إعادة إعمار المناطق المهدمة في لبنان 2023- 2024

رقم الإصدار: 39

مدخل عام

أسفر العدوان الإسرائيلي على لبنان الذي استمر منذ 28 تشرين الأول 2023 حتى 24 تشرين الثاني 2024 بحسب آخر إحصاءات مؤسسة جهاد البناء الإنمائية عن "أضرار مختلفة في نحو 450 قرية وبلدة في بيروت والجنوب والبقاع وجبل لبنان، بحيث بلغ عدد الوحدات المتضررة التي لا تحتاج إلى أعمال إنشائية كبيرة حوالي 348.321 وحدة، أما عدد الوحدات التي تتطلب ترميمًا إنشائيًا فقد وصل عددها إلى 6.000 وحدة، فيما وصل عدد المباني المهدمة بالكامل إلى 12 ألف مبنى في جميع أنحاء لبنان وهو ما يعادل تقريبًا 40.000 وحدة بين شقق ومحال ومستودعات".

وبحسب نتائج المجلس الوطني للبحوث العلمية  فقد أسفر العدوان عن أضرار كثيرة وكبيرة بعضها لا يمكن ترميمه أو استعادته وهو المتعلق بخسارة ما يزيد عن أربعة الآف من الأرواح ووقوع 17 ألف جريح.
وقد فنّد تقرير المجلس أبرز النتائج على النحو التالي:

 

1.    الخسائر البشرية

    شهداء جرحى
مدنيون 3.961  16.520
صحافيون 12 9
يونيفيل  - 34
عاملون في القطاع الصحي 222 330

 

2.    الخسائر المادية المختلفة

-  الإفراغ القسري للقرى والبلدات الآهلة إذ أجبر نحو 25% من سكان الأراضي اللبنانية على ترك منازلهم بالكامل بحسب مسؤول في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وتبيّن أن أغلب النازحين هم من سكان الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية (نزوح أكثر من 190 ألف شخص يشكلون 44.400 أسرة)
-  قام العدو بتدمير ممنهج للقرى والبلدات اللبنانية الحدودية إما عن طريق القصف وإما عن طريق تفخيخ عدد كبير من المنازل بنفس الوقت معتمدًا سياسة الأرض المحروقة، وطال التدمير شبه الكامل قرى وبلدات: محيبيب، عيتا الشعب، حي الأطرش في ميس الجبل، حولا، كفركلا، بليدا، راميا، حانين، مروحين، الخيام، العديسة.
-  استخدم المجلس الوطني مصطلح "إبادة المدن" Urbicide في إشارة منه إلى تدمير أحياء بكاملها سواء بالقصف أو التفخيخ بغية تفكيك النسيج الاجتماعي.
-  بلغ عدد الأبنية المدمّرة كليًا في الضاحية الجنوبية وحدها - بالاعتماد على صور الأقمار الصناعية- 353 مبنى على مساحة تزيد على 124 ألف م2. فيما تعرّض 593 مبنى لأضرار جسيمة و1972 مبنى لأضرار بالغة، ونتج عنها ما بين 1.2- 1.7 مليون م3 من الركام والردميات.
-  بنسب متفاوتة، طالت الأضرار المواقع الأثرية التالية: قلعة بعلبك ومعابدها، قلعة تبنين، قبّة دورس، سوق النبطيّة التجاري، القلعة الأثرية ومقام النبي شمعون الصفا في بلدة شمع، مقامات ومزارات في بلدات محيبيب، اللبوة، بليدا، يارون، كما طال الاعتداء كنائس في النبطيّة والحدث وذلك في خرق للقانون الدولي الإنساني الذي يحمي المباني الدينية والمواقع ذات الأهميّة الثقافية من الهجمات أثناء الحروب.
-  تضرر أكثر من 30 مرفقًا من مرافق المياه، وتضرر الناقل الرئيسي لمياه نهر الليطاني (مشروع ري القاسمية في منطقة أرزي الذي يجرّ أكثر من 260 ألف م3 من المياه لري حوالي 6.000 هكتار من الأراضي الزراعية على طول الساحل الجنوبي.
-  جرى استهداف 5 مدارس وثانويات إضافة إلى 5 مراكز بلديات بالقصف المباشر، إضافة إلى استهداف محيط 30 مدرسة ومحيط 6 أبنية بلدية أخرى بالاعتداءات المباشرة.
-  جرى استهداف 251 سيارة إسعاف و94 مركزًا لتقديم الرعاية الصحية الأولية والإسعاف والإنقاذ، وطالت الاعتداءات 67 مستشفى منها 40 تعرّضت لاستهداف مباشر.


3.    خسائر القطاع الزراعي 

-  قُدّر مجموع الخسائر في القطاع الزراعي بحوالي 704 ملايين$ منها 117.5 مليون $ أضرار عامة و586 مليون $ كخسائر مختلفة، كان أغلبها في مجال المحاصيل.
-  أسفر الاعتداء عن 2192 هكتارًا من الأراضي المحروقة منها 64% عبارة عن غابات كثيفة وغابات قليلة الكثافة، بينها 12 هكتارًا كان الحريق فيها كبيرًا جدًا.

-    تُقدّر احتياجات التعافي في القطاع الزراعي بالحاجة إلى 263 مليون$ منها 95 مليون$ لسد الاحتياجات العاجلة والطوارئ وإعادة ترميم القطاع، فيما يحتاج القطاع لحوالي 168 مليون$ في المرحلة متوسطة المدى لاستكمال التعافي واستعادة الأصول.
وبالنظر إلى حجم الخسائر المادية المعلنة التي يمكن تقديرها، وتلك التي لا يمكن تقديرها الناتجة عن أثر فقدان العنصر البشري أو عن الخسائر في البيئة أو غيرها من المكونات الحيوية، كان لابد من البحث في سبُل التعافي للخروج سريعًا من تداعيات الحرب على السكان والاقتصاد، وذلك بالاستناد إلى تجارب دول العالم في إعادة الإعمار عقب انتهاء الحروب أو الكوارث، حيث تبيّنت أهمية الحاجة إلى بذل جهود متراكمة من التخطيط المتماسك بين مكوّنات المجتمع بهدف تحويل التحدّيات السلبية الناتجة عن هذه العمليّة إلى فرص لكسب المزيد من التمكين والتقدّم المُصاحب للنمو الاقتصادي والاقتدار المجتمعي، والذي لا بد أن ينعكس إيجابًا على المجتمع كله.

وتبدو الفترة المقبلة فرصة مناسبة للتخطيط الجدّي المتكامل لإعادة الإعمار التي تتراوح بين النظر في المقاربات الطامحة للتصدّي الآني لرفع مخلفات العدوان، والقدرة على تأمين الخدمات الأساسية والبنى التحتية اللازمة، وبين توفير المقوّمات الخدمية المستقبلية للمكان، وتمكين المجتمع من استيلاد فرص التعافي الاقتصادي بالاستفادة من تحريك كل القطاعات الإنتاجية، وذلك لجعل المكان المستهدف لائقًا بالناس والتضحيات الكبيرة التي قُدّمت. 
لذا، فإن الهدف من إعداد هذه الدراسة هو لحظ مجموعة من السياسات التي يمكنها أن تُقدّم دفعًا إضافيًا للمجتمع في النهوض والنمو، دون إغفال القضايا المؤثرة على ذلك، كتوفير الأمن الاجتماعي ومعالجة الفوضى المستشرية والتعدّيات، بما يضمن تحقيق مسألتي العدالة والرفاه داخل هذا المجتمع بالاستناد إلى أولويات وملامح المرحلة القادمة وأهمها:


1.    التأكد من العودة القريبة إلى كل القرى والبلدات المهدّمة.
2.    لزوم المشاركة الفعّالة في بناء الدولة القوية والعادلة بالنظر إلى المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين مع الحرص على مشاركة كل الفعاليات والجهات القادرة في عمليّة إعادة الإعمار.
3.    لزوم إقرار خطة الإنقاذ والنهضة الاقتصادية والمالية والقضائية والاجتماعية.


شملت هذه الدراسة ثلاثة مباحث قدّمت مجموعة من المقاربات في سياسات العمران والتخطيط والتمويل المرتبطة مباشرة أو بصورة غير مباشرة بإعادة الإعمار، وذلك لتؤكد على أمور حيوية وأساسية منها:
1.    أن البلديات والمجتمع الأهلي المحلّي قادرون على تقديم مساهمات حقيقية وفعّالة لعمليّة إعادة الإعمار من أجل تسريعها وتوفير مستلزمات الحياة والاستدامة بالاستناد إلى المهام المنوطة بها، شرط الاهتمام بكل المعطيات التي ينبغي أخذها بالاعتبار في مجالات الإدارة والتنظيم المكاني والقانوني.
2.    لا تقتصر إعادة الإعمار على السياسات الحكومية الرسمية فقط، بل إن تسريع الإعمار وجعل المناطق المهدّمة "أجمل وأكثر مِنعة مما كانت" تستلزم النظر في مجموعة أخرى من سياسات العمل الداخلية التي من شأنها تحصين القرى من التداعيات السلبية التي يمكن أن تنشأ عن تأخير الإعمار.
3.    لا تحتاج عمليات إطلاق إعادة الإعمار إلى التمويل الخارجي وحسب، بل يمكن إطلاق المبادرات التي من شأنها المساهمة في العمل من خلال تنمية القطاعات الحيوية، وتنويع الاقتصاد، وإنشاء الصناديق الاستثمارية المحلّية، والاعتماد على الموارد المحلّية المادية والبشرية، وسنّ التشريعات التي من شأنها أن تساهم في تحسين العمليات الاستثمارية وتعزيز الاعتماد على الموارد الذاتية والتقليل من عمليات الإقراض غير المُنصفة بالنسبة إلى لبنان.


وقد جرى تقسيم الأبواب البحثية إلى ثلاثة عالجت على التوالي:
-   قضية إعادة الإعمار واللامركزية الخدماتية: من وجهة نظر مدينية – اجتماعية.
-  مقاربات في سياسات التخطيط التنموي إلى جانب عمليّة إعادة الإعمار.
-  خيارات تمويل إعادة الإعمار بين الإقراض الخارجي ومجالات التمكين الاقتصادي المحلّي في المناطق المتضرّرة من العدوان الصهيوني.

 

تحميل الملف
المقال السابق
من سموت-هولي إلى تعريفات ترامب تحليل تاريخي لموجات الحِمائية الأميركية وانعكاساتها المحلّية والدولية
المقال التالي
أزمة القطاع المالي في لبنان الظروف والأسباب ومبادئ المعالجة والخروج من الأزمة

مواضيع ذات صلة: