كتابات الموقع > حسب العنوان > مقالات> مقالات | الطبيعة القانونية للاحتياطي الإلزامي وتوظيفات المصارف الإلزامية / الدكتور حسين العزي - أيار 2021
مقالات | الطبيعة القانونية للاحتياطي الإلزامي وتوظيفات المصارف الإلزامية / الدكتور حسين العزي - أيار 2021
د. حسين العزي

يحظى موضوع الاحتياطي الإلزامي وما يشبهه من إيداعات نقدية لدى المصرف المركزي باهتمام متزايد عند الباحثين وغيرهم، إذ فرض الواقع الاقتصادي - المالي المتدهور مجموعة من المعضلات التي تحتاج إلى حلول سريعة وأيضًا مجموعة من التساؤلات التي تحتاج إلى إجابة موضوعية على ضوء القوانين المرعية الإجراء والممارسات العملية السابقة في الأوضاع مماثلة مرّت على لبنان.
ومن أبرز القضايا الملحّة اليوم مسألة الاحتياطي الإلزامي بالعملة الوطنية وتوظيفات المصارف الإلزامية لدى المصرف المركزي فضلًا عن ودائع المواطنين في المصارف اللبنانية. فما هي الطبيعة القانونية لجميع تلك الايداعات؟ وهل هي متشابهة أم تتباين فيما بينها؟ وماهي القواعد القانونية التي ترعى المعاملات الخاصة بها؟
في هذه الورقة سنحاول مقاربة موضوع التوظيفات الإلزامية للمصارف اللبنانية لدى المصرف المركزي، محددين طبيعتها القانونية مقارنة بالاحتياطي الإلزامي بالعملة الوطنية، وذلك استنادًا لقانون النقد والتسليف اللبناني وجميع النصوص المعنية من قرارات أساسية وتعاميم صادرة عن حاكم مصرف لبنان.

أولًا: الأساس القانوني الخاص بالتوظيفات الإلزامية للمصارف لدى المصرف المركزي.
أ: تعميم أساسي رقم 86 / القرار الأساسي 7926 / 2001 المعنون بـ " توظيفات المصارف الإلزامية".

بناءً على قانون النقد والتسليف ولاسيما المواد 79 و174 و177 منه؛
المادة الأولى:
1- على المصارف كافة العاملة في لبنان أن تودع لدى مصرف لبنان، لقاء الفوائد التي يمنحها هذا الأخير على الودائع لديه لأجل بالعملات الأجنبية، نسبة 15% من العناصر التالية المكونة بالعملات الأجنبية:
- جميع أنواع الودائع التي تتلقاها مهما كانت طبيعتها.
- سندات الدين وشهادات الإيداع والشهادات المصرفية التي تصدرها والقروض التي تستحصل عليها من القطاع المالي ولم يبق على تاريخ استحقاق كل منها سوى سنة أو أقل.
2- ملغاة بموجب القرار الوسيط رقم 9029 /2005.
3- تحتسب النسبة المذكورة في هذه المادة وفقًا لنفس المهل وطريقة احتساب الاحتياطي الالزامي النقدي بالليرة اللبنانية، كما هي محددة في النصوص التنظيمية الصادرة عن مصرف لبنان.
ب: الأساس القانوني للتوظيفات الإلزامية الوارد في قانون النقد والتسليف:
ورد في بناءات القرار الأساسي محل البحث، انه استند الى المادة 76 فقرة "و" والمادة 77 (مصححة إلى 79) و174 من قانون النقد والتسليف: فما هي مضامينها:
- المادة 76 / و:
-    أن يقبل، في ضوء الحالة النقدية العامة ودائع لقاء فوائد يحددها المصرف.

- المادة 79-معدلة وفقا للمرسوم 6102 تاريخ 5/10/1973
-    يمكن المصرف المركزي أن يعمل أيضًا على التأثير في أوضاع التسليف العامة وذلك بتحديد حجم التسليف من انواع معينة او الممنوح لأغراض معينة او لقطاعات معينة، وبتنظيم شروط هذا التسليف.

