كتابات الموقع > حسب الموضوع> مقالات: مسألة انتهاء مدة انتداب المستشار سهيل بوجي للقيام بمهام وظيفة مدير عام رئاسة مجلس الوزراء
مقالات: مسألة انتهاء مدة انتداب المستشار سهيل بوجي للقيام بمهام وظيفة مدير عام رئاسة مجلس الوزراء
د. محفوظ سكينة

بالرغم من انقضاء ست سنوات على انتدابه لوظيفة مدير عام رئاسة مجلس الوزراء، لا يزال القاضي سهيل بوجي (المستشار في مجلس الشورى) مستمراً في مهامه.
والسؤال القانوني المشروع الذي يطرح في هذا المجال هو الآتي:
هل أن استمرار القاضي بوجي في وظيفته، كمدير عام لرئاسة مجلس الوزراء، هو قانوني أم لا؟
إن الإجابة القانونية الصحيحة عن هذا السؤال تفترض التمييز بين حالتين: حالة انتداب الموظف، والثانية تتعلق بانتداب القاضي الإداري.
أولاً: انتداب الموظف
لقد استقر العلم والاجتهاد في فرنسا على القول، أن الانتداب هو الوضع الذي يكون فيه الموظف، موضوعاً خارج إدارته الأصلية، إلا انه يستمر بالاحتفاظ بحقوقه في الترقية والتقاعد في إدارته الأصلية.

