كتابات الموقع > حسب العنوان > مقالات> مقالات: في مسألة المساواة أمام المراكز السياسية في لبنان؟
مقالات: في مسألة المساواة أمام المراكز السياسية في لبنان؟
د. محفوظ سكينة

لقد أكدت الدول التي تعتمد النظام الديمقراطي، سواء أكان برلمانياً أو رئاسياً أو غيره، في دساتيرها، على مبدأ المساواة، بين المواطنين، كما أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام 1948، على المساواة بين الأفراد.
وبحسب العلم والاجتهاد، فان المساواة بين المواطنين، تعتبر من المبادئ العامة القانونية ذات قيمة دستورية.
والمساواة تعني، أن الأفراد متساوين في الكرامة والحقوق، وان لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات دون تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، ودون أية تفرقة بين الرجال والنساء.
كما أن الناس سواسية أمام القانون، ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة، دون أي تفرقة، كما أن لهم جميعاً الحق في حماية متساوية ضد أي تمييز (المادتان الثانية والسابعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان).
وفي لبنان، فلقد ورد في مقدمة الدستور، أن لبنان ملتزم بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان (الفقرة ب)، وانه جمهورية ديمقراطية برلمانية تقوم على المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين بدون تمايز أو تفضيل (الفقرة ج).
كما أن المادة 7 من الدستور نصت على ما يأتي:
"كل اللبنانيين سواء لدى القانون وهم يتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دون ما فرق بينهم"
وإذا كان لمبدأ المساواة بين المواطنين، كما هو متعارف عليه، اوجه وحالات عديدة، إلا أن ما يهمنا، هي الحالة المتعلقة بالمساواة أمام المراكز السياسية فقط. وتشمل هذه المراكز حصراً رئاسة الجمهورية رئاسة مجلس النواب، رئاسة مجلس الوزراء، نائبي رئيسي مجلس النواب والوزراء، الوزراء، وأخيراً النواب. أما المراكز السياسية المتعلقة برؤساء وأعضاء المجالس البلدية، فإنها تبقى خارج نطاق هذه الدراسة.
وفي ما يتعلق بمساواة اللبنانيين أمام المراكز السياسية، فانه يتبين من خلال الممارسة، ما يأتي:
1-    بمقتضى الميثاق الوطني الذي جرى عام 1943، فان مركز رئاسة الجمهورية محصور فعلياً بفئة محددة من اللبنانيين، ينتمون إلى الطائفة المارونية، في حين أن مركز رئاسة مجلس الوزراء محصور فعلياً بفئة أخرى، تنتمي إلى الطائفة السنية.
أما مركز رئاسة مجلس النواب، فانه، محصور بدوره، بفئة محددة من النواب اللبنانيين، ينتسبون إلى الطائفة الشيعية.
وكما يتبين، فإن الوصول إلى كل من رئاسة الجمهورية ورئاستي مجلس النواب والوزراء ليس متاحاً أمام كل اللبنانيين، بل أنه محصور بفئات محددة منهم.
والأخطر من ذلك، فان هذه المراكز، تحولّت، لا سيما عام 1990، إلى ما يشبه "المراكز المقدسة" بحيث أصبح، مجرد الحديث عن أي عمل أو إجراء، يصدر عن القائمين بها، كأنه تعرض ومساس بالمركز وبالتالي بالطائفة التي ينتمون إليها. وهذا الواقع، من شانه أن يخلق عقبات طائفية، تحول دون محاسبة أو مساءلة رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس الوزراء.
وعلى سبيل الاستطراد، وإذا ما أجرينا مقارنة بين الصلاحيات الدستورية العائدة لكل منهم، لتبين بوضوح، أن الدستور، افرد لرئيس الجمهورية موقعاً متميزاً وأولاه صلاحيات دستورية مهمة، كما أن رئيس مجلس الوزراء يشغل موقعاً دستورياً متقدماً ويتمتع بصلاحيات أساسية، بحيث لا يمكن اتخاذ أي قرار على مستوى مجلس الوزراء، الذي أصبح بعد عام 1990، يتولى السلطة الإجرائية، دون موافقته، في حين أن رئيس مجلس النواب لا يملك سوى دعوة مجلس النواب للانعقاد بغية انتخاب رئيس الجمهورية بالإضافة إلى مراجعة المجلس الدستوري.
وفي مطلق الأحوال، فنه ينتج عما تقدم، أن اللبنانيين غير متساوين أمام رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء، كما أن النواب اللبنانيين غير متساوين اتجاه مركز رئاسة مجلس النواب. وهذا الوضع القائم على التفاوت والتمايز وحتى "التمييز" بين اللبنانيين، يشكل انتهاكاً خطيراً لمبدأ المساواة المكرس في الدستور ولحقوق الإنسان الطبيعية.
وأخيراً، فان مركز نائب رئيس مجلس النواب هو محصور بالنواب الذين ينتمون إلى الطائفة الأرثوذكسية، وهذا الأمر يشكل أيضاً مخالفة لمبدأ المساواة بين النواب.

2-    وبشأن الوزراء، فان المادة 95 (تعديل 1990) نصت على أنه، وفي المرحلة الانتقالية "تمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة".
وجرت العادة، على أن توزع المقاعد الوزارية بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين، ونسبياً بين طوائف كل من الفئتين، واعتماد قاعدة المثالثة ضمن المناصفة في تشكيل الوزارة، وإسناد "مركز" نائب رئيس الحكومة إلى الذين ينتمون إلى الطائفة الأرثوذكسية.
وبعد عام 1990، أصبح تولي الوزارات التي يطلق على تسميتها "سيادية"، حكراً على بعض الفئات اللبنانية التي تنتمي إلى الطوائف المارونية والأرثوذكسية والسنية والشيعية، في حين أن الفئات الأخرى المنتمية إلى بقية الطوائف، أصبحت محرومة من تسلم مهام أي وزارة سيادية، بالإضافة إلى حرمانها من الوصول إلى المراكز المتعلقة برئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة مجلس النواب.
وهذا الوضع، يشكل بحد ذاته، ليس فقط تفاوتاً بين اللبنانيين، إنما أيضاً تمييزاً ضد فئة لا يستهان بها من اللبنانيين.
وعلى صعيد المراكز النيابية، فإن المادة 24 (تعديل 1990) نصت، "والى أن يضع مجلس النواب قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، توزع المقاعد النيابية وفقاً للقواعد التالية:
أ‌-    بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين.
ب‌-    نسبياً بين طوائف كل من الفئتين.
ج‌-    نسبياً بين المناطق".
وفي مجال انتخاب النواب، وبمعزل عما ورد في المادة 24، يطرح السؤال التالي: هل أن الناخبين اللبنانيين متساوين في ما بينهم؟
بداية، نوضح، أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أكد في المادة 21، على المساواة بين الناخبين، بحيث يكون لكل مواطن صوت، وان تكون جميع الأصوات متساوية.
بالعودة إلى الانتخابات النيابية الأخيرة التي جرت في حزيران 2009، وبعد الاطلاع على أرقام الناخبين المسجلين في كل دائرة انتخابية، وعدد النواب المخصص لها، الواردة في الجداول الملحقة بقانون الانتخاب رقم 250/ 2008، المنشورة في جريدة السفير بتاريخ 9 حزيران 2009، وإذا ما أخذنا كمعيار صوت الناخب في كل من دوائر صور والنبطية وبنت جبيل، باعتبار أن القانون خصص أعلى نسبة من الناخبين لكل نائب، في هذه الدوائر، حيث لكل 40 ألف ناخب نائب واحد، وأجرينا مقارنة بينه، وبين صوت الناخبين في مختلف الدوائر الانتخابية 26، لتبين لنا أن صوت الناخب في كل من دوائر كسروان- جزين والدائرة الأولى في بيروت، يعادل أكثر من صوت ناخبين في دائرة النبطية، أما صوت الناخب في كل من الدوائر طرابلس- زغرتا- زحلة- الشوف- بعلبك الهرمل وجبيل، فانه يعادل أكثر من صوت ناخب ونصف في دائرة بنت جبيل.
وأخيراً، أن صوت الناخب في دائرة البترون يعادل صوت نائب وثلث في دائرة النبطية، أما صوت الناخب في كل من دوائر صيدا- المنية- الضنية- وعكار، يعادل صوت ناخب وخمس في دائرة بنت جبيل.
وأكثر من ذلك، فانه يوجد تفاوت داخل كل محافظة، بين ناخبي دائرة انتخابية معينة، وناخبي دائرة أخرى.
والمثال على ذلك، هو أن في محافظة الجنوب، يتميز الناخب في دائرة جزين وصيدا، عن الناخب في دوائر صور والنبطية وبنت جبيل. وفي الشمال، يتميز صوت الناخب في دائرة طرابلس، عن صوت الناخب في دائرة عكار أو دائرة المنية- الضنية.
وفي البقاع، يتميز صوت الناخب في دائرتي زحلة والبقاع الغربي، عن صوت الناخب في دائرة بعلبك الهرمل الخ...
إن هذا الوضع الشاذ، بالإضافة إلى كونه مخالفاً لمبدأ المساواة بين الناخبين، من شانه أن يؤدي إلى إلحاق الضرر والغبن بفئة لا يستهان بها من الناخبين اللبنانيين، بدون أي سبب مشروع أو عادل.
وبعد أن خلقت الممارسة المتعلقة برئاسة الجمهورية ورئاستي مجلس النواب والحكومة، تفاوتاً وتمايزاً بين اللبنانيين، أتى الدستور في المادتين 24 و 95 ليكرس هذا التمايز بالنسبة للمراكز المتعلقة بالنيابة والوزارة مناقضاً بذلك ما جاء في المقدمة والمادة 7 منه.
وأخيراً، كرس قانون الانتخاب الأخير رقم 250/2008، بدوره، في الدوائر الانتخابية التي اعتمدها، التفاوت بين الناخبين اللبنانيين.
وفضلاً عما تقدم، أن التفاوت أو عدم المساواة بين اللبنانيين لا يقتصر فقط على المراكز السياسية المتقدم ذكرها، إنما يشمل أيضاً الوظائف الهامة القيادية في الإدارة العامة والقضاء والأسلاك العسكرية والأمنية، وبعض المؤسسات العامة الكبرى.
وبالرغم من أن الفقرة 2 من المادة 95، أشارت إلى عدم جواز تخصيص أية وظيفة، من وظائف الفئة الأولى، لأية طائفة مع التقيد بمبدأي الاختصاص والكفاءة، إلا أنه يتبين، من خلال الممارسة، ولا سيما بعد عام 1990، أن هذه الوظائف أصبحت حكراً على بعض اللبنانيين فقط، الأمر الذي يشكل إخلالاً خطيراً بمبدأ المساواة بين اللبنانيين أمام الوظائف العامة. وأكثر من ذلك فلقد تحولت هذه الوظائف القيادية، إلى ما يشبه الوظائف "المقدسة"، بحيث أصبح من الصعب محاسبة أو مساءلة القائمين بها، عن أي تقصير أو إهمال أو أي عمل غير قانوني، وذلك بسبب الحماية الطائفية والمذهبية.
وأخيراً، نؤكد، أن أساس أي نظام ديمقراطي سواء أكان برلمانياً أو رئاسياً أو غيره، هو مبدأ المساواة بين المواطنين، وبغيابه، لا يمكن الحديث عن أي نظام ديمقراطي. إن جوهر النظام الديمقراطي، هو تداول السلطة بين المواطنين بصورة سلمية عبر صناديق الاقتراع. وهذا التداول لا يمكن أن يتحقق إلا في حال وجود مساواة بين المواطنين.
وفي لبنان، وبالرغم من أن الدستور، أشار في المقدمة إلى أن لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، وفي بعض أحكامه إلى الخصائص المميزة للنظام البرلماني، إلا أن النظام في لبنان، لا يمكن اعتباره فعلياً برلمانياً بصورة صحيحة وكاملة لافتقاره إلى المساواة بين اللبنانيين أمام المراكز السياسية المتقدم ذكرها.
وإذا كان مبدأ المساواة، يعتبر أساس النظام الديمقراطي، فانه يعتبر أيضاً أساس الحرية والعدل والسلم في أي دولة من دول العالم.
وإزاء هذا الواقع، هل يصح، التذرع أو الاعتداد بالمبدأ البرلماني القائل، "بان من حق الأكثرية النيابية أن تحكم، ومن واجب الأقلية أن تعارض"؟
وباختصار نقول، إن النظام المعتمد في لبنان يتميز، على صعيد المراكز السياسية، بالطابع الطائفي- التوافقي "الشامل"، أما على صعيد القرارات المتخذة في مجلس النواب ومجلس الوزراء، فإنها تبقى خاضعة لمنطق الأكثرية العادية أو أكثرية الثلثين. وتحمل هذه الأكثرية، في طياتها، طابع طائفي- توافقي معين. وقد يكون هذا الطابع "شاملاً" في بعض الأوقات، وقد لا يكون في الأوقات الأخرى، وذلك حسب طبيعة القرار المتخذ والظروف المحيطة به.
وفي النهاية، نأمل من المجلس الدستوري، وفي معرض النظر في الطعون الانتخابية، أن يثي..........ر عفواً، مسألة دستورية ما جاء في قانون الانتخاب رقم 250/2008، لجهة المساواة بين الناخبين اللبنانيين في ما بينهم، وان يتخذ بالتالي القرار المناسب.





  • مقالات ذات صلة

  • العنوان

    بئرحسن - جادة الأسد - خلف الفانتزي وورلد - بناية الإنماء غروب - الطابق الأول
    Baabda 10172010
    Beirut – Lebanon
    P.O.Box: 24/47

    وسائل الاتصال

    Tel: +961-1-836610
    Fax: +961-1-836611
    Cell: +961-3-833438
    info@dirasat.net

    التواصل الاجتماعي