مقالات: أفق وفرص العلاقات الاقتصادية والتجارية بين لبنان وإيران / نيسان 2016

مقالات: أفق وفرص العلاقات الاقتصادية والتجارية بين لبنان وإيران / نيسان 2016

إصدار 2016-05-17

استمرت العلاقات الاقتصادية والتجارية بين لبنان وإيران في مستويات متدنية جدًا، بالرغم من مرور أكثر من عشرين عامًا على توقيع الطرفين إتفاقيات للتعاون الاقتصادي والتنسيق الضريبي، بقي معظمها حبرًا على ورق الحسابات السياسية الضيقة. وهذا الضعف في العلاقات الاقتصادية بين البلدين يعكسه تواضع حجم التجارة البينية الذي لم يتجاوز 61,4 مليون دولار لسنة 2014 (50,6 مليون دولار واردات و 10,7 ملايين دولار صادرات)، أي ما يشكل 0,3% من إجمالي تجارة لبنان الخارجية من جهة و0.04% من تجارة إيران الخارجية من جهة أخرى.
والواقع أن التطورات المتلاحقة على الصعد الاقتصادية والتجارية والسياسية كافة، خصوصًا بعد توقيع الاتفاق النووي التاريخي بين إيران ودول الخمسة زائد واحد (P5+1) تفرض إعادة طرح موضوع العلاقات الاقتصادية بين لبنان وإيران مجدداً والدعوة إلى إعادة تنشيط تلك العلاقات في هذه اللحظة بالذات.
فعودة إيران بقوة إلى أسواق الطاقة والمال العالمية باتت أمرًا مفروغًا منه، وإن كان يصعب التكهن بالسيناريو الزمني والعملي المتوقع لإعادة اندماج الاقتصاد الإيراني في دورة الانتاج العالمية والنظام المالي الدولي، خصوصًا مع استمرار حظر التعامل الاقتصادي والمالي مع إيران من قبل الشركات والمستثمرين الأميركيين حتى إشعار آخر، بمعزل عن توقيع الاتفاق النووي وفك الحصار، وذلك لأسباب تتصل بتضارب السياسات الدولية لكل من إيران والولايات المتحدة حول قضايا استراتيجية كموضوع المقاومة والاحتلال الصهيوني لفلسطين.
لذلك، وفي مطلق الأحوال، فإن هذه العودة الحاصلة عاجلاً أو آجلاً تحمل معها فرصًا اقتصادية لا حدود لها، ليس لإيران وحدها وإنما لطيف واسع من الشركاء التجاريين في الإقليم وحول العالم، بما في ذلك لبنان بالطبع خلال السنوات القليلة القادمة. واللافت في هذا الصدد أن الكثير من المستثمرين الأجانب من أوروبا وآسيا قد تخلوا عن حذرهم غير آبهين بتشكيك وتشويش الأوساط الصهيونية الفاعلة في الإدارة الأميركية حول جدوى واستمرارية الاتفاق النووي. فحتى قبل اتضاح معالم الاتفاق المذكور وجدنا أن هؤلاء قد اندفعوا ليس لاستطلاع آفاق الاستثمار الممكنة في الاقتصاد الإيراني وحسب، وإنما لحجز حصتهم أيضًا من العقود المحتملة والتي جرى توقيعها في قطاعات الصناعة الاستخراجية والخدمات والتجارة والنقل والبناء والسيارات والاتصالات والزراعة وغيرها من القطاعات الاقتصادية.
والواقع إن هذا الاهتمام البالغ لمجتمع الأعمال العالمي بإيران، كوجهة اقتصادية واعدة لسلعهم ورساميلهم وخبراتهم التكنولوجية، لا ينطلق من فراغ وإنما يستند إلى معطيات جغرافية وبشرية وإدارية ومادية موضوعية وصلبة.
ذلك أن إيران دولة تحتوي على أكبر احتياط للنفط والغاز في العالم، فضلاً عن المخزونات الضخمة من النحاس والحديد والزنك والرصاص. وهي تحتل المركز السابع عشر من حيث المساحة وتتوسط بموقعها الجغرافي الدول المستهلكة للطاقة ما بين الشرق والغرب. كما تضم كتلة سكانية متميزة تقدر بنحو 80 مليون نسمة، ثلثهم من سكان الحضر والبقية من سكان الأرياف. الأمر الذي يجعل من إيران سوقاً استهلاكية كبيرة جدًا، بلغ حجم إنفاقها الكلي لسنة 2014 ما يقارب 180 مليار دولار. وما يميز هذه الكتلة السكانية هو مستواها التعليمي الرفيع الذي يضاهي نظيره في الدول الغربية المتطورة، حيث الأمية شبه معدومة والمستوى الجامعي بين الشباب المتعلم يفوق 58%.
وفي مؤشر على تسارع التطور الرقمي للمجتمع الإيراني فقد تجاوزت نسبة اختراق الإنترنت 50% من السكان، رغم الحصار المفروض ومحاولات عزل إيران دوليًا. فهذا الحصار لم يمنع الحكومة الإيرانية من تعظيم استفادتها مما تمتلكه من مزايا نسبية لتوفير بيئة الأعمال المؤاتية للاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية، الأمر الذي مكّنها من استعادة زخم النمو الاقتصادي الذي بلغ 4% سنة 2015 بدفع من قطاعات محددة تحت سيطرة الدولة كقطاعات التصنيع والصناعة الاستخراجية والخدمات، وذلك بعد نمو سلبي طوال السنوات القليلة الماضية. ومن أبرز معالم بيئة الأعمال المشار إليها نذكر ما يلي:

  • إقرار خطة التنمية الخمسية السادسة للفترة 2016 – 2021، والتي تولي اهتمامًا خاصًا لتحسين بيئة الأعمال، بما في ذلك إضفاء المزيد من التنافسية والمرونة والشفافية على أسواق العمل ورأس المال المحلية. وهذه الخطة التي تتوزع على ثلاثة محاور رئيسية هي:
  •     "الاقتصاد المقاوم"، و"الريادة في مجال العلوم والتكنولوجيا"، و "التسامي والتحصين الثقافي"، ترمي أيضًا إلى فتح قطاعات استراتيجية تقودها الدولة أمام القطاع الخاص، كالنفط والغاز والبتروكيماويات والنقل والبناء وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والزراعة والمياه وصناعة السفن. وتركّز الخطة أيضًا على ضرورة تحقيق نمو اقتصادي متسارع ودائم وتعزيز القدرات الدفاعية. كما تولي أهمية خاصة لصندوق الثروة السيادي (صندوق التنمية الوطنية الإيراني) من خلال منحه استقلالية تامة ودورًا أكبر في تمويل عملية التنمية وتطوير القطاعات الإنتاجية. ويتجلى ذلك في تخصيص حوالي 38% من عائدات النفط والغاز لهذا الصندوق.
  •     تطبيق قانون حماية وتطوير الاستثمار الأجنبي (FIPPA). فهذا القانون يمنح الاستثمارات الخارجية المباشرة في إيران مزايا متعددة، منها التعامل على قدم المساواة مع الاستثمارات الوطنية وصولاً إلى تملّك أسهم الشركات الوطنية بنسبة 100%، وحرية تحويل الرساميل والأرباح الموزعة، وضمانات بعدم نزع الملكية تحت أية ذريعة، وحرية التقاضي أمام المحاكم الأجنبية.
  •    إقامة مناطق تجارية حرة (FTZ) ومناطق اقتصادية خاصة (SEAs) تتمتع فيها الاستثمارات الأجنبية المباشرة بمزايا وتسهيلات متعددة، منها إعفاءات وتسهيلات ضريبية تصل إلى 100% لجميع الأنشطة الاقتصادية في هذه المناطق.
  •     الإعفاء من ضريبة الدخل لمدة 20 سنة للاستثمارات في المناطق الأقل نموًا. علمًا أن الضريبة على أرباح الشركات في إيران تفرض بنسبة مسطحة تصل إلى 25%.
  •    إعفاء النشاطات الاقتصادية غير البترولية كالزراعة والسياحة والتصدير من الضرائب بنسبة 100% ولفترة غير محددة.
  •     وجود بنية تحتية متقدمة نسبيًا وتشهد تطورًا متزايدًا، كالمطارات التي يفوق عددها 53 مطارًا، ومئات آلاف الكيلومترات من الطرق البرية وخطوط السكك الحديدية ومترو الأنفاق، إلى جانب توفير خدمات المياه والكهرباء والاتصالات بتكلفة متدنية نسبيًا.
  •     توفر قوة عاملة مؤهلة ومدرّبة بشكل جيد وذات إنتاجية مرتفعة تحاكي تلك الموجودة في اليابان والولايات المتحدة الأميركية.
  •     تنامي أعداد الحاضنات ومسرّعات الأعمال الجديدة (incubators and accelerators)، في مؤشر على تزايد الاهتمام الرسمي الإيراني بتوفير البيئة المناسبة لإطلاق الأعمال الصغيرة والمتوسطة الحجم بوصفها قاعدة مهمة للنمو الاقتصادي الذي تطمح الخطة الخمسية لتحقيقه بمعدل 8% خلال سنوات الخطة. ويذكر في هذا الصدد أن إيران قد صنّفت في المرتبة 62 من أصل 189 بلداً فيما خص مباشرة الأعمال الصغيرة والمتوسطة.
  •     السعي لزيادة المحتوى التكنولوجي للنمو الاقتصادي من خلال رفع سقف الإنفاق على الأبحاث والتطوير حتى سنة 2030 إلى 4% من الناتج المحلي، البالغ 406 مليارات دولار لسنة 2014 بحسب تقديرات البنك الدولي. وهذا التوجه يؤسّس لبيئة أعمال تنافسية متفاعلة مع احتياجات السوق العالمي.
  •     تمتّع الاقتصاد الإيراني بميزة تنافسية إضافية يوفرها تدني سعر صرف العملة الوطنية. مما يجعل الصادرات الإيرانية أقل كلفة مقارنة بالمنتجات الأخرى المنافسة. وإن كانت استمرارية هذه الميزة متوقفة على حكمة السلطات النقدية في التعامل مع الطفرة الاقتصادية والمالية المتوقعة بعد رفع العقوبات الغربية. إذ إن هذه الطفرة بما تحمله من تدفقات مالية وزيادة في الطلب على العملة المحلية مقابل عرض للعملات الأجنبية قد تتسبب بموجة تضخّم تفقد البلاد هذه الميزة وترفع من كلفة المنتجات التصديرية الإيرانية، وبالتالي تجعلها أقل تنافسية وتضعها تحت ضغوط كبيرة لصالح المنتجات غير التصديرية، كقطاع الخدمات الناشط والذي يستقطب القسم الأكبر من اليد العاملة النسائية.
  •    تدني الضريبة على القيمة المضافة كضريبة استهلاك لا تتعد نسبتها 9%، مع وجود نية لدى الحكومة لرفعها إلى 10%.

وليس مبالغاً فيه القول إن المرحلة الجديدة بعد توقيع الاتفاق النووي التاريخي تحمل معها فرصاً واسعة جدًا للاستثمار، قد لا يقل حجمها عن 500 مليار دولار في قطاعات اقتصادية مختلفة. وبما أن قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات وصناعة السيارات والصناعات الصيدلانية والبناء والخدمات المالية والملاحة الجوية والبحرية كانت الأكثر تضررًا من جراء الحصار والعقوبات المفروضة، فمن المرجح أن تكون هذه القطاعات ذاتها الأكثر استفادة وجذبًا للاستثمار الخارجي بعد رفع الحصار. فضلاً عن أن قطاعات اقتصادية أخرى تبقى بحاجة ماسة إلى إعادة هيكلة وتحديث، كالقطاع المصرفي والمالي عمومًا، وتجارة التجزئة، والقطاع الزراعي.
والجدير ذكره أن غالبية القطاعات المشار إليها أعلاه هي قطاعات تصديرية بامتياز وتعتمد على الاستخدام المكثّف لليد العاملة. وبذلك فإن استعادة هذه القطاعات لنشاطها من شأنه أن يؤدي إلى تخفيض نسبة البطالة بشكل ملموس من جهة، وإلى زيادة الأجور والطلب المحلي من جهة أخرى. مما يشكل رافعة إضافية للنمو الاقتصادي إلى جانب الاستثمارات العامة والخاصة على السواء. غير أن هذه الطفرة يمكن أن تؤدي إلى زيادة الفروقات بين المداخيل وتهديد الاستقرار الاجتماعي، الأمر الذي يتطلب تطبيق رزمة من الإصلاحات المالية والاجتماعية لم نلحظها في مخططات السياسة الاقتصادية لإيران. ومن أبرز هذه الإصلاحات على سبيل البيان لا الحصر نذكر ما يلي:
•    تطوير نظام للضمان الاجتماعي يرعى الفئات المهمشة وغير المقتدرة معيشيًا.
•    إعادة صياغة النظام الضريبي وخصوصًا الضرائب المباشرة بصورة عادلة ومنصفة، مع التشديد على زيادة معدلات هذه الضرائب على الأنشطة الريعية.
•    ضمان فرص توظيف ونمو متكافئة ومتوازنة بين مختلف الفئات والقطاعات.
وبالعودة إلى إمكانية تطوير العلاقات الاقتصادية بين لبنان وإيران، نجد العديد من الاتفاقيات التي تحكم هذه العلاقات من حيث المبدأ. فإلى جانب لجنة اقتصادية مشتركة تجتمع دوريًا وتتولى تنسيق العلاقات الاقتصادية بين البلدين، يوجد أيضاً اتفاقية عام 1997 حول التبادل التجاري والاستثمارات واتفاقية 1998 حول الازدواج الضريبي. وتنص الاتفاقية الأولى على رعاية حقوق المستثمرين الطبيعيين والمعنويين من كلا البلدين، بما في ذلك ما يلي:
- الأموال المنقولة وغير المنقولة.
- حصص الأسهم في الشركات.
- التحويلات المالية.
- حقوق الملكية الفكرية والصناعية، بما في ذلك العلامات التجارية.
- حرية التنقيب واستخراج واستغلال الموارد الطبيعية بما يتفق مع القوانين المحلية لكلا البلدين.

وفي محاولة جديدة لإحياء هذه العلاقات، فقد جرى في شباط 2016 توقيع اتفاق التجارة التفضيلية بين لبنان وإيران على هامش زيارة وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني إلى إيران ، في إطار الدورة السابعة للجنة الاقتصادية اللبنانية – الإيرانية المشتركة التي عقدت في طهران. لكن هذا الاتفاق الذي يرمي إلى تحرير التجارة ورفع حجم التبادل التجاري بين البلدين يبقى بحاجة لمصادقة مجلس الوزراء عليه. ولا بد من استكمال هذه الخطوة الرسمية المتواضعة بجهود مدروسة وعاجلة في آن من قبل القطاع الخاص للحصول على أكبر حصة ممكنة من الطفرة الاقتصادية التي يرجح أن تشهدها المنطقة، بالتزامن مع عودة إيران إلى الأسواق العالمية وبموازاة تعزيز الصين لحضورها الاقتصادي في هذه المنطقة أيضًا. وعدم التحرك في هذا المجال يجعل لبنان مرشحًا للبقاء خارج المعادلة الاقتصادية الناجمة عن إعادة رسم خارطة العلاقات والتوازنات الاقتصادية والتجارية والمالية في الإقليم بأكمله.
وليس جديدًا القول إن لبنان الغارق في انقساماته السياسية قد خسر الكثير من دوره الاقتصادي والخدماتي مع بروز مدن كبيرة تمتلك مطارات ومرافىء متقدمة وبمواصفات تنافسية عالمية، أخذت تستقطب المزيد من الحركة التجارية والاستثمارية في المنطقة. وهذه المدن مرشّحة بقوة للاستفادة من الطفرة المشار إليها ولعب دور الوساطة المالية والتجارية بين إيران ومعها الصين في الشرق وبين والدول الأوروبية في الغرب، وذلك على حساب لبنان بطبيعة الحال. نذكر من هذه المدن على سبيل البيان مدينة دبي في الإمارات العربية المتحدة، وإزمير في تركيا وطرطوس في سوريا.
وتطرح هذه التطورات تحديًا حقيقيًا أمام مستقبل الاقتصاد اللبناني. وقد تشكل الطفرة الإيرانية الموعودة فرصة لا تعوّض أمام لبنان ليس لتعزيز موقعه في مواجهة هذا التحدي وحسب بل لاستعادة دوره أيضًا من خلال توفير الكثير من الخدمات التي يمتلك لبنان فيها ميزات تفاضلية، وتشكل حاجة للاقتصاد الإيراني في آن واحد، كخدمات الوساطة المالية والتجارية بين إيران وأوروبا. وإذا كان مرجحًا أن تتصدر منتجات مثل الحديد والفولاذ والأجهزة الإلكترونية والكهربائية والمعدات لأغراض التكرير والصناعات البتروكيماوية والطاقة البديلة وقطع غيار السيارات والطائرات قائمة المستوردات الإيرانية في السنوات القليلة القادمة، لحاجة الاقتصاد الإيراني إليها في مرحلة إعادة الهيكلة والتطوير، وهي سلع غير متوفرة بطبيعة الحال في لبنان، إلا أن هناك الكثير من المنتجات والخدمات التي يمكن أن تشكل مجالاً للتبادل التجاري بين الطرفين، منها ما يلي:
 
•    منتجات الأغذية.
•    منتجات الصناعات الكيماوية والأسمدة.
•    المنتجات الصيدلانية.
•    منتجات الورق والكرتون.
•    المصوغات والمعادن الثمينة.
•    خدمات الطباعة.
•    خدمات النقل والسياحة.
•    خدمات التعليم والثقافة.
•    خدمات المعلوماتية.
•    منتجات الصناعات المعدنية.
•    السيارات.
•    منتجات الصناعة البلاستيكية.
•    خامات ومواد أولية متفرقة.
•    منتجات الأخشاب المفروشات.
 
وإلى جانب التعاون في مجال الصناعة النفطية كقطاع واعد في الاقتصاد اللبناني، فإن وضع البلدين بصفتهما عضويين مراقبين في منظمة التجارة الدولية (WTO)، يخوضان مفاوضات ثنائية ومتعددة الأطراف مع شركائهما التجاريين الرئيسيين، يجعل من مصلحتهما التعاون والتنسيق الاقتصادي في هذه المرحلة بالذات، بما يعزز من قدرتهما التفاوضية في التوصل إلى نظام تجاري نهائي يضمن تحقيق أفضل عائد ممكن بأقل كلفة اقتصادية لكل منهما.

-------------------------------------------------------------

*باحث اقتصادي

 مقالات: العالم العربي في مواجهة مأزق التغيير: الحاجة إلى ثلاث ثورات متزامنة / د. عبد الحليم فضل الله

مقالات: العالم العربي في مواجهة مأزق التغيير: الحاجة إلى ثلاث ثورات متزامنة / د. عبد الحليم فضل الله

الحرب الطاحنة التي تدور رحاها في قلب المشرق العربي وتلقي بظلالها على أرجاء أخرى منه، هي الحلقة الأخطر في سلسلة أحداث مطردة ومتناسلة بدأت ارهاصاتها مع بزوغ فجر الألفية الثالثة وبلغت ذروتها مع اندلاع الأحداث العربية قبل خمسة أعوام. لقد نجح ما سمي ربيعاً عربياً في توسيع المجال السياسي وأخرج في مراحله الأولى كتلاً اجتماعية وشعبية هائلة عن حيادها وصمتها، وبدا وكأنه يمهد الطريق أمام نشوء حركات جماهيرية كبرى كتلك التي قامت في أوروبا وآسيا وساهمت خلال القرنين التاسع عشر والعشرين في إحداث انعطافات تاريخية كبرى.


لكن القوى الاجتماعية والفئات المتنوعة التي انخرطت في الاحتجاجات عانت لاحقاً من إخفاقات جمة. فهي فشلت في تكوين الإجماع التأسيسي الذي لا بد منه لتحويل الانتفاضات الى رحم خصب للتغيير، ولم تتمكن من بناء رافعة تاريخية لرؤية ثورية طموحة، كما عانت في مرحلتها السلمية من تواضع في الأهداف التي لم تتناسب البتة مع ما عبرت عنه الحشود من تفويض شعبي منقطع النظير. وعلى العموم كان هناك قصور في الرؤية بعيدة الامد ساهم تارة في نجاح الثورات المضادة ومهّد تارة أخرى لاندلاع الحروب الاهلية.


في النموذج المصري - التونسي كانت الأولوية المطلقة هي لقضايا الداخل المفصولة عن البيئة الخارجية والعوامل البنيوية المرتبطة بطبيعة النظام نفسه، والمحيطة بعمل الدولة وسياساتها وتحالفاتها ومواقفها من القضايا الحيوية. يكفي حسب هذا النموذج تحسين آليات تداول السلطة، ومكافحة الفساد، وتوفير الحد الأدنى من الحقوق السياسية (وبدرجة اقل الحقوق الاجتماعية) لتحقيق التغيير المنشود. هذه الفرضية الخاطئة هي التي انتجت التوافق المبكّر بين القوى الثورية وغير الثورية على سلوك طريق الانتخابات كمدخل وحيد برأيها إلى تحقيق هدفي التغيير والاستقرار في آن معاً.


لقد اقتصر حديث الثورة في هذا النموذج على البعد المحلي للسياسة مهملاً أبعادها الإستراتيجية والتي لا غنى عنها لبسط مظلة أمان وحماية فوق أي تجربة نهضوية وتنموية تنشد الاستقلال. لكن الميل الى الحلول السهلة ونأي النخبة بنفسها عن مواجهة التحديات الخارجية، واختلال معايير التمييز بين الخصوم والأصدقاء والحلفاء والأعداء، مهد لاحقاً الى نقل الصراعات المحتملة من الخارج الى الداخل وادخل الانتفاضات الشعبية في دوامة القوالب التقليدية الراسخة التي ثارت ضدها.


في سوريا كان النموذج مختلفاً والرهانات معاكسة. الاستقطاب الصراعي بشأن هذا البلد كان ولا يزال متمحوراً حول دوره وتحالفاته وموقعه من قضايا الإقليم وتناقضاته. لم تصمد العناوين الإصلاحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية طويلاً أمام سطوة صراع المصالح والمبادئ بين محور المقاومة من ناحية والمحور المناوئ له من ناحية أخرى، ولم تكن تلك العناوين والمطالب متناسبة على أي حال مع ضراوة الحرب السورية ودمويتها. وبالمقابل أظهر تطور الأحداث أن عناصر التسوية الداخلية متوفرة إذا أمكن تحييدها عن المؤثرات الخارجية، وعبرت المصالحات المحلية عن الميل العميق لدى المجتمع السوري لانهاء النزاع مع الحفاظ على بنية الدولة والخطوط العريضة لسياساتها العامة. لنلاحظ هنا ان العواصم الدولية كانت الأكثر حماسة للتصعيد خلال العامين الأولين من الحرب السورية، ثم انتقلت الحماسة الى العواصم الإقليمية ولا سيما الرياض وأنقرة، دون أن نغفل دورين آخرين: دور الكيان الاسرائيلي المتحفز دائماً لإقصاء آخر الجيوش العربية من معادلة الصراع للتفرغ لخطر المقاومة، ودور المجموعات التكفيرية التي تستفيد من تقاطع المصالح مع أطراف عدة لتحقيق آمالها المستحيلة مشاريعها العدمية.


في بلدان عربية أخرى برز نموذج ثالث. ارتبط تطور الأحداث هناك على نحو ما بتحرك صفائح الهويات الفرعية، وترهل الهوية الوطنية تحت وطأة الاستئثار بالسلطة والثروة من قبل نخبة صغيرة العدد. وكان يؤمل من الدينامية الثورية ان تفضي الى تسويات سياسية-اجتماعية ذات قاعدة عريضة تعيد انتاج هذه الهوية على قواعد صلبة تكفل الانسجام والتنوع. لم يتحقق ذلك إما بسبب وصاية "الأخ الأكبر" (الدور الخليجي في اليمن) او بفعل الغزو الخارجي الذي جعل الفوضى والانقسام المناطقي والأهلي يحلان محل الثورة وتصحيح العقد الاجتماعي (تدخل الناتو في ليبيا).


يعبر القمع الخارجي الذي تعرضت له ثورة البحرين  عن وجه آخر من مأزق التغيير في العالم العربي. فبكل بساطة ممنوع على الاصلاح أن يطرق أبواب الدول النفطية، تلك التي تنعم بحماية عسكرية أميركية مطلقة، وتعوض عن تخلف بنيتها السياسية بعصبية دينية وقبلية تتغذى من تعبئة مذهبية متواصلة، وبموارد مالية لا تنضب. تزعم دول الخليج أنها تحقق الهدف الجوهري للديمقراطية المتمثل في الرخاء والرضي العامّين دون أن تضطر إلى اعتماد الديموقراطية سبيلاً إلى تكوين السلطة وإدارتها. لكن تقارير التنمية البشرية والإنسانية ومؤشرات الفساد تضعها في المراتب المتأخرة على صعد الحكم الرشيد والفساد ونصيب الفرد من الخدمات العامة، وتبين أنّ العائدات النفطية هي ما يمنع انضمامها الى لائحة الدول الفاشلة. وتعالج هذه الدول مخاوفها بالهروب الى الأمام، إن من خلال التصدي لأدوار تفوق  طاقاتها وخبراتها السياسية والعسكرية، او بمحاولتها وعلى نحو معاند لمسار التاريخ الانفراد بمقعد القيادة في العالم العربي.
لقد منعت الأنظمة الريعية في السابق التجربة الناصرية وغيرها من التجارب الوطنية والقومية في العالم العربي من تحقيق بعض أهدافها التغييرية، وها هي الآن تكرر الأمر نفسه مستعينة بذخيرة من الضخ المالي غير المحدود والتعبئة المذهبية غير المسبوقة.


هناك إذاً وجوه متعددة لمعضلة التغيير التي تواجهها المنطقة، وترمي بها في أتون ديناميات تفتيت وتفكك تهدد بنيتها الاجتماعية والبشرية والثقافية. يكفي أن نتابع انهماك مراكز التفكير والأبحاث الغربية ولا سيما منها القريبة من صانعي القرار، في رسم الخرائط الجديدة للمنطقة (راجع مثلاً التقرير الأخير الصادر عن مؤسسة راند)، لنكتشف أن الحديث المتكرر عن إعادة رسم حدود المنطقة بالدم تتردد أصداؤه بجدية في أروقة العواصم المؤثرة. لكن ما لا يدركه هؤلاء أن رسم خرائط جديدة على قياس الانتماءات الفرعية المتصارعة حالياً هي محاولات عقيمة، فالهويات الصغرى هي بطبيعتها ظرفية وهشة، ولن تكون أبداً المادة الصالحة لبناء جغرافيا سياسية مستقرة وبديلة للجغرافيا الحالية، بل إنها ستضاعف من خطورة الفراغ الجيوسياسي وستزيد من قوة الجذب الى الأسفل الناتجة عن المحاولات الأميركية الفوضوية للتخفف من بعض أعباء المنطقة. لكن واشنطن التي فقدت جزءاً كبيراً من ذخيرتها العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية في المنطقة تزيد من توتر حلفائها الحائرين والمتوترين أصلا، بإعلانها أنها معنية بحماية أمنهم لا بتبني مصالحهم.


على أنّ الخروج من نفق الأزمة والحرب لا يكون بمحاولة الرجوع الى الوراء، أي إلى المرحلة التي سبقت اندلاع الاحتجاجات العربية التي كشفت عن كثير من الحقائق المكتومة، فإعادة المارد الشعبي إلى قمقمه لم يعد ممكناً، كما لم يعد ممكناً إعادة الهويات الفرعية والصغرى الى رحم الهوية الكبرى الجامعة إلا في إطار اجتهاد نظري وسياسي لتطوير مفهوم العروبة، وعمل نضالي لاستنقاذها من الوقوع رهينة الأنظمة النفطية التي تريدها ذخيرة إضافية في صراعاتها المتزايدة.


وفي جميع الأحوال أظهرت منطويات الانتفاضات الشعبية وما تناسل منها او رافقها من نزاعات وحروب، وجود ثلاثة أبعاد رئيسية لمعضلة التغيير في المنطقة هي: أزمات الهوية، وغياب المشروع المتكامل والمتوازن، ووجود قوى ودول ترى أن مصلحتها تقوم على استعادة الوضع القديم، والوقوف في وجه التحولات أو حرفها عن مسارها.


لقد كشف صعود الانتماءات الفرعية وانفجارها الدموي عن ضعف تكوين الهويات الوطنية التي لم تصمد أمام الاختبار، ولم تنجح في أن تكون تعبيراً قطرياً عن الهوية العربية الجامعة، المفترض أنها حاضنتها الأوسع ومصدر قوتها وتماسكها. لكن تجاوز معضلة الهوية يتطلب قبل أي شيء آخر تجديد فكرة العروبة نفسها بحيث تكون رابطة رحبة يتوازن فيها البعدان العربي والإسلامي، ويكون بمقدورها الحفاظ على تنوع النسيج الثقافي والاجتماعي والعقائدي كما انتهى الينا عبر رحلة تاريخية معقدة وخلّاقة. و لا يمكن على أي حال اختزال العروبة داخل وعاء اثني او طائفي أو مذهبي ضيق، قائم على الدمج القسري أو الانصهار الإجباري.


لكن الهوية العربية الجامعة ليست أمراً افتراضياً مجرداً ولا انتماء بديهياً، إنها أيضاً حقيقة موضوعية وخيارٌ فكريٌ وسياسيٌ، ولا يمكن تجديدها إلاّ في إطار مشروع حضاري وإصلاحي شامل، يرفض في الداخل التمييز والاستئثار بالسلطة ويصون الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، ويطمح على المستوى الخارجي الى المشاركة في بناء نظام إقليمي قائم على التعاون مع الجوارين الإسلامي والإفريقي من ناحية وترسيخ التوازنات المركبة في مواجهة العدو وقوى الهيمنة من جهة أخرى. وفي هذا السياق لا بد من الاستفادة من التجارب من أجل ترميم نظرية الأمن القومي العربي، إن من خلال إعادة بناء الجيوش العربية على أساس عقيدة قتالية جديدة واستراتيجية دفاعية موحدة، أو بتعميم خيار المقاومة التي نجحت في تقليص فجوة القوة بأقل الإمكانات. ويمكن للعرب في معرض  بحثهم عن المكانة والدور والتنيمة المستقلة إلى المسارعة إلى شغل مقعدهم الخالي في قطار التحالف الشرقي الآخذ بالتكون والذي تتعاظم جاذبيته الاقتصادية والسياسية والعسكرية وتزداد قدرته على الاستقطاب اقليمياً ودولياً. ويضم هذا التحالف العتيد قوتين عالميتين ممثلتين في مجلس الأمن: روسيا والصين، ودولة إقليمية مؤثرة هي إيران، وتربطه علاقات تنسيق قوية مع دول أخرى عبر تجمع البريكس ومنظمة شانغهاي..


وباختصار، إن الخروج من نفق الأزمة يستدعي القيام بثورتين متزامنين: واحدة على المستوى الوطني تهدف الى بناء الدولة العربية على أسس احترام الحقوق السياسية والاجتماعية والانسانية، وثورة على المستوى الجيو سياسي من أجل بناء نظام إقليمي متجه نحو الشرق، تتضامن أطرافه فيما بينها على تحقيق التنمية ومواجهة المخاطر وتكريس التوازن  المركب  مع العدو، ويكون قادراً على الاستفادة من الفرص التي يوفرها عالم متعدد الأقطاب..


لكننا وقبل ذلك كله نحتاج إلى ثورة ثالثة تشمل منظوماتنا المعرفية، العاجزة عن فهم التحولات واستشرافها وإدراك دلالاتها، وفكرنا السياسي الذي لا يبدو صالحاً حتى الآن لصياغة تصوراتنا البديلة وتقديم مساهمات مفيدة في مسيرة العالم.

*رئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق - لبنان

 مقالات: قراءة تحليلية في وثيقة الصين تجاه الدول العربية / د. نبيل سرور

مقالات: قراءة تحليلية في وثيقة الصين تجاه الدول العربية / د. نبيل سرور

إصدار 2016-04-11

تمهيد مطلع السنة الجديدة أعدت الصين وثيقة سياسية إقتصادية توجهت فيها الى دول المنطقة العربية والإسلامية والملفت ان هذه الورقة تحمل مضامين وإشارات غير تقليدية كما في السابق في مقاربة الصين لملفات المنطقة الساخنة وهي تعكس جدية في وصف الوقائع وفي رسم اطر الحلول وفي التأكيد على ابعاد سياسية وهوامش من العلاقة في اطار مفتوح بما يفتح بالمجال لعلاقات واسعة تتعدى الإطار الشكلي او الإقتصادي او التقليدي وهذا ما يؤشر بالمحصلة الى ان الصين لديها طموح جدي لكي تكون قطبا اساسيا في منطقتنا او جزءا فاعلا من محور سياسي إقتصادي بوجه حضور اميركي متردد او ضعيف ومربك بفعل الهزائم التي تلقاها في اكثر من نقطة من نقاط تواجده والإستفادة من الدور الصيني تتوقف بالضرورة على تفاعل قوى المنطقة مع هذا الحضور وعلى مدى الإستفادة من تجربة الصين في شتى المجالات وشبك علاقات تفاعلية معها وربط شبكة من المصالح المتبادلة في اطار من منهجية واضحة ومحددة خدمة لمشروعنا السياسي الجهادي الممتد في اطاره الإقليمي والعالمي أولا في قراءة وتحليل مضمون الوثيقة تعكس وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية المؤرخة في كانون ثاني جملة من النقاط الآتية صياغة الورقة تقليدية كما هي عادة الصينيين في تأكيد ثوابتهم التاريخية وجذور علاقاتهم الإقليمية والدولية لكن يمكن القول انه وبالرغم من ان الإقتصاد لا يزال هو المحور في اية علاقات للصين مع الخارج الا ان ما يميز الورقة هو انها قاربت المواضيع المتعلقة بالمنطقة بشيء جديد من اللغة السياسية يبتعد عن الأسلوب الإنشائي الوصفي والحيادي في كثير من الأحيان ليصل الى صياغة وثيقة تحدد مرتكزات أساسية وواضحة في سياسة الصين الخارجية تجاه عالمنا العربي والإسلامي وتعكس التحولات السياسية والإقتصادية المتسارعة في المنطقة كما انها تعكس برأيي توجها صينيا واضحا لحجز مكانة ما في مشهد المنطقة السياسي المرتقب في المنطقة العربية في ظل تغيرات متواصلة معمقة ومعقدة في ظل الزخم المتزايد للتعددية القطبية في هذا السياق التحليلي الإستشرافي لابد من الإشارة الى ان ثوابت الأدبيات الصينية السياسية تجاه منطقتنا تعتمد دوما تاريخيا على أمرين أ التأكيد على متانة تاريخية العلاقة بين الصين والدول العربية والمواقف التاريخية المتبادلة بين العرب والصين وتعتبر ذلك المدخل او بوابة العبور التقليدية الى واقع المنطقة السياسي والأمني وملفاتها الجيوسياسية ب تظهير التعددية القطبية بعد انتهاء الحرب الباردة وفي ظل المتغيرات المتلاحقة على المسرح الدولي بحيث تسعى الصين الى التأكيد على ان الولايات المتحدة الأميركية لم تعد هي المرجعية الأولى والوحيدة للقرارين السياسي والإقتصادي بل تريد الصين تظهير صورة عالم جديد متعدد الإقطاب حيث لا يزال العالم يمر بفترة تعديلات عميقة للإقتصاد في حين تكون العناصر الجيوسياسية أكثر حضورا وتتوالى وتتعاقب التوترات المحلية وتزداد التحديات الإقليمية غير التقليدية والتحديات العالمية بشكل مستمر تعكس الورقة تحولا جديا في مقاربة الصين لملفات المنطقة السياسية وبالتالي فالورقة برصانتها وبشموليتها هي تعبير جديد عن وعي صيني للدور المستقبلي الذي يمكن ان تلعبه سياسيا في ظل تراجع للدور الأميركي وبروز قوى جديدة تشارك في رسم معالم المرحلة الجديدة من خلال حضور سياسي وإقتصادي فاعل وربما عسكري اذا تطلب الأمر الورقة هي مقاربة سياسية شاملة لواقع وملفات المنطقة السياسية والإقتصادية بعد ان كانت تقتصر بالسابق على الموضوع الإقتصادي كما تعكس جدية في تحليل عمق قضايا المنطقة المعقدة بعد ان كانت تتعاطى مع الملفات السياسية والعسكرية والأمنية في المنطقة بنوع من السطحية والهامشية والمقاربات المربكة سواء من خلال دبلوماسيتها او من خلال وسائل الأعلام ث انيا تقديم العامل السياسي لأول مرة كعامل اساسي قبل الإقتصاد ذكر الحزب الشيوعي بشكل ملفت كقمة الهرم السياسي في ادارة سياسة الدولة وحرصه على مواصلة تعزيز التبادل مع الأحزاب والمنظمات السياسية الصديقة في الدول العربية يؤكد ان الصين بدأت تعطي للعمل السياسي الحزبي في العلاقات الدولية أو مع الأصدقاء دفعا واضحا ومع الوقوف عند المصطلح يمكن ان نستنتج ان الصين صارت تعطي للسياسة والعمل الحزبي دوره بعد أن وصلت الى ما تريده في الإقتصاد وهذا ما يفسح بالمجال امام عمل سياسي صيني متعدد الأبعاد السياسية والأمنية مع الدول او الأطراف التي تتعامل معها الصين او ترتبط معها بعلاقات صداقة يلاحظ في الورقة ان الموضوع السياسي قد اخذ مجموعة عناوين تتقدم على الإقتصاد وتتبلور هذه الموضوعات في الحوارات الإستراتيجية والمشارورات السياسية الدائمة وفي دعم المطالب المشروعة والمواقف الصائبة للجانب الآخر وكأنه يفهم بالتحليل لهذا المعطى ان الصين جاهزة للتعاون السياسي بقضايا تفتح المجال امام مجالات بأبعاد سياسية وكل ما فيها من مضامين حزبية وشبابية ومنظمات غير حكومية الخ مفهوم الأمن المشترك هو مفهوم جديد تريده الصين انطلاقة متميزة في علاقاتها مع شعوب وقوى المنطقة ومنها طبعا حزب الله ان هذا المفهوم يختزن مقاربات وتعاونا في المجال الأمني والسياسي الخ بما قد يفتح بالمجال أمام فتح قنوات واجراء اتصالات قد يستفاد منها او قد تصب فيما بعد بما تحمل من تفاعلات لصالح مشروعنا السياسي والعسكري والجهادي مقاربة موضوع الإرهاب واستئصاله من ظواهره وبواطنه هي الى حد ما مقاربة جديدة قد نستطيع ان نجعلها تنفتح على التكفير بكل ظواهره وقد نستفيد منها في حربنا على الجهات التكفيرية ورعاتها الإقليميين وكذلك في تقديم أوفي توضيح الصورة لدى ساسة الصين عمن يقف وراء هذه الجهات ويدعمها وذلك في سبيل بلورة موقف صيني داعم لتوجهاتنا في هذا المجال وختاما يمكن القول ان الصين من خلال ما تطرحه من أفكار وطروحات جديدة تؤطر علاقتها بالمنطقة العربية وإن كان هذا الحضور الصيني لم يزل خجولا في الكثير من تمظهراته الميدانية والسياسية فهي بالمقابل تحاول أن تقدم حضورها كقطب فاعل يسعى الى التعامل مع القوى الموجودة على الساحة العربية بفهم جديد يقارب الملفات بحكمة وتخصصية لم تكن موجودة في الماضي وهي إذ ترفض احادية الهيمنة على المنطقة والعالم من قبل قوة ما فإنها تعمل على تهيئة كل الفرص المتوافرة او المتاحة في سبيل المشاركة في اية حلول ترسم للمشهد السياسي في المنطقة العربية والذي يعتريه الكثير من التناقضات وتضارب المصالح والتعقيدات أكاديمي متخصص بالشأن الصيني

 أوراق عمل: كلفة التعليم العالي وفعاليته التنموية / د. عبد الحليم فضل الله

أوراق عمل: كلفة التعليم العالي وفعاليته التنموية / د. عبد الحليم فضل الله

تتناول هذه الورقة المسار الراهن للتعليم العالي في لبنان على ضوء ما يشهده من تحولات بعضها إيجابي كزيادة الطاقة الاستيعابية للقطاع وبعضها سلبي ينم عن تآكل المزايا التفاضلية كتراجع نسب الطلاب العرب والاجانب المنتسبين الى الجامعات والمعاهد اللبنانية وما يعتقد انه تراجع في كفاءة التعليم وجودته قياسا إلى كلفته فبعد الحرب الاهلية بدأ لبنان يفقد تدريجيا مكانته التنافسية لأسباب عديدة من بينها المشروع الاعماري الذي ضيق قاعدة الاقتصاد اللبناني مقارنة بالمراحل السابقة وعدم التناسب بين نمو رأس المال المادي ورأس المال البشري في القطاعات المختلفة وارتفاع التكاليف الناتج عن تدفق الأموال من الخارج مما ضخم أسعار الخدمات غير القابلة للتبادل ومن بينها التعليم مدير عام المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق في بيروت أستاذ محاضر في كلية العلوم الاقتصادية وإدارة الأعمال الجامعة اللبنانية

 أوراق بحثية: العقود النفطية اللبنانية

أوراق بحثية: العقود النفطية اللبنانية "فخ تزايد المديونية"/د. علي زعيتر

إصدار 2014-06-21

أخذ الجدل حول الثروة البترولية المزمع استثمارها في المياه الإقليمة اللبنانية مساحة كبيرة من النقاش الداخلي حول آلية الاستفادة منها للخروج من الواقع الاقتصادي الهش وخاصة من عبء الديون الثقيل الذي يرهق كاهل الدولة والاقتصاد بشكل عام. وكأن محور المشكلة هو نقص رؤوس الأموال اللّازمة لعملية النهوض والتنمية وهذا تشخيص خاطئ بل "سيئ" للمشكلة لأنه ليس فقط سيراكم العجز والدين بل سيدخل لبنان إلى منطقة الركود التضخمي أو ظاهرة المرض الهولند، لأن المشكلة في لبنان هي أعمق من ذلك وترتبط بالخلل البنيوي والمؤسسي الذي يعمل فيه الاقتصاد، فها هو الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد الأستاذ "دوجلاث نورث" يقول: "ينبغي أن يكون لديك نظام سياسي يضع موضع التنفيذ نظامًا قانونيًا وسلطة قضائية تتولى تنفيذ العقود والاتفاقيات بكلفة منخفضة. فلا يكفي أن تكون منتجًا فقط بل يجب أن يتوافر لديك إطار العمل المؤسسي اللازم للاستفادة من تلك الإنتاجية، وهذا يتطلب من الغير (الطرف الثالث) تنفيذ العقود والاتفاقيات، وينبغي لكم أن تنجزوا ذلك في مناخ تتكافأ فيه الفرص أمام الجميع دون انتقاء عدد ضئيل منهم. وآمل منكم أن تخاطبوا أنفسكم قائلين: إن كنّا نعرف كل ذلك فلم لم نصبح كلنا أغنياء؟ إنه سؤال جيد، لأن معرفة مصادر النمو الاقتصادي لا تمثل إلا جانبًا واحدًا، وثمة جانب آخر ينبغي معرفته ألا وهو نوع المؤسسات التي ينبغي تشغيلها لتحقيق النمو الاقتصادي، وهنا شيئ آخر لا يزال مطلوبًا هو معرفة كيفية الحصول على تلك المؤسسات".

---------------------------------------------------------------------------------------

*استاذ الاقتصاد النقدي والمصرفي - الجامعة اللبنانية

 أوراق عمل: علاقة المواطن بالسلطة في العصر الرقمي/ د. عبد الحليم فضل الله

أوراق عمل: علاقة المواطن بالسلطة في العصر الرقمي/ د. عبد الحليم فضل الله

العصر الرقمي الذي يؤثر على نظام العلاقات وشكلها داخل المجتمع بما في ذلك علاقة المواطن بالسلطة هو في واقع الحال استمرار لحقب التطور السابقة له وغير منقطع عنها لكنه استمرار تطوري يجمع بين عناصر موروثة وأخرى ثورية على صعد عدة تكنولوجية واقتصادية وسياسية وثقافية مدير عام المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق في بيروت أستاذ محاضر في كلية العلوم الاقتصادية وإدارة الأعمال الجامعة اللبنانية

 اوراق بحثية: اميركا اليوم / العميد الياس فرحات

اوراق بحثية: اميركا اليوم / العميد الياس فرحات

إصدار 2013-08-02

تختلف نظرة السياسيين والمحللين الى النظام العالمي القائم، إذ يرى البعض أنه نظام أحادي القطبية منذ إنشائه وأن الولايات المتحدة ما زالت قائدة العالم تتحكم بمصيره، ولا يعير اهمية للتراجعات التي شهدتها السياسة الاميركية مؤخراً. يعزو هذا البعض معظم الأحداث والتطورات إلى رغبة أميركية في حدوثها ولكن الآليات تغيرت، ويفسّر، من ضمن تفسيراته للأحداث، الربيع العربي بأنه يجري وفق التخطيط الاميركي وأن الامور ممسوكة اميركياً. في المقابل يعتبر البعض الآخر ان النظام العالمي احادي القطبية المسمَّى جديداً قد انتهى أو هو على شفير النهاية وأن الولايات المتحدة تتراجع كقوة عظمى وحيدة في العالم لمصلحة قوى اخرى، وأن نفوذها تراجع فعلاً، ويعزو ذلك إلى الحروب التي خاضتها وتخوضها في العراق وأفغانستان والحرب ضد الارهاب والتي جاءت نتيجتها على غير ما يشتهيه القادة الاميركيون، فكانت إما الهزيمة، او عدم النصر، أو عدم تحقيق الاهداف. لا تبدو هاتان النظرتان متعارضتين تماماً لأن ثمة تقاطعات معينة تشهدها السياسة الاميركية، فهي صارمة وقاطعة تجاه دولة مثل ايران، وأقل حسماً في كوريا الشمالية، ومتساهلة ومتخبطة في باكستان. ولكي نحدد ما اذا كان النظام العالمي أحادي القطبية ما زال قائماً، أو أنه يترنّح ويذوي علينا أن نعرض لمظاهر قوة هذا النظام وأين اصبحت في خضمّ التطورات المتسارعة في غير مكان في العالم. 

 أوراق بحثية: حزب الله والتحولات العربية: المواقف والمنطلقات - حسام مطر / آب 2013

أوراق بحثية: حزب الله والتحولات العربية: المواقف والمنطلقات - حسام مطر / آب 2013

إصدار 2013-08-01

يمر الشرق الأوسط في لحظة إعادة تشكل تاريخية في ظل جملة تحولات وصراعات أبرزها ما يعرف "بالربيع العربي" الذي أدى لسقوط أنظمة عربية (مصر، تونس، ليبيا) وتغيير جزئي في أنظمة أخرى (اليمن) واستمرار المواجهة في دول أخرى (سوريا، البحرين). ولكن حتى في الدول التي شهدت نشوء أنظمة جديدة لا زالت الاضطرابات والصراعات تسيطر على المشهد السياسي، إنها مرحلة انتقالية تمر بها المنطقة بأسرها والتي ستحتاج لأشهر طويلة قبل أن تتبلور محصلتها النهائية. من ...

 أوراق عمل: ديون العالم الثالث / د. محمد طي

أوراق عمل: ديون العالم الثالث / د. محمد طي

إصدار 2013-05-24

ورقة عمل قدمت في مؤتمر تجمع الحقوقيين الديمقراطيين في باريس يومي 24 و 25 أيار 2013 تحت شعار: "من أجل إقامة نظام اقتصاديّ دوليّ جديد ديمقراطيّ"، حيث قدم ورقة عمل حول ديون العالم الثالث التي بلغت اليوم حوالي 4 تريليون دولار أمريكي، الأمر الذي يؤدي إلى تدفق جزء كبير من أموال الجنوب إلى المؤسسات المالية العالمية أو الشركات الخاصة في البلدان الغربية. للتصفح عبر issuu

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  * أستاذ قانون عام في الجامعة اللبنانية  1985 – 2008.
  دكتور دولة في القانون الدستوري 1985.
Profmtay.law@hotmail.com

 

 أوراق بحثية: الاستراتيجية الاميركية الذكية لمواجهة حزب الله/ حسام مطر

أوراق بحثية: الاستراتيجية الاميركية الذكية لمواجهة حزب الله/ حسام مطر

إصدار 2013-03-13

إن نهاية عدوان إسرائيل عام 2006 على لبنان وإخفاقه في تحقيق أهدافه السياسية بوجه حزب الله، أدى إلى زيادة التورط الأميركي في المواجهة مع الحزب ولكن بالإستناد إلى إستراتيجية جديدة قوامها القوة الناعمة. تبرز الورقة كيف تحول الجهد الأميركي نحو المجالات التي تقع خارج النطاق العسكري إلى محاولة ضرب الوعاء المجتمعي الذي ينطلق منه حزب الله وذلك من خلال إستخدام أدوات إعلامية، سياسية وثقافية بهدف تشكيل صورة جديدة لحزب الله في الوعي اللبناني والإقليمي تجعل منه معرضاً لإمكانية هزيمة عسكرية في مرحلة لاحقة. تهدف هذه السياسة الأميركية إلى تحقيق أربعة غايات أساسية: تقليص شرعية المقاومة، تعميق الانقسام الوطني حول دورها، عزلها على المستوى الخارجي، وتقييد خياراتها السياسية وقدرتها على المبادرة.

------------------------------------------

  باحث لبناني في العلاقات الدولية*

 المقاومة والمواطنة: قوة الثقافة والإنسان بمواجهة ثقافة القوة والاستكبار

المقاومة والمواطنة: قوة الثقافة والإنسان بمواجهة ثقافة القوة والاستكبار

إصدار 2013-02-01

لنتساءل ونعتبر إن المحنة في لبنان تشارف على نهايتها. المحّنة التي قضَّت مضاجع اللبنانيين كافة. أمر لم يسبق له مثيل، فئة كبيرة من اللبنانيين عانت الغبن والإهمال المزمنين تاريخياً وأمتلكت عناصر القوة العظيمة والغلبة. لم تستخدم ما أمتلكت في الداخل. فالداخل اللبناني لا يحتاج إلى عناصر القوة هذه، بل يحتاج إلى قوة سر القوة الأصيلة والتي كانت سبباً في إمتلاك القوة اللاحقة. هذه القوة هي، ما برحت، قوة الثقافة، وليس ثقافة القوة والتسلط.

