كتابات الموقع > حسب الموضوع> مقالات: دور الدولة في التعليم العالي وخاصة الجامعة اللبنانية / د. محسن صالح
مقالات: دور الدولة في التعليم العالي وخاصة الجامعة اللبنانية / د. محسن صالح
الدكتور محسن صالح*

الدولة هي شخصية معنوية مجردة تتمظهر أو تتجسد من خلال مجموعة من المؤسسات التي تشرع سلطة هذه الدولة (مهما كان شكلها) على المجتمع بكافة شرائحه وطبقاته الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتعليمية.
والدولة التي تحتفظ بقدر عال من التنظيم والتفعيل لهذه المؤسسات الراعية لجميع مواطنيها، هي الدولة القادرة على بسط نفوذها وسيطرتها على الكافة.
والدولة بمؤسساتها (التشريعية والقضائية والتنفيذية) ومناطق نفوذها تكون عادلة عندما يشعر جميع الأفراد (المواطنين) المنضوين تحت رعايتها بالقدر الكافي من الاهتمام والتقدير والعناية.
والدولة - تاريخياً - لا تضعف أو تتفسخ أو تنهار، إلا عندما يشعر مواطنوها بأنها أصبحت مجرد سلطة فئة أو ناحية أو حاشية - طبقة أو فرد - تمارس الحكم وتجبي الضرائب من دون أن تتكفل الجميع وتحميهم.
لذلك، فإن انجح الدول هي التي تستخدم السلطات ومقومات الدولة لرعاية الجميع لتضمن ولاء الجميع لها، مهما كان المجتمع متنوعاً جغرافياً - دينياً - ثقافياً أو طبقياً.


مؤسسات الدولة

مؤسسات الدولة عادة ما تكون منقسمة إلى قسمين أساسيين:
الأول: ما تمارس به الدولة فعل السلطة لحفظ الحدود والسيادة من أي اعتداء خارجي وامن داخلي لتطبيق القانون الذي إرتضاه المواطنون ليكون حكماً بينهم.
هذه المؤسسة اصطلح على تسميتها الجيش والأمن الداخلي وغيرهما من المؤسسات المدافعة عن الوطن- الذي عنوانه الدولة- فهي يد الدولة في الدفاع والحماية. الدفاع ضد الخارج والحماية في الداخل.

الثاني: وهي المؤسسات الرديفة الأبعاد - والتي لا تقل أهمية عن الأولى - والتي تحفظ الوطن ووحدته ونموه وازدهاره وبالتالي سعادته - وهي تلك المشكلة لعقل الوطن ورافد من وروافد الدولة الأساسية لشغل المواقع التي تتألف منها الدولة والسلطة.
من هذه المؤسسات مؤسسات التعليم العامة والخاصة.
الخصوصية اللبنانية في الدولة والمؤسسات، تتمثل في أن لبنان بلد ووطن متنوع الرؤى والطوائف، لهذا فقد تأسست دولته على توازن طوعي بين هذه الطوائف والرؤى. إلا أن هذه الأخيرة - الطوائف والرؤى غلبت عليه في فترات تاريخية متعاقبة، حيث قويت الطوائف والرؤى على حساب الوطن، مما أعطى قوة وسلطة لهذه المجموعات على حساب الدولة. لذات وجدنا أن المؤسسات التعليمية الخاصة بدأت نشاطها في لبنان البلد من قبل أن يتشكل لبنان كوطن ودولة. وكان السعي التاريخي الدائم - من خلال هذه المؤسسات التعليمية الخاصة- هو تشكيل عقل وثقافة فئوية تستطيع حكم البلد من خارج قانون وثقافة ودولة تحمي وتستقطب الجميع.

أما وان لبنان حاول أن يصبح دولة ووطن لجميع أبنائه، فقد أسس جامعة وطنية للبنانيين كافة في أواسط القرن الماضي. وقد تدرجت أهمية الجامعة اللبنانية لدى الدولة، إلى أن أضحت العمود الفقري للمؤسسات العلمية والتعليمية داخل الوطن. وامتلكت هذه الجامعة المهارات والعقول القادرة على النهوض بالوطن والدولة والمؤسسات الأخرى - وان تمدها بأرقى الكفاءات والمهارات والخبرات.
وإن كانت بعض الكفاءات، وفي لحظات سياسية خطرة، هاجرت إلى بلاد أخرى كي تحظى بالاحترام والتقدير والعيش بكرامة.

والآن، ومع بداية استقرار الدولة ووحدة مؤسساتها- حيث ينتظر اللبنانيون كافة من هذه الدولة أن تدعم جامعة الوطن وتعطي الانتباه الفائق للتعليم العالي حيث تتيح لهذه الجامعة الفرصة كي تشكل منارة عقلية وثقافية ومعملاً لصناعة الأفكار الوطنية الجامعة، بالإضافة إلى الخطط العلمية القادرة على النهوض بالوطن اقتصادياً وتنموياً وتقنياً... هذا إذا أرادت الدولة اللبنانية بسلطاتها كافة أن تصهر في بوتقتها الفئات اللبنانية، لأنه لا يمكن استبدال العقل الوطني بعقل أجنبي، ولا المهارات الذاتية بيد خارجية، ولا الجامعة اللبنانية بجامعات "خاصة".

إن حاجة الدولة الراعية للجميع - بسلطاتها كافة - إلى الجامعة اللبنانية تنبع من أساس بديهي وهو أن وظائف الدولة تحتاج إلى عقول تتخرج من جامعة كل الوطن لتحافظ عليه لأنه هي. لهذا فان على الدولة أن تقوم بتشجيع التعليم العالي في الجامعة الوطنية انطلاقاً من الأسس التالية:

الدعم المالي:
1- رفع موازنة الجامعة اللبنانية
2- تشجيع ودعم مجانية التعليم بمراحله كافة
3- إيجاد الاختصاصات الجامعية التي تستوعب كافة الطلاب المتخرجين من الثانويات الرسمية.
4- القيام بإحصائيات ودراسات حول التناسب والتوازن بين سوق العمل والمتخرجين من الجامعة اللبنانية وتقديم خطة لاستيعاب الاختصاصات العلمية والعلوم الإنسانية في مؤسسات الدولة.
5- الاعتماد على خبرات ومهارات واختصاصات الجامعة اللبنانية في الدراسات والخطط التي تقوم بها المؤسسات الوطنية بدل استئجار الشركات الأجنبية والتعاقد معها.
6- إن استقلالية الجامعة عن التدخلات الفئوية والسياسية يعطيها بعداً وطنياً شاملاً ويمتن قوتها العلمية ورقيها في مقابل الجامعات العالمية منها، والخاصة المحلية. وهذا يتطلب تفعيل دور مجلس التعليم العالي ومجلس الجامعة من خلال:
أ‌- إصدار المراسيم التطبيقية في إنشاء المجمعات الجامعية للجامعة اللبنانية في المناطق والمحافظات ورصد الموازنات التي تقدر إدارة الجامعة من استيعاب الطلاب الذين يتزايد أعدادهم بشكل مضطرد حيث يضطرهم ذلك إلى الذهاب إلى الجامعات الخاصة التي تتمتع بحرية مطلقة ومستوى علمي غير ملائم...
ب‌ - تقوم الدولة ممثلة بوزارة الوصاية ومجلس التعليم العالي بدور المراقب والممول للجامعة مع إعطاء مجلس الجامعة دوره الحقيقي المنصوص عليه في قانون المجالس التمثيلية- والذي يحتاج إلى تعديلات تتناسب مع حجم الجامعة مستقبلياً.
ج - اعتماد اللامركزية بتوزيع الفروع والمجمعات الجامعية بحيث تناسب مع إعداد طلاب المناطق وتخصص بموازنات ومبانٍ بحسب أعداد الطلاب...
د - إن تحديث الجامعة من حيث الشكل والمضمون من اختصاص الهيئات المشرفة على الجامعة وبتوجيه من مجلس التعليم العالي... لذلك فإن إعداد وتأهيل الطاقات الموجودة في الجامعة وبشكل دوري يجب أن يشكل المضمار الأساسي لخطط وتوصيات هذه الهيئات وبرصد موازنات تدريبية وتأهيلية سنوية وبحسب الكليات والفروع في كافة الاختصاصات والمناطق.
هـ - التأهيل المستمر للأساتذة بكافة رتبهم.
و - التطوير المستمر للمناهج من خلال مجالس الكليات والفروع والاختصاصات.
وبما أن وظيفة الجامعة تتجاوز إطارها التعليمي وهي المنتج الأول للنخب السياسية والاجتماعية والاقتصادية لهذا فإن إيلاء الاهتمام للجامعة هو بلا شك رافعة الوطن والدولة والسلطة ومؤسساتها.
فلا يمكن لوطن أن ينجح مواطنوه ودولته دون أن يكون يتغذى بنور العقل المفكر والسالك لرفعة الإنسان المواطن المدرك لمسؤولياته تجاه المجتمع بكافة فئاته...

----------------------------------------------

*مدير معهد العلوم الاجتماعية الفرع الأول - الجامعة اللبنانية منذ سنة 2007....
 أستاذ الفلسفة والانتروبولوجيا في معهد العلوم الاجتماعية - الفرع الخامس  وكلية الآداب، في الجامعة اللبنانية منذ سنة 1994- 1995





  • مقالات ذات صلة

  • العنوان

    بئرحسن - جادة الأسد - خلف الفانتزي وورلد - بناية الإنماء غروب - الطابق الأول
    Baabda 10172010
    Beirut – Lebanon
    P.O.Box: 24/47

    وسائل الاتصال

    Tel: +961-1-836610
    Fax: +961-1-836611
    Cell: +961-3-833438
    [email protected]

    التواصل الاجتماعي