التعامل مع تداعيات العدوان على لبنان، ثلاث حكومات – ثلاث قراءات

رقم الإصدار: 44

مقدّمة

تهدف هذه الدراسة إلى الإضاءة على فترة زمنية محدّدة في عمل ثلاث حكومات حصلت أثناء توليها لمهامها اعتداءات إسرائيلية على لبنان عام 2006 وعام 2024، وقد تعاقبت خلال هذه الفترات حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، ثم حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وأخيرًا حكومة الرئيس نواف سلام الحالية.
رافقت الحربين وما بعدهما الكثير من التداعيات السياسية والأمنية التي طبعت صورتهما وأظهرت تباينات كبيرة وعديدة في طريقة التعامل مع الأزمة الإنسانية التي أعقبتهما، وما نتج عنهما من تهديم كبير في المنشآت والأبنية السكنية وغير السكنية.
جرى تحديد الفترة الزمنية التي رصدت تعامل الحكومات الثلاث في الأشهر 4-6 الأولى للحرب وهي الفترة الأكثر حرجًا بالنسبة لإعمال الإغاثة وإيصال المساعدات والتخطيط لعمليات الإعمار ورفع الاحتياجات العاجلة وتأمين التمويل المطلوب المستدام.
أمكن تقصي الملامح العامة للتعامل مع تداعيات الحرب في كل فترة من خلال مراجعة كل القوانين والمراسيم والقرارات التي صدرت في أثنائها وهو ما دفع لمراجعة آلاف المقررات الصادرة لاستخلاص الجداول النهائية المطلوب قراءتها وتحليلها.


يضع الجدول التالي إطارًا عامًا ملخصًا حول الفترة التي يغطيها البحث: 

 

في هذه الدراسة سوف يتم التطرّق إلى:
-   تحليل المراسيم والقرارات الصادرة ذات الصلة من حيث الكمّ والنوع والأثر. 
-    الإشارة إلى بعض المواضيع غير المرتبطة بتداعيات الحرب وإعادة الإعمار، لكن مرورها بدا لافتًا في سياق البحث.
-    قراءة في التقديمات الأميركية خلال العدوانين وما بعدهما.

وبالنظر إلى أن المراسيم أو القرارات الصادرة المنشورة في الجريدة الرسمية مبوبة بحسب الجهة الصادرة عنها، فقد كان لازمًا البحث في مجموعة من الكلمات المفتاحية ذات الصلة التي حددت مجموعة المراسيم المرتبطة بالموضوع المعني وهذه الكلمات هي: 
حرب، صراع، نزاع، عدوان، اعتداء، إسرائيلي، جنوب، نبطية، صور، بنت جبيل، مرجعيون، حاصبيا، مهدم، إرهاب، شهيد، استشهاد، ضرر، أضرار، إعادة، إعمار، إعفاء، نازح، مهجر، إغاثة، هبة، هبات، صندوق، جريح، جرحى، أميركي، يونيفيل، Undp، يونيسف... وغيرها من المؤسسات الدولية المانحة.
اعتمد هذه الدراسة بالدرجة الأولى على المصادر الرسمية للجريدة الرسمية المنشورة على موقع رئاسة مجلس الوزراء pcm.gov.lb للفترة التي غطّت رئاسة الرئيسين ميقاتي وسلام (2024- 2025)، ومركز المعلوماتية القانونية التابع للجامعة اللبنانية للفترة التي غطّت رئاسة الرئيس السنيورة (من بداية عدوان تموز إلى نهاية عام 2007).


