كتابات الموقع > حسب الموضوع> مقالات: افتقار الأكثرية النيابية إلى تمثيل أكثرية الناخبين والمقترعين
مقالات: افتقار الأكثرية النيابية إلى تمثيل أكثرية الناخبين والمقترعين
د. محفوظ سكينة

بحسب النتائج الرسمية للانتخابات النيابية التي جرت في 7 حزيران 2009، والمعلنة من قبل وزارة الداخلية، فان الموالاة حصلت على 71 نائب، مقابل حصول المعارضة على 57 نائب، وإذا كان مجموع عدد أعضاء مجلس النواب هو 128، فتكون الموالاة قد حصلت على الأكثرية النيابية.
إلا أنه إزاء هذا الوضع، يمكن أن يطرح السؤال المشروع التالي: هل تمثل الأكثرية النيابية الناتجة عن الانتخابات، فعلاً أكثرية الناخبين أو المقترعين؟ أم أن هذه الأكثرية الأخيرة موجودة في مكان آخر؟
وقبل التحقق من هذه المسالة، يقتضي إلقاء الضوء على مسالة الأساس الدستوري والقانوني للعملية الانتخابية، وذلك نظراً للترابط والتلازم القائم بين هاتين المسألتين.
أولاً: الأساس الدستوري والتشريعي للانتخابات النيابية
تشكل المادة 24 من الدستور (تعديل 1990) الأساس الدستوري للعملية الانتخابية التي جرت في 7 حزيران 2009، حيث ورد فيها ما يأتي:
"يتألف مجلس النواب من نواب منتخبين يكون عددهم وكيفية انتخابهم وفاقاً لقوانين الانتخاب المرعية الإجراء، والى أنه يضع مجلس النواب قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، توزع المقاعد النيابية، وفقاً للقواعد التالية:
أ‌-    بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين
ب‌-    نسبياً بين طوائف كل من الفئتين
ج‌-    نسبياً بين المناطق
إن الأمر اللافت والغريب في هذه المادة، أن المشرع الدستوري لم يشر، بصورة مباشرة، إلى كلمة "مواطن"، بل اقتصرت إشارته على الطوائف والمذاهب والمناطق فقط.
إن القانون رقم 250/ 2008 وتعديلاته، الذي صدر تطبيقاً للقواعد الواردة في المادة 24 من الدستور، يشكل بدوره الأساس التشريعي للعملية الانتخابية.
ويتبين من الرجوع إليه، أن عدد النواب هو 128، مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، ويتوزع النواب المسيحيون على الشكل التالي: 35 للموارنة، 15 للأرثوذكس، 8 للكاثوليك، 6 أرمن وواحد للأقليات ويتوزع النواب المسلمون بدورهم وفقاً لما يلي: 27 للسنة، 27 للشيعة، 8 للدروز ونائبان للعلويين.
وبحسب الجداول المرفقة بقانون الانتخاب، فانه تم توزيع النواب على مختلف المحافظات والدوائر الانتخابية وفقاً لما يأتي:
1-    محافظة بيروت 19 نائب: 5 للدائرة الأولى، 4 للدائرة الثانية، و10 نواب للدائرة الثالثة.
2-    محافظة جبل للبنان 35 نائب: 3 لدائرة جبيل، 5 لكسروان، 8 للمتن، 6 بعبدا، 5 لعاليه و8 نواب لدائرة الشوف.
3-    محافظة الشمال 28 نائب: 8 لدائرة طرابلس، 3 للمنية- الضنية، 7 لعكار، 3 لزغرتا، نائبان للبترون، نائبان لبشري و3 نواب لدائرة الكورة.
4-    محافظة البقاع 23 نائب: 10 لدائرة بعلبك الهرمل، 7 لزحلة، و6 نواب لدائرة البقاع الغربي وراشيا.
