعية في الداخل، فلا هي مرتهنة لمنظومة الهيمنة ولا خاضعة للقلة المتسلطة من رأس المال. وهي لا تعني الإقرار بالدولة القُطرية أو رفضها، إذ إن سؤال الدولة الأمة لا يمكن تغييبه، وقد تبرز أشكال من الوحدة الثنائية بين قُطرين أو أكثر، أو أشكال من التكامل والتعاون الموسع والمتدرج نحو الاندماج. واستعان التقرير بنخبة من الأكاديميين والباحثين من اختصاصات العلوم السياسية والعلاقات الدولية والقانون الدولي والاقتصاد والإعلام وعلم الاجتماع والفلسفة في معالجة موضوعات هذا التقرير الذي يضم إثنتي عشرة دراسةً وثماني مقالات وهم: ممدوح الشيخ، محمد علوش، عباس المرشد، ربيع بركات، علي نصار، عبد الحليم فضل الله، حسام مطر، علي عبد الله فضل الله، البر داغر، فؤاد إبراهيم، محمد عبد الشفيع عيسى، حسن سرور، الشيخ نعيم قاسم، صفية سعادة، شيرزاد احمد أمين النجار، عبد الحسين شعبان، حبيب فياض، عبد الأمير زاهد، سركيس أبو زيد، زياد حافظ.
ما تتعرّض له المنطقة العربية- الإسلامية، أو ما يُطلق عليه "الشرق الأوسط الكبير"، هو في سياق تحوّلات عميقة أوسع من المنطقة تعصف بالأسس التي رست عليها الدول والمنظومة الدولية في أعقاب الحرب العالمية الثانية. فما جرى التعارف عليه من مسلّمات في العقود التي تلت هذه الحرب، بشأن الدول "المستقلة ذات السيادة" في حدودها وفي بنيتها الاجتماعية ومنظومتها السياسية هي في إطار معادلات نتائج الحرب وإعادة تشكيل المنظومة الدولية التي تشمل منطقتنا ومناطق العالم في تلك المعادلات. وهو تشكيل ليس أبدياً بل له ما قبله وما بعده.
تعتبر هذه السطور أن التدخل الروسي في سوريا شكَّل الحدث الأهم لعامي 2015 و2016، نظراً للتداعيات الإقليمية والدولية التي أحدثها، وما زالت مفاعيلها تتوالى حتى كتابة هذه السطور. لقد أحدث التدخل الروسي انقلاباً كاملاً في موازين القوى الإقليمية، بحيث لم يعد مقتصراً على حماية النظام السوري، وإنما يشمل أيضاً ترتيب مستقبل المنطقة بشكل يضمن المصالح الروسية فيها.
يذهب بعض التقديرات السياسة والاستراتيجية إلى أن طبيعة التجاذبات في المنطقة، وخاصة ما يجري في سورية والعراق هي بمثابة "خط الصدع" في السياسة الإقليمية والدولية، وأن مخرجات ذلك الصراع سوف تمثل إلى حد كبير طبيعة النظام الإقليمي والدولي في المرحلة القادمة، وهذا يفسر حجم التجاذبات والرهانات ومدى التدخل والتورط في صراعات المنطقة.
إن أساس أي تعاون بناء ومتين هو الالتقاء على المصالح والمبادئ طويلة الأمد، المنبثقة من العوامل التاريخية الراسخة والثوابت الجيوسياسية والثقافية والاقتصادية المستمرة والخيارات العميقة ذات الصلة بالتقويم المشترك للمصلحة العامة.
من منظار صيني هناك ثلاث طبقات هامة من التحولات التي تُشكّل البيئة الإقليمية في غرب آسيا وشمال أفريقيا MENA منذ عام 2015.
إن البيئة العربية والإقليمية الشرق أوسطية قد تدهورت إلى حدّ بعيد في عامي 2015 / 2016 على الصعيد العربي شهدت الساحة مزيداً من اتجاهات التدمير الذاتي التي تلت مرحلة ديناميكية الفشل التي كانت قد أصابت الدول العربية بعد حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 ضدّ العدو الصهيوني والتي أدّت إلى السلام المنفصل بين مصر و"إسرائيل" بمعاهدة كامب ديفيد وأدّت كذلك إلى مزيد من الصراعات بين الدول العربية بشأن القضية الفلسطينية. وقد أدى ذلك إلى تمزيق لبنان بين 1975و1990 واحتلال إسرائيلي لمناطق واسعة في الجنوب اللبناني عام1978، ومن ثم اجتياح نصف لبنان عام 1982واحتلال بيروت.
شهد الشرق الأوسط، ولا سيما المنطقة المشرقية منه، بين عامي 2015 و2016، تحولات عميقة جاءت نتيجة تطورات ميدانية غ تّري مجريات الأحداث، وأعادت النظر في مواقف وسياسات اتبعتها أكثر من دولة إقليمية وأجنبية حيال المنطقة وبلدانها.
يتميز مشهد المنطقة العربية الإسلامية خلال العامين المنصرمين باختبار حاد للتحولات الإقليمية التي لا زالت تتفاعل بانتظار الوصول إلى لحظة توازن تعكس قوة الأطراف الأساسية وتحدد حصة كل منها في مستقبل المنطقة. ومن أبرز ملامح هذه التحولات، بدء انكفاء الجماعات الإرهابية في سوريا، والفشل السعودي في إخضاع إرادة الشعب اليمني بقوة الحديد والنار، والتراجع الواسع لتنظيم داعش في العراق وسوريا بجهود الجيوش الوطنية المدعومة بتشكيلات شعبية ومساندة متقدمة من الجمهورية الإسلامية في إيران، وأخيراً انطلاق الانتفاضة الشعبية المباركة في القدس والضفة الغربية التي أحيت الأمل بحضور الشعب الفلسطيني وتمسكه بخياراته الوطنية والقومية رغم الحصار والخذلان ومحاولات التطهير الصهيونية.
من الضروري الإشارة إلى أن المؤسسة الدينية التقليدية، والتيار الديني بتفرعاته المختلفة، في أضعف أوضاعه اليوم، وهو ليس مثلما يصور عادةً، صاحبَ نفوذٍ وقول، أو شريكًا في الحكم. على مر السنوات، منذ تأسيس الدولة السعودية الثالثة على يد الملك عبد العزيز، وحتى الآن، تم تقليص دور رجال الدين الوهابيين ونفوذهم. وهذا يعني أنهم لن يلعبوا دورًا مؤثرًا في ترجيح كفة طرفٍ على آخر في الصراع بين المحمدين، كما حصل في الصراع بين فيصل وسعود في ستينات القرن المنصرم، حين رجح بعض أفراد العائلة المالكة، والأميركيون، والمؤسسة الدينية، كفّة فيصل.
العنوان
بئرحسن - جادة الأسد - خلف الفانتزي وورلد - بناية الإنماء غروب - الطابق الأول
Baabda 10172010 Beirut – Lebanon P.O.Box: 24/47 وسائل الاتصال
متفرقات
|