أولًا- مقدمة حول مفهوم وأهداف سياسة المحتوى المحلّي
لقد نتج عن العدوان الصهيوني الأخير على لبنان، ولفترة تزيد عن الشهرين بين 23 أيلول و27 تشرين الثاني 2024، خسائر مباشرة تمثلت في تدمير وتضرّر عشرات آلاف الوحدات السكنية والمؤسّسات الاقتصادية والاجتماعية والبنى التحتية والحقول والمحاصيل والمزروعات، وكذلك خسائر غير مباشرة منها ضياع إنتاج زراعي وصناعي وخسارة الصادرات وعائدات سياحية ومداخيل وإيرادات مالية عامة وتفويت استثمارات مباشرة وتدمير البيئة، لم يجر تقديرها وحصرها كلها بصورة نهائية حتى تاريخه. بالإضافة إلى خسارة الموارد البشرية المتمثلة في الوفيات والهجرة وارتفاع معدلات البطالة.
وعمومًا يتبين بحسب التجارب العالمية أن معدل تكلفة الخسائر الاقتصادية الناجمة عن أعمال العنف في الدول الأكثر تضرّرا من الحروب يقدر بحوالي 41% من ناتجها المحلّي .
وهذه الورقة تسلط الضوء على جانب من سياسات المحتوى المحلّي لاحتواء التحديات الاقتصادية، التي يتوقّع أن تترافق مع عملية إعادة إعمار وترميم الأضرار التي خلفها العدوان الصهيوني، وصولًا إلى تحويل هذه التحدّيات إلى فرص لتعزيز النمو الاقتصادي، خصوصًا في بلد كلبنان يعاني أساسًا من عجوزات مزمنة في ميزانه الجاري والموازنة العامة، ومن مديونية مرتفعة وشح في موجوداته الخارجية، بما لا يسمح له بالتوسع بالاقتراض لتغطية تكاليف عملية إعادة الإعمار.
وفي سبيل الحدّ من التأثيرات السلبية لهذه العملية، وتحويل التحدّيات التي تفرضها عملية إعادة الإعمار إلى فرص لزيادة وتسريع النمو الاقتصادي وخلق المزيد من الوظائف وتعزيز المداخيل، لا بل توطين خبرات وتقنيات عمل جديدة مستحدثة تؤدّي إلى زيادة المداخيل، بما يحد ليس فقط من الاعتماد على المساعدات الخارجية، وإنما تعويض الخسارة في الناتج المحلّي الناجمة سواء عن العدوان الصهيوني أو الأزمة المالية والاقتصادية الممتدة التي تعصف بالبلاد أصلًا. فإن هذه الورقة تدعو إلى إدماج مبادئ المحتوى المحلّي، التي نتناولها بالتفصيل فيما يلي، في السياسات والبرامج والإجراءات المتعلقة بشراء المواد والخدمات وتخطيط وتصميم وتنفيذ العمليات المتصلة بإعادة الإعمار والترميم.
ومن المعروف أن مبادئ المحتوى المحلّي، تنطلق في تصميم وتنفيذ سياسات وبرامج عملية إعادة الإعمار، من مفهوم أوسع لهذه العملية يتجاوز الموجودات المادية المدمرة إلى تمكين المجتمعات المتضرّرة، الحضرية والريفية من استعادة قدراتها الإنتاجية والاستهلاكية على السواء، تمهيدًا لإعادة إدماجها في دورة النشاط الاقتصادي بفاعلية أكبر على المستوى الوطني.
وهذه المبادئ تتضمن أيضًا آليات محدّدة تعطي الأولوية في توريد مستلزمات عملية إعادة الإعمار للصناعات والأعمال والموارد البشرية المحلّية. وذلك لضمان أن مردود عملية التعافي والقيمة المضافة المترتبة عليها تعود بالفائدة الآنية والمستقبلية، على المجتمعات والقطاعات المحلّية بالدرجة الأولى، خصوصًا في قطاعات رئيسية مثل التوظيف والبنى التحتية والصناعة والزراعة والخدمات والتنمية عمومًا.
وبذلك فإن الهدف الأبعد لسياسة المحتوى الداخلي يتمثل بغرضين رئيسيين هما: أولًا إيجاد الشروط والظروف الداخلية لإعادة تنشيط الاقتصاديات المحلّية، وتمكينها من خلق فرص عمل ووظائف جديدة. وثانيًا الحد من وطأة زيادة الاستيراد على الميزان الجاري وبالتالي على الموجودات الخارجية للدولة. مما يعني أن هذه السياسة تؤسس لتنمية اقتصادية محلية ديناميكية ومستدامة من جهة، وتدعم جهود الاستقرار المالي العام من جهة أخرى.