إن الانتداب هو بطبيعته مؤقت وقابل للرجوع عنه، وقد يكون لمدة قصيرة أو طويلة. أن الانتداب لمدة قصيرة لا يمكن أن يتجاوز ستة أشهر، أما الانتداب لمدة طويلة، فانه لا يتجاوز مدة خمس سنوات، إلا انه يمكن تجديدها لخمس سنوات أخرى.
يخضع الموظف المنتدب لمجموعة الأحكام القانونية التي ترعى الوظيفة المنتدب إليها، إلا انه يستمر بتقاضي راتبه الأصلي إذا كان أعلى من راتب الوظيفة المنتدب إليها.
وفي لبنان، يتبين بصورة واضحة، من نظام الموظفين الصادر بالمرسوم الاشتراعي رقم 112/59 مع تعديلاته، وفي ما خص الانتداب، الأمور التالية:
1-    الموظف المنتدب هو من اعفي مؤقتاً من مهام وظيفته الأصلية وأسندت إليه مهمة أخرى مع احتفاظه بحق تقاضي راتبه، وبحقه في التدرج والترقية والترفيع والتقاعد في إدارته الأصلية (المادة 46).
2-    يمكن انتداب الموظف للتخصص في فرع من الفروع التي تحتاج الإدارة فيها إلى اختصاصيين جدد، كما يمكن أيضاً انتداب موظف فني من وزارة إلى وزارة بعد موافقة الوزارتين المختصتين (المادة 47).
3-    إن وظيفة الموظف المنتدب تبقى شاغرة في ملاك إدارته الأصلية ويعود إليها فور انتهاء مدة الانتداب (المادة 48).
ثانياً: انتداب القاضي الإداري
في ما يتعلق بانتداب القاضي الإداري أي قضاة مجلس الشورى، فانه يمكن انتداب المستشارين والمستشارين المعاونين لمختلف الوظائف لدى الوزارات والإدارات والمؤسسات العامة والبلديات (المادة 16 من نظام مجلس شورى الدولة المعدلة بالقانون رقم 227 تاريخ 31-5- 2000). ويجري الانتداب بمرسوم بناء على اقتراح وزير العدل وموافقة رئيس مجلس شورى الدولة، ولا يمكن أن تتجاوز مدة الانتداب أكثر من ست سنوات، طوال فترة ممارسته القضاء (الفقرة الثانية من المادة 16 المذكورة أعلاه).
ويحتفظ القاضي المنتدب بصفته ومركزه في القضاء الإداري ولا يعين سواه في مكانه ويشترك في الهيئة العامة ويتابع تقاضي رواتبه المستحقة بالنسبة لفئته ودرجته من موازنة وزارة العدل، كما انه يتقاضى التعويضات العائدة للوظيفة التي انتدب إليها وسائر التعويضات التي تعطى له بسبب انتدابه من الإدارة المنتدب إليها (الفقرتان الأولى والثانية من المادة 17 من نظام مجلس شورى الدولة المعدلة).
ويستفاد مما تقدم، أن الأحكام القانونية التي ترعى انتداب الموظف هي مماثلة لتلك التي ترعى انتداب القاضي الإداري، باستثناء تحديد مدة الانتداب.
فانتداب الموظف غير محدد بفترة زمنية معينة، في حين أن مدة انتداب القاضي الإداري (المستشار أو المستشار المعاون) لا يجوز أن تتجاوز ست سنوات طوال عمله في القضاء.
وفي ما يتعلق بانتداب القاضي سهيل بوجي الذي هو محور وجوهر هذه الدراسة، فانه يتبين انه انتدب للقيام بمهام وظيفة مدير عام رئاسة مجلس الوزراء، وذلك بموجب المرسوم رقم 4340 تاريخ 11 تشرين الثاني 2000 (انتداب مستشار في مجلس شورى الدولة للقيام بمهام وظيفة مدير عام رئاسة مجلس الوزراء (ربطاً صورة عن المرسوم).
ويتبين أيضاً من الإطلاع على بناءات هذا المرسوم، انه بني بصورة خاصة على نظام مجلس شورى الدولة ولا سيما المادة 16 منه المعدلة بموجب القانون رقم 227 تاريخ 31/5/2000، التي جاء فيها انه لا يمكن أن تتجاوز مدة انتداب المستشار أو المستشار المعاون أكثر من ست سنوات طوال فترة ممارسته للقضاء.
وطالما أن المستشار في مجلس شورى الدولة السيد سهيل بوجي قد انتدب لوظيفة مدير عام رئاسة مجلس الوزراء بتاريخ 11 تشرين الثاني 2000، فإن فترة انتدابه، ينبغي أن تنتهي حكماً بتاريخ 11 تشرين الثاني 2006 تطبيقاً للمادة 16 المعدلة والمتقدم ذكرها.
