يسلط د. البير داغر في كتابه الجديد1 الضوء على اتجاهات في التنمية لا تحظى، أو لم تعد تحظى، بعناية كافية في بلداننا، مثل المؤسساتية والبنيوية وأفكار جون ماينارد كينز وما بعده، فيؤسس بذلك لنقاش متجدد بشأن دور الدولة وشروط نجاحها، من دون التورط بالسرديات الجازمة والرطانات المكررة. ومع أنه كُتب على دفعات وفي تواريخ ومناسبات متعددة فقد نجح صاحب الكتاب في أن يكسبه وحدة تأليفية، وسياقًا يدور حول إشكالية من فرعين: نقد من زوايا عدة للنيوليبرالية، وتأكيد على دور القطاع العام بوصفه فاعلًا جماعيًا لا "ساحة صراعٍ بين القوى والمصالح الاجتماعية" ولا نقيضًا للقطاع الخاص، ممهدًا بذلك السبيل أمام إعادة الشرعية لدور القطاع العام في إعادة الإعمار، الذي يتعرض للاستبعاد والتهميش.
يستمد د. البير داغر مقارباته من مصادر عدة، فهو يأخذ من "ألبرت هيرشمان" رأيه بأن وظيفة الدولة في التنمية هي على وجه الخصوص "تعظيم قدرة النخب الاستثمارية على اتخاذ القرارات الاستثمارية"، ومن "ألس أمسدن" التأكيد على التصنيع المتأخر القائم على التعلم التكنولوجي من خلال الممارسة والمحاكاة والتدرج في طريق الابتكار، ومن "بيتر ايفانز" إعادة توصيف دور الإدارة العامة المتماسكة والمستقلة في التنمية، ومن جان ماينارد كينز والكينزيين الجدد تصويب النظرة إلى الانفاق الاستثماري، بوصفه عاملا أساسيًا في النمو لا مزاحمًا للقطاع الخاص على الموارد، ومن "هنري بريتون" و"ماديسون" وغيرهما النقاش النظري لتجربة استبدال الواردات وربط فشلها بتركيز الدول التي تبنتها على إنتاج سلع الاستهلاك وليس آلات التجهيز والسلع الترسملية.. كما وقف على مسافة غير بعيدة من نظرية التبعية، لكنه ربطها بدور النخب المحلية المستزلمة والمرتبطة بالخارج في التبادل غير المتكافئ مع الخارج.
القطاع العام: كيان اجتماعي أم بيروقراطي؟
في نقاشه لدور الدولة، يرسم الكاتب الصديق خطًا فاصلًا ما بين الرؤية البيروقراطية التقليدية التي تؤيد هذا الدور أو ترفضه استنادًا إلى معياري الكفاءة والفعالية، وبين الرؤية غير التقليدية التي ترى في القطاع العام كيانًا جماعاتيًا يتسم بالتماسك الداخلي، ويمتلك عصبية إدارية تجعله مؤثرًا في المجتمع ومتأثرًا به، ولا يمكن أن تستبدل به أدوار أخرى.
وفي نقده للنيوليبرالية يتعرض داغر على نحو خاص للتيار النفعي الجديد المناصر لدولة الحد الأدنى، والتي تكون فيها قوى السوق كيانًا مستقلًا عن المجتمع ومعزولًا عنه، ويتسم بجدارة لا تملكها الحكومة، فهذه بنظر مناوئيها مرتع خصب للريوع السهلة والمنافع الناشئة عن السلطة. ويضيف أنصار هذا الاتجاه بأن توسيع القطاع العام يعني زيادة الاعتماد على غير المنتخبين من الفنيين والاختصاصيين والبيروقراطيين في التخطيط وفي اتخاذ القرارات، مع أنهم لا يعبرون عن الإرادة العامة، ولا يردعهم رادع عن أن يقدموا مصالحهم الخاصة على ما عداها.
ركز الكاتب على دروس التجربة الآسيوية، التي جسدت النظرة الجديدة لدور القطاع العام في إطار ما يعرف بالفيبرية المعززة. كانت الإدارة العامة الفعالة في تجارب دول شرق آسيا، الأساس الاجتماعي لا البيروقراطي فحسب في نجاح التنمية، وعلى الرغم من وجود قطاع خاص وفاعل وشركات خارجية، لم تنشأ علاقة غير متوازنة بين الطرفين، ولم يظهر إلى الوجود نموذج الإدارة العامة القائم على النهب. كان القطاع العام هو الأساس الذي ارتكزت عليه الدولة التنموية التي احتضنت تجارب التصنيع المتأخر، القائمة على الاستثمار واكتساب التكنولوجيا وتوطينها بصفتها قاعدة الانطلاق نحو التنمية. وبخلاف ذلك أعطت نظريات التحديث والتغيير الهيكلي أهمية متقدمة للتمويل ومراكمة رأس المال المادي. لكن نظريات النمو الحديثة أو النمو باطني المنشأ دمجت التقدم التقني في نماذجها الرياضية ومعادلاتها، ووسعت مفهوم الرأسمال ليشمل الرأسمالين البشري والاجتماعي إلى جانب رأس المال المادي2 .
إن النسج على منوال التجربة الآسيوية في مجال استراتيجيات التنمية، يتكامل مع الدعوة التي يتضمنها الكتاب لاعتماد برنامج كينزي على مستوى السياسات المالية في بناء مستقبل سورية الاقتصادي، حيث يؤدي الطلب الحكومي والخاص والخارجي دورًا أساسيًا في النمو. يمكن العثور على نقاط تلاق عدة بين الفكر الكينزي وما بعده، وتجارب دعم التصدير التي قامت بها دول آسيوية عدة، ومن بين هذه النقاط على سبيل الذكر، الأهمية المعطاة للاستثمار والتصدير بصفتهما مكونين أساسيين في الطلب، والدور الإيجابي في النمو الذي يؤديه كل من التقدم التقني، وإعادة توزيع الدخل لمصلحة المنتجين، على حساب أصحاب الريوع.
النيوليبرالية: تحليل الاقتصادي ودعوة سياسية
نوافق الكاتب ولا شك على فهمه للنيوليبرالية وتيار النفعية الجديدة ونقده لهما، لكن لا يمكن إنكار امتلاكهما في بعض الأحيان أصولًا صارمة للتحليل، من اقتصاديات الرفاه لفلفريدو باريتو إلى تحليلات ميلتون فريدمان المبكرة عن استقرار دالة الطلب على النقود على المدى الطويل، واهتمامه بخلاف كينز بالعرض النقدي، الأكثر تقلبًا وتأثيرًا على الإنفاق والأسعار. ولا يمكن التقليل أيضًا من شأن الأسس الفلسفية التي استند إليها فريدريتش فون هايك والذي أنكر من خلالها المبالغة في تقديس العقل، الباحث عن يوتوبيا متخيلة، يفضي الاستغراق بها في كثير من الأحيان إلى قيام مجتمع شمولي مغلق. كان هايك متشددًا في ليبراليته لكنه رفض المبالغة في التحليل الرياضي الذي يهواه النيوليبراليون، وهو عارض التخطيط لسببين؛ أولًا لأن اتساع نطاق الدولة يزيد من صعوبة تحقيق الإجماع على القواعد المسبقة والمعروفة سلفًا التي يستند إليها حكم القانون، وثانيًا لأن هذا التوسيع يعظم من نفوذ الفئات غير المفوضة شعبيًا في اتخاذ القرارات ووضع السياسات.
إلا أنّ المفارقة هي أنّ الدعوات المناهضة لتدخل الدولة أيًا كان شكله، لم تستند إلى الأعمال العلمية والأكاديمية التي أنجزها هؤلاء، بل إلى أدبياتهم الفكرية ذات المرجعية السياسية، كما في كتابي هايك "الطريق إلى العبودية" "والغرور القاتل" وكتاب فريدمان "الرأسمالية والحرية". كان الاعتقاد الرائج بين الليبراليين الجدد في أواسط القرن الماضي وما بعده، هو أنّ الحريات السياسية تشجع الحريات الاقتصادية وتحفز آليات السوق. أبرزت الوقائع عكس ذلك، ففي دول رأسمالية عدة، ترافقت الحريات السياسية الواسعة مع ظهور دولة الرفاه القائمة وفق نسخة مخففة من التخطيط المركزي المصاحب بتدخل واسع النطاق من الدولة. وهذا ما عده هايك نكوصًا وتخاذلًا في وجه المنظومات الشمولية. وبسبب هذه الخيبة تمسك مع مفكرين ليبراليين آخرين بفكرة "المخاطر التي يحملها التنظيم المركزي على الفردانية" وشددوا من ثم على أن الحرية الاقتصادية هي المدخل إلى الديموقراطية والليبرالية السياسية ومخرج من سلوك "طريق العبودية". وبرأي فريدمان تؤدي النظم الاقتصادية دورًا مزدوجًا في الارتقاء بالمجتمعات الحرة، فمن جهة تعد الحرية في النظم الاقتصادية عاملًا لا غنى عنه لتحقيق الحرية السياسية، ومن جهة ثانية الحرية الاقتصادية مطلوبة بحد ذاتها لتحقيق الحرية السياسية3. هذه الأفكار وغيرها هي التي رجّحت كفة الليبرالية الجديدة وبشّرت بأفكارها، استنادّا إلى حجج منطقيّة عامة وليس بناء على معارف دقيقة ومتخصصة على ما يزعم أنصارها.
كان إجماع واشنطن هو الترجمة الأيديولوجية لأعمال هؤلاء وسواهم. لكن التحليل الاقتصادي (العلمي) لا يكفي وحده، فالمطلوب وجود من يتخذه حجة في برنامج سياسي أوسع، لجعله أداة طيعة في أيدي السلطة. وشكل انهيار الاتحاد السوفياتي في بداية التسعينيات من القرن الماضي والانتصار الذي ظُنّ أنّه تاريخي وأبدي لليبرالية، فرصة لا بد من انتهازها لوضع هذه الأفكار موضع التطبيق.
مقاربات أخرى
لم يول الكتاب عناية بارزة أيضًا، وربما عن قصد، لمقاربات مفكرين بارزين في نقدهم الجذري للرأسمالية الليبرالية، مثل كارل بولانيي الذي ذكره الكاتب دون أن يشرح آراءه الرئيسية، ومن بينها أفكار لافتة يمكن البناء عليها في فهم العلاقة بين الاقتصاد والمجتمع، مثل قوله بأن عوامل الإنتاج الثلاثة المعروفة هي موارد اقتصادية زائفة، إما بسبب تحكم السلطات بها (الرأسمال النقدي) أو لصعوبة وضعها في قوالب نمطية وقابلة للقياس (العمل)، أو لأنها بكل بساطة الحياة مقسمة إلى أجزاء (الأرض والثروات الطبيعية). ويقدم بولانيي أيضًا في كتابه "التحول الكبير: الأصول السياسية والاقتصادية لزمننا المعاصر"، محاججة نقدية قوية ضد مبدأ أصالة الملكية من منظور تاريخي، وهو يرى أنّ السوق مؤسسة مندمجة في المجتمع وغير مفصولة عنه. لم يأت الكاتب أيضًا على ذكر جون كينيث جالبريت المعدود بين المؤسساتيين، وهو ممن أعطوا أهمية للمؤسسات الاجتماعية في الاقتصاد، وأظهر على نحو فذ تبعية الأفكار للمصالح الاقتصادية القومية والمراحل التاريخية. إلا أنّ عدم استفاضة الكاتب في عرض أفكار هؤلاء يتسق مع المنهج الذي اعتمده في هذا الكتاب، والذي يقوم على انتقاء الأدبيات والاقتباسات النظرية التي تحلل التجارب التنموية الناجحة، وهذا ما وجده لدى باحثي ومفكري التنمية الذين حللوا على نحو خاص الدروس المستفادة من دول شرق آسيا (مثل أمسدن و بريتون وايفانز و هيرشمان ..).
التنمية وإعادة الإعمار:
تضمن الكتاب معالجات مستفيضة لمقاربات التنمية والنمو لكنه لم يستكمل ذلك باستعراض متمم لنظريات إعادة الإعمار وتجاربه وأدبياته، كونه مدخلًا لا بد منه لبناء سورية وتنميتها.
لا شك أن الدمار الواسع والتحول الاقتصادي الناتج عن الحروب، يعد فرصة لا بديل لها من أجل القيام بالمراجعات الفكرية والسياسية اللازمة لمقاربات التنمية واستراتيجيات النمو وما يرافقهما من سياسات، بشرط أن يأتي ذلك في سياق يلبي الحاجات الملحة ويراعي القيود الواقعية التي لا مناص من مراعاتها في رسم خطوط المستقبل. فسورية الخارجة من الحرب أو تكاد، تواجه أربعة تحديات متزامنة، يمكن التعبير عنها بالأسئلة الآتية: أي مقاربة للتنمية في مرحلة ما بعد الحرب؟ وما هي سياسات إعادة الإعمار؟ وكيف تمول برامجه وعملياته؟ وما دور الدولة في كل ذلك؟
يسلط الكاتب كثيرًا من الضوء على مسألتي الإدارة الحكومية ونموذج التنمية في مناقشته لمستقبل سورية الاقتصادي، فأيد إعادة تأسيس القطاع العام وفق مبادئ الجدارة والاستحقاق والاستقلال، للقيام بدوره في رعاية تجربة التمرين التكنولوجي والتعلم، وفي تنفيذ سياسات كينزية قائمة على تعزيز الطلب الاستثماري وتمكين المنتجين. كما حلل على نحو مسهب المدارس الجديدة في التنمية مستخلصًا الدروس الناجحة للبلدان الآسيوية في تسعينيات القرن الماضي والذي تحذو حذوه بعض بلدان غرب آسيا في الوقت الراهن، وتُنصح سورية بالنسج على منوالها.
ويمكن الانطلاق من مضمون الكتاب في التفكير بالمسألتين الأخريين غير المشمولتين بالتحليل فيه؛ أي مسألتي التمويل وإعادة الإعمار، واللتين تمثلان امتدادًا طبيعيًا للرؤية التنموية والاقتصادية للدولة ودورها.
تظهر الدراسات والتجارب أن الحروب الأهلية تتسبب في انهيار واسع في سلطة الدولة وخصوصًا عندما تتعرض أراضيها للتجزئة، وهذا على مساوئه، يؤمن فرصة لإعادة بناء الاقتصاد برمته على قواعد جديدة، وعدم الاكتفاء بتعويض الخسائر المادية والاقتصادية الناتجة عن الدمار الواسع. لكن السلطة الاقتصادية المركزية في الحالة السورية، حافظت على قدر مقبول من التماسك والحضور، بل كان نطاق انتشارها أثناء الحرب أوسع من دائرة نفوذ السلطة السياسية والأمنية للدولة. وهذا ما يفسر صمود النموذج الاقتصادي الذي كان سائدًا في سوريا قبل الحرب، بمزاياه وعيوبه، مع إن ذلك قد يعقد مهمة إطلاق التنمية وفق تصورات جديدة.
وعلى ما يبدو، لم تحدث الحرب تحولًا عميقًا في الاقتصاد السياسي للدولة التي تستأنف المسار الذي بدأته قبلها4. ويردد باحثون غربيون بأن إعادة الإعمار التي تقودها الحكومة السورية تهدف إلى إعادة إنتاج النظام السياسي نفسه الذي كان سائدًا قبل الحرب، على أن "يخدم مصالح القوى الحليفة والمجموعات الداخلية التي وقفت إلى جانب النظام"5. لكن الآخرين يسعون إلى الأمر نفسه في اتجاه معاكس، أي أنهم يخططون لأن تكون عمليات الإعمار تمويلًا وإدارةً المدخل إلى تغيير النظام أو تبديل اتجاهه، أو مصدر ضغط عليه وعلى حلفائه لتغيير سياساتهم على الأقل.
وعلى العموم لم تكن سياسات إعادة الإعمار وأدبياته إلا جزءًا من مسار يرتبط بالمصالح السياسية للدول وتصوراتها الاقتصادية. فأطروحة السلام الليبرالي على سبيل المثال والتي نفض الغبار عنها في أواسط ثمانينيات القرن الماضي، عبّرت عن النزعة التدخلية في النظام الدولي القائم على الهيمنة، وهي أيضًا صدى للطروحات النيوليبرالية المدججة بأسلحة إجماع واشنطن وتوصيات المؤسسات الدولية ذات الصلة. والأمر نفسه ينطبق على ما يُعرف برأسمالية المقاولين الموكل إليهم تنفيذ برامج إعادة الإعمار تحت إشراف الجيوش (الأميركية)، وبما يكفل تحقيق الأهداف التي شنت من أجلها الحرب. وهذا يقتضي القبول برأسمالية الفوضى (Messy Capitalism) التي تنطوي على أقصى تحرر من القيود والضوابط، لكنها تُقيم من طرف خفي علاقة بين تقدم الإعمار وإتاحة التمويل من جهة وتحقيق أهداف الحرب من جهة ثانية. وفي كلتي المقاربتين (السلام الليبرالي ورأسمالية المقاولين) يكون التمويل خارجيًّا، وتُرفض خطط الإعمار المعدّة مسبقًا، وتُدان "عقلية التخطيط المركزي المهيمنة في أسواق التنمية الدولية"6. أما أفضل النتائج فيحققها القطاع الخاص بعد إطلاق يده بعيدًا عن سلطة الدولة وعين الرقابة. أي أنّ المطلوب من الجيوش التي تمارس الغزو والاحتلال أن ترعى تدخلًا اقتصاديًا يُنفذه رواد الأعمال، من دون برامج ثقيلة الوطأة يتولاها القطاع العام أو القطاع الخاص
قدم داغر في كتابه مقاربة نظرية شيقة ومتمرسة في مسألتي التنمية وإدارة التنمية، وهو مدخل لا غنى عنه لاختيار نموذج إعادة الإعمار الذي نطمح أن يكون على النقيض من أطروحات السلام الليبرالي وما يعادلها. لقد فشلت هذه الطروحات في إعمار ما هدمته الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، فيما نجح النموذج التضامني الذي طبقته المقاومة بعد حرب 2006 في تحقيق أفضل النتائج، وهو الذي بني على أساس فهم السكان لمصالحهم، لا بناء على إرادة الواهب أو رغبات الممول، ودون أدنى شراكة من المؤسسات الدولية في مراحل التخطيط والتصميم والتنفيذ كافة.
إن إعادة الإعمار في سورية هي مسألة متعددة الأوجه فكريًا وسياسيًا وتقنيًا. لا يكفي أن نختار بين اتجاهات التنمية وتياراتها، أو نرسم دور الدولة ووظائفها وسبل إصلاح أجهزتها، أو نحدد طرق التنفيذ والبرمجة والتمويل. بل علينا أن نمتلك أيضًا وربما قبل ذلك كله، إجاباتنا عن الأسئلة المحورية: هل ينبغي مراجعة النموذج الاقتصادي لسورية جوهريًا؟ وهل هذا ممكن أصلًا؟ وكيف يمكن دمج القطاع الخاص في مقاربة تقودها الدولة للإعمار والتنمية والنمو والتصنيع المتأخر؟ وما حدود دوره؟ وما هي خيارات التمويل ونماذج وبدائله؟ وما هي الصلة بين الجوانب المادية والبشرية والاجتماعية لإعادة الإعمار؟
بالخلاصة، يستمر د. البير داغر في كتابه هذا في المسار الذي بدأه منذ أكثر من عقدين في محاولته بناء مرجعية نظرية متعددة المصادر لنقد سياسات التنمية واقتراح البدائل، مستعينًا بثلاثة روافد اقتصادية وسياسية وإدارية، والتي يمتد مجراها من النظرية إلى التجربة. وهو على أي حال لا يلتمس طريقًا واحدًا في تحليله، بل يغذي مجراه بروافد فكرية متنوعة، ممزوجة بقراءة متفحصة للتجارب. وقد أحسن الكاتب قبل أي شيء آخر اختيار عنوان كتابه، دون مبالغة أو تزيّد، ليكون "منطلقًا نظريًا" إلى قضية الكتاب الرئيسية التي هي: "بناء مستقبل سورية الاقتصادي".
وإلى كتاب آخر..
1د. البير داغر؛ منطلقات نظرية لبناء سورية الاقتصادي؛ دمشق: تجمع سورية الأم؛ الطبعة الأولى، 2018.
2انظر مثلًا:
Paul M. Romer; The Origins of endogenous Growth; Journal of Economic Perspectives; Vol.8; number 1; Winter 1994; PP:3-22.
أنظر3:
- Milton, Friedman (1992). Capitalism and Freedom University of Chicago Press
-J.A. Hayek (2005).The Road to Serfdom. Taylor &. Francis Group
"NDP 4سارعت الحكومة في نهاية عام 2017 إلى إطلاق تحضيرات "برنامج التنمية لما بعد الحرب السورية
والذي سيشارك فيه حوالي 200 خبير ومشارك موزعين على 12 مجموعة عمل منفصلة. لكن الحكومة لم تنتظر إنجاز هذا البرنامج للبدء بإقرار المبادرات والتشريعات والخطوات اللازمة للإعمار.
5أنظر مثلًا:
Steven Heydemann; Reconstruction Authoritarianism; The politics and Political Economy of Post War Reconstruction in Syria; Project on Middle East Political Science; Carnegie Middle East Center;
pomeps.org/2018/09/10/reconstructing-authoritarianism-the-politics-and-political-economy-of-post-conflict-reconstruction-in-syria
للمزيد راجع:6
عبد الحليم فضل الله؛ الحرب وإعادة الإعمار في العالم العربي: مقدمات نظرية وتحليلية في مسائل الدولة والتنمية؛ بيروت: المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق-سلسلة دراسات وتقارير؛ ص:22-26.
العنوان
بئرحسن - جادة الأسد - خلف الفانتزي وورلد - بناية الإنماء غروب - الطابق الأول
Baabda 10172010 Beirut – Lebanon P.O.Box: 24/47 وسائل الاتصال
متفرقات
|