ثانيًا- مصفوفة المبادرات والإجراءات العملية لتطبيق سياسة المحتوى المحلّي
يوضح الرسم أدناه مجموعة المبادرات والإجراءات العملية لتطبيق سياسة المحتوى المحلّي، مع شرح مرفق له، وذلك دون أن تتحمل الدولة أية أعباء مالية مباشرة، على الشكل الآتي:
1) تشريعات ناظمة: وترمي هذه التشريعات إلى جذب المستثمرين ورجال الأعمال للتوظيف في المناطق المتضرّرة، سواء الحضرية أو الريفية حيث إمكانات المشاريع الزراعية والتصنيع الزراعي متوفرة. وذلك من أجل تسريع إعادة إعمار هذه المناطق بما فيه البنى التحتية وخلق فرص العمل فيها، وتوفير الاستقرار الاقتصادي في المدى المنظور. وتتمحور هذه التشريعات حول المسائل الآتية :
- تحديد السقف الأدنى في جميع صفقات إعادة الإعمار المتعلقة بالسلع والمواد والخدمات واليد العاملة، التي ينبغي توفيرها من مصادر محلية في حال توفرها بالمواصفات المطلوبة.
- تقديم حوافز ضريبية ودعم وتسهيلات للشركات والأعمال المنخرطة بعملية إعادة الإعمار، طوال فترة هذه العملية مقابل إعطاء الأولوية لاستخدام الموارد البشرية والمادية المحلّية في تلك العملية.
- تضمين دفاتر الشروط الخاصة بعمليات إعادة الإعمار أن يعود جزء ملحوظ من أعمال الشركات المتعاقدة بهذا الشأن، خصوصًا الأجنبية منها، بالفائدة على الأعمال والقوى العاملة المحلّية.
2) بناء المهارات البشرية: وضع برامج للتدريب المهني المعجل، بالتزامن مع انطلاق عملية إعادة الإعمار. وتكون مهمة هذه البرامج إعادة تأهيل وتطوير مهارات القوى العاملة المحلّية والمؤسسات المنخرطة في إعادة الإعمار والتنمية. وتصبح هذه البرامج أكثر ضرورة في ظل النقص المتوقّع في اليد العاملة المتخصصة، نتيجة عودة عشرات الآلاف من النازحين السوريين المقيمين في لبنان إلى وطنهم، مع انتفاء الأسباب السياسية والأمنية للنزوح.
ويمكن تنفيذ هذه البرامج المستعجلة بالتعاون مع معاهد محلّية للتعليم التقني، بحيث يفضي التدريب المكثف ضمن فترة زمنية قصيرة، إلى منح الخريجين في مجالات محدّدة (الكهرباء والنجارة والألمنيوم والسباكة والبناء والتأهيل الزراعي وتقنيات الزراعة الحديثة...) شهادات تؤكّد استيفاء حاملها لمعايير الأمان والجودة. وتكون الأفضلية في الاستفادة من التسهيلات والإعفاءات الحكومية للأعمال والشركات التي تستخدم هؤلاء الخريجين اللبنانيين.
3) العمل على نقل وتوطين التكنولوجيا: تعتبر عملية إعادة الإعمار بكل أبعادها فرصة لتشجيع نقل وتوطين التكنولوجيا، من خلال الشراكة سواء ضمن مشاريع مشتركة مع مقاولين عالميين محترفين أو مع منظمات غير حكومية وجهات دولية متخصصة. والعمل بهذا التوجه يساهم في بناء القدرات المحلّية، خصوصًا في أعمال وقطاعات مثل: البناء والطاقة والهندسة والتصنيع والبرمجة والتصميم وما إلى ذلك.
