كتابات الموقع > حسب العنوان > مقالات> مقالات | التكامل بين لبنان وسوريا والعراق نموذج مثلّثات النمو - آب 2024
مقالات | التكامل بين لبنان وسوريا والعراق نموذج مثلّثات النمو - آب 2024
د. عبد الحليم فضل الله*

 نشرت بتاريخ "26 آب 2024"

تستحق التنمية في بلادنا نظرة ثانية بسبب خصوصية أوضاعها وتكرّر أزماتها وفرادة تكوينها. ففي القرن الماضي رُسمت الحدود الوطنية في المنطقة على نحو مغاير للحدود الاقتصاديّة المناسبة للتنمية، وهذا جعل التكامل وتعميق أواصر الصلة بين البلدان حبل النجاة لا غنى عنه لبلوغ حدٍّ أدنى من الازدهار. وأدّت النظم السياسية للدول دورًا محبطًا للتنمية، فهي إمّا قامت على مؤسسات مركزيّة استحواذيّة وريعيّة تحبط حوافز الإنتاج، أو اتصفت بلامركزيّة قريبة من الفوضى. وفي العموم كان التاريخ السياسي والاقتصادي للمنطقة وتعرضها لتدخل خارجي كثيف، سببًا في إخفاق التنمية على المستوى الوطني، ليكون التعاون الإقليمي القائم على التكامل بوابة خروج من ظروف التبعية ذات الاتجاه الواحد، ومن التخلّف العائم على بحرٍ من الموارد البشرية والماديّة الوفيرة.


لكن طريق التكامل محفوف بتحدّيات وعقبات يصعب تجاوزها. ونقصد به التكامل الشامل والرسمي الذي يقوم بين اقتصادين أو أكثر. لقد خاضت الدول العربيّة هذه التجربة منذ الاستقلال ومهّدت لها بخطوات قانونية ومؤسساتيّة، وعقدت من أجلها اتفاقات ومعاهدات، لكن المحصّلة كانت أقرب إلى الإخفاق والفشل. ومرّد ذلك فيما يمكن حصره من أسباب، إلى ضعف التوافق على خوض تجربة المشاريع الكبرى المشتركة في قطاعات حيويّة، وتغليب الخلافات السياسية على المصالح الاقتصاديّة، ووضع خطوات الشراكة على مسار سياسي يعجّ بالخلافات والصراعات، بخلاف النموذج الآسيوي الذي حرّر مشاريع التعاون الاقتصادي من التبعات السياسيّة (كما في تجربة الصين والهند في منظمة شانغهاي ومجموعة البريكس). وفيما مهّدت اتفاقيّة التيسير العربية لقيام منطقة اقتصاديّة عربيّة حرّة، فإنها لم تنعكس إيجابًا على حصّة التجارة البينيّة من إجمالي التجارة مع الخارج، ولا قرائن تُذكر على تحسّن نواتج الدول جراء انضمامها إلى الاتفاقية، كما لم يجر تحريك العجلة باتجاه قيام سوق مشتركة.


وتفتقر بلدان المنطقة إلى شرط أساسي لنجاح التكامل على المستوى الكلّي، وهو بلوغ مرحلة النضج في سلّم التنمية أو الاقتراب منها، وفيما ربطت دول عربيّة عدّة تكاملها في القرن الماضي باستراتيجيات النمو المتوازن الطموحة والتي تنطوي على استثمارات ضخمة لإعطاء دفعة قويّة  Big push للاقتصاد، فإنّ التكامل الجزئي القطاعي والمناطقي أقرب إلى استراتيجيّات النمو غير المتوازن المناسبة لأحوال الدول التي تعاني من مشاكل اقتصاديّة. وتتوافق هذه الاستراتيجية مع ظروف الدول التي لا تمتلك أساسًا سياسيًّا صلبًا لإقامة شراكات شاملة، أو التي تتفاوت مستويات التنمية والدخل فيما بينها.


ومن نافل القول أنّ الدولة الوطنيّة في المنطقة، ولا سيما في المشرق العربي، لم تقدر على القيام وحدها بأعباء التنمية، كما تبيّن ذلك الإخفاقات التي أصابت تجاربها والمشكلات المتراكمة وجسامة التحدّيات التي تواجهها. ولذلك، إنّ من شروط تغلّب بلداننا على الأزمات المستعصية والتقدم في طريق التنمية وانضمامها من ثمّ إلى ركب الدول الصاعدة، يحتاج إلى رؤية للتكامل الإقليمي المشرقي، كي نواجه معًا التحديات الجيوسياسيّة والحصار، ولإيجاد قاعدة متينة للنهوض، ولإتاحة فرصة الاستفادة من المشاريع الدولية الكبرى ولا سيما في آسيا (كمشروع الحزام والطريق) وإيجاد قاعدة متينة لتبادل المنافع الناتجة عن الشراكة. والتكامل هو المشروع البديل للتطبيع الاقتصادي، الخطير في دلالته السياسيّة والثقافيّة والدينيّة، والذي بيّنت الوقائع والمؤشرات على نحو لا لبس فشله في أن يكون رافعة للتنمية والتقدّم1 .


