أثبتت الحرب الروسية في أوكرانيا خلال العام 2022 عمق التحوّلات الجارية في النظام الدولي وكذلك مدى هشاشة منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا، أمنيًا واقتصاديًا وسياسيًا، تجاه تلك التحوّلات واندماجها فيها. فعلى الرغم من تراجع المنطقة في أولويّات السياسة الخارجية الأميركية، ما تزال ذات تأثير حيوي في صراع القوى الكبرى. في الإقليم نفسه تتواصل جملة من المراحل الانتقالية داخل الدول وبينها، ويشهد انزياحات في موازين القوى الجيوسياسية والجيواقتصادية إضافة لاستمرار التنافس المحتدم في مجال الأفكار والثقافة والهوّيات.

مع كل عام تزداد منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا تعقيدًا بفعل الفراغات والسيولة في موازين القوى وغياب الأطر الإقليمية وقساوة التدخلات الخارجية وفشل الدول والحكومات المركزية فيما المجتمعات تتقلّب على جمر الأزمات الاقتصادية ومشاكل التنمية وضعف التمثيل السياسي والتوسع الديموغرافي والتباينات الاجتماعية. وفي ظل هذه الوقائع البنيوية تصبح ملاحظة الاتجاهات الأساسية التي تسيطر على المشهد الإقليمي المفتاح الأساس لمحاولة تبصّر مالآت الأحداث لشهور مقبلة. ورغم ذلك تبقى المفاجأة الأساسية في منطقتنا هي أن لا تقع مفاجأة ما، وكان وباء كورونا العالمي مفاجأتنا الكبرى في العام الماضي. وينطلق هذا التقرير من سبعة اتجاهات أساسية سيكون لها الوزن الأكبر في تقدير مسار الأحداث للعام 2021.   

يُنشر هذا التقرير، وهو الثاني في سلسلة الاتجاهات الاستراتيجية، في ظروف إقليمية وعالمية متقلبة، حيث يلف الغموض النظام الاقليمي والعلاقات بين مراكز القوة في العالم، وتتأرجح تفاهمات وتسويات استغرق انجازها عقودًا عدة من الزمن. ويسود عدم اليقين أيضًا أوضاع الاقتصاد العالمي الذي يبحر في مياه مضطربة منذ أزمة 2008، وتتعمق أزمته بفعل اتساع قوس التوترات في العالم، وانقلاب ميزان المصالح بين المستفيدين من العولمة والمتضررين منها. وبقدر ما عمّق وباء كورونا المستجد الأزمات التي تمر بها المنطقة والعالم، فقد كشف عن ترهل دولها وضيق منظوراتها المستقبلية ورداءة استعدادها للتعامل مع القضايا الداهمة، وبيّن المخاطر الناتجة عن تداعي البنية التحتية الرعائية والتضامنية للدول.

هذا التقرير هو الأول في سلسلة ينوي المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق إعدادها وإصدارها سنويًا، وهو يأتي في سياق تنظيم آليات التفكير بالآفاق المستقبلية للمنطقة واتجاهاتها وتطوراتها المرتقبة، مع التركيز على مجال جيوسياسي يضم العالم العربي وغرب آسيا (AWWA) Arab World &West Asia. ويستحق هذا المجال متابعة وبحثًا دؤوبين، كونه يمثل بؤرة جاذبة للصراعات والمنافسات والتسويات العالمية، وتتصف أوضاعه بالسيولة وإعادة التشكل الدائمتين، وتتجاوز مخاطر أزماته وتأثيراتها حدود المنطقة إلى محيطها القريب والأبعد.