4) دعم المؤسسات الصغيرة: بما أن غالبية المؤسسات الاقتصادية القائمة في لبنان عمومًا والمناطق المتضرّرة خصوصًا، هي مؤسسات صغيرة بطبيعتها. وبما أن عمليات إعادة الإعمار والترميم تتطلب غالبًا خبرات بمستوى ومواصفات محدّدة، خصوصًا أن نسبة لا بأس بها من هذه العمليات نتوقّع أن تجري وفق مواصفات حديثة وجديدة تواكب التطوّرات، وليس كما كانت في الماضي، وبالتالي تستلزم قدرات تمويلية أكبر قد لا تتمكن من توفيرها العديد من المؤسسات المتضرّرة. مما يخلق فجوة كبيرة لا بد معها من تدخل طرف ثالث لجسر هذه الفجوة وتمكين هذه المؤسسات والأعمال من الحصول على التمويل المطلوب، أو حتى توفير المساعدة التقنية من مصادرها المتاحة محلّيًا وبأسعار مدروسة.
وهذا الطرف الثالث يمكن أن يكون على شكل صندوق تنموي محلّي خاص بعملية إعادة الإعمار. وتكون مهمته محصورة بتقديم القروض الميسرة للمؤسسات والأعمال الاقتصادية المتضرّرة والمدمرة، خصوصًا الصغيرة والمتوسطة القابلة للاستمرار والتطوّر، التي تحتاج إلى تمويل لإعادة البناء واستئناف نشاطها. وهذا الصندوق يكتسب أهمية خاصة في ظل تعاظم مخاطر التسليف والفوائد المرتفعة، بسبب الأوضاع الحالية للقطاع المصرفي اللبناني، وعدم الاستقرار السياسي. مما يشكل تحدّيًا كبيرًا لقطاعات الأعمال الصغيرة.
ويجري تأسيس الصندوق وفق واحدة من الصيغتين التاليتين: إما تحت إشراف مصرف لبنان، ويجري تمويل هذا الصندوق من خلال مصادر متعدّدة، منها: اعتمادات استثنائية تفتح لهذه الغاية في الموازنة العامة، القروض الميسرة والهبات من مؤسسات التمويل الإقليمية والدولية المتخصصة (كالصندوق الكويتي، والبنك الإسلامي ..)، تسديدات المؤسسات المقترضة نفسها. أو ضمن دائرة غير رسمية تحت إشراف مؤسسة القرض الحسن، ويجري تمويله من خلال المصادر الآتية: ميزانية يحدّدها حزب اللّه بالتعاون مع الجمهورية الإسلامية في إيران، وتسديدات المؤسّسات المستفيدة، وجزء من الأموال الشرعية، وتبرعات المتمولين في بلاد الاغتراب.
5) تطبيقات قانون الشراء العام: وذلك باعتماد سياسة تفضيلية في تنفيذ قانون الشراء العام، أولًا من خلال إعطاء الأعمال والشركات المحلّية، المستوفية لشروط المساهمة في إعادة الإعمار، أفضلية لكسب المناقصات وعقود تنفيذ المشاريع بهذا الخصوص، وثانيًا عبر تضمين دفاتر الشروط ضرورة استخدام نسبة محدّدة بالحد الأدنى من الموارد والمعدات المنتجة محلّيًا واليد العاملة المحلّية في مشاريع البناء، بما فيها المباني والطرق والجسور ومرافق الخدمات العامة. وذلك عملًا بالمواد التالية من القانون المذكور:
- مادة 14: تجزئة الشراء العام لمصلحة تشجيع المؤسّسات الصغيرة والمتوسطة.
- مادة 15: إعطاء حوافز للمؤسّسات الصغيرة والمتوسطة وللإنتاج المحلّي والخبرات الوطنية.
- مادة 16: منح أفضلية بنسبة 10% للسلع والخدمات الوطنية.
6) تكامل عمليات التنمية: دعوة الجهات المشرفة على عملية إعادة الإعمار المحلّية إلى التأكد من أن تصميم وتنفيذ السياسات والبرامج والإجراءات المتصلة بهذه العملية، يتكامل وينسجم مع استراتيجيات التنمية بشكلها الأوسع على الصعيد الوطني، بما في ذلك التصوّرات البعيدة المدى للبناء والنهوض الاقتصادي الوطني، لناحية التنويع الاقتصادي ورقمنة الأنشطة والقطاعات الاقتصادية، بالإضافة لتوليد فرص عمل جديدة.
وتندرج في هذا الإطار ضرورة إبقاء فرص وإمكانات نمو وتوسع قطاعات ذات أفضلية معينة للبنان عمومًا والمناطق المتضرّرة خصوصًا متاحة، وتملك ما يكفي من المرونة للتحول والتكيف تبعًا للتطورات المستقبلية. ومن هذه القطاعات على سبيل المثال: قطاعات التكنولوجيا والبحوث، وخدمات النقل والاتصالات والمال، والبنى التحتية الذكية، والطاقة البديلة، والزراعات الحديثة، والتي يعوّل عليها مستقبلًا في خلق فرص عمل جديدة ودفع النمو الاقتصادي.
7) التشبيك: ويقصد بذلك التشبيك مع موردين محلّيين للمواد الأولية ذات المنشأ المحلّي بغالبيتها، ممن يضمنون توفر هذه المواد بالمواصفات والزمان والمكان المحددين وبالأسعار المناسبة.
8) تعزيز الاستثمارات المباشرة (FDI): وهذا يتطلب مبادرات حكومية سريعة تواكب عملية إعادة الإعمار، من أجل تشجيع الاستثمارات المحلّية والأجنبية المباشرة لتعزيز قدرات التصنيع المحلّية ذات الصلة بعملية إعادة الإعمار، للحد من الاعتماد على المستوردات. ولمصرف لبنان دور رئيسي في هذا المجال، لناحية إدارة التدفقات الخارجية الضخمة المتوقعة من العملات الصعبة لتمويل عملية إعادة الإعمار، بما يخدم تعزيز الاستثمارات المباشرة من جهة، والحؤول دون الضغط سلبًا على الليرة من جهة أخرى.
ومن القدرات الصناعية المطلوب تطويرها وتفعيلها محلّيًا: صناعات الأسلاك والأنابيب، صناعات الحديد والألمنيوم، صناعات الزجاج والبلاستيك، صناعة المعدات والأدوات الكهربائية، صناعة الأخشاب، صناعة معدات النقل والتحميل والرافعات، صناعة الجرارات والأسمدة الزراعية..
وتجدر الإشارة أن أسواق هذه الصناعات لن تبقى محصورة في لبنان، بل ينتظرها مستقبل واعد للتوسع في أسواق دول ومناطق عربية مجاورة، لديها برامج ضخمة لإعادة الإعمار مثل سوريا والعراق. مما يمنح لبنان فرصة سانحة لا ينبغي تفويتها.
ولتعزيز المحتوى المحلّي في هذه الاستثمارات، يفترض أن تقترن التسهيلات الحكومية مع تعهد المستثمرين بتشغيل موظفين محلّيين واستخدام موارد محلّية متى كان ذلك متوافرًا.
9) دعم القطاعات الإنتاجية المتضرّرة: وهذا الأمر يتطلب تحركًا استثنائيًا للوزارات المعنية. ففي الزراعة لا بد من وقوف الوزارة عمليًا وبشتى السبل إلى جانب المزارعين المتضرّرين، ليس لتمكينهم من استئناف العمل في مزارعهم وحقولهم والحصول على الموارد اللازمة لاستعادة الإنتاج الزراعي المحلّي عافيته في أسرع وقت وحسب، بل لدعم استقرارهم في أرضهم أيضًا، خصوصًا أن قطاع الزراعة في المناطق المتضرّرة في الجنوب والبقاع يلعب دورًا رئيسيًا في تثبيت المواطنين في أرضهم، من خلال إيجاد فرص العمل اللائقة. بالإضافة إلى أهمية هذا القطاع في توفير الأمن الغذائي ورفع المستوى المعيشي وتعزيز الصادرات، وصولًا إلى تأمين الاستقرار المالي للبلاد عمومًا.
الأمر نفسه ينطبق على قطاعي الصناعة والبناء المحلّيين. فقطاع الصناعة يمكن أن يساهم بشكل فاعل في توفير جزء هام من المواد الأولية اللازمة لإعادة البناء، مثل الترابة والأسلاك الكهربائية والأحجار والأدوات الصحية والبلاط والدهانات والجفصين والبلاستيك والألمنيوم، بالإضافة إلى اليد الماهرة المحلّية في مختلف هذه المجالات.
كما أن الاستعانة بالخبرات المحلّية المتوفّرة في قطاع الخدمات، وتحديدًا الاتصالات والنقل والتصميم والديكور والطباعة الثلاثية الأبعاد وبرامج المعالجة الآلية، يعتبر أمرًا ملحًا في تطوير المحتوى المحلّي لعملية إعادة الإعمار.