وبما أنّ طريق التكامل الشامل والفوري بين دول المشرق العربي مليء بالموانع والعقبات، ويقتضي تجاوزها وقتًا قد يكون طويلًا، يمكن تبنّي استراتيجيّة التكامل الجزئي التي من أبرز تطبيقاتها نموذج مثلثات النمو Growth triangles الذي حقّق نتائج طيّبة في أكثر من منطقة من العالم وكان جزءًا من قصّة النجاح في جنوب شرق آسيا. وينطلق هذا النموذج من مبادئ نجدها في نُهج متعدّدة للتنمية. فإلى جانب استراتيجيّة التنمية غير المتوازنة التي لا تشمل كل القطاعات ولا كل المناطق كما ذُكر، تبرز فكرة العالم الفرنسي فرانسو بيرو  F. Perreux عن أقطاب النمو التي تساعد على نشر ثمار التنمية من المركز إلى الأطراف، فالنمو بطبيعته ليس متساويًا ولا متوازنًا، بل ينبثق حسب بيرو من بؤر تتصف بالكثافة السكانيّة والإمكانات المادية والبشرية وبنى تحتيّة متطورة، ولديها قدرة على جذب الصناعات والأعمال الجديدة وتحفيز النشاط الاقتصادي في الأماكن المحيطة به. ومن شأن وجود مثلثات النمو أن ينقل المفاعيل الاقتصاديّة لأقطاب النمو إلى خارج الحدود، كما يسمح وجودها بتعظيم أثر سياسات التنمية في البلدان المجاورة.


خصائص المثلثات

ومثلثات النمو بالتعريف هي مناطق اقتصادية فرعيّة ما دون وطنية، تشمل أنحاء مدينية وريفية في ثلاث بلدان متجاورة أو أكثر، وتتّصف بتنوع الموارد والخيرات. أُطلق المصطلح لأول مرّة من قبل رئيس الوزراء في سنغافورة عام 1989 في سياق وصف التعاون الاقتصادي الذي كان قائمًا بين أقاليم جغرافيّة محدّدة في بلده وأندونيسيا وهونغ كونغ والصين. لكن هذا النوع من المثلّثات كان موجودًا من قبل وانتشر على نطاق واسع في آسيا2 وساهم في تسريع عجلة النمو والتجارة وعزّز القدرة على استثمار الموارد المحليّة. وتنبثق مثلّثات النمو من تفاعل قوّتين: التعاون الاقتصادي الٌإقليمي ووجود تدفّق كبير في الاستثمارات المباشرة. ومن إيجابيّاتها؛ زيادة حجم السوق وتعظيم القيمة المضافة من خلال التكامل في الإنتاج وربط سلاسل القيم بعضها ببعض والاستفادة من وفورات الحجم الكبير في المنافسة وخفض التكاليف. ولا تخلو المثلثات من سلبيّات مثل التفاوت في الأجور وزيادة فجوات التنمية في البلد نفسه وتصعيد التنافس على تدفق الاستثمار المباشر بين البلدان وداخل البلد الواحد.


وينشأ التكامل الذي تستند إليها المثلّثات من الاختلاف في مراحل التنمية الاقتصاديّة بين الأطراف المنضوية فيها، واختلاف المتوفر من عوامل الإنتاج بين الأقاليم التي يتشكّل منها المثلث. وبذلك يكون التباين لا التشابه المفتاح الأساسي لنجاح التجربة. فمثلًا كان السبب وراء قيام مثلث نمو يشمل مناطق في سنغافورة وأندونيسيا وماليزيا وجود صناعات كثيفة العمالة في الأولى وقوة عمل فائضة وشابّة في الثانية وامتلاك ماليزيا موارد مائيّة وافرة.


ويفترض أن تكون الأقاليم في المثلثات متجاورة لتحقيق الإنسيابيّة في حركة عوامل الإنتاج وإحراز وحدة السوق، مع وجود التزام سياسي قوّي للتغلّب على العقبات وإنفاذ الإجراءات والسياسات والقوانين ذات الصلة والتي قد تواجه معارضة داخليّة، كتلك المتعلّقة بالتعرفات وتنظيم سوق العمل والتمويل والاستثمار وسوق الصرف.


ويأخذ الاستثمار في البنى التحتيّة حيّزًا واسعًا في تجربة المثلثات، إذ ينطلق التعاون ما دون الإقليمي عادة من الرغبة في تحسين كفاءة المشاريع وتحفيز الاستخدام المشترك للموارد الطبيعية، وبالخصوص في مجال شبكات النقل والاتصالات والموارد المائيّة (يطلق على ذلك في بعض التجارب Five opens and one leveling والذي يعني: جعل إمدادات المياه والطاقة والطرقات والاتصالات، مفتوحة الاستخدام لقطاع الأعمال وغيره، وإتاحة استثمار الأراضي للبناء). وإلى جانب القرب الجغرافي والمصلحة المشتركة في التنميّة، يُنظر إلى الروابط الثقافية والأثنية على أنها عاملٌ رئيسي مساعد في توطيد فرص التعاون العابرة للحدود.


وبناء عليه، تتوزع العوامل المؤثرة في إنشاء المثلثات بين مجموعتين: عوامل مردّها الاختلاف والتباين وتشمل المزايا التفاضليّة والموارد المتاحة والأسعار ودرجة التقدّم، وأخرى تنبثق من التشابه والقرب وتضمّ الاتصال الجغرافي والثقافة والهوية والالتزام السياسي.