سوف يُستند في هذا التقرير إلى إعداد منهجية مقارنة تتناول الأبواب التالية:
1.    تحليل أهم القضايا والمواضيع التي تعاملت معها الحكومات حول الحرب والعدوان الإسرائيلي
2.    الكلمات المفتاحية المستخدمة ودلالتها
3.    إجمالي المساعدات المالية والعينية الخارجية
4.    مراجعة أداء الحكومة
ولسهولة تقدير إجمالي المساعدات أو الهبات الخارجية وسلف الخزينة وإمكانية إجراءات المقارنات المطلوبة، جرى اعتماد قيمة الصرف بالنسبة للهبات أو المساعدات الواصلة استنادًا إلى سعر صرف الدولار إلى الليرة اللبنانية بحسب ما هو معتمد رسميًا وقت صدور المرسوم.

 

القسم الأول: الحكومات الثلاث وتفاعلها مع العدوان وتداعياته

أ- حكومة الرئيس نواف سلام: (20 شباط 2025 – 4 أيلول 2025) 

تغطّي هذه الدراسة الفترة الواقعة في حكومة الرئيس سلام منذ بدء تشكيل الحكومة في 20 شباط 2025 إلى تاريخ 4 أيلول 2025، وهو تاريخ الجلسة التي ناقشت قضية حساسة ومفصلية في لبنان تتعلق بحصرية السلاح بيد الدولة، أي ما يوازي 6 أشهر ونصف من عمرها.
وكنظرة أولية على أداء الحكومة تجاه تداعيات العدوان يمكن التوقف عند المحطات التالية:
-    لم تتخذ أي إجراء يتعلق بالحدّ من تداعيات الحرب ولم تتخذ أي إجراء عملي محدد يخصّ قبول المساعدات أو المنح أو أية إجراءات لوجستية إلا بعد مرور 6 جلسات، أي ما يقارب الخمسة أسابيع على تسلّم الحكومة لمهامها.
-    وضعت الحكومة على جدول أعمالها في ثاني جلسة حكومية لها بندًا يتعلق بإنشاء صندوق مستقل لإعادة الإعمار ، على أن يجري إعداد مشروع قانون خاص تتم إحالته على مجلس النواب، إلا أن مشروع القانون لم يُنجز فيما وقع وزير المالية اتفاقية قرض مع البنك الدولي لإطلاق هذا الصندوق بقيمة 250 مليون$ بتاريخ 26/8/2025 دون تأسيس الصندوق رسميًا وفق الأصول.
-    من إجمالي 27 بندًا للحكومة تعاملت مع العدوان هناك قانون واحد ليس من إنجازات الحكومة وهو يتعلق بإعطاء جملة إعفاءات للمتضررين (القانون 22/2025). 
-    تبيّن وجود 9 بمراسيم تتعلق بإجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في محافظتي الجنوب والنبطية، وقد جرى إدراجها جميعها في التحليل العام لفترة حكومة الرئيس سلام المحددة باعتبارها إجراءات تنظيمية هامة وضرورية من شأنها المساهمة من الناحية الإدارية في رفع جزء الآثار السلبية في المناطق المتضررة بطريقة مباشرة فيما لو جرى تحويل الاعتمادات والمساهمات المالية المناسبة لها.

أولًا: تحليل أهم القضايا والمواضيع التي تعاملت معها الحكومة حول الحرب والعدوان الإسرائيلي:

بلغ إجمالي عدد جلسات الحكومة 32 جلسة، إجمالي عدد الجلسات التي لم تتضمن أي بند 20 جلسة، إجمالي عدد الجلسات المتضمنة لبنود حول تداعيات الحرب 12 جلسة أنتجت 27 بندًا توزعوا بحسب نوع البند والجهة الصادرة عنها على النحو التالي:

 