10) مشاركة واحتضان المجتمعات المحلّية: تعتبر هذه العملية من الدعامات الأساسية في نجاح واستدامة سياسات وبرامج تعظيم المحتوى المحلّي. وهي تتضمن أبعادًا عدة، أبرزها ثلاثة على الشكل الآتي:
أولًا- عدم إغفال ضرورة إشراك المجتمعات المحلّية المتضرّرة والمعنية في تصميم البرامج والتدخلات، ومن ثم تصويب اتجاهات التنفيذ ميدانيًا. مما يساعد الجهات العليا القائمة بالتنفيذ ليس فقط في التأكد من أخذ الاحتياجات الآنية والتوجهات المستقبلية لهذه المجتمعات بعين الاعتبار، في مختلف مراحل عملية إعادة الإعمار، بل في تمكين هذه المجتمعات من الاعتياد على تحمل المسؤولية، وبالتالي تمكين الجهات المشرفة من تخفيف بعضًا من أعباء إعادة الإعمار عنها.
ثانيًا- الالتفات إلى أن العدوان الصهيوني الأخير المدمر وغير المسبوق، قد أحدث عاهات مستدامة لدى الآلاف من المواطنين ممن باتوا معوقين. ولذلك فإن سياسة المحتوى المحلّي تتطلب أيضًا من جهة، أن تلحظ برامج وسياسات إعادة إعمار المناطق والقطاعات المدمرة الاحتياجات الآنية والمستقبلية لهذه الفئة، لضمان استمرار اندماجهم في مجتمعهم، وبقائهم عناصر منتجة وفاعلة غير معطلة أو عالة على بيئتها. ومن جهة أخرى أن يتم إدماج وإشراك ما أمكن من الراغبين والقادرين من أفراد هذه الفئة، للمساهمة في عملية إعادة الإعمار بمختلف أشكالها.
ثالثًا- معالجة موضوعية ومتأنية ضمن برامج متخصّصة ومدروسة، لما أصاب النسيج الاجتماعي لبيئة المقاومة من تشوهات وندوب من جراء الضربة الصهيونية، يشكل تركها دون معالجة فورية خطرًا على مستقبل المقاومة ذاتها، ومنفذًا للمغرضين للعبث بساحتها.
11) في الحوكمة والشفافية، والمقصود هنا أمرين أساسيين هما:
أولًا- استحداث نظام للرقابة والإشراف من أجل تتبع إنفاق الأموال المخصصة لإعادة الإعمار في مختلف المناطق المتضرّرة، بصورة شفافة وعملية لضمان تحقيق الغاية من هذه العملية، خصوصًا أننا في بلد يعاني من ارتفاع مستويات الفساد والإهدار، وهو شهد تجربة سابقة من إعادة الإعمار خلال الفترة 1992-2000، تراوحت خلالها معدلات الفساد بين 20% إلى 70% من قيمة عقود الإعمار، أو ما يقدر بنحو مليار ونصف المليار دولار سنويًا في الفترة المشار إليها .
ثانيًا- تقييم دوري لتأثيرات ونتائج سياسات وبرامج إعادة الإعمار الجاري تنفيذها، من أجل التأكد من تحقيق أهدافها على مستوى تعظيم المحتوى المحلّي لهذه العملية، وبأن العملية تجري على أفضل وجه، وبالتالي العمل لتصحيح أي خلل يثبت وجوده.
ثالثًا – خارطة طريق لتنفيذ استراتيجية المحتوى المحلّي
1- الانطلاق من تقديرات حجم الأضرار على أنواعها في مختلف المناطق، من أجل تصنيف دقيق للمستلزمات المادية والبشرية والمالية المطلوبة لإعادة الإعمار والبناء ضمن فترة زمنية محدّدة، وبالتالي تحديد مصادر توفير هذه المستلزمات محلّيًا وخارجيًا.
2- حشد الطاقات المحلّية من خلال تكثيف اللقاءات وورش العمل المستمرة، من أجل تصميم وبلورة أطر واضحة ومشتركة لسياسات وبرامج المحتوى المحلّي. وذلك بمشاركة المؤسسات الحكومية المعنية (ومنها وزارات الزراعة والصناعة والبيئة والداخلية، ومجلس الإنماء والإعمار، والتنظيم المدني)، والقطاع الخاص المحلّي عبر هيئاته التمثيلية (مثل جمعية الصناعيين، وجمعية التجار، وتجمع المقاولين، والهيئات الزراعية)، ونقابات المهن الحرة والنقابات العمالية ( ومنها المحامين، والمهندسين، والأطباء، وأصحاب الاحتياجات الخاصة ..)، والبلديات والاتحادات البلدية، والهيئات غير الحكومية.
3- اختيار برامج تجريبية ذات أولوية في تعظيم المحتوى المحلّي لعملية إعادة الإعمار، لناحية استخدام الموارد واليد العاملة المحلّية، على أن يجري التوسع تدريجيًا في هذه البرامج أفقيًا وعاموديًا .
ويمكن في هذا المجال التواصل مع مؤسسات ومنظمات دولية وإقليمية (مثل الإسكوا وصناديق التنمية العربية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي -UNDP) والدول الصديقة والمنظمات غير الحكومية، للاستفادة من خبراتها في مجالات المحتوى المحلّي لعمليات إعادة الإعمار.
وعلى سبيل المثال، قد يكون مجديًا تخصيص برامج زراعية مستعجلة لإعادة تأهيل المزارع والحقول، التي تعرضت لعمليات قصف وتدمير إسرائيلي مكثف، خصوصًا في قرى وبلدات الحافة الأمامية على الحدود الجنوبية. بحيث تعطى الأولوية في المرحلة الأولى لقطاعات زراعية متضرّرة ذات ثقل في الاقتصاد الزراعي (تحدد بالاستناد إلى تقديرات الأضرار المشار إليها في البند 1 من خارطة الطريق أدناه)، كالتصنيع الزراعي والصناعات الحرفية والثروة الحيوانية وزراعة حقول وبساتين معينة، كالزيتون والبرتقال والموز في كل من الجنوب والبقاع. وبالتالي يتم حشد ما يلزم من طاقات وموارد ومساعدات محلية وخارجية للنهوض بهذه القطاعات، تحديدًا في هذه المرحلة.
ملحق رقم 1: تشريعات ناظمة ربطًا بعملية إعادة إعمار المناطق اللبنانية المتضرّرة من جراء العدوان الصهيوني
1) إصدار مرسوم مستعجل ينص على ما يلي:
أولًا- التطبيق التلقائي لمفاعيل ومدرجات قانون الاستثمار رقم 360 تاريخ 16/8/2001 على جميع مشاريع الاستثمار وإعادة الإعمار الجديدة والقديمة في المناطق اللبنانية المتضرّرة، في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لمدينة بيروت، من أجل تسهيل وتسريع عملية إعادة الإعمار في تلك المناطق التي تواجه تحديات وعقبات كبيرة جدًا في هذا المجال. وذلك بمعزل عن أحكام القانون المتصلة بحجم رأس المال ونوع المنتجات وتاريخ التأسيس.
ثانيًا- تنطبق على مشاريع الاستثمار وإعادة الإعمار الجديدة والقديمة في المناطق المذكورة أعلاه أحكام المرسوم الاشتراعي رقم 144 الصادر بتاريخ 12/6/1959، المتعلق بإعفاء الشركات الصناعية من الضرائب والرسوم.
ثالثًا- تنطبق أحكام الإعفاءات والحوافز الممنوحة للمنطقة الاقتصادية الخاصة في طرابلس على مشاريع الاستثمار وإعادة الإعمار الجديدة والقديمة في المناطق المذكورة أعلاه.
2) المباشرة فورًا بتأسيس مناطق اقتصادية خاصة تخدم عملية إعادة الإعمار في المناطق اللبنانية المتضرّرة، حيث تستفيد الأعمال والشركات المنشأة ضمن هذه المناطق من خدمات البنية التحتية المتوفرة فيها، ومن الإعفاءات والتسهيلات المشار إليها في البند 1 أعلاه، بالإضافة أن مستوردات وصادرات السلع والمنتجات من وإلى هذه المناطق وإجراءات التأسيس والتوظيف تكون معفاة من الرسوم والضرائب، شرط أن تكون هذه المناطق متخصصة بأنشطة اقتصادية محددة سلفًا وتعمل على توطين أساليب عمل جديدة، وتشكل اليد العاملة المحلّية الجزء الأساسي من العاملين فيها.
ويمكن أن تتوزع هذه المناطق جغرافيًا بالاستناد إلى المعطيات المتوفرة عن أملاك الدولة والأملاك البلدية، للحد من كلفة المشروع. وعلى أية حال تتوفّر في العديد من المناطق نوى لقواعد صناعية، يمكن الانطلاق منها لتأسيس مناطق اقتصادية خاصة، على سبيل المثال مناطق الشويفات-العمروسية في الضاحية الجنوبية، والزهراني-الغازية في الجنوب. كما أن مناطق أخرى متضرّرة بشدة في الجنوب تكاد تكون معزولة عن دورة النشاط الاقتصادي على الصعيد الوطني، وهي مهددة من قبل الاحتلال الإسرائيلي مثل منطقة عيناثا-بنت جبيل، بحيث أن إقامة منطقة اقتصادية فيها يساهم في تعافيها الاقتصادي وتثبيت السكان في أرضهم. أما في البقاع نجد أن مناطق مثل الهرمل-القاع، وبريتال-النبي شيت ربما تكون مؤهلة لمشروع إقامة منطقة اقتصادية خاصة، نظرًا لرخص أسعار الأراضي نسبيًا وتوفر المساحات الكافية والقرب من الحدود البرية مع سوريا.
3) بالنظر إلى ضعف الإمكانات المالية والمادية واللوجستية لدى الدولة اللبنانية، وبسبب حجم الدمار الذي لحق بالكثير من البنى التحتية ومرافق الخدمات العامة، التي تعاني أصلًا من الترهل والضعف، والتي يتطلب إعادة إعمارها وتحديثها سريعًا، خبرات وإمكانات ذات ديناميكية وفعالية عالية، فإننا نؤكد على ضرورة تحرك مجلس الوزراء لإطلاق ورش وحلقات نقاش تشريعية عاجلة بهدف تسريع عملية إحياء وتعديل قانون تنظيم العلاقة بين القطاعين العام والخاص رقم 48 تاريخ 7 / 9 /2017. وذلك من أجل تبسيط إجراءاته حتى يصبح قابلًا للتطبيق، وقادرًا على جذب المستثمرين، خصوصًا بما يتناسب مع المشاريع المتوسطة والصغيرة نسبيًا في المناطق المتضرّرة أعلاه. كما ينبغي العمل أيضًا في موازاة ذلك على تشكيل المجلس الأعلى للخصخصة والشراكة، وتعيين أمين عام جديد له بعد انتهاء ولاية أمينه العام السابق زياد حايك.
4) حسم موضوع إقرار تشريعات وقوانين الضم والفرز في المناطق الريفية المتضرّرة في الجنوب والبقاع. وذلك نظرًا لأهمية هذه التشريعات في تسريع عملية تعافي هذه المناطق وتشجيع الاستثمار فيها. كما أن العقبات القانونية الناجمة عن غياب التنظيم العقاري في بعض هذه المناطق قد يعرقل عملية تعويض الأضرار بحد ذاتها.
5) قيام التنظيم المدني بنشر مخططات توجيهية توضح استخدامات الأراضي، خصوصًا في المناطق المتضرّرة من أجل ضبط ومنع استغلال عملية إعادة إعمار هذه المناطق، أو تشويه المجال البيئي. بالإضافة إلى أهمية هذه المخططات في توجيه المستثمرين.
6) إنشاء الوكالة الوطنية لتشجيع الاستثمار في المناطق المتضرّرة، أو توسيع صلاحيات المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات (إيدال)، لاتخاذ الإجراءات المناسبة من أجل تحفيز الاستثمار المباشر وإعادة الإعمار في المناطق المتضرّرة في بيروت والجنوب والبقاع. ومن أجل تحقيق هذه الغاية تتولى هذه الوكالة التنسيق مع الهيئات والأطر الإدارية المعنية، مثل الهيئة العليا للإغاثة ومجلس الإنماء والإعمار واتحادات البلديات والتنظيم المدني في وزارة الأشغال والمحافظين والقائمقامين، لا سيما في المجالات التي تتطلب تقديم الدعم والمعلومات وتسهيل الحصول على الخدمات والرخص وتذليل العقبات أمام المستثمرين المحلّيين والأجانب، بعيدًا عن البيروقراطية المعهودة.
ملحق رقم 2: مشاريع تجريبية رائدة لخدمة عملية إعادة إعمار، وتنشيط الدورة الاقتصادية للمناطق المتضرّرة
&l
Tags:
العنوان
بئرحسن - جادة الأسد - خلف الفانتزي وورلد - بناية الإنماء غروب - الطابق الأول
Baabda 10172010 Beirut – Lebanon P.O.Box: 24/47 وسائل الاتصال
متفرقات
|