كتابات الموقع > حسب العنوان > مقالات> مقالات: حزب الله والدولة: المواءمة بين الاستراتيجيا الوطنية والدور الإقليمي - 1/ د. علي فياض
مقالات: حزب الله والدولة: المواءمة بين الاستراتيجيا الوطنية والدور الإقليمي - 1/ د. علي فياض
الدكتور علي فيّاض

بعد انسحاب القوات السورية من لبنان في نيسان/ أبريل 2006، شعر حزب الله بأنه مضطر إلى المشاركة في الحكومة لتأمين توازن بين القوى اللبنانية المختلفة وحماية موقع لبنان الدقيق في المعادلة الإقليمية. تؤكد هذه الورقة، التي كتبها رئيس مركز البحث والتفكير الرئيسي لدى حزب الله، أن الحزب مصر على التمسك بالنظام السياسي اللبناني الذي تستند ديموقراطيته إلى قاعدة التوافق، وأنه يؤيد دولة قوية ومركزية. ويشكّل هذا الموقف تطوراً في إدراك هذه الحركة لمتطلبات التوازن المحلي اللبناني، كما لتقديراتها حول أهمية الاستقرار الداخلي في خدمة مشروعها الوطني ومن أجل نجاحها في مهمتها العربية والإسلامية.
وبينما كان الحوار الوطني بين مختلف الفصائل اللبنانية، الذي انطلق في ربيع 2006، يحرز تقدماً في مسائل تقاسم السلطة، برزت خلافات في وجهات النظر تتعلق بالسياسة الخارجية، وفي المقدّمة منها ما يخص الاستراتيجيا حيال إسرائيل والتحالفات الإقليمية التي شكّلت خطوط انقسام. وعشية الحرب الإسرائيلية على لبنان، كان حزب الله يحاجج بأن نقاش مسألة سلاحه يجب أن يكون جزءاً من نقاش أوسع حول الاستراتيجيا الوطنية الدفاعية، التي توفر ضمانات متبادلة بين مختلف المجموعات اللبنانية وتصالح الوظيفة الدفاعية للمقاومة مع خطة الدولة لاستعادة السيادة بعيداً عن التأثيرات الخارجية. ووفق نظرية "التوازنات المتصلة" التي يلتزم بها السيد حسن نصر الله، فإن مساهمة حزب الله في المعادلة الإقليمية هي محصّلة آلية لإنجازاته في المجال الوطني المحلي. وهكذا تصبح المصالح الوطنية المعيار الرئيس الذي يحكم سلوك الحركة، ويصبح التناقض بين دوريها الوطني والإقليمي نافلاً. بعد الحرب مع إسرائيل، اتسعت شعبية حزب الله الإقليمية كثيراً وبما يفوق كل التوقعات، ولكن الحزب يشدد مجدداً على تمسكه ببرنامجه الوطني اللبناني.
شكَّل دخول حزب الله إلى الحكومة اللبنانية بعيد الانسحاب العسكري السوري من لبنان، تطوراً نوعياً في مساره السياسي. فالحزب كان قد استنكف مراراً عن المشاركة في التشكيل الوزاري، رغم توافر الفرصة له، إذ كانت نظرته إلى الحكومة مشوبة بشيء من التحفظ رغم تأثيره الواضح بالسلطة وبالتوازنات السياسية اللبنانية.
فمنذ أيار/ مايو في العام 2000، تاريخ الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني تحت ضغط أعمال المقاومة، ما كان ممكناً تشكيل أية حكومة لبنانية لا تأخذ في الاعتبار تأثير الحزب على تشكيلتها وتوجهاتها السياسية، لا سيما ما يتعلق بالسياسة الخارجية اللبنانية والخيارات الاستراتيجية التي تتصل بالصراع مع إسرائيل. ذلك أن المقاومة امتلكت ثقلاً معنوياً راح يعبّر عن حضوره على صورة سلطة رديفة تؤدي وظيفة معيارية. على هذا الأساس، لا يمكن أن نعتبر مشاركة حزب الله في الحكومة تحولاً أو تغيراً، بقدر ما يمكن اعتبارها تطوراً، فالتأثير في تركيبة وتوجهات السلطة في لبنان لم يكن متلازماً في حالة حزب الله مع الدخول إلى الحكومة. وهذه حالة مفارقة، قد يجدر البحث عن خصائصها وعوامل تفسيرها.
على أي حال، تطرح علاقة حزب الله بالسلطة رغم خصوصيتها، إشكالية العلاقة بين الحركات الإسلامية والسلطة غير الدينية، وتظهر إلى مدى بعيد، الشروط الضرورية لتطور الحركة الإسلامية في علاقتها بالبيئتين السياسية والاجتماعية.
إن حالة حزب الله قبل اشتراكه في الحكومة يمكن أن نعبّر عنها بأنها سلطة من غير سلطة، وكانت هذه السلطة قادرة على أن تؤدي دوراً حاسماً في مجالها الذي يتصل بالصراع والخيارات الاستراتيجية. أما في المجالات الأخرى التي تتصل بالإدارة والمؤسسات والوظائف المدنية للسلطة، فقد كان حزب الله خارج أية فاعلية تذكر.
فعلى مدى عقدين من المقاومة، قارب حزب الله السلطة بطهرانية نضالية، لم تكن تحول فقط دون أن تكون السلطة هدفاً له، بل كان ينظر لها على أساس أن الدخول إلى رحابها يتناقض مع منطق المقاومة ومقتضياتها. إن ما فرض على حزب الله الإقدام على خطوة الدخول إلى السلطة، هي التحولات الدراماتيكية التي عصفت بالتوازنات السياسية اللبنانية من جراء الانسحاب العسكري السوري. لقد أدى ذلك إلى فراغ استراتيجي في إدارة الدولة وإلى تبدّل في أحجام القوى وانكشاف في سياسات الدولة وخياراتها الكبرى وتهديد لموقعها في المعادلة الإقليمية.
في مقابل الانحسار الإقليمي داخل التوازنات الداخلية اللبنانية، كان على القوى والاتجاهات المختلفة أن تمتد تلقائياً بناءً على أحجامها الفعلية، وأن تعيد تموضعها في اصطفاف سياسي مستجد.
وفي ضوء ذلك، ومن وجهة نظر حزب الله، لم يعد ممكناً حماية مشروع المقاومة وتصويب بناء الدولة من خارج بنية السلطة. لقد شكّل هذان الهدفان مسوِّغين قاهرين لخطوة الدخول إلى الحكومة. كما لم يعد ممكناً كذلك لحكومة أن تمتلك مصداقية التمثيل الشعبي الواسع، مع بقاء حزب الله خارجها. إن ذلك سيفضي في حال حصوله، إلى توزيع تمثيل الثقل الشعبي خارج السلطة وداخله، مع أرجحية للخارج، مما يعني اضطراباً وعدم استقرار في تركيبة السلطة وأدائها.
في اللحظة الراهنة تقبع البلاد في مأزق حاد، على خلفية انقسام سياسي عميق بين اللبنانيين.
فعلى الرغم من أن الحكومة الراهنة تضم معظم الاتجاهات والقوى الأساسية في البلاد، يستثنى منها التيار الوطني الحر بزعامة الجنرال ميشال عون، وزعامات وأحزاب أخرى موالية أو حليفة لسوريا. إلا أنها خضعت بدورها لعواقب الانقسام المشار إليه، فتعطلت حيناً وقوطعت حيناً آخر، وعصفت بها المشادات الحادة، وجرى تشكيل إطار للحوار الوطني بمحاذاتها لمعالجة الملفات الكبرى التي ينقسم اللبنانيون حولها، على النحو الذي بدا وكأنه فعلياً أعلى سلطة في البلاد.
إن الانقسام السياسي الراهن بين اللبنانيين يتوزع وفق منطقين:
- منطق تكتل 14 آذار/ مارس الذي بات يعرف لاحقاً باسم تكتل 14 شباط/ فبراير بعد خروج ميشال عون منه. ويرفع هذا التكتل شعارات تحميل سوريا مسؤولية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وينادي بالسيادة والحرية والاستقلال، ويستند في مواقفه إلى القرارات الدولية التي صدرت حول لبنان، وعلى رأسها القرار 1559 الذي يدعو إلى نزع سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية.
كما ينادي هذا التكتل بإقالة أو تغيير رئيس الجمهورية اللبنانية العماد إميل لحود وترسيم الحدود مع سوريا، بما فيها مزارع شبعا المحتلة، ويدعو إلى نزع سلاح المقاومة (حزب الله) ونزع سلاح المنظمات الفلسطينية.
- في المقابل، يطرح تكتل 8 آذار/مارس شعارات مختلفة، ويصوغ موقعه السياسي وفقاً لحسابات أكثر انجذاباً للدمج بين البعدين الوطني والقومي. فبالإضافة إلى مطالبته بضرورة بناء دولة مؤسسات تقوم على التوازن والمشاركة، فإنه يعطي أولية للحفاظ على موقع لبنان في معادلة الصراع مع إسرائيل، ويترجم ذلك بالتمسك بسلاح المقاومة في سبيل تحرير ما تبقى من أرض لبنانية محتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية، ومواجهة الأطماع والتهديدات الإسرائيلية. ويرى أن البت بمصير سلاح المقاومة يتقرر على ضوء اتفاق اللبنانيين على استراتيجية دفاع وطني توفر الحماية للبنان. كما لا يرى ما يستوجب تغيير رئيس الجمهورية ما لم يتم التوافق على المشروع السياسي للبلاد وعلى اسم الرئيس البديل القادر على تنفيذ هذا المشروع.
أما بشأن السلاح الفلسطيني، فيرى ضرورة معالجته في إطار المصالح الوطنية اللبنانية ومقتضيات الصراع مع إسرائيل، مما يستوجب الحوار الهادئ مع الفلسطينيين ومنحهم كامل حقوقهم المدنية التي تسمح لهم بالعيش الكريم.
ويشدد هذا التكتل على العلاقات المميزة مع سوريا، ولا يمانع من ترسيم الحدود معها، باستثناء مزارع شبعا بسبب خضوعها للاحتلال الإسرائيلي، كما لا يمانع  بتبادل السفارات بعد بناء إجراءات الثقة المتبادلة التي تعيد العلاقات بين البلدين إلى مجاريها الطبيعية.
إن الانقسام في الرؤى والمواقف بين التكتلين، يمتد كذلك ليشمل التحالفات الإقليمية والدولية، ففي حين يمتاز تكتل 14 شباط/ فبراير بعلاقات طيبة مع المحور الأميركي – الغربي، يذهب تكتل 8 آذار/ مارس في اتجاه مناقض، إذ يركّز على أولوية العلاقات مع المحور السوري- الإيراني، ويتمسّك بضرورة أن يؤدي العرب دوراً أساسياً في معالجة الأزمة القائمة.
يظهر جلياً، بالنظر إلى طبيعة القضايا المختلف عليها، أن الانقسام الأساسي بين اللبنانيين الذي يشكّل جوهر الأزمة السياسية الراهنة، يتركّز على سياسة لبنان الخارجية وخياراته الكبرى تجاه الصراع مع إسرائيل وموقعه وتحالفاته داخل البيئة الإقليمية. ومن الطبيعي أن يمتد هذا الانقسام باتجاه التوازنات الداخلية وموقف كل طرف فيها، لينتج كذلك تفاوتاً في الخطاب السياسي تجاه القضايا الداخلية، وإن تكن أقل حدة مما هي عليه في ما يتعلق بالقضايا الخارجية.
في صلب تناقضات خريطة المواقف والتحالفات هذه، يشكّل حزب الله محور "تكتل 8 آذار"، ويتم التعاطي معه من قبل القوى المحلية والدولية بوصفه مركز الثقل في إدارة هذا التكتل.
إن تحليل سلوك حزب الله السياسي ومواقفه وأطروحاته في التعاطي مع أزمة الانقسام اللبناني الراهنة، وتحليل علاقاته ونظرته إلى السلطة ودوره فيها تمتلك أهمية منهجية خاصة، نظراً لما يعكسه من تجربة لحركة إسلامية تمارس العمل السياسي في بيئة تعددية والنضال المسلح ضد الاحتلال.
علينا في سبيل هذا التحليل أن نلتقط عدة محطات رئيسية برزت في مواقف وسلوك الحزب إبان الأزمة الراهنة الممتدة منذ أكثر من عام. ولنبدأ من السياسة الانتخابية النيابية التي اعتمدها حزب الله في الانتخابات النيابية التي جرت بعد الانسحاب السوري مباشرة، حينما اخترق بتفاهماته الانتخابية الاصطفاف السياسي الذي كان قائماً "وفقاً" لمجموعة متداخلة ومعقدة من القضايا يأتي في طليعتها الموقف من سوريا واتهامها بمقتل الرئيس الحريري، والمحكمة الدولية والموقف من القرار الدولية 1559.
لقد سمي التفاهم الانتخابي وقتذاك بالتفاهم الرباعي، وقد ضم حزب الله وحركة أمل من ناحية، وتيار المستقبل بزعامة سعد الدين الحريري والحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط. لقد كانت تلك الخطوة خارجة عن المألوف، وتبدو محطة مفارقة في سياق الاصطفافات الجديدة التي أنتجها الانسحاب السوري، وقد مهّد هذا التفاهم لتشكيل الحكومة الحالية بتوازناتها الراهنة، إن التسوية التي مثلت أرضية التفاهم الانتخابي وتشكيل الحكومة قامت على صون الوحدة الوطنية وإعادة بناء الدولة وحماية المقاومة واحتواء مفاعيل القرارات الدولية من خلال تحويل موضوعاتها الإشكالية إلى قضايا يختص الحوار الوطني الداخلي بالنظر بشأنها ومعالجتها.
لقد تمكنت هذه التسوية من الصمود وتغطية تعقيدات العلاقات السياسية الداخلية وتناقضاتها العميقة لفترة قاربت الأشهر السبعة قبل أن تتعرض لاهتزازات حادة عبرت عن نفسها على صورة تراشق إعلامي عنيف وتظهير للخلافات في المواقف السياسية تجاه القضايا المطروحة، وعلى رأسها موضوعات سلاح المقاومة والعلاقات اللبنانية – السورية ومصير رئاسة الجمهورية. إن ذلك أدى على اضطراب في أداء الحكومة واستقرارها لكنه لم يفض إلى انهيارها، كما أثمر ولادة إطار الحوار الوطني الذي أشرنا إليه سابقاً.
إن السلوك المتميز لحزب الله تجاه أخصامه السياسيين على خلفية التمسّك بالحوار وبناء التفاهمات السياسية وفق تسويات واقعية تلحظ التوازنات السياسية وحاجة البلاد إلى الاستقرار، تكررت في محطة لاحقة مع خصم سابق، وفي تجربة لا تقل دلالة وأهمية عن تجربة التفاهم الرباعي، بل قد تفوقها أهمية. وهي تجربة إنجاز ورقة التفاهم السياسي بين حزب الله والتيار الوطني الحر الذي يتزعمه الجنرال ميشال عون. لقد شكّلت وثيقة التفاهم تطوراً نوعياً ي طبيعة التحالفات السياسية القائمة، ذلك أن الطرفين ربما يمثلان الاتجاهين الأوسع شعبية، وينتمي أحدهما إلى الطائفة الإسلامية والآخر إلى الطائفة المسيحية، كما أنهما يرتكزان على خلفيات سياسية مختلفة، وتاريخ سياسي أكثر اختلافاً، ومع ذلك تمكنا من صياغة تفاهم سياسي مشترك تـأسس على تنازلات متبادلة، وبناء مقاربات سياسية توفيقية لقضايا سياسية شائكة. وعلى الرغم من تضمن الوثيقة لمواقف شاملة تجاه كل القضايا المطروحة، إلا أن أبرز مرتكزاتها يتصل بتحول في موقف التيار الوطني تجاه المقاومة على قاعدة الموافقة على حفظ سلاحها لاستكمال التحرير وإطلاق الأسرى اللبنانيين والبحث مستقبلاً في استراتيجية دفاعية وطنية. وفي المقابل وافق حزب الله على تبادل السفارات مع سوريا وترسيم الحدود، بعد بناء إجراءات الثقة معها.
لقد أوجدت وثيقة التفاهم مناخاً سياسياً واجتماعياً أعاد خلط الأوراق الداخلية ودفع الانقسام السياسي إلى وجهة أفقية تتجاوز الانقسامات التقليدية اللبنانية. فعلى الرغم من وحدة الموقف السياسي الشيعي، إلا أنه في المقابل جرى تظهير انقسام حاد داخل الطائفة المارونية، كما أظهر تعذراً شديداً في العودة إلى تمفصل الانقسام السياسي اللبناني على قاعدة الانقسام الإسلامي – المسيحي، وهو أخطر الانقسامات وأكثرها تهديداً للاستقرار وللسلم الأهلي.
بالإضافة على ما سبق، فإن وثيقة التفاهم التي قاربناها بوصفها محطة ثانية في فهم سلوك حزب الله السياسي في المرحلة الراهنة، انطوت على ما يمكن أن نعتبره بعداً جوهرياً بدوره، في فهم الفكر السياسي اللبناني لحزب الله، إن صح التعبير، ونقصد بذلك، التأكيد على الطبيعة التوافقية للنظام السياسي اللبناني. وفي واقع الحال، شكَّل هذا الموقف إحدى المقولات الأساسية التي راح حزب الله يكررها دون ملل في مواجهة ما اعتبره استئثاراً من قبل فريق الأكثرية في إبان الأزمة التي عصفت بالحكومة، بعد لجوئها لاتخاذ قرارات أساسية وفقاً لقاعدة الأكثرية والأقلية.
 





  • مقالات ذات صلة

  • العنوان

    بئرحسن - جادة الأسد - خلف الفانتزي وورلد - بناية الإنماء غروب - الطابق الأول
    Baabda 10172010
    Beirut – Lebanon
    P.O.Box: 24/47

    وسائل الاتصال

    Tel: +961-1-836610
    Fax: +961-1-836611
    Cell: +961-3-833438
    info@dirasat.net

    التواصل الاجتماعي