 

خيارات التكامل
يرتبط نجاح التكامل الاقتصادي الكلّي بين بلدين أو أكثر بالتنمية الاقتصادية في الإقليم، فكلما ارتفع مستواها زادت إمكانية أن يحقّق التكامل أهدافه وعظمت مفاعيله. وتعبّر "منهجيّة تقويم التكامل الإقليميRIE3 "  التي أعدّها ونشرها بنك التنمية الآسيوي عام 2010، عن ذلك من خلال مؤشرات كميّة رئيسيّة وفرعيّة.


وتتضمن المنهجية أربعة مراحل: الأولى: إعداد قاعدة بيانات واسعة ومتعددة الأغراض عن الإقليم محلّ البحث. الثانية: قياس مؤشرات التنمية الإقليمية الشاملة الأربعة: التنمية السياسيّة X1 والاجتماعية X2 والاقتصاديّة X3 والتكنولوجيّة X4 والتي يتكون كل منها من مجموعة من المتغيرات الفرعيّة. الثالثة: قياس المؤشر الشامل للتنمية الإقليمية RGD والذي يساوي حاصل جمع القيم الناتجة عن ضرب المتغيرات الزوجية المتتالية الموضوعة على محورين أفقي وعامودي (X1,X2) و (X2,X3) و (X3,X4) و (X4,X1). والرابعة: قياس مؤشر التكامل الإقليمي RIS الذي يساوي المتوسط الحسابي لمؤشرات التنمية الأربعة.


لو طبقنا هذه المنهجية على النطاق المشرقي الذي يضمّ لبنان وسوريا والعراق، فسنحصل على مؤشر منخفض للتكامل الإقليمي  RISربطًا بضعف ركائز التنمية فيها. وهذا مماثل لوضع دول رابطة جنوب شرق آسيا (آسيان) الذي يساوي مؤشر التكامل فيها نصف مثيله تقريبًا في منطقة الإتحاد الأوروبي، علمًا أنّه شهد ارتفاعًا من 30 في الثمانينيات إلى 41 في العقد الأول من الألفيّة، بسبب تحسّن أوضاع التنمية في دول المنطقة، فيما تراجع مؤشر الإتحاد الأوروبي من 83 إلى 78 في المدتين بعد انضمام دول ذات مستوى تنمية أقل مثل قبرص ودول شرق أوروبا والبلطيق.


وبخلاف التكامل الكلّي بين الدول الذي من شروطه المسبقة التقدّم الاقتصادي وتقارب مستوى التنمية، فإن مبرّرات قيام مثلّثات النمو يكمن في وجود فروق في التنمية والدخل والموارد ومجالات الاهتمام بين المناطق المنضوية فيها. وبذلك تكون فرص النجاح المرجو من التكامل الجزئي في النطاق المشرقي المذكور أقرب منالًا من التكامل الشامل.


ويُستند في التحليل المناطقي لإمكانيّة قيام مثلّثات النمو إلى عناصر عدّة نختار منها الآتي: وجود أقطاب مركزية لديها القدرة على نقل آثار النمو إلى أقطاب ثانويّة والمناطق المجاورة لها، وشبكات بنى تحتيّة فعّالة، وتاريخ من العلاقات التجارية والاقتصاديّة بين السكان، بما يسهّل التكيف مع التحولات الناجمة عن ربط المناطق بعضها ببعض.


ومن الناحية النظريّة يقع النطاق التكاملي للبنان في خمس دوائر: دائرة دول المشرق العربي (العراق وسوريا والأردن) ويضاف إليها في الثانية مصر ودول الخليج وفي الثالثة إيران وتركيا، وفي الرابعة الامتدادان المتوسطي والآسيوي وفي الخامسة باقي العالم. لكن فضاء التكامل الفعلي للبنان يرتكز عمليًّا إلى الدول التي ما زالت تلتزم سياسة المقاطعة مع العدو، والتي ترفض الانجرار إلى مخطّط التطبيع الهادف إلى ربط مصالح دول في المنطقة بـ "إسرائيل". وبذلك تكون سورية والعراق العمق الجيو- اقتصادي للبنان الذي يمثّل بدوره أحد المنافذ المتوسطيّة الهامّة للداخل العربي وللمشاريع الآسيوية الطموحة.


مقارنة المزايا في النطاق اللبناني-السوري-العراقي
منهجيًّا، يُفترض أن لا ينحصر تحليل أوضاع المثلّثات بالأقاليم المرشّحة أن تكون جزءًا منها، بل يتعداها ليشمل المزايا التفاضليّة للاقتصاد ككل التي تتفرع منها المزايا المناطقيّة في كلّ بلد. ويكتسي هذا الأمر أهميّة خاصة في لبنان في ظل ما تواجهه مشاريع التعاون والشراكة مع الدول العربيّة من تحديات وعقبات وعقوبات.


ولعل مقاربة الاكتشاف الذاتي  Self-discoveryللمزايا، هي الطريقة الأفضل في تحرّي الإمكانات التي تنطوي عليها مثلثات النمو، بحيث يُخطّط للتنمية انطلاقًا من التجارب الناجحة التي يحقّقها المبادرون وروّاد الأعمال والتكنولوجيا الجديدة. وهذه المقاربة هي البديل عن النهج التقليدي الذي يستكشف المزايا بناءً على تقديرات الباحثين والمخطّطين الذين يضعون تصوراتهم عنها باستخدام أدوات وتقنيّات معقّدة، انطلاقًا من فرضيّات يضعونها بأنفسهم.


وفي هذا السياق، تلتقي الدراسات التي حلّلت نقاط قوّة الاقتصاد اللبناني على امتلاكه مزايا تنافسيّة في قطاعات التعاقد الخارجي في مجال المعرفة والتصنيع الزراعي والسياحة الداخليّة المتنوعة والصناعات الكيماوية. ويُظهر لبنان ريادةً في خدمات التعليم والصحة ومهارات التسويق، ويمكنه كذلك أن يكون مركزًا للسياحة الاستشفائيّة والإبداع إقليمي وموطنًا للصناعات الغذائيّة وإنتاج مواد البناء والمنتجات الاستهلاكيّة ذات التصاميم المبتكرة. وبطبيعة الحال لا يمكن التحقّق مما إذا كانت هذه المزايا مازالت قائمة في ضوء ما أبرزته الأزمة من حقائق، لكن استخدام أسلوب الاكتشاف الذاتي أبرز قوة تنافسيّة في مجال البرمجيّات وصناعة الإعلان والأعمال الهندسيّة والصناعات الغذائيّة. وتشير المعاينات الأوليّة إلى زيادة قيم الاستثمار في الإنتاج الحيواني وصناعة الأدوية وبعض مواد البناء، كما أسهم الاستثمار الكثيف في أنظمة الطاقة الشمسيّة إلى خلق ميزة إضافية يمكن أن تتطور مع مرور الوقت.


في المقابل تتمتع سورية بمزايا تنافسيّة (قبل الحرب) في قطاعات الزراعة (حوالي 20 بالمئة من الناتج) والنفط، والصناعة التي لامس ناتجها الناتج المحلّي (23.2% عام 2011). يتسم الاستثمار الصناعي في سورية بحضور قوي للقطاع العام الذي كان يدير حوالي 40 بالمئة من المؤسسات الصناعية والباقي تولّاها القطاع الخاص. وتستخدم في الصناعة السوريّة التقنيات التقليدية في العديد من المجالات (كالمنسوجات والصناعات الغذائيّة والإسمنت) مع حضور متنامٍ للتقنيّات المتوسطة والعالية في مجالات أخرى كصناعة الأدوية والأجهزة الكهربائيّة والإلكترونية وتجميع السيارات التي انطلقت قبيل الحرب لخدمة السوق المحلّي. ويستفيد الاقتصاد السوري من الانخفاض النسبي للأجور ومن خصائص الموقع الجغرافي وتوفر بعض الموارد الطبيعيّة، لكنه لم يكن قد استنهض بعد مزاياه التنافسية الكامنة المتصلة بالابتكار والتجديد. ولذلك كانت سورية أقلّ قدرة من جوارها على جذب الاستثمارات الأجنبيّة المباشرة برصيد قارب 10.3 مليار د.أ عام 2011، في مقابل 40.6 مليار د.أ للبنان و31.4 مليار د.أ لتونس و23.4 مليار د.أ للأردن. ومع ذلك كانت حصة الصناعة من مجموع هذه الاستثمارات أكبر في سورية منها في لبنان.


ويمكن القول بأنّ سورية تتمتع بميزة في المجالات ذات التكنولوجيا المتوسطة، وفي القطاعات كثيفة العمالة، فرغم تحسّن مستوى التعليم في صفوف القوى العاملة ما زال حملة الإجازات الجامعيّة فيها أقل من ثلث ما كان عليه الحال في لبنان قبل الأزمة (6 بالمئة في سورية مقابل حوالي 20.1 بالمئة في لبنان). ويقف القطاع العام السوري وراء تقدّم بعض الصناعات الحيويّة كالأدوية والكيماويات فضلًا عن قطاع الاستخراج الذي تبددت عوائده بعد الحرب.


أمّا لبنان فيحظى بفرص واعدة في المبادرات الإبداعية التي تحتضنها المؤسسات الناشئة، وبأفضليّة ملحوظة في الأنشطة القائمة على المعرفة وقوة العمل الماهرة رغم أزمته الماليّة وقصور سياساته. ويبرز ذلك في تقدم لبنان على سورية (قبل الحرب) في مؤشر الابتكار (المرتبة 61 عالميًّا للبنان و132 لسورية) وفي التنمية البشرية (المرتبة 93 مقابل 119؛ وبقيمة المؤشر: 0.73 مقابل 0.63). ويتقدّم لبنان بأشواط عدّة على سورية في مؤشرات الجاهزيّة التقنيّة: جودة التعليم (المرتبة 12 للبنان و96 لسورية) وجودة تعليم الرياضيات والعلوم (المرتبة 6 مقابل 62)، جودة المدارس وكليات الإدارة (المرتبة 18 مقابل 108)، البحث والتدريب (المرتبة 54 مقابل 110). وفي المقابل يتجلّى ضعف القطاع العام في لبنان في تدني مؤشرات جودة البنى التحتية؛ في مجال الطرقات (الرتبة 115 للبنان و68 لسورية) والطاقة (141 مقابل 92) لكنه يتقدم في القطاعات شبه المخصخصة كالموانئ (المرتبة 62 للبنان مقابل 112 لسورية) والنقل الجوي (43 مقابل 125) وتتقدم سورية على لبنان بثلاث مراتب في مجال الأداء اللوجستي.


وتتركّز مقوّمات المنافسة في العراق في قطاع النفط مع وجود إمكانات كامنة في مجالات التمويل والطاقة وإلى حدّ ما في الزراعات الواسعة والصناعات القاعديّة الثقيلة. وتبدو المزايا النسبيّة للعراق (المرتبطة بالموقع والموارد الطبيعيّة) متطابقة إلى حدّ كبير مع ميزاته التنافسيّة (المحدّدة على أساس حركة الإنتاج والمدخلات البشرية والمعرفيّة) نظرًا إلى الحصة الوافرة للنفط من ناتجه المحلّي القائم (42.9 بالمئة عام 2020). فيما لا تمثل الصناعات التحويليّة أكثر من 1.3 بالمئة منه والزراعة حوالي 4.7 بالمئة، والنقل والاتصالات 8.4 بالمئة، ما يؤكد اعتماد اقتصاده على المواد الأوّليّة والموارد المحليّة غير القابلة للتبادل الدولي.


وبناء عليه، هناك قاعدة قويّة للتكامل بين دول المشرق العربي الثلاث، تستند إلى عوامل التقارب المتمثلة في الإرادة السياسية والجوار الجغرافي والروابط التاريخية، وعوامل التباين التي يعبّر عنها تنوع المزايا النسبية والتنافسيّة واختلاف درجات التنمية بدلالة متوسط الدخل الفردي ( الذي كان يساوي في لبنان ضعف مثيليه في سورية والعراق عشيّة الحرب السوريّة)، وما يزيد خيار التكامل أهميّة وجدوى مساهمته، الأكيدة في  تخفيف أثر العقوبات وتعطيل بعض مفاعيل قانون قيصر الذي يمنع إعادة إعمار سورية وينعكس سلبًا على الأداء الاقتصادي للدول المحيطة بها.
ومن العناصر الأخرى المؤيدة للتكامل، تنوع الموقع، فالعراق يطلّ على الخليج وله حدود طويلة مع إيران تجعله الممرّ الأسهل إليها، وتمتلك سواحل لبنان مزايا مكانيّة عدّة بالنسبة إلى وسط سورية وجنوبها والأردن ووسط العراق وجنوبه، ولدى موانئ الشمال السوري خصائص مماثلة تجاه الشمالين السوري والعراقي. ويمهّد التنوع الجغرافي لقيام اعتماد متكافئ متبادل بين الدول الثلاث في خطّ الذهاب والإياب بين شواطئ المتوسط من ناحية والخليج وآسيا من ناحية ثانية، والذي هو محلّ عناية دول التطبيع من خلال الحديث عن ربط ميناء جبل علي بمرفأ حيفا، في مقابل طريق التنمية الذي يصل ميناء الفاو بالساحل الشرقي للمتوسط في سورية ولبنان.


وبالتقاطع مع ذلك يتنافس مشروعان آسيويان على الاستفادة من الموقع الحيوي للخليج والمشرق العربي: الأول يتمثل في مبادرة الحزام (البري) والطريق (البحري) التي أطلقتها الصين عام وتطمح من خلالها إلى ربط بلدان العالم بعضها ببعض عبر استثمارات ضخمة في البنى التحتيّة (تقدّر بـ 26 تريليون د.أ حتى عام 2030) التي ينتظر اكتمال مخطّطاتها عام 2049. وتمرّ نصف خطوط هذه المبادرة في منطقة الخليج والمشرق العربي وجوارهما، الأمر الذي يحثّ بكين على تكثيف صلاتها بالمنطقة وتعزيز شراكتها بدولها وزيادة استثماراتها في خطوط النقل البحري ولا سيما في موانئ الخليج.
وتواجه الولايات المتحدة الأميركيّة التمدّد الصيني في المنطقة بمشروع ثانٍ يهدف إلى ربط الهند بالشرق الأوسط وبلاد الشام عبر الموانئ الخليجيّة وشبكة من السكك الحديدية تعبر بلدان المنطقة وتصل إلى شواطئ المتوسط. وقد ناقشت واشنطن الأمر مع السعودية والهند والإمارات في اجتماع عقد في أيار 2023. لكنّ فكرة المشروع تعود لـ "إسرائيل" التي طرحتها في منتدى A2 U2 (تأسّس عام 2021 ويضم دولة العدو وأميركا والإمارات والهند) وتطمح من ورائها إلى تعزيز موقع الكيان على خارطة التجارة الدوليّة. وكانت الإمارات وقّعت في شباط من عام 2022 اتفاقيّة شراكة استراتيجيّة مع الهند تهدف إلى مضاعفة حركة التبادل مع الهند، وتشمل مشاريع طموحة من بينها إنشاء قطار فائق السرعة تحت البحر يربط إمارة الفجيرة بمومباي.


استطلاع الطريق نحو مثلثات النمو في المشرق العربي:
يضمّ لبنان على ما ورد في الخطّة الشاملة لترتيب الأراضي أربع مجموعات سكانيّة4: المنطقة المدينيّة المركزيّة في بيروت وجبل لبنان، وعاصمة الشمال، والتجمعات السكانيّة الكبرى في البقاع (محور زحلة – شتورا - بعلبك) والجنوب (صيدا وصور والنبطيّة). وفي إطار ذلك تقترح الخطة هيكليّة مدينيّة على امتداد الأراضي اللبنانيّة، تضمّ بيروت الكبرى والمدن/المعابر (جبيل وصيدا) وعاصمة الشمال وضواحيها، وأقطاب التوازن في الداخل (زحلة وشتورة والنبطيّة)، والمدن التراثية العظمى (صور وبعلبك). وتمثّل هذه الأقطاب انطلاقًا من مزاياها الاقتصاديّة بؤرة تحريك للتنمية التي تمتد من المراكز الرئيسيّة إلى عشرات الأقطاب الثانوية وما يحيط بها أرياف (الهرمل، اللبوة، دير الأحمر رياق، جب جنين....، حاصبيا، مرجعيون، الخيام، جزين، جويا، قانا، بنت جبيل، تبنين، ... البترون، تنورين التحتا، اهدن، زغرتا، القبيات، شدرا، ...).