- المادة 174-معدلة وفقا للمرسوم 6102 تاريخ 5/10/1973
-    للمصرف المركزي صلاحية اعطاء التوصيات واستخدام الوسائل التي من شأنها أن تؤمّن تسيير عمل مصرفي سليم.
-    يمكن أن تكون هذه التوصيات والوسائل شاملة او فردية.
-    وللمصرف المركزي خاصة بعد استطلاع رأي جمعية مصارف لبنان أن يضع التنظيمات العامة الضرورية لتأمين حسن علاقة المصارف بمودعيها وعملائها.
-    كما أن له أن يحدّد ويعدّل كلما رأى ذلك ضروريًا قواعد تسيير العمل التي على المصارف أن تتقيّد بها حفاظًا على حالة سيولتها وملاءتها.

ثانيًا: الأساس القانوني الخاص بالاحتياطي الإلزامي بالعملة الوطنية
أ: تعميم أساسي رقم 84 / القرار الأساسي رقم 7835 الصادر بتاريخ 2 /6/2001.

نص التعميم على الآتي:
بناءً على قانون النقد والتسليف ولا سيما المواد 70، 76، 77، 78، 79، و174.
أولًا: الالتزامات الخاضعة للاحتياطي الإلزامي:
المادة الأولى: تحديد الالتزامات الخاضعة للاحتياطي الإلزامي: ....
ثانيًا: الاحتياطي الإلزامي النقدي.
المادة الثالثة: نسبة الاحتياطي الالزامي النقدي
1- يفرض على المصارف العاملة في لبنان، باستثناء مصارف الأعمال ومصارف التسليف المتوسط والطويل الأجل، تكوين احتياطي الزامي نقدي لدى مصرف لبنان على مجموع الالتزامات الصافية بالليرة اللبنانية الخاضعة للاحتياطي الإلزامي (أي بعد إجراء التنزيلات المسموح بها من الالتزامات) وذلك على الشكل التالي:
أ- بنسبة خمس وعشرين بالماية (25%) من المتوسط الأسبوعي لمجموع الالتزامات تحت الطلب.
ب- بنسبة خمس عشرة بالماية (15%) من المتوسط الأسبوعي لمجموع الالتزامات لأجل معين.
2- ....

-  المادة 76-معدلة وفقا للقانون رقم 28/67 تاريخ 9/5/1967 والمرسوم 6102 تاريخ 5/10/1973) من قانون النقد والتسليف:
يُخوّل المصرف المركزي، إبقاءً على الانسجام بين السيولة المصرفية وحجم التسليف وبين مهمته العامة المنصوص عليها بالمادة 70، صلاحية اتخاذ جميع التدابير التي يراها ملائمة وخاصة التدابير التالية التي يمكنه اتخاذها منفردة أو مجتمعة أو مع التدابير المنصوص عليها في الباب الثالث من هذا القانون:
أ‌-    تحديد وتعديل معدلات الحسم وحدوده القصوى وكذلك معدلات الاعتمادات الأخرى المجاز له منحها للمصارف وللمؤسسات المالية وحدودها القصوى.
ب‌-    اللجوء للعمليات المشار اليها بالمادة 75.
ج- شراء وبيع السندات في السوق الحرة وفقا للمواد 106و107و108.
د- إلزام المصارف بان تودع لديه أموالًا (احتياطي أدنى) حتى نسبة معينة من التزاماتها الناجمة عن الودائع والاموال المستقرضة التي يحددها "المصرف" باستثناء التزاماتها من النوع ذاته تجاه مصارف أخرى ملزمة أيضًا بإيداع الأموال الاحتياطية هذه.
"ويمكن للمصرف المركزي أن يعتبر، إذا رأى ذلك مناسبًا، توظيفات المصارف في سندات حكومية او سندات مصدرة بكفالة الحكومة كجزء من الاحتياطي حتى نسبة معينة يعود له امر تحديدها.
هـ- إلزام المصارف بأن تودع لديه أموالًا (احتياطًا أدنى خاصًا) حتى نسبة معينة من الموجودات التي يحددها المصرف.
و- أن يقبل، في ضوء الحالة النقدية العامة ودائع لقاء فوائد يحددها المصرف.

تستدعي قراءة هذه النصوص القانونية التوقّف عند بعض الملاحظات ليُبنى على الشيء مقتضاه
ومنها:
 
1- إلغاء هذا الإيداع للتوظيفات الإلزامية بالعملة الأجنبية والعملة الوطنية بموجب قرار أساسي رقم 13217 الصادر في نيسان 2020.
2- لماذا تغيّرت التسمية إلى توظيفات إلزامية بموجب القرار الوسيط الصادر عن حاكمية المصرف المركزي رقم 8371 للعام 2003، وما هي التسمية القديمة؟
3- هل هناك فرق في الطبيعة القانونية لهذه الايداعات المصرفية بالعملة الأجنبية "التوظيفات" وبين الاحتياطي الإلزامي؟
لقد انقسمت الكتابات بشأن الطبيعة القانونية، فمنها ما لم يميّز بينهما واعتبرهما ودائع نقدية، وبالتالي يقعان هذه الودائع ضمن عقود عارية الاستهلاك (عقد انتفاع من الشيء المودع) ما يعني أن ملكية هذه التوظيفات بالعملة الأجنبية للمصرف المركزي مع ما يستتبع ذلك من حرية تصرف، بشرط اعادتها الى أصحابها في الأجل المحدد، وذلك سندًا للمادة 691 من قانون الموجبات والعقود ونصها "إذا كانت الوديعة مبلغًا من النقود أو أشياء من المثليات، وأُذن للوديع في استعمالها، عُدّ العقد بمثابة عارية استهلاك".
بعضها الآخر ميّز بين الايداعات الاختيارية (الارادية) واعتبرها خاضعة لأحكام عارية الاستهلاك، بينما الايداعات المفروضة بحكم القانون هي أمانة لدى المصرف المركزي ولا يحق له التصرف بها بتاتًا تحت طائلة جرم إساءة الأمانة، أو خاضعة لعقود الوديعة بشرط ان تكون بلا أجر، والا تحوّلت الى عقد مقاولة، وبالتالي ساوى بينها وبين الاحتياطي الإلزامي بالعملة الوطنية لجهة الطبيعة القانونية معتبرًا أنه لا يحق للمصرف المركزي التصرف بها، وذلك  لأن التعميمين المذكورين قد اشتركا بالاستناد إلى نص الماد 174 من قانون النقد والتسليف، وقد خلص هذا الرأي إلى أن موجب إيداع الأموال لدى مصرف لبنان – أكان حاصلًا تحت تسمية الاحتياطي الإلزامي بالنسبة للودائع بالليرة اللبنانية، أم تحت تسمية التوظيفات الإلزامية بالنسبة للودائع بالدولار الأميركي – إنما يهدف إلى الحفاظ على سيولة المصارف المودعة وملاءتها. وهذا يعني أنه لا يجوز لمصرف لبنان استعمال هذه الأموال أو التصرف بها، لأن ذلك يتعارض مع موجب محافظته على ملاءة المصارف وسيولتها وعلى مهمته بالمحافظة على سلامة أوضاع النظام المصرفي (المادة 70 من قانون النقد والتسليف).


ولكن، برأينا أن السؤال الأساس الذي يحتاج الى إجابة هو: هل أن ما سماه القرار الأساسي بتوظيفات مصرفية الزامية (15%) بالعملات الأجنبية، تدخل ضمن توصيف الاحتياطي الالزامي المنصوص عليه بموجب القرار الأساسي رقم 7835؟
للإجابة نورد الآتي:
أولًا: في اختلاف الطبيعة القانونية بين التوظيفات الإلزامية وبين الاحتياطي الالزامي بالعملة الوطنية

إن قراءة متأنية للقرارات الأساسية ذات الصلة (7926، 7693، 7835) وكذلك لسندها القانوني في مواد قانون النقد والتسليف تسمح من الناحية القانونية الموضوعية البحتة باستنتاج الآتي:
في العبارات المستخدمة في صياغة القرار الأساسي رقم 7926 الخاص بتوظيفات المصارف الإلزامية مقارنة بنص القرار الأساسي الخاص بتكوين احتياطي الزامي بالعملة الوطنية؛
ينص القرار 7926: على المصارف ... أن تودع لدى مصرف لبنان، لقاء الفوائد ... بالعملات الأجنبية
بينما جاء القرار 7835 بصياغة مختلفة وهي: يفرض على المصارف العاملة في لبنان، ...  تكوين احتياطي الزامي نقدي ... بالليرة اللبنانية.
إن استعمال عبارة تودع، وليس "يفرض"، تفيد بأن هذه التوظيفات المصرفية الإلزامية (15%) هي ودائع، وبالتالي تخضع لأحكام عقد الوديعة، الأمر الذي يصح معه وصفها بعقد عارية استهلاك، ما يعني ان الأموال المودعة كتوظيفات الزامية تنتقل ملكيتها للمصرف المركزي ويحق له التصرف بها، بشرط إعادتها أو إعادة قيمتها بالعملة الوطنية استنادًا لنص لمادة 307 تجارة الآتي: "إن المصرف الذي يتلقى على سبيل الوديعة مبلغًا من النقود يصبح مالكًا له، ويجب عليه أن يردّه بقيمة تعادله دفعة واحدة أو عدة دفعات، عند أول طلب من المودع او بحسب شروط المهل او الاعلان المسبق المعينة في العقد.
وايضًا استنادًا للمادة 301 من قانون التجارة البرية على ما سيجري تفصيله أدناه.
وعلاوة على ذلك، يمكن للمصرف المركزي تعديل نسبة (15%) زيادة أو نقصانًا، كما يمكن له إلغاء هذا الموجب بإعفاء المصارف من تلك التوظيفات المالية بالعملات الأجنبية، وذلك في سياق دور مصرف لبنان كناظم للسياسة النقدية وناظم للعلاقة بينه وبين المصارف لجهة الحفاظ على السيولة والملاءة لدى المصارف، وهذا ما فعله بموجب القرار الأساسي رقم 13217 المعدل بقرار وسيط رقم 13226 للعام 2020. واللافت بالأمر أن القرار الوسيط رقم 13226 للعام 2020، الذي نصّ على الإعفاءات المذكورة، جاء معنونًا بـ " إعفاءات استثنائية من الاحتياطي الإلزامي ومن توظيفات المصارف الإلزامية" ما يؤكد أنهما ليسا شيئًا واحدًا بل إنهما مختلفان من حيث الطبيعة القانونية. وبالتالي نرجّح أن تخضع التوظيفات الإلزامية لأحكام الودائع العادية النقدية، وتطبق عليها أحكام عارية الاستهلاك.

 
كما يمكن له أن يخفّض نسبة تلك التوظيفات المودعة لديه من 15% الى 10 % بموجب قرار أساسي، وخاصة انه أعفي المصارف من هذا الموجب في العام 2020. وبتخفيض تلك النسبة يكون قد حرّر جزءًا يسيرًا من 18 مليار دولار، وبالتالي استعمله في ترشيد الدعم وفقًا لسياسة واضحة وسليمة مختلفة عما هو مطبق حاليًا.
ولمزيد من التأكيد على ما تقدّم، ينبغي الاستفادة خلافًا لرأي بعض القانونيين، من نص المادة 76 الفقرة الأولى للاستنتاج الآتي:


نص الفقرة "د" من المادة 76:
"ويمكن للمصرف المركزي أن يعتبر، إذا رأى ذلك مناسبًا، توظيفات المصارف في سندات حكومية أو سندات مصدرة بكفالة الحكومة كجزء من الاحتياطي حتى نسبة معينة يعود له أمر تحديدها".
لذا، يستفاد من نص الفقرة "د"  إن التوظيفات المصرفية الإلزامية المنصوص عليها بالقرار الأساسي رقم 7926/ 2001 لا تدخل من حيث المبدأ ضمن " الاحتياطي الزامي، إلا اذا رأي المصرف ذلك مناسبًا، بدليل استعماله لعبارة كجزء من الاحتياطي ، "إذ يستفاد من ورود حرف "ك" للتشبيه، أن التوظيفات الالزامية بالعملة الأجنبية الموظفة في سندات الحكومية لا تدخل في الأصل ضمن نطاق "الاحتياطي الالزامي"، بل يمكن اعتبارها كذلك استنادًا للسلطة الاستنسابية للمصرف المركزي، ما يعني أن الاحتياطي الالزامي والتوظيفات بالعملة الأجنبية هما فئتان مختلفتان وليسا شيئًا واحدًا، وبالتالي تكون توظيفات المصارف بالعملات الأجنبية لدى المصرف المركزي هي توظيفات كما يستفاد من تسميتها ومن دورها الوظيفي لدى المصرف المركزي، وهي خاضعة لأحكام الودائع المصرفية العادية، والتي يجوز للمصرف المركزي التصرف بها بشرط إعادتها بالعملة الأجنبية أو بالعملة الوطنية وفقًا للتفصيل الآتي.
ثانياُ: إمكانية إعادة توظيفات المصارف لدى المصرف المركزي بالعملة الأجنبية أو بما يعادلها بالعملة الوطنية
.
تنص قوانين النقد والتسليف وقانون الموجبات والعقود وقانون التجارة البرية على إلزامية قبول الإيفاء بالليرة اللبنانية، أيًا تكن العملة التي حرّر بها العقد، إذا كان الدفع يجب أن يحصل في لبنان.
حيث نصّ قانون النقد والتسليف في المادة 7: (عدلت بموجب قانون 361/1994).
"للأوراق النقدية التي تساوي قيمتها الخمسماية ليرة وما فوق قوة إبرائية غير محدودة في أراضي الجمهورية اللبنانية".
ما يعني أن العملة اللبنانية من الفئة المذكورة يمكن استخدامها في أي عملية إيفاء.

ومن لا يقبل الليرة اللبنانية يعاقب سندًا للمادة 192 التي تنص على أن:
المادة 192: تطبق على من يمتنع عن قبول العملة اللبنانية بالشروط المحددة في المادتين 7 و8 (حسب فئات العملة) العقوبات المنصوص عليها في المادة 319 من قانون العقوبات.

أما قانون الموجبات والعقود فيطلق حرية التعاقد لكن بشروط، فقد نصت المادة 166 على ما يأتي:
المادة 166: إن قانون العقود خاضع لمبدأ حرية التعاقد، فللأفراد أن يرتبوا علاقاتهم القانونية كما يشاؤون بشرط أن يراعوا مقتضى النظام العام والآداب العامة والأحكام القانونية التي لها صفة الزامية.
إلا أن المادة 221 تشترط حسن النية في تنفيذ العقود.
ما يسمح بنوع من المرونة فيما يخص التنفيذ بين الدولار والليرة اللبنانية أو بنوع من التسوية، لكن الدفع ليس إلزاميًا إلا بالليرة اللبنانية في حال عدم الاتفاق الودي، وذلك سندًا للمادة 301 التي تنص
على أنه عندما يكون الدين مبلغًا من النقود، يجب إيفاؤه من عملة البلاد وفي الزمن العادي، حين لا يكون التعامل إجباريًا بعملة الورق، يظل المتعاقدون أحرارًا في اشتراط الإيفاء نقودًا معدنية معينة أو عملية أجنبية.
ولكن التعامل بالعملة الورقية في وقتنا الراهن إجباري، لأن النص المذكور وضع في زمن كان التعامل بالعملة الورقية يشكل استثناءً وليس الأصل، خلافًا ليومنا هذا.
كما يؤكد قانون التجارة البرية إلزامية قبول الليرة اللبنانية أيًا تكن العملة التي حرر بها العقد فقد جاء في المادة 356 التي نصت إذا كتب في سند السحب أنه قابل للإيفاء بعملة غير متداولة في محل الإيفاء فيجوز أن تدفع قيمته بعملة البلاد حسب سعرها في يوم الاستحقاق. وإذا تأخر المدين فيجوز لحامل السند أن يطلب حسب اختياره دفع قيمة السند بعملة البلاد أما بحسب سعرها في يوم الاستحقاق وأما بحسب سعرها في يوم الدفع.


تحدد قيمة العملة الأجنبية بحسب العرف المرعي في محل الإيفاء على أن الساحب يمكنه أن يشترط أن القيمة تحسب وفقًا لسعر معين في السند.
بيد أن القواعد المبينة فيما تقدم لا تطبق عندما يشترط الساحب أن الإيفاء يجب أن يتم بعملة معينة (شرط الإيفاء الفعلي بعملة أجنبية).
وإذا كانت قيمة السند معينة بعملة لها تسمية واحدة في محل إصدار السند ومحل إيفائه ولكن قيمتها تختلف في هذين المحلين، فيقدر حصول الاتفاق على عملة محل الإيفاء.
إذًا هي تسمح في مادة سندات السحب باشتراط سعر معين للعملة الأجنبية أو الدفع بعملة أجنبية، لكن هذا ينطبق مبدئيًا على التجارة، لأنها واردة في قانون التجارة. إذًا هي قاعدة خاصة تسري في مواجهة القاعدة العامة استثناءً عليها ولا تعمم.
ولا يمكن تطبيقها في عقود أخرى.
رأينا خلافًا لبعض الآراء المطروحة، هو أن إيفاء المستحقات بالدولار يمكن، من حيث المبدأ، أن يجري بالليرة اللبنانية، لكن على أساس قيمتها الفعلية بالنسبة إلى الدولار. كما ورد في الفقرة الثانية من المادة 356 من قانون التجارة البرية أي "بحسب العرف المرعي في محل الإيفاء".
إلا أن ذلك في الظروف المماثلة للوضع الحالي قد يتعارض مع إحدى مهام المصرف الواردة في المادة (70) من قانون النقد والتسليف، والتي تقضي بالحفاظ على سلامة النقد اللبناني وخاصة إذا ما كان الإيفاء على نطاق واسع وغير مغطى بأصول خارجية، كما قد يتعارض أيضًا مع مصالح المودعين الذين يستحقون استعادة ودائعهم بقيمتها الحقيقية.
أما فيما يتعلق بالمستحقات بالليرة فهي تسدد بالليرة حسب اجتهاد القضاء رغم ما في ذلك من إجحاف عندما يتبدل سعر العملة بشكل كبير، ما يسمح لنا شخصيًا بالقول: "إنه يجب أن يؤخذ بالحسبان ما يطرأ على سعر الليرة في هذه الحالة".


وعليه، نخلص إلى الآتي:

  •    إنه يجب عدم الخلط بين مصطلحي "الاحتياطي الالزامي" وهو الاحتياطي الالزامي المفروض تكوينه بالعملة الوطنية لدى المصرف المركزي بموجب القرار الأساسي رقم 7835/2001 وبين "توظيفات المصارف الإلزامية" المنظمة بموجب القرار الأساسي رقم 7926 /2001 والتي تمّ إعفاء المصارف منها في العام 2020، فهما شيئان مختلفان من حيث الطبيعة والدور الوظيفي.
  •    إن التوظيفات الإلزامية للمصارف ما هي إلا ودائع لدى المصرف المركزي وتخضع لأحكام الودائع المنصوص عليها في قوانين النقد والتسليف والتجارة البرية والموجبات والعقود.
  •    يمكن للمصرف المركزي أن يتصرف بتلك التوظيفات الموجودة لديه بالعملات الأجنبية بشرط إعادتها أو إعادة قيمتها بالعملة الوطنية وفقًا للسعر الرائج الخاضع لآلية العرض والطلب.

* أستاذ جامعي وباحث قانوني.





  • مقالات ذات صلة

  • العنوان

    بئرحسن - جادة الأسد - خلف الفانتزي وورلد - بناية الإنماء غروب - الطابق الأول
    Baabda 10172010
    Beirut – Lebanon
    P.O.Box: 24/47

    وسائل الاتصال

    Tel: +961-1-836610
    Fax: +961-1-836611
    Cell: +961-3-833438
    info@dirasat.net

    التواصل الاجتماعي