تتناول هذه الدراسة عملية التكامل الإقليمي بين دول أميركا اللاتينية كمشروع قيد التنفيذ، يختلف في ما يطرحه من نموذج عن الكيانات المُجسِّدة لإقليمية الليبرالية الجديدة، "المفتوحة"، والتي تعد إطاراً نشأت فيه المنظمات الإقليمية التي عبّرت عن طبيعة التغيرّات في النظام العالمي الجديد، وأضحى التكامل الإقليمي فيها مُعَدًا للاندماج في نظام عالمي واسع تسعى القوى المسيطرة عليه إلى عولمة العالم وذلك لضمان مصالحها واستقرار هيمنتها. أما المشروع اللاتيني القائم فيقدم مفهوماً مختلفاً للإقليمية، في محاولة جادة لإخراج الدول اللاتينية من أزمة النموذج النيوليبرالي، وخلق نموذج جديد، يُؤِّمن الاستقلالية وينطلق من رؤية كلية للتغيير ترتكز على ضرورات ومقتضيات بناء بديل مختلف في بنيته الاقتصادية والاجتماعية.
مع سقوط نظام بن علي في تونس ولاحقاً نظام مبارك في مصر، وجد حزب الله في هذه التحولات فرصة تاريخية خاصة لما يشكله نظام مبارك بالنسبة لأمن "إسرائيل" والمشروع الأميركي. وكان تأييد حزب الله لهذه الثورات ينطلق من بعدها الشعبي الذي أسقط أنظمة استبدادية عميلة للغرب، مع الأمل أن هذه الشعوب ستقيم أنظمة جديدة داعمة لمشروعه في المقاومة أو غير معادية له على الأقل، لا سيما في ظل الروابط التاريخية مع القوى الثورية الأساسية ولا سيما الإسلامية والقومية منها.
لم تكن المتغيرات العربية (الثورات (التي بدأت في تونس ثم انتقلت إلى بلدان أخرى وخصوصًا إلى مصر في حسبان كثير من القوى والأحزاب والمحللين في بلدان المنطقة أو في خارجها. صحيح أن عوامل الانفجار كانت كثيرة وتتراكم سنة بعد سنة اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا...
على الرغم من تقادم الإستراتيجية وإيغالها عميقاً في تاريخ النزاعات البشرية فإن قاموس مضامينها وتطبيقاتها كان متحركاً على الدوام ولا يزالُ، مع تبدّل المراحل وتطور فنون الحرب. لذا تبرز الاختلافات في تحديداتها وتعريفاتها بين زمن وآخر، و إن كانت تُجمع في أغلبها على أنها علمٌ وفنٌّ: علمٌ، كونها تقوم على الإحاطة بالوضع الكلّي للصراع، وعلى الدقة في احتساب القدرات المتنوعة، وعلى تناسقها مع الأهداف المرسومة. وفنٌّ، لأن تطبيقاتها العملانية تختلف من قائد إلى آخر، بحيث يجترح تصوّراته الخاصة، ويحدّد السبُل الملائمة لتحقيق النصر.
تاريخياً، كان الإخوان أكثر تركيزاً على مسألة الهوية منهم على المسألة الاجتماعية. غير أن قيادة الجماعة، وإن كانت قليلة الكلام على المسألة الاقتصادية، عملت تدريجياً منذ نهاية حكم عبد الناصر على تكوين رؤية ليبرالية، نتوقف عند بعض ذرواتها....
قليلة هي الأبحاث الجدّية في العالم العربي كما الغربي، التي تبحث في الأسباب الاقتصادية- الاجتماعية التي ساهمت في ولادة الثورات العربية، وأقلّ منها الأبحاث في تحول المنظومة الاقتصادية- الاجتماعية السابقة إلى منظومة مستقلَّة عن النموذج النيوليبرالي. وقد غاب عن تحليل مجريات الأمور الثورية أي إشارة إلى طرق ووسائل الوصول إلى نمط تنموي متجدد، مستقل عن النموذج النيوليبرالي الذي تفرضه مؤسسات التمويل الدولية، كما الإقليمية العربية أو الإسلامية.
هذا التقرير هو محاولة قراءة وفهم للأحداث العربية، التي انعقدت عليها آمال شعوبٍ ومجتمعاتٍ تتوق إلى التغيير والتحرر. وبالفعل كسرت تلك الأحداث لحظة اندلاعها الركود الذي هيمن على أحوال الأنظمة عقوداً عدة، فوسعت المجال العام ومنحت القوى الحيّة فرصة التعبير عن نفسها بعد طول انطواء. لكن قوة التحولات وما رافقها من تشظٍ سياسي وفائض في العرض الخطابي كشفت عن بعض ما كان مخبوءاً في قاع الوعي من تناقضات وأزمات وأوهام، ثم أظهرت الوقائع اللاحقة على نحو لا لبس فيه أن الاستنهاض التاريخي المطلوب لا يمكن أن يختصره التأويل المبسّط لكلمتي الحرية والديمقراطية.
العنوان
بئرحسن - جادة الأسد - خلف الفانتزي وورلد - بناية الإنماء غروب - الطابق الأول
Baabda 10172010 Beirut – Lebanon P.O.Box: 24/47 وسائل الاتصال
متفرقات
|