كتابات الموقع > حسب العنوان > مقالات> مقالات: قراءة تحليلية في وثيقة الصين تجاه الدول العربية / د. نبيل سرور
مقالات: قراءة تحليلية في وثيقة الصين تجاه الدول العربية / د. نبيل سرور
*الدكتور نبيل سرور

 

- تمهيد: مطلع السنة الجديدة 2016، أعدت الصين وثيقة سياسية – إقتصادية توجهت فيها الى دول المنطقة العربية والإسلامية. والملفت ان هذه الورقة تحمل مضامين وإشارات غير تقليدية - كما في السابق - في مقاربة الصين لملفات المنطقة الساخنة، وهي تعكس جدية في وصف الوقائع وفي رسم اطر الحلول وفي التأكيد على ابعاد سياسية وهوامش من العلاقة في اطار مفتوح، بما يفتح بالمجال لعلاقات واسعة تتعدى الإطار الشكلي او الإقتصادي او التقليدي..

 

وهذا ما يؤشر بالمحصلة الى ان الصين لديها طموح جدّي لكي تكون قطبًا اساسيًا في منطقتنا ،او جزءًا فاعلاً من محور سياسي - إقتصادي بوجه حضور اميركي متردد او ضعيف ومربك بفعل الهزائم التي تلقاها في اكثر من نقطة من نقاط تواجده. والإستفادة من الدور الصيني تتوقف بالضرورة على تفاعل قوى المنطقة مع هذا الحضور، وعلى مدى الإستفادة من تجربة الصين في شتى المجالات، وشبك علاقات تفاعلية معها، وربط شبكة من المصالح المتبادلة في اطار من منهجية واضحة ومحددة، خدمة لمشروعنا السياسي - الجهادي الممتد في اطاره الإقليمي والعالمي    

                                                  

 أولاً : في قراءة وتحليل مضمون  الوثيقة:

تعكس وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية المؤرخة في كانون ثاني 2016، جملة من النقاط الآتية:

1-    صياغة الورقة تقليدية كما هي عادة الصينيين في تأكيد ثوابتهم التاريخية وجذور علاقاتهم الإقليمية والدولية؛ لكن يمكن القول انه وبالرغم من ان الإقتصاد لا يزال هو المحور في اية علاقات للصين مع الخارج، الا ان ما يميـّز الورقة، هو انها قاربت المواضيع المتعلقة بالمنطقة بشيء جديد من اللغة السياسية، يبتعد عن الأسلوب الإنشائي الوصفي والحيادي في كثير من الأحيان، ليصل الى صياغة "وثيقة" تحدد مرتكزات أساسية وواضحة في سياسة الصين الخارجية تجاه عالمنا العربي والإسلامي، وتعكس التحولات السياسية والإقتصادية المتسارعة في المنطقة.

 

2-     كما انها تعكس – برأيي – توجها صينياً واضحا لحجز مكانة ما في مشهد المنطقة السياسي المرتقب في المنطقة العربية (في ظل تغيرات متواصلة معمقة ومعقدة في ظل الزخم المتزايد للتعددية القطبية ...).

 

3-    *- في هذا السياق التحليلي الإستشرافي، لابد من الإشارة الى ان ثوابت الأدبيات الصينية السياسية تجاه منطقتنا، تعتمد دوماً تاريخياً على أمرين:

أ- التأكيد على متانة تاريخية العلاقة بين الصين والدول العربية والمواقف التاريخية المتبادلة بين العرب والصين، وتعتبر ذلك "المدخل"، او بوابة العبور التقليدية الى واقع المنطقة السياسي والأمني وملفاتها الجيوسياسية ...

 

ب- تظهير التعددّية القطبية بعد انتهاء الحرب الباردة وفي ظل المتغيرات المتلاحقة على المسرح الدولي، بحيث تسعى الصين الى التأكيد على ان (الولايات المتحدة الأميركية) لم تعد هي المرجعية الأولى والوحيدة للقرارين السياسي والإقتصادي. بل تريد الصين تظهير صورة عالم جديد متعدد الإقطاب (..حيث لا يزال العالم يمر بفترة تعديلات عميقة للإقتصاد، في حين تكون العناصر الجيوسياسية أكثر حضورًا وتتوالى وتتعاقب التوترات المحلية، وتزداد التحديات الإقليمية غير التقليدية والتحديات العالمية بشكل مستمر ..).

 

4-    تعكس الورقة تحولاً جدّيًا في مقاربة الصين لملفات المنطقة السياسية وبالتالي فالورقة برصانتها وبشموليتها، هي تعبيرٌ جديد عن وعي صيني للدور المستقبلي الذي يمكن ان تلعبه سياسيا، في ظل تراجع للدور الأميركي وبروز قوى جديدة تشارك في رسم معالم المرحلة الجديدة، من خلال حضور سياسي وإقتصادي فاعل، وربما عسكري اذا تطلب الأمر.