أمكن تلخيص أولويات الحكومة في التعامل مع العدوان الإسرائيلي من خلال المحاور الرئيسية التالية:
1.    استقبال وتسهيل المساعدات الخارجية (الهبات) وكان الهدف منها هو: دعم المتضررين (بالملابس، والمواد الغذائية، والمستلزمات الطبية) ودعم البنى التحتية (مياه، طاقة شمسية). وتظهر هذه الإجراءات كأهم أولوية عالية حيث إن غالبية البنود (حوالي 15 بندًا) مخصصة لقبول وإعفاء هبات عينية ومالية مقدمة من:
-    منظمات دولية مثلUNDP, NRC, Oxfam, INTERSOS,  العمل ضد الجوع.
-    جمعيات خيرية أجنبية (من تركيا والعراق).
-    منظمات غير حكومية مثل Spirit of America.
2.    إعادة تأسيس الحكم المحلي والإدارة: حيث خصصت الحكومة تسعة بنود لتنظيم العملية الانتخابية لاختيار المختارين وأعضاء البلديات في المناطق المتضررة. ومع أن هذا الأمر يشير إلى إرادة واضحة لإعادة بناء هيكلية الحكم المحلي وإشراك المجتمع في مرحلة التعافي وإدارة شؤونه بأسرع وقت، فهو يُعدّ أيضًا ضرورة وطنية من شأنها أن تمهد لمجريات الانتخابات النيابية عام 2026.
3.    نشاط مؤسسة مياه لبنان الجنوبي لجهة العمل على استعادة الخدمات الأساسية وإعادة الإعمار، وقد ركّزت الإجراءات على قطاعين حيويين هما: قطاع المياه، مع هبات مخصصة لتأهيل البنى التحتية، وتركيب خزانات، وأنظمة ضخ، وأنظمة الطاقة الشمسية لتشغيل محطات المياه. وقطاع الطاقة، من خلال مشاريع تركيب ألواح شمسية ومولدات كهربائية لضمان استمرارية الخدمات.
4.    نشر القانون (رقم 22 تاريخ 11 تموز سنة 2025) الرامي إلى منح الـمتضررين من الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان بعض الإعفاءات من الضرائب والرسوم وتعليق الـمهل الـمتعلق بالحقوق والواجبات الضريبية ومعالجة أوضاع وحدات العقارات أو أقسامها الـمهدمة.
5.    صدور قرار حول التشدد في التدابير الاحترازية لحماية القطاع الـمالي والاقتصادي في لبنان لجهة التشدّد في معالجة وضع القطاع المالي غير المرخص والذي يطال من شركات الصرافة وشركات تحويل الأموال والجمعيات التي تتعاطى العمليات المالية والمصرفية العاملة من دون أن تكون قد استحصلت على ترخيص من مصرف لبنان، وهو موجه إلى الجهات والأشخاص الـمشار إليهم في الـمادة الخامسة من القانون رقم 44 تاريخ 24/11/2015 الـمتعلق بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، والمقصود منه التضييق المالي على بعض الجهات المانحة المحلية.

 

ثانيًا: أبرز الكلمات المفتاحية المستخدمة ودلالتها

 

ثالثًا: إجمالي المساعدات المالية والعينية

يظهر الجدول التالي أن إجمالي المساعدات العينية التي جرى تقييمها وسلف الخزينة لم تتجاوز 3.5 مليون$ بعد مرور ستة أشهر ونصف على استلام الحكومة لمهامها وهذا مبلغ هزيل جدًا مقارنة مع حجم الكارثة التي أدت إلى تهجير الآلاف وتهديم العديد من القرى كليًا أو جزئيًا وفقدان الأراضي والمواسم الزراعية وفرص العمل، وهو ما يعكس التراخي الكبير في حشد الموارد المطلوبة لرفع احتياجات السكان.

تجدر الإشارة إلى أن مصدر الهبات العينية التي وردت من دون ذكر قيمتها هي من جهات مختلفة مثل جمعية في أميركا وأخرى من الحكومة التركية وثالثة من العراق وهي عبارة عن ملابس ومستلزمات ومواد غذائية، ومعدات طبية، وأغطية، ومستلزمات متنوعة جرى تحديد وزنها فقط.