5-    محافظة الجنوب 12 نائب: نائبان لدائرة صيدا، 3 لقرى صيدا، 3 لجزين و 4 نواب لدائرة صور.
6-    محافظة النبطية 11 نائب: 3 نواب لدائرة النبطية، 3 لبنت جبيل، و 5 نواب لدائرة مرجعيون وحاصبيا.
وتجدر الإشارة بهذا الشأن، أنه بعد انقضاء ما يناهز 50 سنة، عاد المشرع، واعتمد ذات الدوائر الانتخابية (القضاء) التي كانت معتمدة في قانون الانتخاب الصادر عام 1960.
وبشأن مسالة توزيع النواب على الناخبين والدوائر الانتخابية، فان القاعدة المعتمدة في الأنظمة الديمقراطية البرلمانية، تقوم على أساس تخصيص نائب واحد لكل مجموعة من الناخبين بحيث تكون هذه المجموعة هي ذاتها تقريباً في مختلف الدوائر الانتخابية.
وفي لبنان، بلغ عدد الناخبين، حسب وزارة الداخلية حوالي ثلاثة ملايين مليون و160 ألف ناخب، موزعين على 128 نائب، بحيث ينبغي أن يكون لكل 24.07 ألف ناخب، نائب واحد يمثلهم في البرلمان.
إلا أنه، فعلياً، يتبين من خلال الاطلاع على أرقام الناخبين المسجلين في كل دائرة انتخابية؟، وعدد النواب المحدد لها، أنه تم تخصيص نائب واحد لكل مجموعة من الناخبين، في كل دائرة انتخابية على حدة.
وان المجموعة المعتمدة في دائرة معينة هي مختلفة عن المجموعة المعتمدة في دائرة أخرى، كما يتبين أيضاً، أنه من أصل 26 دائرة انتخابية، يوجد 20 "مجموعة من الناخبين"، مختلفة كل واحدة منها عن الأخرى. وهذا الوضع يتعارض مع القاعدة المعتمدة في الأنظمة الديمقراطية البرلمانية.
والمثال الأبرز على ذلك، هو أنه، خصص، من كل من دوائر كسروان، وجزين وبيروت الأولى، لكل 18 ألف ناخب، نائب واحد في حين أنه في دوائر جبيل- بعلبك الهرمل- بعبدا والدائرتين الثانية والثالثة في بيروت، خصص لكل 25 ألف ناخب، نائب واحد.
وأخيراً، خصص لكل 40 ألف ناخب في كل من دوائر صور النبطية وبنت جبيل، نائب واحد.
وإذا ما أخذنا، كمعيار، الناخب في كل من صور- النبطية وبنت جبيل، وأجرينا مقارنة بينه وبقية الناخبين، من حيث "حجم التمثيل الانتخابي"، لتبين لنا، أن الناخب في كسروان- جزين أو الدائرة الأولى في بيروت، يعادل ناخبين في النبطية وأكثر. أما الناخب في طرابلس- زغرتا- زحلة- الشوف- بعلبك الهرمل- جبيل- وبعبدا، يعادل أكثر من ناخب في صور ونصف، كما أن الناخب في بشري وصيدا يعادل ناخب في النبطية ونصف.
وأخيراً، أن الناخب في البترون يعادل ناخب في النبطية وثلث، أما الناخب في قرى صيدا والمنية- الضنية وعكار يعادل ناخب في بنت جبيل وخمس.
نستخلص بوضوح، مما تقدم، أن هناك تفاوتاً وتمايزاً بين الناخبين اللبنانيين، من حيث "حجم تمثيلهم النيابي"، وهذا الأمر يشكل إخلالاً فادحاً وفاضحاً لمبدأ المساواة بين المواطنين المنصوص عنه في مقدمة الدستور والمكرس في المادة 7 منه، ولقواعد النظام الديمقراطي البرلماني، وهذا الإخلال لا يقتصر على الناخبين التابعين لمحافظات مختلفة، إنما يشمل أيضاً الناخبين التابعين لذات المحافظة والموزعين على دوائرها الانتخابية.
والمثال على ذلك، أن الناخب في دائرة جزين أو دائرة صيدا يتميز عن الناخب في دائرة صور أو النبطية. وكذلك الأمر بالنسبة للناخب في طرابلس، حيث يتميز عن الناخب في عكار أو المنية- الضنية. وأخيراً يتميز الناخب في زحلة أو البقاع الغربي، عن الناخب في بعلبك- الهرمل.
إن هذا الواضع الشاذ من شانه أنه يؤدي إلى إلحاق الظلم والغبن بفئة من الناخبين اللبنانيين بدون أي سبب مشروع.
ثانياً: لمن صوتت أكثرية المقترعين والمنتخبين
من المسلم به، في الأنظمة الديمقراطية البرلمانية، أن اللقاء أو الحزب أو التجمع الذي يفوز بأكثرية المقاعد النيابية، هو الذي يمثل أكثرية المقترعين أو الناخبين. وإذ كان الأمر خلاف ذلك لما أمكنه الحصول على الأكثرية النيابية.
وإن أكثرية المقترعين أو الناخبين التي تمثلها الأكثرية النيابية، قد تزيد أو تنخفض بعد الانتخابات حسب أداء السلطة المنبثقة عن هذه الأكثرية النيابية. إلا أنه يبقى، في جميع الحالات، أن الأكثرية النيابية، تمثل، عند إعلان النتائج أكثرية المقترعين أو الناخبين، وهذا أمر ثابت وأكيد ولا مجال للمناقشة به على الإطلاق.
وفي لبنان، حصلت قوى 14 آذار (الموالاة)، بنتيجة الانتخابات، على الأكثرية النيابية، الأمر الذي يعني، وفقاً لما تقدم، أنها تمثل أكثرية الناخبين والمقترعين، إنما السؤال الذي يطرح، هل أن هذه القوى، حصلت، فعلياً على أكثرية أصوات الناخبين أو المقترعين، حتى يصح القول أنها تمثل هذه الأكثرية؟
في ما يتعلق بالناخبين، فان عددهم بلغ، حسب وزارة الداخلية، ثلاثة ملايين وماية وستون ألف ناخب، في حين بلغ عدد المقترعين مليون وخمسماية وست وسبعون ألف، الأمر الذي يعني أن قوى 14 آذار لا تمثل لوحدها أكثرية الناخبين، كما أن الموالاة والمعارضة معاً يمثلان بالكاد نصف الناخبين، وان أي منهما لا يمكنه القول أنه يمثل أكثرية الناخبين
وفي ما يتعلق بالجهة التي تمثل أكثرية المقترعين، فانه يتبين من المعلومات التي وزعتها وزارة الداخلية والمنشورة في جريدة السفير تاريخ 9 حزيران 2009، أن الأصوات التي نالتها الموالاة هي التالية:
1-    55 ألف صوت في دوائر محافظتي الجنوب والنبطية
2-    226 ألف صوت في دوائر محافظة الشمال
3-    229 ألف صوت في دوائر جبل لبنان
4-    96 ألف صوت في دوائر البقاع
5-    97 ألف صوت في الدائرتين الأولى والثالثة- بيروت
ويكون مجموع ما نالته الموالاة من أصوات في جميع الدوائر الانتخابية (26)، حوالي 700 ألف صوت تقريباً.
أما المعارضة، فإنها نالت، ودوماً حسب جريدة السفير، الأصوات التالية:
1-    294 ألف صوت في دوائر محافظتي الجنوب والنبطية
2-    37 ألف صوت في دائرتي بيروت الأولى والثالثة.
3-    134 ألف صوت في دوائر محافظة الشمال
4-    194 ألف صوت في دوائر جبل لبنان
5-    174 ألف صوت في دوائر البقاع
فيكون مجموع ما نالته المعارضة من أصوات في مختلف الدوائر 26، حوالي 830 ألف صوت تقريباً.
وتقودنا الأصوات التي نالها كل من الفريقين، إلى التأكيد أن المعارضة تمثل نسبة 54% من المقترعين، في حين أن الموالاة لا تمثل سوى 46 % فقط.
واستناداً إلى هذه النسب، كان يتوجب منطقياً، وحسب ما هو معمول به، في الأنظمة الديمقراطية البرلمانية، أن تحصل المعارضة على 69 نائب مقابل 59 نائب للموالاة.
غير أن المعارضة في لبنان وبالرغم من حصولها على أكثرية المقترعين لم تحصل فعلياً سوى على 57 نائب، في حين أن الموالاة نالت 71 مقعداً بالرغم من كونها لا تمثل أكثرية المقترعين.
ويتبين، على صعيد "حجم التمثيل النيابي" المخصص لكل ناخب، أن هناك أكثر من 130 ألف ناخب، لم تؤخذ أصواتهم بعين الاعتبار وذهبت أصواتهم سدى ولا قيمة لها. الأمر الذي يشكل خلالاً فاضحاً لقواعد العدل والمساواة ولحقوق الإنسان السياسية.
وبصرف النظر عن صحة العملية الانتخابية، فان هذا الوضع يتعارض مع مبادئ النظام الديمقراطي البرلماني، التي تشترط، لكي تحكم الأكثرية النيابية، أن تمثل فعلاً، عند إعلان نتائج الانتخابات، أكثرية المقترعين، الأمر غير متوافر في حالة الأكثرية النيابية التي فازت في الانتخابات.
وأمام هذه الوقائع الصحيحة، نقول أن النتائج القانونية للانتخابات النيابية، تشكل "فضيحة" بالمفهوم الديمقراطي البرلماني القائم على ضرورة تمثيل الأكثرية النيابية لأكثرية المقترعين، عند إعلان نتائج الانتخاب.
وقد يسارع البعض إلى القول، أن قاعدة المناصفة هي السبب، إلا أننا من جهتنا نعتبر، أن العامل الأساسي والمهم هو قانون الانتخاب رقم 250/ 2008 الذي اعتمد ذات الدوائر الانتخابية التي كانت قائمة عام 1960، من جهة، والنظام الأكثري من جهة أخرى.
الخلاصة
1-    تفتقر الأكثرية النيابية إلى تمثيل أكثرية الناخبين والمقترعين.
2-    وإن لم تكن تمثل أكثرية الناخبين، إلا أن المعارضة تمثل أكثرية المقترعين، وبالرغم من ذلك فإنها لم تحصل على الأكثرية النيابية.
3-    إن نتائج المقترعين اللبنانيين، وما أفرزته قانوناً من أكثرية (للموالاة) وأقلية نيابية (للمعارضة)، تشكل وضعاً شاذاً، يتعارض مع القواعد المعتمدة في النظام الديمقراطي البرلماني من جهة، ومبدأ المساواة المكرس في الدستور من جهة أخرى.
4-    إن تقسيم لبنان إلى 26 دائرة انتخابية واعتماد النظام الأكثري يقفان وراء هذا الوضع الشاذ، وان المعالجة الصحيحة، قد تكون، عن طريق جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة واعتماد النظام النسبي، مع التقيد دوماً بقاعدة المناصفة.
وفي الختام، نؤكد أن هذه الدراسة لا تهدف إلى المس بقاعدة المناصفة التي تعتبر ملازمة للكيان اللبناني، إنما هدفت حصراً إلى تبيان مدى الظلم والإجحاف اللاحقين بفئة كبيرة من الناخبين اللبنانيين.





  • مقالات ذات صلة

  • العنوان

    بئرحسن - جادة الأسد - خلف الفانتزي وورلد - بناية الإنماء غروب - الطابق الأول
    Baabda 10172010
    Beirut – Lebanon
    P.O.Box: 24/47

    وسائل الاتصال

    Tel: +961-1-836610
    Fax: +961-1-836611
    Cell: +961-3-833438
    info@dirasat.net

    التواصل الاجتماعي