 

5-    الورقة هي مقاربة سياسية شاملة لواقع وملفات المنطقة السياسية والإقتصادية، بعد ان كانت تقتصر بالسابق على الموضوع الإقتصادي، كما تعكس جدّية في تحليل عمق قضايا المنطقة المعقدة، بعد ان كانت تتعاطى مع الملفات السياسية والعسكرية والأمنية في المنطقة بنوع من السطحية والهامشية والمقاربات المربكة، سواء من خلال دبلوماسيتها او من خلال وسائل الأعلام.

 

ثانيًا: تقديم العامل السياسي لأول مرة كعامل اساسي قبل الإقتصاد

6-    ذِكر الحزب الشيوعي - بشكل ملفت - كقمة الهرم السياسي في ادارة سياسة الدولة و(حرصه على مواصلة تعزيز التبادل مع الأحزاب والمنظمات السياسية الصديقة في الدول العربية ...) يؤكد ان الصين بدأت تعطي للعمل (السياسي الحزبي) في العلاقات الدولية أو مع (الأصدقاء) دفعا واضحًا. ومع الوقوف عند المصطلح، يمكن ان نستنتج ان الصين صارت تعطي للسياسة والعمل الحزبي دوره - بعد أن وصلت الى ما تريده في الإقتصاد - وهذا ما يفسح بالمجال امام عمل سياسي صيني متعدد الأبعاد السياسية والأمنية مع الدول او الأطراف، التي تتعامل معها الصين او ترتبط معها بعلاقات صداقة.

 

7-   يـُلاحظ في الورقة ان الموضوع السياسي قد اخذ مجموعة عناوين تتقدم على الإقتصاد، وتتبلور هذه الموضوعات في (الحوارات الإستراتيجية والمشارورات السياسية الدائمة، وفي دعم المطالب المشروعة والمواقف الصائبة للجانب الآخر..). وكأنه يُفهم بالتحليل لهذا المعطى ان الصين جاهزة للتعاون السياسي بقضايا، تفتح المجال امام مجالات بأبعاد سياسية وكل ما فيها من مضامين حزبية وشبابية ومنظمات غير حكومية ..الخ 

 

8-    مفهوم (الأمن المشترك) هو مفهوم جديد تريده الصين انطلاقة متميزة في علاقاتها مع شعوب وقوى المنطقة ،ومنها طبعا حزب الله. ان هذا المفهوم يختزن مقاربات وتعاوناً في المجال الأمني والسياسي.. الخ. بما قد يفتح بالمجال أمام فتح قنوات واجراء اتصالات قد يُستفاد منها، او قد تصب فيما بعد – بما تحمل من تفاعلات - لصالح مشروعنا السياسي والعسكري والجهادي..

 

9-    مقاربة موضوع الإرهاب و(استئصاله من ظواهره وبواطنه) هي الى حد ما مقاربة جديدة، قد نستطيع ان نجعلها تنفتح على التكفير بكل ظواهره. وقد نستفيد منها في حربنا على الجهات التكفيرية ورعاتها الإقليميين، وكذلك في تقديم أوفي توضيح الصورة لدى ساسة الصين عمن يقف وراء هذه الجهات ويدعمها. وذلك في سبيل بلورة موقف صيني داعم لتوجهاتنا في هذا المجال.

 

 

وختامًا، يمكن القول ان الصين من خلال ما تطرحه من أفكار وطروحات جديدة تؤطر علاقتها بالمنطقة العربية، وإن كان هذا الحضور الصيني لم يزل خجولاً في الكثير من تمظهراته الميدانية والسياسية، فهي بالمقابل تحاول أن تقدم حضورها كقطب فاعل يسعى الى التعامل مع القوى الموجودة على الساحة العربية بفهم جديد يقارب الملفات بحكمة وتخصصية لم تكن موجودة في الماضي. وهي إذ ترفض احادية الهيمنة على المنطقة والعالم من قبل قوة ما، فإنها تعمل على تهيئة كل الفرص المتوافرة او المتاحة في سبيل المشاركة في اية حلول تـُرسم للمشهد السياسي في المنطقة العربية، والذي يعتريه الكثير من التناقضات وتضارب المصالح والتعقيدات ..

 

*أكاديمي متخصص بالشأن الصيني





  • مقالات ذات صلة

  • العنوان

    بئرحسن - جادة الأسد - خلف الفانتزي وورلد - بناية الإنماء غروب - الطابق الأول
    Baabda 10172010
    Beirut – Lebanon
    P.O.Box: 24/47

    وسائل الاتصال

    Tel: +961-1-836610
    Fax: +961-1-836611
    Cell: +961-3-833438
    info@dirasat.net

    التواصل الاجتماعي