وفي كثير من الأحيان تتجاوز الوظائف الاقتصاديّة الممنوحة لأقطاب النمو الحدود اللبنانيّة. فتأهيل ميناء طرابلس المقترح في الخطّة هو خيار استراتيجي غرضه اكتساب الأولويّة في تأمين حركة نقل البضائع والترانزيت من سورية والعراق وإليهما عبر خط سكة حديد. الأمر نفسه بالنسبة إلى قطب التوازن (زحلة-شتورا)، الذي يمكنه احتضان منطقة صناعيّة حديثة تُربط بشكل فعّال بشبكة طرق وخط قطارات متجه نحو دمشق، ومن شأن ذلك أن يوفّر عامل جذب للاستثمارات التي يستفيد منها البلدان وتتحاشى بطريقة ما العقوبات.


وفي السياق نفسه يُفترض أن تكتسب النبطية وظائف جديدة ترفعها إلى مرتبة قطب مركزي، فتشكّل امتدادًا خدماتيًا ولوجستيًّا للمنطقة الصناعيّة على محور الغازية الزهراني، وتستفيد من موقعها المتميّز على خط الترانزيت المحتمل بين الساحل المتوسطي والداخل العربي السوري والأردني العراقي فيما لو جرى استحداث مرفأ جديد متخصص جنوب صيدا (الزهراني). وتتاخم هذه المنطقة الإقليم الجنوبي السوري الذي تطمح بعض الدراسات5 إلى جعله منطقة تنمية (تضمّ السويداء، درعا، القنيطرة)، تشغل حوالي 6 بالمئة من مساحة سورية وتضمّ (قبل الحرب) حوالي 15 من سكانها. هذه الخصائص تمهّد لقيام مثلث نمو يخترق الحدود اللبنانيّة السوريّة، والسوريّة- العراقيّة- الأردنيّة، ليكون (بعد تخطي الأزمات الراهنة) قطبًا اقتصاديًا (بامتدادات إقليمية وعالميّة)، يحظى بإمكانات زراعيّة وصناعيّة وحرفيّة كبيرة، وبموقع جغرافي يضعه على تماس مع أربع دول، ويمكنه في وقت ما أن يحتضن قاعدة خدماتية ولوجستيّة داعمة لعمليات إعادة إعمار سورية.


وفي العموم، ينبغي دمج المقدرات المتاحة في المثلثات المشرقيّة: الإمكانات السوريّة في الصناعات الاستهلاكيّة والكيميائيّة والقدرات التي أبرزها لبنان في مجال التكنولوجيا والمعلوماتيّة، وخبرة كلا البلدين في الصناعات الغذائيّة. يمكن الارتكاز أيضًا إلى تباين جودة البنى التحتيّة بين البلدين، فيستفيد لبنان من الأفضليّة السوريّة في قطاعات الطاقة والمياه والطرقات، وسورية من أرجحيّة لبنان في مجالي النقل الجوّي والبحري. ويفترض أن يُلحظ في أي توزيع محتمل للمهام الأسبقيّة التي يتمتع بها القطاع الخاص في لبنان والقطاع العام في سورية، ويفترض تصميم مشاريع مشتركة يكون الغرض منها توطين الكفاءات اللبنانيّة وامتصاص فوائض سوق العمل في البلدين، وإيجاد موئل للخبرات الصناعية السورية المهاجرة.


يجب التفكير أيضًا بتوطيد الصلة بين المناطق السياحيّة في البلدان الثلاث، التي بوسعها أن تستوعب حزمًا موحّدة من الخدمات بتكاليف مخفّضة، وتلبية كل أنواع الطلب السياحي (سياحة دينيّة، بيئيّة، ثقافيّة، عائليّة، ترفيهيّة ...) والاستفادة إلى أقصى حدّ من اختلاف بنية الأسعار وتكاليف الإنتاج في البلدان الثلاث.


ثلاثة محاور:
في التحليل أعلاه، تبنينا المقاربة التي ترى أنّ خيار التكامل ما بين المناطق الفرعية في لبنان وسوريا والعراق، أكثر واقعيّة وجدوى من التكامل على المستوى الكلّي. وتعزّز فروق التنمية والموارد وتنوّع المقدرات الاقتصادية فرص قيام مثلثات النمو، فيما تؤدي دورًا معاكسًا في التكامل الإقليمي الشامل الذي يظلّ خيارًا مطلوبًا في المدى البعيد لكنه محفوف بصعوبات وعقبات كثيرة في الأفق المنظور.
ويحتاج تحديد المثلثات في المجال المشرقي إلى دراسات مستفيضة وتحليلٍ مفصّل للموارد والإمكانات في جميع أقاليم هذه البلدان ومحافظاتها، كما يفترض انتظار جلاء غبار الأزمات والتوترات والسياسات الخارجيّة الراهنة التي تحول دون تطوير السياسات العامة والاستراتيجيّات المشتركة في المنطقة. ومع ذلك يمكن أن ننطلق من الاستطلاع الأولي أعلاه لتحديد المحاور الجغرافيّة الأساسية التي يفترض أن تتموضع في أماكن منها مثلّثات النمو.


وقد راعينا في اختيار المحاور الثلاثة أدناه توفّر خمسة خصائص: وجود منفذ بحري واحد على الأقل، وإمكانية إقامة نظام نقل بري سريع ومتطور عماده السكك الحديديّة، والقرب من التجمّعات السكانية الكبرى بوصفها في آن معًا خزانًا لقوة العمل وسوقًا لتصريف البضائع، ووفرة الموارد الطبيعيّة ومصادر الطاقة، وامتلاك ركائز إنتاجية يمكن البناء عليها في جذب الاستثمارات. والمحاور هي الآتية:
 - محور الزهراني/ النبطيّة/ الجنوب السوري امتدادًا إلى العمق العربي. والذي يحظى بموقع متميز ومنفذ على المتوسط (مرفأ الزهراني) يصلح لعبور البضائع إلى الداخل وتأمين مستلزمات إعادة الإعمار في سورية بأكلاف مخفّضة. يمكن هذا المحور أيضًا أن يستقبل مناطق خدماتية متقدّمة قادرة على استيعاب التكنولوجيا الحديثة وأيدي عاملة متنوعة الخبرة، وبوسعه كذلك أن يحتضن مناطق صناعيّة مشتركة في لبنان وسورية، وستحظى هذه المناطق بفرصة الحصول على إمدادات طاقة بأسعار منافسة من العراق. من الممكن أيضًا إقامة مصافي تكرير النفط ومحطّات تسييل الغاز في أماكن مختارة من الساحل الجنوبي للبنان، وسيكون لوفورات الحجم الكبير انعكاسات ملموسة على تنافسيّة النشاط الاقتصادي في هذا المحور الذي سيشهد تطورًا هامًّا في حال العثور على البترول في الرقعة رقم 9 على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة.


- محور خط العواصم الذي يضمّ بيروت ودمشق وبغداد مرورًا ببعلبك-زحلة وامتدادًا إلى وسط العراق وجنوبه. يتمتع هذا المحور بموارد وإمكانيات كبيرة في مجال نقل البضائع والأشخاص، والتي يؤدي تعزيزها بين البلدان الثلاث إلى خفض تكاليف النقل وتمهيد الطريق أمام قيام نطاق سياحي وتجاري متكامل، وفي هذا السبيل يفترض توزيع الأنشطة المرفئيّة وحركة العبور والسياحة والخدمات الماليّة، بين المناطق في هذا المحور بما يتناسب مع خصائصها ومميزاتها.
إن قيام مثلث نمو أو أكثر على هذا المحور سيمنح البلدان الثلاثة دورًا مفصليًّا في المشاريع الاقتصاديّة الآسيويّة، ويمكن الاستناد إلى التكامل بين العواصم في تعظيم فعاليّة الاستثمار في الموارد العراقيّة، والتخلّص من آثار الحرب السوريّة، وإعادة هيكلة الاقتصاد اللبناني بعد الأزمة الماليّة، وبالخصوص معالجة أوضاع القطاع المصرفي من خلال إعطائه طابعًا استثماريًّا ما فوق وطني وإدخال مساهمين إقليميين فيه.


- محور طرابلس والهرمل الذي يضمّ أيضًا أجزاءً من الشمالين السوري والعراقي وصولًا إلى الخليج. تحتوي هذه المنطقة على مقدرات صناعية وزراعية وخدماتية تسهّل وصل لبنان وسوريا بطريق التنمية. يحتوي المحور منفذًا بحرّيًا هو ميناء طرابلس الذي يمكن تطويره ليغدو قادرًا على خدمة بعض مناطق الشمال السوري والعراقي ووسطهما وصولًا إلى منطقة الخليج عبر مرفأ الفاو المستحدث. يمكن أيضًا تقاسم مهام النقل البحري ضمن شبكة تضم مرفأ طرابلس ومينائي اللاذقية وطرطوس.


ويمتلك المحور قدرة على استيعاب الاستثمارات الصناعيّة المهاجرة من حلب، المدينة التي كانت تحتضن قبل الحرب مناطق صناعية هائلة ضمّت حوالي 12 ألف مؤسسة صناعية تعمل في مجالات الصلب والحديد والأجهزة الكهربائية والأدوية والإلكترونيات والبرمجيات والصناعات الاستهلاكية. ويمكن إعادة إطلاق بعض هذه الصناعات في مناطق أخرى في البقاع والشمال اللبنانييّن ولو بصورة مؤقتة بانتظار إعادة إعمار المدينة. ويقع في نطاق المحور نفسه سهل الغاب الذي تقارب مساحته الألف كيلومتر من الأراضي الزراعية الخصبة، والتي يمكن أن تتكامل زراعيًّا وفي مجال الإنتاج الحيواني مع سهل البقاع ومنطقة الهرمل.