 أوراق عمل: الإسلاميون والمسألة الاجتماعية - الاقتصادية: نقاش في السياسات والمناهج والخيارات

أوراق عمل: الإسلاميون والمسألة الاجتماعية - الاقتصادية: نقاش في السياسات والمناهج والخيارات

يقف الإسلاميون على المفترق، في التحولات الشعبية والسياسية الجارية في العالم العربي، فهم مخيرون بين إتباع نهج براغماتي مهادن، يقوي حضورهم في السلطة وخارجها، أو يرد عنهم في أقل الأحوال غائلة الحرمان السياسي والاضطهاد والإقصاء الذي عانوا منه سنوات طويلة؛ وبين نهج آخر أكثر تطلباً واقل سهولة، يضعهم في موقع الفعل على المستوى الداخلي والخارجي، وفي قلب عملية بناء الإجماع الوطني المطلوب لقيام دولة عربية جديدة؛ وهذا الإجماع الذي يضم تحت مظلته طيفاً واسعاً من الأحزاب السياسية والقوى الاجتماعية والاتجاهات الإيديولوجية والعقائدية، هو الخيار المناسب لبت أسئلة التأسيس، تلك التي لا يمكن تركها لعمليات الاقتراع وحدها.

 اوراق بحثية: العولمة، المساواة والفقر: دراسة في الاتجاهات الاساسية وتطورها خلال عقدين

اوراق بحثية: العولمة، المساواة والفقر: دراسة في الاتجاهات الاساسية وتطورها خلال عقدين

تتفق معظم التعريفات على أن ترتبط ارتباطاً وثيقاً بثلاثة تحولات كبيرة: التدفق الحر للسلع والرساميل والأشخاص بوتيرة تزيد عما حدث في العقود والقرون السابقة؛ اتساع نطاق تداول المعلومات والأفكار داخل مجال تفاعلي هائل يضم أعداداً لا تحصى من الأفراد والآراء والعقائد والرموز؛ و تحول سياسي أفسح في المجال أما مرور مد العولمة من تحت هياكل النظام العالمي القديم الذي تصدعت أركانه دون أن يرثه نظام آخر.

 مقالات: دور الإعلام في الفتنة المذهبية

مقالات: دور الإعلام في الفتنة المذهبية

إصدار 2012-04-03

بلغ التطور الإعلامي ذروته حيث أصبح العقل التاسع (بحسب أرسطو) يرى حركة الفضاء، ومنها يشاهد ما يحدث في العقل العاشر (الأرض) ومن عليها  من الناس والأشياء. يصور ما يريد إظهاره، ويقدم الخبر الذي علمَهُ وما على قاطني الكوكب العاشر إلا أن يلتقطوا ما يرسله الأعلى إلى الأدنى(!؟). إن جميع وسائل الاتصال التي أبدعها العقل الإنساني حولت هذا العالم إلى "قرية كونية". أصبح من السهل الوصول إلى أي معلومة بكبسة زر وردة طرف. مع ذلك، وعلى تعددها وانتشارها، بقيت وسائل الإعلام - مرئية ومكتوبة ومسموعة - محتكرة بأيدي القوى المهيمنة والمسيطرة على العالم، التي تعتبر نفسها الأكثر رقيا وتطورا وهي بالتالي ملزمة بنشر التنوير بين الأمم التي تعيش في ظلمات التخلف.

 اوراق بحثية: تحديات التحول من التسلطية الى الديموقراطية: صراعات واسئلة واشكاليات المرحلة الانتقالية

اوراق بحثية: تحديات التحول من التسلطية الى الديموقراطية: صراعات واسئلة واشكاليات المرحلة الانتقالية

إصدار 2012-02-09

يبدو أن الانتفاضة الثورية المصرية الديمقراطية وطلائعها وقاعدتها الاجتماعية من الاجيال الشابة للطبقة الوسطى - الوسطى المدينية، شكلت مفأجاة وصدمة صاعقة للنظام التسلطي، وأركانه والأخطر أنها شملت الدولة وأجهزتها، وقوى المعارضة السياسية الشكلية، والاستثناءات تبدو محدودة جداً في اطار الدوائر السابقة. من هنا بدى بعض من الارتباك السياسي والاضطراب في الرؤية حول طبيعة ما حدث وتكييفه من الناحية الدستورية والتركيبة الاجتماعية التي قادت هذه العملية التاريخية.....

 تونس..هل هي فحسب انتفاضة اجتماعية؟

تونس..هل هي فحسب انتفاضة اجتماعية؟

لم ينجل الحدث التونسي تماماً ولا تكشفت احتمالاته بعد، لكنه من دون شك ينتمي إلى زمن عربي آخر، زمن يمكننا فيه أن نفاجئ العالم ونخطف أنفاسه. وإذا كنا نملك حتى الآن قصة نجاح واحدة أكيدة هي تعطيل الذراع العسكرية للهيمنة، فإن القوى المستفيدة من الوضع الراهن، تقف موحدة لمنع ذلك النجاح من التأثير على انفرادها في فرض رؤاها الاقتصادية ومنطقها الاقتصادي على الأنظمة والدول. أما حكاياتنا الأخرى فهي إخفاقات متتالية وتفويت متواصل للفرص، في التنمية والاستقلال والوحدة، كما على صعيد تضييق فجوة التقدم مع بقية العالم، بما في ذلك البلدان الناشئة التي خطونا قبلها ببضعة عقود الخطوة الأولى على طريق التصنيع، ونستورد منها الآن معظم سلعنا.

 مقالات: نحو ترتيب جديد للأولويات

مقالات: نحو ترتيب جديد للأولويات

لعلنا نقطع الطريق نفسه لكن في الاتجاه المعاكس، فمنذ عام 1992 فرض عجز الخزينة على الحكومات اللبنانية زيادة وارداتها، لينصب الاهتمام أولاً على الاستدانة الداخلية والخارجية لتمويل فائض الإنفاق، ثم على الضرائب غير المباشرة التي زادت معدلاتها مع تصاعد الدين العام واتساع العجز الأولي. لكن الضرائب كانت تجبى أساسا من الفئات الواقعة خارج مظلات الحماية السياسية، ومن أسواق الاستهلاك ذات العائدات السهلة الوفيرة، والتي يمكن السلطة أن تتصرف بها كما تشاء نظراً إلى ضعف الفئات الرئيسية المعنية بها (السائقون العموميون وقطاع المحروقات مثلاً).

 مقالات: هل يكفي إصلاح السياسات؟

مقالات: هل يكفي إصلاح السياسات؟

هل تكمن المشكلة الاقتصادية في السياسات أم في النموذج، وهل هي نتيجة خيارات خاطئة، أم أنها العائد المتوقع لشرخ بنيوي مولد بطبيعته للأزمات. إنه السؤال التقليدي نفسه الذي يتردد في لبنان منذ عقود، وفي كل مرة يطرح فيها نحصل على إجابات متباينة، تباين النزعات التي تستوطن الفضاءين السياسي والاجتماعي.

 مقالات: الانتفاضات العربية.. أو الحراك خارج النسق

مقالات: الانتفاضات العربية.. أو الحراك خارج النسق

تتجاوز الأحداث العربية المسارح التي تدور فيها، محركة رياح التغيير في اتجاهات عدة. فهي نجحت بكسر الرتابة في مجتمعات ودول عانت من جمود طويل، وهي أيضاً تقدم للبلدان الأخرى فرصة الخروج من طوق الأزمات بالاعتماد على مناهج مختلفة. وهذا هو الطابع الثوري الأهم للتحولات الراهنة، التي لم يقتصر أثرها على تغيير أوضاع سلطات وأحوال أنظمة، بل مهدت السبيل كذلك لتجاوز الانسداد الذي تواجهه الأنساق السياسية والاقتصادية السائدة، ومع أن الأخيرة لم تعد قادرة على تأدية وظائفها على أكمل، سواء في تحقيق أهدافها أو في تقديم تفسيرات وحلول معقولة للظواهر والمشكلات الجديدة، فقد أبقت على قيمها وقواعد عملها القديمة دون تغيير.