إلا أنه، وبالرغم من أن مدة انتدابه قد انتهت قانوناً، إلا أن المستشار بوجي ما زال مستمراً في مهامه في المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء كالمعتاد، متذرعاً، بالبيان الصادر عن المكتب الإعلامي لرئاسة الحكومة عام 2007، والذي جاء فيه ما خلاصته:
"إن انتداب المستشار بوجي، يخضع لأحكام مشروع القانون المعجل الموضوع موضع التنفيذ بموجب المرسوم رقم 10618 تاريخ 11/8/1975 (تعديل ملاك المديرية العامة لرئاسة الجمهورية وملاك المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء) ولا سيما المادة 8 منه، التي تمثل نصاً خاصاً، في حين أن المادة 6 المعدلة تعتبر نصاً عاماً، وإنه في حالة التعارض بين نص خاص ونص عام، يطبق النص الخاص".
إن اللجوء إلى مثل هذا "التبرير" لاستمرار انتداب القاضي بوجي في وظيفته، لا يستقيم قانوناً، ولا يمكن الأخذ به على الإطلاق وذلك للأسباب التالية:
1-    إن عبارة "بناء على مشروع القانون المعجل الموضوع موضع التنفيذ بالمرسوم رقم 10618/ 75" الواردة في المرسوم المتعلق بانتداب المستشار في مجلس الشورى، القاضي سهيل بوجي، لا تعني أن انتدابه أصبح خاضعاً للأحكام الواردة في المرسوم رقم 10618/75 على الإطلاق، بل أنها تعني، وتعني فقط، أن الوظيفة المنتدب إليها هي ملحوظة في ملاك المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء وأنها شاغرة. باعتبار أن الانتداب كالتعيين، لا يمكن أن يتم قانوناً، إلا في وظيفة ملحوظة في الملاك وشاغرة.
فالإشارة الواردة في مرسوم انتداب المستشار بوجي، إلى المرسوم رقم 10618/75 هي إذن للدلالة فقط على أن وظيفة مدير عام رئاسة مجلس الوزراء هي ملحوظة في الملاك وشاغرة.
2-    تنص المادة 8 من القانون المتعلق بتعديل ملاك المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء على ما يأتي:
أ‌-    "تحدد سلسلة فئات ورتب ورواتب وظائف المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء وفقاً للجدول رقم (3) الملحق بهذا القانون.
ب‌-    تطبق على وظائف المهندسين والرسام سلسلة الفئات والرتب والرواتب وشروط التعيين المحددة لمثل هذه الوظائف في وزارة الأشغال العامة والنقل ويتقاضى المهندسون تعويض الاختصاص المحدد في الفقرة الأولى من المادة 22 من المرسوم الاشتراعي رقم 112/59 (نظام الموظفين).
يمكن ملء هذه الوظائف عن طريق الانتداب من الإدارات العامة والمؤسسات العامة.
يجري الانتداب بمرسوم بناء على اقتراح رئيس مجلس الوزراء المختص، تحدد فيه مدة الانتداب ويمكن أن يكون الانتداب لمدة غير محدودة" (انتهى نص المادة 8).
ويتبين بصورة واضحة، أن عبارة "يمكن ملء هذه الوظائف عن طريق الانتداب من الإدارات والمؤسسات العامة" تعني حكماً وظائف المهندسين والرسام، الواردة في مستهل الفقرة ب من المادة 8، ولا يمكن أن تشمل وظيفة المدير العام لرئاسة مجلس الوزراء على الإطلاق.
فالانتداب محصور فقط بوظائف المهندسين والرسام، وهذا الأمر ينسجم تماماً مع المادة 47 من نظام الموظفين التي حصرت الانتداب بالموظف الفني بعد موافقة الوزارتين المختصتين.
إن الانتداب الوارد في نهاية المادة 8، لا يطبق، بالنظر لما تقدم، على وظيفة المدير العام لرئاسة مجلس الوزراء، ولا يطبق بالتالي على القاضي بوجي الذي يشغل وظيفة مدير عام رئاسة مجلس الوزراء عن طريق الانتداب.
وإذا افترضنا جدلاً، أن الانتداب الوارد في المادة 8 يشمل وظيفة مدير عام رئاسة مجلس الوزراء، إلا أن هذا الانتداب لا يطبق، حسب المادة 8، إلا على الموظفين المنتدبين من الإدارات العامة والمؤسسات العامة حصراً. ولا يطبق بالتالي على القاضي بوجي، الذي لا يعتبر قانوناً من موظفي الإدارات العامة والمؤسسات العامة، بل انه يدخل قانوناً في عداد العاملين في السلك القضائي- القضاء الإداري- مجلس شورى الدولة المتميزين والمختلفين عن العاملين في الإدارات العامة والمؤسسات العامة.
وإذا افترضنا أيضاً، أن الانتداب الوارد في المادة 8 يطبق على القاضي بوجي، لجهة كونه لمدة غير محدودة، إلا انه يبقى مؤقتاً ولا يمكن أن يشكل وضعاً دائماً.
فمن المتفق عليه علماً واجتهاداً، أن الانتداب هو مؤقت وله مدة معينة، ولقد اعتبر نظام الموظفين في لبنان، أن وظيفة المنتدب تبقى شاغرة ويترتب عليه أن يعود إلى إدارته الأصلية فور انتهاء مدة الانتداب (المادة 48). وإذا كان الانتداب لمدة، لا نهاية لها، فلماذا نص المشترع على بقاء وظيفته شاغرة، وألزم المنتدب بالعودة إلى إدارته الأصلية فور انتهاء الانتداب؟.
وإذا كانت مدة انتداب الموظف القصوى، لا يمكن أن تتجاوز، حسب العلم والاجتهاد، خمس سنوات قابلة للتجديد، فإن انتداب السيد بوجي، يكون قد انتهى والحالة هذه، في 11 تشرين الثاني 2005.
3- لم يعد هناك من حاجة قانونية لبحث المبدأ القائل "أنه في حال وجود تعارض بين نص خاص ونص عام، يطبق النص الخاص"، طالما أن المادة التي اعتبرت نصاً خاصاً لا تطبق أصلاً على انتداب المستشار بوجي.
وينتج عما تقدم، أن انتداب المستشار سهيل بوجي إلى وظيفة مدير عام رئاسة مجلس الوزراء، يخضع من الناحية القانونية، بصورة حصرية لا تقبل الجدل أو النقاش القانوني إلى أحكام نظام مجلس الشورى ولا سيما المادة 16 منه التي حددت مدة انتداب المستشار أو المستشار المعاون بست سنوات كحد أقصى طيلة عمله في القضاء.
وإذا كان نواب حاكم مصرف لبنان لا يمكنهم الاستمرار في عملهم يوماً واحداً بعد انقضاء مدة خمس سنوات على تعيينهم ما لم يجدد لهم (كما حصل مع نواب الحاكم مؤخراً الذين انتهت مدتهم)، وإذا كان رئيس الجامعة اللبنانية لا يمكنه الاستمرار في عمله يوماً واحداً بعد انتهاء مدة خمس سنوات على تعيينه، فلماذا يسمح للقاضي بوجي أن يستمر في عمله، بعد انتهاء مدة انتدابه، لفترة شارفت على الثلاث سنوات تقريباً؟ لماذا هذا التمييز والتفاوت؟ وأين نحن من دولة المؤسسات والقانون؟.
والأخطر من كل ذلك، أن المستشار بوجي يقوم بحكم وظيفته كمدير عام لرئاسة مجلس الوزراء، بصفة أمين عام مجلس الوزراء.
الخلاصة
1-    إن انتداب المستشار في مجلس الشورى سهيل بوجي إلى وظيفة مدير عام رئاسة مجلس الوزراء، يخضع للمادة 16 المعدلة من نظام مجلس الشورى وليس إلى المادة 8 من مشروع القانون المعجل الصادر بالمرسوم رقم 10618/75 المتعلق بتعديل ملاك المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء.
2-    إن مدة الانتداب القصوى للمستشار في مجلس الشورى هي ست سنوات طوال عمله في القضاء.
3-    انتهت مدة انتداب المستشار بوجي لوظيفة مدير عام رئاسة مجلس الوزراء بتاريخ 11 تشرين الثاني 2006. وبعد هذا التاريخ، يعتبر استمراره بعمله، وبصفته كأمين عام لمجلس الوزراء، مخالفاً للقانون بصورة فاضحة.
4-    إن استمرار المستشار سهيل بوجي في وظيفته كمدير عام لرئاسة مجلس الوزراء، وبالتالي بصفته أميناً عاماً لجلس الوزراء، يشكل وضعاً شاذاً وخطيراً، لا بل فضيحة. وان استمرار التغاضي والسكوت عنه، يشكل فضيحة أكبر بحق كل المسؤولين بدون استثناء.





  • مقالات ذات صلة

  • العنوان

    بئرحسن - جادة الأسد - خلف الفانتزي وورلد - بناية الإنماء غروب - الطابق الأول
    Baabda 10172010
    Beirut – Lebanon
    P.O.Box: 24/47

    وسائل الاتصال

    Tel: +961-1-836610
    Fax: +961-1-836611
    Cell: +961-3-833438
    info@dirasat.net

    التواصل الاجتماعي