مقدمة
لنتساءل ونعتبر إن المحنة في لبنان تشارف على نهايتها. المحّنة التي قضَّت مضاجع اللبنانيين كافة. أمر لم يسبق له مثيل، فئة كبيرة من اللبنانيين عانت الغبن والإهمال المزمنين تاريخيًا وامتلكت عناصر القوة العظيمة والغلبة. لم تستخدم ما أمتلكت في الداخل. فالداخل اللبناني لا يحتاج إلى عناصر القوة هذه، بل يحتاج إلى قوة سر القوة الأصيلة والتي كانت سببًا في امتلاك القوة اللاحقة. هذه القوة هي، مابرحت، قوة الثقافة، وليس ثقافة القوة والتسلط.
فلقد حفل القرن العشرين بمقاومات وثورات وطنية وقومية وإيديولوجية (إشتراكية وشيوعية)، مع بدءِ الجولة الأولى من الإستعمار الغربي أو الإستعمار التقليدي مع الحلفاء فرنسا وبريطانيا، وقبلهما ومعهما الإستعمار الإيطالي والألماني، في آسيا وأفريقيا. حدِّث عن ثورة عرابي التي أوصلته إلى رئاسة الوزراء، وثورة أكتوبر عبد الناصر، وحدِّث عن الثورة البلشفية التي أوصلت لينين والحزب الشيوعي إلى السلطة، والثورة الصينية التي أوصلت ماوتسي تونغ إلى حكم الصين، والثورة الجزائرية المظفّرة، والثورة الكوبية والفيتنامية والثورة السورية الكبرى، والثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني وثورة جنوب أفريقيا بقيادة نلسون مانديلا، والثورة الفلسطينية التي ما تزال متأججة لتحرير الوطن. والعالم كله مفطور على ذلك كما الإجتماع الإنساني وضرورته.
هذه الثورات والمقاومات على ما في منطلقاتها وسلوكاتها ونتائجها من تباين، إلاّ أنها كانت ثورات حق على الظلم وثورات على إستعمار يريد خنق الشعوب وحرمانها من أرضها ووطنها وثقافتها وممارستها لعناصر وتمثلات الثقافة بالشكل الذي يناسب تفسيرها لمعناها ويحفظ وجودها تحت قبة السماء.
وتختلف وتتباين كل من هذه الثورات في قيمّها وأيديولوجياتها ومآلها وتفكير قياداتها وطاعة أفرادها ومستوى التأييد الشعبي والطبقي لها. وتختلف وتتباين أيضًا في نظرتها إلى الأرض والسماء، والى الأفراد والجماعات والى المال والحصص والى القيم والأخلاق والسياسة ومكانتها. وتختلف أيضًا في أينيّة أرض المعركة.
سال حبر كثير وقام جدل عريض، موضوعي في أحيان كثيرة حول منطلقات هذه الثورات والمقاومات وثقافاتها كل على حدة، ودرست تواريخها وإنجازاتها ووُجد لها منظِّرون وأتباع من خارج بيئتها وبنيتها، وتمثل بها كثيرون من قادة وأصحاب رأي ومثقفين وثوريين ولم تتعرض للتشكيك اليومي بإنجازاتها وبأهدافها ولا جرت محاولات التعرض والتسخيف لقادتها وجماهيرها. لأن الثورات والمقاومات هي في أصلها تعبير عن معاناة شعوب، والشعوب لا تحاسب كأفراد، وعادة لا تتهم في ثقافاتها وتقاليدها وسيرورتها. فالتاريخ وحده من يحاكم الشعوب. والشعوب تشحذ هممها لتكون في قلبه. وهو ملئ بالآمال والطموحات الجمعية كسيدة لنفسها. ويخطئ ريمون آرون في "أن التاريخ قد رفض الآمال المبالغ فيها والمتعلقة بالثورة". فالثورات، وخاصة في بداياتها، كانت تبدو للبعض كمن يحفر بئرًا في الصخر أو كمن يناطح السحاب. لكن التاريخ أيّد هذه الطموحات والآمال وأوصلها إلى النهايات المظفّرة والسعيدة في كافة النماذج الثورية التي قدمناها. لكن الذي بقي منها هو ما أرخته بظلالها من قيم عالمية تُحتذى وتنطق عند كل منعطف ينفعل فيه ضمير إنساني أمام قضية مماثلة. فالقيم متجددة تشعر الإنسان بأن إنسانيته أقوى منه كفرد، وهي جماعية ولا تستنفذ محمولاتها. هي للأجيال المستقبلية التي تستقي منها عناصر لحياتها، وقوة تحفظ بها حاضرها، وتجدد ماضيها وتصنع مستقبلها. وهكذا، بالقيم تبقى دورة الحياة، غير ستاتيكية الأفكار، والأفكار قابلة لأخذ معاني جديدة.
فمع كل قيمة هناك آية، ومع كل آية هناك جمال نفس، ومع كل نفس هناك وجود جميل، ومع كل موجود هناك حكمة، ومع كل حكمة أبدية تكون موعظة وأمثولة إنسان القوي العزيز. فالوعد قيمة ثمنه الوفاء، والتفاهم قيمة معناه التعاون، والحلف قيمة معناه عدم الطعن أو التآمر، والصدق قيمة معناه الوضوح والصراحة، وعدم الخذلان والعهد قسم لو تعلمون عظيم، والدولة القادرة والعادلة مقولة لها مقومات وليست حبرًا على ورق وكلامًا للترضية. فالأوطان لا تُبنى بغير القيمّ التي تحكم علاقات المواطنين، لأن المواطنية بدون قيمّ هي مواطنية بدون تاريخ وثقافة وآداب تحكم العلاقات بين الأفراد، كم من الشعوب والتي قامت بثورات لم تستطع أن تفي لدماء شهدائها لأنها لم تفِ بوعودها وعهودها حتى ولو كانت ستكلفها، فالكلفة للموجود مهما كانت غالية هي أخف وطأة من سحق هذا الوجود عبر إفراغ القيمّ من مضمونها. وكلها ثقافي الأبعاد.
ففي وطننا مقاومة تمتلك سنخ مشع من الثقافة. إختبرناه، عايشناه فلم نرى منه إلاّ جميلًا. يملك مؤهلات الصراع مع الأعداء والقدرة على المنافسة مع أرقى الثورات في صورتها الثورية النقية. يملك مقومات البقاء، فيه بعث لتاريخ، وفيه حب الحاضر والوجود. بنيته وقيّمة قائمة على التضحية والإخلاص والإستشهاد والإيمان بها كزاد لما بعد الموت، وليس "لما بعد الحداثة"، أو بعد الأمبريالية. ثقافة تتسع لمجالات الحياة كافة، ولأشكال الموت كافة، ولعناصر الوجود في قلب معنى الوجود الكلي، وليس في الوجود العابر والمنصرم، ولا مقوماته وحدوده حدود وطن أو قوم أو قبيله... وجودها وجود القيم والأفاهيم، بل ثقافة تجدد المفاهيم وتبدع أخرى. فهي تجسيد للماضي والحاضر والمستقبل الذي لا يفنى.
إن هذا النموذج، الذي لم يقدم لنا مثيل سابق له في أوطاننا الممزقة هو بالنسبة للبعض، "عود أبدي لأحلام متأخرة". ليس في الوجود الإنساني أحلام متأخرة. إن الحلم دائمًا ابن أوانه، وإن أتى في المستقبل فهو أوانه. فالقيمّ دائمًا مطلوبة لذاتها وبذاتها. وهذا النموذج آخذ طريقه إلى الوجود وإن لم يقدر على تقديره الآن. سيشع مع كل النثر والشعر والأدب، ومع كل بندقية أطلقت طلقة على الإستعمار، ومع كل فكرة حاربت الظلم في أرجاء المعمورة، خاصة في آسيا وأفريقيا، من سجن مانديلا، إلى كلمات الحق للإمام الخميني، إلى سيد المقاومة، المُبعد عن شعبه ظلمًا وعدوانًا يتحدث إليهم عبر الشاشات.
إن ثقافة هذه المقاومة أحيت في نفوس الثوار-العرب خاصة- جدوى الفكرة وقيمتها. إن ما شهدناه من لغوٍ وتشكيك حول هوية المقاومة وسلوكاتها السياسية من قبل أصحاب المصالح الآنية لم تستطع أن تزحزح لا عاطفة ولا عقل الطامحين للحرية. وان ثقافة "الثورات البيضاء" الأمريكية سقطت عندما أرادت تجسيد أفكارها، لأن منطلقات الإمبريالية والاستكبار لا قيم إنسانية عالمية لديها. لديها سلع عالمية وشركات أمن وقتل وتهجير وفتن لقمع الثقافات والقيمّ. وقد صُدم فوكوياما من إنسانه الأخير وحكم على نفسه بالهلاك لأن ليبراليته الرأسمالية هي أسخف من إن تكون عقيدة الإنسان الإنساني و"من تلقفها من المثقفين إنما كان يريد أن يرى نفسه بها" (أدوار سعيد). فهؤلاء ليسوا جديرين بالثقة لناحية القيم الأخلاقية. فمن يبيع نفسه لا يمكن أن يحفظ الأوطان وشعوبها، تجده ظمآن يلهث وراء ماء هو سراب.
الثقافة - تعريفات أولية:
أ- في اللغة العربية، المهارة، الذكاء، الفطنة، (ليس بعدًا اجتماعيًا).
ب- غربيًا، ينتجه شعب ما في حياته الاجتماعية"، كل مركز: مادي وروحي.
(ص91)- الثقافة "بوصفها جوًا يمتص الفرد عناصره تلقائيًا" و"بوصفها صورًا مألوفة يستأنس بها منذ مهده..".
(ص91)- "فالأزمة الثقافية تنمو وتنحو معها أيضًا، من الحد الذي يمكن تداركه بالتعديل البسيط إلى الحد الذي يصبح فيه التعديل مستحيلًا، ... إلا بثورة ثقافية عارمة، تكون في الحقيقة بمثابة انطلاقة جديدة للحياة الاجتماعية...".
(ص33)- ماوتسي تونغ - قائد الثورة الصينية الحديثة - الماركسي، "يرى إن القلم سلاح في المشكلة، إذا ما اقتضى الأمر وضع أساس لثقافة جديدة، وقد يكون الفأس سلاحًا عندما نحتاج إلى تسوية إطلال ما يطلق عليه أحيانًا ثقافة الاستعمار" والتي يرى فيها مصدرًا لجميع صفوف الضعف الاجتماعي والسياسي في البلاد..."(1)
انهيار الرؤى والطموحات الثقافية
← بلدان المغرب العربي، بلدان الشرق الأوسط والخليج...
← أمام "إسرائيل"، وأمام التغيير نحو المواطنية.
الإنهاك الثقافي: عقم العقل الإنساني في مجال السيطرة، أو التنبؤ بالظواهر الاجتماعية، أم إن الظواهر الثقافية أضحت غير ذات جدوى لدراستها وتمحيصها واخذ العبر منها، تغييرها، أو تعديلها أو الإبقاء عليها.
إدوار سعيد، الثقافة والإمبريالية:
← الثقافة مصدر من مصادر الهوية
← إن الثقافة تضم عنصرًا منقيًا ودافعًا إلى السمو، هو مخزون كل مجتمع من أفضل ما تحققت المعرفة به والتفكير فيه كما قال ماثير أرنولد في سنة 1860.
(راجع صفحة 11-31 –الطبعة الإنكليزية).
بطاقة هوية المواطنة:
- لبناني منذ أكثر من عشر سنوات حقوق | حق التملك | حق الوظيفة
- أب وأم لبنانيان واجبات | دفع الضرائب | الخدمة العسكرية
- مسجل في سجلات القيد، رقم النفوس.
- قانونيات - طاعة القوانين التي تضمن السلامة العامة.
الدولة: مؤسسات الدولة / الطفولية، ضبط الأنظمة والقوانين المرعية الإجراء
- ضمانة الحياة وأموال وممتلكات الأفراد.
←المواطنة: إذا احتلت أرضها وقتلت: فهي تدافع عنهم.
تقدم المقاومة (والتي هي ليست دولة، بالدفاع عن حياة مواطنين وارضهم وتصون اعراضهم وحقوقهم المكتسبة اما شراء واما وراثة.
من خطاب الانتصار: 23/9/2006 (الديار)
(التأكيد على علاقة الدولة بالقدرة والعدالة)
"الأصل الذي يحمي وحدة لبنان (أرضًا وشعبًا) هو بناء الدولة القوية، القادرة العادلة الذي يحمي سيادة لبنان من الأطماع الصهيونية الدولة القوية القادرة والعادلة، والذي يعالج الأزمات المعيشية والاجتماعية للبنانيين وللمقيمين في لبنان الدولة القوية القادرة والعادلة النظيفة العزيزة. والتي تستطيع أن تطمئن شعبها إلى أنها تحميه بحق، تحميه بالسلاح وبالقوة وبالعقل وبالوحدة والتحصين وبالتخطيط وبالإرادة الوطنية..." (وهذا ما نطمح إليه ونتطلع إليه جميعًا) تعالوا وابنوا دولة قوية عادلة تحمي الوطن والمواطنين وأرزاقهم ومياههم وكرامتهم.
من خطاب سماحة السيد
(الصحف 10/4/2007 – حفل تخريج دفعة الوعد الصادق الجامعية - الانورا).
- "الدولة التي تسمح باجتياح لبنان واحتلال عاصمته ليست دولة، الدولة التي لا تستطيع أن تبسط سلطتها على كل أراضيها إلا بمساعدة عدوها وقتل شعبها (هي) ليست دولة...".
- والدولة التي تقبض الأموال من الدول العربية وغير العربية المانحة وتخزنها في صناديقها وتبقي بيوت الناس ومؤسساتهم مهدمة ومدمرة دون أن تقدم لهم العون والمساعدة هي ليست دولة... والدولة التي لا تعرف من الدولة الا جباية الرسوم والضرائب... ليست دولة جديرة أن تكون دولة.
- " إن الصراع هو على هوية وانتماء وماهية وحقيقة لبنان وموقعه".
- إجراء انتخابات 2005 لأن بوش أعلن إن الانتخابات ستجري في هذا التاريخ... التزام مع الإدارة الأمريكية وليست مع الشعب وقواه السياسية.
مقابلة متلفزة (اللواء) في 15/8/2006
"إن بناء الدولة القوية والقادرة مع المقاومة يستطيعان حماية كرامة ودماء وعزة وشرف المواطنين..."
(يوم الوفاء للشرفاء والطلب من المقاومة وليس من أحد يريد أن يذل هؤلاء الذين صمدوا أو دعموا وقاوموا مع المقاومين من أجل حفظ لبنان وسيادته وكرامته..).
"الإدارة والإيمان والصبر والتحمل والجدية والتخطيط والدقة وفي نفس المقابلة يتحدث سماحة السيّد عن الدولة ومقوماتها مع التأكيد على المشاركة فيها والسعي لتقويتها، ولكن لذلك قواعد وشروط أولية. يقول "نحن موافقون على بسط سلطة الدولة، ونحن أصلًا في الدولة، (ونشارك) في الحكومة، ونحن في المجلس النيابي، ونحن جزء أساسي من هذا البلد، ونؤمن بالدولة. لكن، أي دولة؟ الدولة القوية، القادرة، العادلة، المقاومة، المطمئنة، التي يشعر كل اللبنانيين إنها تمثلهم... وتقول لهم يا أهلنا نحن دولة قوية مقتدرة ومقاومة نستطيع أن نحمي كرامتكم وأعراضكم ودماءكم وعزتكم وشرفكم والعمل الدؤوب الذي من خلاله استطعنا إن نواجه العدوان وان نصمد وان ننتصر".
- العقدية الأصلية العقلية/تصور/فكرة
- العقدية المشتقة /تصديق/ واقع
)قيم المقاومة في الصبر والتحمل أثناء عدوان تموز والقيم التي يحملها دعاة الحرية والسيادة واستقلال – من خلال طرح موضوع جدوى المقاومة وسلاحها) إعتبره سماحة السيّد "خطأ على المستوى النفسي والأخلاقي".
تمثّل المقاومــة
ثقافة القيادة – ثقافة المقاومة – ثقافة الشعب
fعد عدوان تموز وفي نهاية مقابلته خاطب السيد الشعب اللبناني، أبارك العائدين إلى ديارهم عودتهم المنتصرة واطمئنكم وأطمئنهم... أنتم أهل هذه الأرض، أنتم أصحابها أنتم شرفها، أنتم كرامتها، بكم تعمر الديار وتقوم الكرامة ونصنع التاريخ". هذه المواطنية الجمعية أساس المقاومات.
مقابلة مع جريدة السفير5 أيلول 2006
- الإجابة عن سؤال (يقول السيّد): عندما يوجه إليً السؤال لو عدنا إلى 11 تموز ويقال لك إن عملية الأسر ستؤدي إلى حرب تؤدي إلى هذا الدمار وسقوط هؤلاء الشهداء والى ما هنالك... إذا كان الجواب نعم يعني حتى لو كنا نحتمل أو نعلم إن أسر الجنديين الأسيرين سيؤدي إلى هذه الحرب الواسعة (فهل) كنا سنذهب
- (الصدق والشفافية) إلى الأسر لو قلت ذلك (نعم) فسأكون كاذبًا وسيقف الخبثاء للقول: انظروا هؤلاء لا يعنيهم البلد ولا دماء الناس". كان بالإمكان تجنب، ولكن قال "اعتبره إن من مسؤوليتي الحقيقية أن أجب عنه".
- "القضاء على المقاومة في لبنان... كان سيؤدي إلى استسلام لبنان إلى أميركا و"إسرائيل" وسوف يؤدي إلى أفق قاس وخطير على مستوى المقاومة الفلسطينية... وعلى مشروع المقاومة على امتداد العالم العربي".
- سياستنا تجنب المظاهر المسلحة.
- المقاومة صادقة في التزامها – ومنضبطة
"لعل البعض عندما وصف التضامن بأنه إنساني وليس سياسيًا، وكان يحاول أن يقلل من قيمة هذا التضامن. بالنسبة لنا (يقول السيد) نحن لا نقلل من قيمة هذا التضامن، أننا نرى في هذا التضامن الإنساني قيمة كبيرة جدًا لا تقل أهمية عن التضامن السياسي".
جسم المقاومة والجسم المدني السياسي يتكاملان ويتآزران – كما الوطن/ كما مؤسساته.