 


في الخلاصة، يظهر التحليل الأولي المزايا التي يمكن اكتسابها من مثلّثات النمو بوصفها رافعة للتنمية الوطنيّة والإقليميّة. تحتوي المحاور الثلاث آنفًا على إمكانات واعدة للتكامل، ومن شأن ربط سلاسل الإنتاج بعضها ببعض أن يوفر عوائد إضافية مقارنة بالوضع الراهن. وبطبيعة الحال نحتاج إلى تحليل فني وتقني معمّق ومفصّل من أجل تحديد النطاقات الاقتصادية والجغرافيّة لمثلّثات النمو العابرة لحدود البلدان الثلاث، ويجب الاستناد في ذلك إلى رؤية عامّة للتعاون على المستوى الاقتصادي الكلّي وللمشاريع الكبرى المشتركة ونظرة مستقبليّة استباقيّة إلى موقع دول المشرق من التحولات الاقتصاديّة في العالم. والطموح هو أن تكون المنطقة نقطة جذب للاستثمارات الآسيوية في مجال البنى التحتيّة، وهذا يقتضي توسيع نطاق التعاون فيما بين بلدانها وتعميق التشابك بين قطاعاتها ولا سيما في المجالات التي باتت تكتسب في عالم التنافس العالمي المحموم قيمة جيو- اقتصاديّة عالية.

 

*******************************************************************************************************************************************************
   

1 نورد في الآتي نماذج لمشاريع إقليمية تطبيعيّة من شأن تنفيذها أو إتمامها إلحاق ضرر أكيد وجسيم بالأدوار الاقتصاديّة والتنافسيّة لمصر ولبنان وسورية:


- قناة البحر الميت التي وُقّع اتفاق بشأنها في كانون الأول 2013 بين الأردن وفلسطين ودولة الاحتلال برعاية البنك الدولي، ويقضي المشروع بربط البحر الأحمر بالبحر الميت عبر أربعة خطوط أنابيب لنقل بطول 180 كلم لنقل 100 مليون م3 سنويًّا من المياه. ومن الممكن تطويره في المستقبل ليكون قناة يجري استكمالها لتصل إلى البحر الأبيض المتوسط وتنافس بذلك قناة السويس.
- خط سكك الحديد تل أبيب- إيلات لربط البحر المتوسط بالبحر الأحمر بمسافة 350 كلم، والذي بوسعه نقل البضائع خلال مدة لا تزيد عن ساعتين، وقد أعلن العدو عن هذا المشروع عام 2013 بكلفة 70 مليون د.أ ويزداد جدوى هذا المشروع إذا انخرط فيه الأردن.
- طرح وزير خارجية العدو في تموز 2019 خلال زيارته لأبو ظبي مبادرةً للربط بين السعودية ودول الخليج مرورا بالأردن بشبكة السكك الحديدية "الإسرائيلية" وميناء حيفا في البحر الأبيض المتوسط. تتمخض المبادرة بزعمه عن طرق تجارة إقليمية، أقصر وأرخص وأكثر أمانا (...). وهذا المقترح يؤثر سلبًا على قناة السويس والموانئ العربيّة على الشاطئ الشرقي للمتوسط ولا سيما منها مرفأ بيروت.
- في 16 أيلول 2020، وقعت شركة موانئ دبي العالمية، سلسلة مذكرات تفاهم مع شركة "دوفرتاور" الصهيونيّة، تشمل التقدم بعرض مشترك لخصخصة ميناء حيفا المطل على البحر المتوسط، وهو واحد من ميناءين رئيسيين في الأراضي المحتلة. وتغطي مذكرات التفاهم مجالات تعاون، تشمل قيام "موانئ دبي العالمية" بتقييم تطوير الموانئ الإسرائيلية، وكذلك تطوير مناطق حرة، وإمكانية إنشاء خط ملاحي مباشر بين ميناءي إيلات وجبل علي، وهو ما بدأ فعلًا بعد ثلاثة أشهر من تاريخه. وهذه التفاهمات تساهم أيضًا في تهميش دور مرفأ بيروت الذي شكّل تاريخيًا صلة الوصل الأفضل بين المتوسط والداخل العربي.
 2  من المثلثات الآسيوية: مثلث يشمل مقاطعات في الصين وروسيا وكوريا الشمالية، وآخر يضمّ مقاطعات ماليزيا الشماليّة وشمال سومطرة وجنوب تايلند ومثلث نمو آسيان الشرقية الذي يشمل مينداو في الفليبيبن وسيلاوزي في أندونيسيا وشان كان في ماليزيا. وهناك مثلث يضم مناطق في أندونيسيا وسنغافورة، وآخر بين أندونيسيا وماليزيا وتايلند. للمزيد انظر:
Ming Tang and Mayo Thant; Growth Triangles: Conceptual Issues and Operational Problems; Staff Paper No54; Feb 1994; Philippines: Asia Development Bank.
3 Donghyun Park and Mario Arturo Ruiz Estrada; A Multi-dimensional Framework for Analyzing Regional Integration Evaluation (RIE) Methodology; Asian Development Bank ADB; ADB Working Paper Series on Regional Economic Integration; No 49.

4  رئاسة الحكومة اللبنانيّة؛ الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية - التقرير النهائي؛ بيروت: مجلس الإنماء والإعمار؛ تشرين الثاني 2005.
5   رهام فاخوري ورولا ميّا؛ استراتيجيّة مثلثات النمو؛ الرياض: مجلة العمارة والتخطيط؛ م (26)؛ 2014-1435؛ ص: 25-59.
 





  • مقالات ذات صلة

  • العنوان

    بئرحسن - جادة الأسد - خلف الفانتزي وورلد - بناية الإنماء غروب - الطابق الأول
    Baabda 10172010
    Beirut – Lebanon
    P.O.Box: 24/47

    وسائل الاتصال

    Tel: +961-1-836610
    Fax: +961-1-836611
    Cell: +961-3-833438
    [email protected]

    التواصل الاجتماعي