تواجه دول مجلس التعاون الخليجي في العقد الثاني من القرن الحالي سلسلة استحقاقات سياسية يرجح أن تؤدي إلى تخلخل البنى التقليدية التي تأسست عليها المنظومة الإقليمية في ثمانينيات القرن الماضي. بين الثمانينيات والعقد الثاني من القرن الحالي هناك أكثر من 30 سنة من المتغيرات الاستراتيجية التي شهدتها العلاقات الدولية والإقليمية وما كان لها من تأثيرات جيوسياسية على الهياكل المحلية. فالمنطقة الخليجية لن تستطيع الصمود خارج التاريخ وتحولاته، حتى لو نجحت نسبياً في النأي بالنفس عن الانقلابات الجارية في الجوار الجغرافي والمحيط السياسي. فهذه الانقلابات الباردة أحياناً والساخنة أحياناً أخرى لن تمر بسهولة ومن دون أن تحدث تفاعلات وارتدادات.
تملك مصر نظريًا القدرة على تغيير موازين القوى في الشرق الأوسط عبر التأثير في أنماط التحالفات بين القوى الأربع الكبرى فيه، بالرغم من الضائقة الاقتصادية التي تمر بها الآن. وفق ذلك المقتضى تصبح تطورات مصر الداخلية مسكونة بإمكانية التأثير على الديناميكيات الإقليمية. وقد لعبت مصر في تاريخ الشرق الأوسط الحديث دورًا إقليميًا منفردًا في الفترة الواقعة بين عامي 1955 و1967، وذلك بالمعايير العلمية لتعريف أدوار القوى الإقليمية.
مع سقوط نظام بن علي في تونس ولاحقاً نظام مبارك في مصر، وجد حزب الله في هذه التحولات فرصة تاريخية خاصة لما يشكله نظام مبارك بالنسبة لأمن "إسرائيل" والمشروع الأميركي. وكان تأييد حزب الله لهذه الثورات ينطلق من بعدها الشعبي الذي أسقط أنظمة استبدادية عميلة للغرب، مع الأمل أن هذه الشعوب ستقيم أنظمة جديدة داعمة لمشروعه في المقاومة أو غير معادية له على الأقل، لا سيما في ظل الروابط التاريخية مع القوى الثورية الأساسية ولا سيما الإسلامية والقومية منها.
لم تكن المتغيرات العربية (الثورات (التي بدأت في تونس ثم انتقلت إلى بلدان أخرى وخصوصًا إلى مصر في حسبان كثير من القوى والأحزاب والمحللين في بلدان المنطقة أو في خارجها. صحيح أن عوامل الانفجار كانت كثيرة وتتراكم سنة بعد سنة اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا...
تاريخياً، كان الإخوان أكثر تركيزاً على مسألة الهوية منهم على المسألة الاجتماعية. غير أن قيادة الجماعة، وإن كانت قليلة الكلام على المسألة الاقتصادية، عملت تدريجياً منذ نهاية حكم عبد الناصر على تكوين رؤية ليبرالية، نتوقف عند بعض ذرواتها....
قليلة هي الأبحاث الجدّية في العالم العربي كما الغربي، التي تبحث في الأسباب الاقتصادية- الاجتماعية التي ساهمت في ولادة الثورات العربية، وأقلّ منها الأبحاث في تحول المنظومة الاقتصادية- الاجتماعية السابقة إلى منظومة مستقلَّة عن النموذج النيوليبرالي. وقد غاب عن تحليل مجريات الأمور الثورية أي إشارة إلى طرق ووسائل الوصول إلى نمط تنموي متجدد، مستقل عن النموذج النيوليبرالي الذي تفرضه مؤسسات التمويل الدولية، كما الإقليمية العربية أو الإسلامية.
هذا التقرير هو محاولة قراءة وفهم للأحداث العربية، التي انعقدت عليها آمال شعوبٍ ومجتمعاتٍ تتوق إلى التغيير والتحرر. وبالفعل كسرت تلك الأحداث لحظة اندلاعها الركود الذي هيمن على أحوال الأنظمة عقوداً عدة، فوسعت المجال العام ومنحت القوى الحيّة فرصة التعبير عن نفسها بعد طول انطواء. لكن قوة التحولات وما رافقها من تشظٍ سياسي وفائض في العرض الخطابي كشفت عن بعض ما كان مخبوءاً في قاع الوعي من تناقضات وأزمات وأوهام، ثم أظهرت الوقائع اللاحقة على نحو لا لبس فيه أن الاستنهاض التاريخي المطلوب لا يمكن أن يختصره التأويل المبسّط لكلمتي الحرية والديمقراطية.
العنوان
بئرحسن - جادة الأسد - خلف الفانتزي وورلد - بناية الإنماء غروب - الطابق الأول
Baabda 10172010 Beirut – Lebanon P.O.Box: 24/47 وسائل الاتصال
متفرقات
|