 

رابعًا: مراجعة أداء الحكومة

يمكن وصف أداء الحكومة بأنها حكومة "مستجيبة تفاعليًا" يغلب على أدائها طابع ردود الفعل على العروض والمساعدات القادمة من الخارج، بدلًا من وجود خطة استباقية شاملة تضع فيها هي أولوياتها وتطلب الدعم بناءً عليها، ويبدو أن جزءًا كبيرًا من أولوياتها غير متكامل وغير استباقي بل هو مُحدد من قبل المانحين "ماذا يقدمون؟" وليس العكس وذلك بالرغم من أن الحرب كانت بدأت قبل استلام الحكومة لمهامها، وكان بإمكانها على الأقل استكمال الإجراءات المتبعة في حكومة الرئيس ميقاتي التي سبقتها.
بدا أن حكومة الرئيس سلام قد استفادت من القدرة التنفيذية المباشرة لمؤسساتها بطريقة محدودة، ما جعلها حكومة "شديدة المركزية" قدّمت التسهيلات المطلوبة لإنجاز الانتخابات البلديات والمخاتير، لكنها لم تقدم إلا اليسير جدًا في مجال رفع الضرر عن الناس.
إلى ذلك فقد أمكن رسم الملامح العامة لسياسية حكومة الرئيس سلام تجاه الإعمار كما يأتي:
-    يعزز وجود بندين تمويلين رئيسين (نقل الاعتمادات) من بين 27 بندًا الانطباع بعدم وجود خطة مالية محلية جريئة لمواجهة تبعات الحرب والنزوح. 
-    غياب الاستراتيجية الشاملة لإعادة الإعمار، إذ لا توجد قرارات حول خطط إعادة إعمار المنازل المدمرة أو الطرق والجسور المتضررة، والتركيز على "الإغاثة" و"الإصلاح الطفيف" وليس "إعادة البناء".
-    إهمال القطاع الصحي: غياب واضح لأي قرارات تتعلق بدعم المستشفيات أو المراكز الصحية المتضررة، أو توفير الرعاية الصحية النفسية والدعم النفسي- الاجتماعي للنازحين، وهو أمر بالغ الأهمية بعد الحروب.
-    الاعتماد شبه الكلي على الخارج: بينما الهبات مفيدة، فإن غياب القرارات حول تخصيص ميزانية محلية كبيرة أو إطلاق صندوق وطني لإعادة الإعمار يُظهر ضعفًا في القدرة الذاتية على التمويل والاستجابة.


ب- حكومة الرئيس نجيب ميقاتي: (19 أيلول 2024- 13 شباط 2025) 

جرى رصد الإجراءات المتخذة في حكومة الرئيس ميقاتي خلال الفترة الممتدة من بدء العدوان بعد حادثة البيجر وصولًا إلى تاريخ انتخاب رئيس جمهورية واستقالة الحكومة حتى تشكيل حكومة الرئيس نواف سلام. خلال هذه الفترة التي تقارب الخمسة أشهر لم يصدر عن مجلس النواب أي قانون يمكن أن يشكّل رافعة معينة فيما خصّ العدوان وتداعياته، وإن كان مشروع قانون إعفاء المتضررين من العدوان من بعض الرسوم والضرائب كان قيد الدرس وقتها في اللجان النيابية.

يُذكر أيضًا أن سلفة الخزينة التي أقرت لتلزيم رفع الردم في المناطق المتضررة "بقيمة 4000 مليار لتنفيذ المهام المحددة لكل الوزارات لاتخاذ التدابير والإجراءات كافة المتعلقة بمسح الأضرار ورفع الأنقاض " هي إحدى إنجازات هذه الحكومة وإن كانت مفاعيلها والإجراءات التنفيذية لها قد ظهرت في عهد حكومة الرئيس سلام.

 

تحميل الملف
المقال السابق
السياسات المالية في لبنان قراءة في أرقام الموازنات العامة 2019-2026
المقال التالي
"إسرائيل" في الكتابات الغربية بعد عامين على طوفان الأقصى

مواضيع ذات صلة: