مراجعة كتب: حرب الخزانة، إطلاق العنان لحقبة جديدة من الحرب المالية/ تشرين الثاني 2018 د. حسام مطر

مراجعة كتب: حرب الخزانة، إطلاق العنان لحقبة جديدة من الحرب المالية/ تشرين الثاني 2018 د. حسام مطر

يروي هذا الكتاب الصادر عام 2013، قصة الحرب المالية الأميركية وأدواتها وصناعها ومهندسيها في وزارة الخزانة وكيف طوّروها. ويشرح الكتاب كيف تكونت وماذا حققت القوة المالية للولايات المتحدة وما يجب القيام به للحفاظ عليها في المستقبل. ويبيّن كيف يمكن للمتضررين من هذه الحرب أن يستفيدوا من درس السنوات العشر الماضية لشن حروب مالية ضد أميركا. أما الكاتب فهو خوان زاراتي أول مساعد لوزير الخزانة لشؤون تمويل الإرهاب والجرائم المالية بين عامي 2001 – 2005، ثم نائب مساعد الرئيس الأميركي ونائب مستشار الأمن القومي لمحاربة الإرهاب ما بين عامي 2005 – 2009.

 أوراق عمل | العلوم الإنسانية في خدمة من؟ مقاربة في علاقة المعرفة بالهيمنة والسلطة والقهر الاقتصادي/ د. عبد الحليم فضل الله - تشرين الثاني 2018

أوراق عمل | العلوم الإنسانية في خدمة من؟ مقاربة في علاقة المعرفة بالهيمنة والسلطة والقهر الاقتصادي/ د. عبد الحليم فضل الله - تشرين الثاني 2018

أن الدور المهم والحاسم الذي أدته العلوم الإنسانية في التطور البشري في مجالات عدة، مثل بلورة مفهوم الدولة الحديثة وإرساء مبادئ الحقوق الأساسية، وإطلاق العنان لنظريات التنمية والتحديث القائم على المزاوجة ما بين النمو والعدالة، وتجديد النظرة إلى الفلسفة والأخلاق ليكونا جزءًا لا يتجزأ من المعرفة العلمية لا مفصولين عنها، كما أنها أعطت الإنسان-الفرد مكانة مركزية فاعلة في العالم، وطورت نظرته لنفسه وللكون من حوله....


  • بحث مقدم إلى المؤتمر الدولي: التأصيل الثقافي للعلوم الإنسانية: رؤى وتجارب. تنظيم جامعة المعارف، بيروت 20-21 تشرين الثاني 2018.
  •  أستاذ جامعي ورئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق.

 مقالات | فرضيات الأزمة والحلول العاجلة: هل من سبيل إلى مغادرة النفق؟  / د. عبد الحليم فضل الله - 23 كانون الأول 2018

مقالات | فرضيات الأزمة والحلول العاجلة: هل من سبيل إلى مغادرة النفق؟ / د. عبد الحليم فضل الله - 23 كانون الأول 2018

 سنناقش بدايًة بضع فرضيات ملتبسة أو خاطئة سيطرت على أذهان واضعي السياسات العامة والممسكين بالقرار في لبنان زهاء ربع قرن، وتسببت في تضخيم الأزمة الاقتصادية وتعطيل الحلول أو تأخيرها أو زيادة ثمنها. وهنا نضع جانبًا الارتكابات الخطيرة والانتهاكات الجسيمة كالفساد والمحسوبية والزبائنية وغيرها مما بات معروفًا وغنيًا عن التكرار والذكر.
الفرضية الأولى: تستطيع الدولة السيطرة على نمو أصل الدين، أما تكاليفه فمتروكة لقوى السوق.  لنتذكر هنا أن ما يزيد عن ثلاثة أرباع الدين العام هو محلي ويعود جزء كبير منه للمصارف التجارية اللبنانية. ومع أن هذا يضع الحكومة في موقع التبعية للتمويل المصرفي، إلاّ أنّ الدولة في المقابل، أي الحكومة والبنك المركزي معًا، تتمتع بنقطتي قوة: الأولى أنها تستحوذ على الجزء الأكبر من سوق الائتمان المصرفي، فأكثر من 70 بالمئة من موجودات المصارف موظفة لدى القطاع العام (50 ألف مليار ل.ل منها في سندات الدين العام و187 ألف مليار تقريبًا لدى مصرف لبنان) وهذا يساوي 2.35 مرة من تسليفاتها للقطاع الخاص المقيم(!). وبذلك يكون القطاع المصرفي بحاجة ماسة للسوق التي تؤمنها له الدولة لتوظيف موارد تزيد عن أربعة أضعاف حجم الاقتصاد ولا يمكن للقطاع الخاص استيعابها وتحمل تكاليفها بمفرده.
أمّا نقطة القوة الثانية فهي الصلاحيات السيادية للدولة بفرض التشريعات التي تمنع بعض المؤسسات والقطاعات الاقتصادية أو الفئات الاجتماعية، من مراكمة أرباح إستثنائية وغير المبررة على حساب الآخرين، وبما يخالف مقتضيات المصلحة العامة. وفي جميع الأحوال يمكن الدولة أن تعيد صياغة معادلة الدين العام وتكاليفة من خلال إدخال عناصر اقتصادية عليها، ومن ذلك خصوصًا ربط كلفة الدين بمتغيرات اقتصادية حقيقية كعجز ميزان المدفوعات ومعدلات النمو الحقيقي، ليكون أثر الفوائد بذلك مضادًا للدورات الاقتصادية، كونها تنخفض مع انخفاض النمو وترتفع بارتفاعه، فضلًا عما يؤدي إليه ذلك من تقليص لأعباء خدمة الدين عن كاهل المالية العامة.
وهذا يحيلنا إلى الفرضية الثانية المتمثلة في الفهم المنقوص لمبدأ استقلالية السلطة النقدية عن السلطة التنفيذية. فهذا المبدأ يعمل باتجاه واحد، حيث بدت أولويات الحكومة في معظم الأوقات جزءًا لا يتجزأ من السياسة النقدية دون حصول العكس. وفي معظم الحالات، لم تكن رؤية السلطتين المالية والنقدية للمخاطر والتحديات موحدة، مما أضعف الموقع التفاوضي للحكومة تجاه الأطراف المحلية المقرضة لها، ولا سيما تجاه المصارف التي تمكنت من تحقيق أرباح طائلة بسبب مرونة أسعار الفائدة في الصعود وعدم مرونتها في الهبوط. ويؤكد على ذلك اتساع الفارق بين الفائدة في الأسواق المحلية ومثيلاتها في الأسواق العالمية في السنوات العشر الأخيرة دون مبررات معقولة، وضعف العلاقة بين معدلات الفائدة ونمو الودائع. وكما يبين الرسمان المرفقان كانت الفوائد في لبنان عشية الأزمة المالية العالمية في 2008 أعلى من معدل ليبور بثلاث نقاط تقريبًا ليتضاعف الفارق بعدها، مما كبّد الخزينة والمقترضين ثلاث نقاط إضافية من الفائدة بالرغم من النمو الكبير في الودائع وخصوصًا في السنوات 2006-2010.
  الرسم البياني (1) تطور معدلات الفائدة المدينة على الدولار في لبنان ومعدلات ليبور (2005-2017) %

 

 

 

 

 

 

 

 

 الرسم البياني (2): الفارق بين الفوائد المدينة على الدولار ومعدلات ليبور مقارنة بنمو اجمالي الودائع في المصارف التجارية اللبنانية (2005 -2017) %

 

 

 

 

 

 

 


وبوضوح أكبر تبدو السلطة النقدية في كثير من الأحيان، أقرب إلى القطاع المصرفي منها إلى السلطة المالية. ففي الأزمات يميل المصرف المركزي إلى رفع سعر الفائدة لضبط الأسواق النقدية واستقطاب السيولة بالقطع الأجنبي، وهذا يحقق للمصارف مستويات عالية ومتصاعدة من الأرباح في توظيفات ذات مكاسب فورية ومخاطر صفرية كما في الهندسات المالية، أو في توظيفات محدودة الخطر بالدولار الأميركي ذات فوائد أعلى بست نقاط عن معدل ليبور، وهامش بين الفوائد الدائنة والمدينة يبلغ ضعف مثيله في قروض الليرة اللبنانية.
الفرضية الثالثة: إنّ تحقيق نتائج إيجابية وطويلة الأمد في ميزان المدفوعات هو أمر ممكن اعتمادًا على وسائل نقدية (الفوائد المرتفعة) أو بطرق مالية (الاستدانة)، بغض النظر عن الأداء الاقتصادي. إنّ أكثر ما يعبر عن ذلك هو عدم الاتساق المزمن بين نتائج الميزان التجاري والحساب الجاري اللذين يسجلان عجوزات نسبيّة ضخمة، وميزان المدفوعات الذي حقق في بعض السنوات نتائج إيجابية. فهذا الأخير يعكس إلى حد كبير الطاقة الاقتراضية للدولة (أي استقطاب الأموال من الخارج على شكل ودائع وتدفقات مالية وديون قصيرة الأجل وطويلة الأجل)، فيما يرتبط الميزان التجاري والحساب الجاري بالطاقة الانتاجية والتنافسية للبلد، وقدرته على تصدير السلع والخدمات واستيعاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في توظيفات إنتاجية.

الرسم البياني (3): التغير في رصيدي ميزان المدفوعات والحساب الجاري نسبة إلى الناتج المحلي الاجمالي في لبنان (2005-2017)

 

 

 

 

 

 

 

 

يرتبط ذلك باعتقاد خاطئ آخر، مفاده أن الاقتصاد اللبناني يستطيع في جميع الظروف مراكمة فوائض الأموال وتحمل تكاليفها حتى لو لم تتحول إلى رساميل إنتاجية. لكن التدفقات الآتية من الخارج التي تساهم دائمًا في تصحيح نتائج ميزان المدفوعات، ستحمل الدولة والاقتصاد أعباءً ضخمة إلّا إذا أصبحت استثمارات حقيقية من شأنها زيادة مخزون الرأسمال وتوسيع قاعدة الانتاج. ولهذا الغرض لا بد من تطوير القنوات والمؤسسات التي تحول التدفقات إلى رساميل، ولا سيما منها السوق المالية التي ما زالت هامشية وضعيفة ولا تزيد قيمتها السوقية عن 23 بالمئة من الناتج المحلي، في وقت لم تتجاوز فيه أصول بنوك التسليف متوسط وطويل الأجل 9.5 بالمئة من الناتج وما لا يزيد عن 2.2 بالمئة من موجودات المصارف التجارية العاملة في لبنان.  
الفرضية الرابعة:
إنّ سعر الصرف الثابت وعجز الحساب الجاري يمكن أن يتساكنا إلى الأبد تحت سقف واحد. لكن الدفق المالي الآتي من الخارج يعرض البلد لدوامة ارتفاع سعر الصرف الحقيقي الذي يزيد الواردات ويقلل الصادرات. وهناك طريقتان للتقليل لاحتواء هذا الدفق النقدي، إما من خلال رفع معدلات الفائدة لتعزيز الاحتياطيات بالقطع الاجنبي وامتصاص السيولة بالعملة المحلية كما نفعل غالبًا، وإمّا بزيادة النمو ورفع نسبة الاستثمار الخاص والعام إلى الناتج المحلي كما لا نفعل أبدًا.
إن تثبيت سعر الصرف هو خيار يجب التمسك به ولا سيما في المرحلة الحالية، لكن علينا في وقت ما إيجاد الطريقة المناسبة لضبط تقلبات سعر الصرف الحقيقي الفعليEffective real exchange rate الذي يأخذ بعين الاعتبار فوارق التضخم بين الداخل والخارج وحركة أسعار الصرف تجاه سلة من عملات الشركاء الأساسيين للبنان.
الفرضية الخامسة: إنّ التمويل بالدين يغنينا عن تجرع كأس التصحيح المالي والإداري، مع ما يتطلبه هذا التصحيح من إجراءات حازمة وصعبة. وهذا يذكرنا بالسياسات التي اتبعت في تسعينيات القرن الماضي حين كانت الاستدانة بأكلاف باهظة ولتمويل نفقات عشوائية غير مخطط لها مسبقًا، هي البديل السهل لزيادة الضرائب والتقيد بأرقام الموازنة العامة، وهو ما ساهم في حينه بإطلاق مارد الدين من قمقمه.
إنّ هذا يضعنا أمام حقيقة التباس دور الدولة وعدم وضوح وظائفها، فلا هي دولة حماية وتدخل لنكوصها عن رعاية التوازنات الاجتماعية الأساسية وتنشيط الاقتصاد، ولا هي دولة حياد ومراقبة بسبب انغماسها العميق في ممارسات هدر وإنفاق لا طائل منها لأغراض سياسية وطائفية ومناطقية. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن التوازن المالي والاقتصادي وثيق الصلة بالتوازن الاجتماعي، فالنقص المتراكم في الوفاء بحاجات مستحقة في مدة زمنية معينة، يلزم الدولة في المستقبل بإنفاق تعويضي مضاعف لاستيعاب المخاطر الاجتماعية والشعبية للنقص المذكور (كما في إقرار سلسلة الرتب والرواتب)، والتقشف في الانفاق الاستثماري في بعض المجالات الحيوية أدى إلى تضخيم موازنات الدعم "الالزامي" والذي لا مفر منه، كمليارات الدولارات التي تذهب لمؤسسة كهرباء لبنان. وستضطر الحكومة في وقت من الأوقات إلى زيادة مخصصات دعم الأسر الأكثر فقرًا للتخفيف من حدة التفاوتات الاجتماعية المتفاقمة كما حصل في العديد من الدول. والقاعدة هنا هي أنّ زيادة حصة الطبقات العليا من الانفاق العام (من خلال خدمة الدين مثلًا) سيضطر الدولة عاجلًا أم آجلًا إلى أن توازن ذلك بانفاق مقابل، وغير مساوٍ له بالضرورة، على الطبقات الدنيا.
الفرضية السادسة: إنّ الدين والإنفاق العامين هما من الشؤون المالية والنقدية المعزولة عن الاقتصاد. ولذلك لا حاجة إلى تقويم المفاعيل الاقتصادية للإنفاق الحكومي، ولينصب الاهتمام على آجال الدين العام وعملاته وسبل تجديد استحقاقاته، وليس على الغرض منه وطرق صرفه. من الضروري إعادة النظر في سياسات الدين ومعايير التي نعتمدها في تقويم جدوى الإقتراض، خصوصًا أننا على عتبة موجة جديدة من الديون الخارجية بعد مؤتمر سدر. فإذا خُصصت الأموال المقترضة مثلًا للاستثمار في البني الأساسية المادية والاجتماعية، أمكن حينها المقارنة بين الكلفة والعائد، والتفريق بين مشاريع مجدية ماليًا تُمول بالدين وأخرى غير مجدية، إن هذا يمكننا أيضًا من تقدير عبء تأخير الأعمال الذي يمتد لسنوات عديدة، وتحديد كلفة الفرصة البديلة للاستثمارات المهدورة. أما إذا كان الدين العام لتمويل نفقات استهلاكية وجارية، فسيحفز الطلب الداخلي لكن على سلع معظمها مستورد من الخارج أو على خدمات غير قابلة للتبادل الدولي مما يضفي ظلالًا قاتمة على النمو، كما حصل طوال السنوات الماضية.
الفرضية السابعة:
يمكن النمو أن يتصاعد ويستمر على نحو تلقائي، ومن دون سياسات تنمية تعيد النظر في هيكل الانتاج وبنية الاستهلاك وأسواق التمويل.
في تجربة السنوات الأخيرة حصلنا على نمو متقطع يميل إلى الانخفاض، ويستند إلى قاعدة ضيقة من القطاعات متقلبة الأداء وذات روبط ضعيفة مع القطاعات الأخرى. فالقطاع العقاري الذي كان المقصد الأول للاستثمارات الخارجية المباشرة في لبنان، يمر بدورات ركود ورواج متعاقبة ولديه قدرة محدودة على توليد فرص العمل، والقطاع المالي الذي نضعه في صدارة قصص نجاحنا، يحتاج إلى إعادة هيكلة عميقة ليلبي متطلبات التنمية. وتدل الأرقام على أنّ تطوير أسواق الائتمان وإصلاح قنوات التمويل بات ملحًا في مواجهة التوزيع غير المتوازن للموارد المصرفية مناطقيًا وقطاعيًا، فمثلًا تحصل الزراعة، التي تساهم بأكثر من أربعة بالمئة من الناتج، على واحد بالمئة فقط من مجموع التسليفات المصرفية، فيما تحظى العاصمة بحصة من التمويل المصرفي تفوق مساهمتها في موارده.

فما العمل لمغادرة نفق الأزمة؟
لا بد من القول أولًا بأنّ الإصلاح السياسي هو المدخل الوحيد للمعالجات الاقتصادية والمالية الجذرية، ولتنقية الإدارة العامة من شوائبها حتى تقوم بدورها المطلوب في كبح العجز والهدر وإطلاق التنمية كما في التجارب العالمية الرائدة ولا سيما في شرق آسيا. ومع ذلك، وبانتظار قطار الإصلاحات العميقة الذي سيتأخر مروره على الأرجح، يمكن البدء بسلة من الإجراءات الفورية والعاجلة التي تخالف الفرضيات المشار إليها أعلاه، وتشق طريقها في مسارين:
المسار الأول: مالي وإداري، ويتضمن إجراءات فورية ومتزامنة لخفض العجز المالي في مدة زمنية قصيرة جدًا. وهذا يشمل قبل أي شيء آخر خفض التهرب الضريبي فورًا إلى نصف قيمه المقدرة بحوالي 8 بالمئة من الناتج المحلي، وهذا ممكن بإجراءات حازمة، وإصلاح النظام الضريبي ليكون موحدًا وتصاعديًا ومراعيًا للأهداف الاقتصادية والاجتماعية المطلوبة منه، مع فرض ضرائب إضافية على كل أنواع الريوع المالية العادية والاستثنائية. لا بد أيضًا من اعتماد إدارة حديثة وشفافة للمشتريات الحكومية البالغة حوالي مليار دولار أميركي سنويًا (نصفها من خلال مجلس الانماء والإعمار)، ودراسة سبل الاستفادة من تلك المشتريات في تشجيع الانتاج المحلي وتحفيز النمو بدلًا من زيادة فاتورة الاستيراد.
إن الخفض الفوري لخدمة الدين هو أيضًا عنصر حاسم في أي تصحيح مالي، وهذا لا يكون إلّا في إطار تعاون وثيق بين السلطتين النقدية والمالية، يقوي الموقع التفاوضي للحكومة تجاه الدائنين المحليين. إن خفض كلفة الدين يدعو إلى الفصل بين الفوائد على قروض الأفراد والقطاع الخاص التي يمكن إخضاعها لآليات السوق، وبين الفوائد على الدين العام التي تخضع في لبنان لاعتبارات وسياسات غير سوقية ومخطط لها مسبقًا. يكفي أن نلقي نظرة على سلوك الفوائد في السنوات السابقة، لنكتشف قوة العلاقة بين الأرباح التي تحققها المصارف من الاكتتاب بسندات الخزينة وبين حاجاتها التمويلية في مواجهة بعض الاستحقاقات والظروف، كإعادة تكوين رساميلها وتسهيل اندماجها بعد الحرب الأهلية، وحاجتها إلى ترميم ما تكبدته من خسائر في الخارج في السنوات الأخيرة، فضلًا عن استعانتها بالفوائد العالية على شهادات الايداع وأرباح عملياتها مع مصرف لبنان في تجميع الرساميل الإضافية اللازمة لتلبية المعايير الدولية الجديدة وخصوصًا منها المعيار المحاسبي IRFS9 ونسب الملاءة المرتفعة التي فرضتها اتفاقية بازل 3. لقد آن الاوان لتُعكس الآية بحيث تكون فوائد الدين العام مخفضة (أو حتى صفرية في مدة زمنية محددة)، أخذًا بعين الاعتبار أوضاع المالية العامة وقدرة الدولة ودافعي الضرائب على تحمل الأعباء. وهذا يحمي أيضًا التوظيفات المصرفية التي ستكون في مهب الريح عند أول أزمة.
أما المسار الثاني فيقوم على خفض فجوة الصرف الأجنبي الناتجة عن عجز ميزان المدفوعات، اعتمادًا على الأدوات الاقتصادية والضريبية، بعدما تبين أنّ الوسائل النقدية غير كافية في تحقيق الخفض بكلفة مقبولة. ويمكن الشروع في ذلك باجراءات عاجلة ذات تأثيرات فورية، ومنها على نحو خاص "إعادة هندسة الرسوم الجمركية" بحيث تُرفع معدلاتها على السلع الفاخرة والكمالية والمنتجات ذات البدائل المحلية القادرة على المنافسة، وأن يترافق ذلك مع سلة من الإجراءات والحوافز والسياسات التي تدعم التصدير وتشجع الاستثمارات المباشرة وتخفض كلفة الانتاج وتحسين آليات عمل المؤسسات ذات الصلة مثل إيدال وكفالات..
يعيدنا هذان المساران إلى القاعدة الاقتصادية المعروفة عن العجز التوأم، عجز الموازنة العامة وعجز الحساب الخارجي، والتي تشير بوضوح إلى الترابط بين السياستين المالية والاقتصادية. أمّا السياسة النقدية فليست سوى عامل مساعد ومؤقت، وعنصر ضبط وتوجيه في الأزمات والمراحل الانتقالية.
"إن علينا أن نتذكر دائمًا أن معادلة نمو الدين العام مكونة من جانب مالي ونقدي يتضمن معدل الفائدة والفائض الأولي في الميزانية العامة، وجانب اقتصادي يعبر عنه النمو الحقيقي للناتج المحلي. ولئن تعاملنا مع جانبي المعادلة على قدم المساواة فسنجد أنفسنا أمام مهمة الإصلاح الشامل. أما إذا اخترنا الجانب الأول فسنكون في سباق لا ينتهي مع الزمن وتنافس محموم بين كلفة الدين وتدفق الودائع". هذا ما أوردته في نص نشر قبل أكثر من عشر سنوات ويصح تمامًا في وصف أوضاعنا الراهنة، فها نحن أمام مفترق الطريق نفسه بين الاستعانة بالدول والمؤسسات الدولية الداعمة (بمزيد من الديون خدمة الديون) أو تحميل الخزينة الكلفة الباهظة لمناوراتنا المالية والنقدية التي لا يطول أمدها، وها نحن نفعل الأمرين معًا.
    الرسم البياني (4) تطور رصيدي ميزان المدفوعات والحساب الجاري في لبنان (2005-2017)

 أوراق بحثية: حروب ترامب التجارية وانعكاساتها الإقليمية والدولية/ د. كامل وزنة - تشرين الأول 2018

أوراق بحثية: حروب ترامب التجارية وانعكاساتها الإقليمية والدولية/ د. كامل وزنة - تشرين الأول 2018

إصدار 2018-11-17

 أدخل الرئيس الأميركي دونالد ترامب حروبًا جديدة على العالم وبالأخص على الاقتصاد العالمي. هذه الحروب الاقتصادية التي أعلنها ترامب كانت ضد الصين بالمركز أولًا وضد أوروبا ثانيًا وضد اتفاقية "نافتا" التي أبرمت عام 1995 ما بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا ثالثًا.

 مقالات: مأزق الدين العام وخيارات المعالجة: من سيتحمل الكلفة؟/ د. عبد الحليم فضل الله - آب 2018

مقالات: مأزق الدين العام وخيارات المعالجة: من سيتحمل الكلفة؟/ د. عبد الحليم فضل الله - آب 2018

نشأت أزمة الدين العام في لبنان ضمن مسار اقتصادي ومالي ونقدي متشابك العناصر ومتضارب الأهداف. وفي جميع الحالات والمراحل تفوقت المعايير النقدية على غيرها، وصار جذب الأموال من الخارج أساسًا مشتركًا لهدفي تثبيت سعر الصرف من ناحية وتمكين الحكومة من تجديد ديونها وتمويل العجز السنوي الإضافي من ناحية ثانية. وإذا كان التوافق قائمًا على مبدأ الاستقرار النقدي، فإن آليات تمويل الدين وتجديده مشوبة بالالتباس، وتغري بتضخيم قيمه بدلًا من خفضها.
وبعبارة أوضح، لم تربط الحكومات اللبنانية المتعاقبة آليات الاستدانة وتمويل عجز الخزينة، بمتغيرات حقيقية كالناتج المحلي الإجمالي أو رصيد الحساب الجاري أو ميزان السلع والخدمات أو النمو الاقتصادي، وهي متغيرات يصعب توجيهها وتحسينها إلا ضمن سياسات اقتصادية تتصف بالثبات والشمول والتكامل. وبدلًا من ذلك رُبط الدين والعجز والانفاق العمومي بمتغيرات إسمية أو نقدية يسهل إدارتها صعودًا أو هبوطًا بقرارات تصدرها السلطات النقدية أو المالية. وفي واقع الحال كانت مسارات الدين والعجز أوثق صلة بمتغير "العمق المالي" الذي تعبر عنه قاعدة متنامية من الموجودات المصرفية ومحفظة متنوعة الأدوات والآجال والعملات وكتلة نقدية واسعة. فمثلًا بلغت نسبة الكتلة النقدية بمعناها الأوسع (M3) إلى الناتج المحلي الإجمالي ونسبة الموجودات المصرفية إلى الناتج نفسه، 275 بالمئة و421 بالمئة على التوالي في نهاية آذار 2018، مقارنة بأقل من 100 بالمئة من الناتج في معظم بلدان المنطقة. وبغض النظر عن طبيعة العلاقة بين العمق المالي والنمو والاقتصادي وهي عمومًا علاقة قوية في الدول المتقدمة وضعيفة في الدول النامية أو ذات التقاليد المالية المتأخرة، فإن السلطتين المالية والنقدية في لبنان بالغتا ضمنًا في جعل المؤشرات المالية والنقدية معيار تحليل أوضاع الدين العام وقياس مخاطره، دون تركيز ذي مغزى على كلفته الاقتصادية وتبعاته الاجتماعية.

 

وتبين الأرقام الواردة في الجداول والرسوم المرفقة قوة الارتباط بين زيادة مديونية الدولة ونمو الاقتصاد المالي، فطوال الوقت كانت نسبة الدين العام الى الموجودات المصرفية والودائع المالية والكتلة النقدية (M3)، مستقرة ومنخفضة وأقل من مثيلاتها العالمية، في وقت كانت فيه نسبة الدين العام الى الناتج المحلي متصاعدة ومرتفعة وأعلى من معظم دول العالم (يحتل لبنان المرتبة الثالثة عالميًا لجهة نسبة الدين العام الى الناتج). لكن انفصال مسار الدين العام عن الاقتصاد الحقيقي لا يعني أن خدمته منفصلة عنه. فمن الناحية العملية، تتولد الطاقة الاقتراضية في لبنان من القدرة على جذب التدفقات المالية، وهذا يتم بأدوات نقدية (تحريك أسعار الفائدة) أو مالية (الاستدانة من الأسواق الخارجية) أو سياسية (التفاوض مع المؤسسات الدولية وعقد المؤتمرات الداعمة..) أو من خلال انتظار صدف واحداث خارجية مؤاتية (الأزمة المالية العالمية، قوانين محاربة "الإرهاب" والتشدد في الرقابة على حركة الاموال بين الدول..)، إلّا أنّ خدمة الدين العام بالمقابل، تموّل باقتطاع موارد كان يمكن تخصيصها لعمليات الانتاج، أي من خلال مزاحمة القطاعات الاقتصادية الأخرى على مصادر التمويل الفعليّة المتاحة.

سبعة خيارات
إن نقطة الانطلاق في معالجة مشكلة المديونية في لبنان بناء على ما تقدم، هي في إحداث تحويل جذري في الاتجاه، يعيد الصلة بين حجم الاستدانة من جهة وقدرة الاقتصاد على تحمل التكاليف من جهة ثانية. وهذا ما يمكن استكشافه من خلال استعراض البدائل الممكنة نظريًا والمطروحة عمليًا في التجارب التي خاضت وتخوض صراعها مع الدين العام، ومن بينها الخيارات الآتية:
الخيار الأول: السيطرة على نمو الدين نفسه. والطريقة المثلى وربما الوحيدة لذلك هي مراكمة الفوائض الأولية، من خلال زيادة الضرائب وخفض النفقات في آن معًا. ومع أنّ هذا الخيار يبدو الأفضل في العودة إلى المسار المالي الطبيعي، إلّا أنه صعب سياسيًا ومكلف اقتصاديًا. فالدول التي تسجل ديونًا عامة مزمنة وضخمة، تعاني في الوقت نفسه وبسبب الدين، من وهن سياسي يعطل قدرتها على اتخاذ قرارات تتضمن إجراءات تقشفية قاسية أو زيادة ملحوظة في الضرائب، وسنلاحظ هنا أن مؤسسات دولية مهيمنة كصندوق النقد الدولي تفشل أحيانًا في إجبار دول تدور في فلكها على التقيد بتعليماتها، نظرًا لما ترتبه من خطر على الاستقرار الداخلي والأمن الاجتماعي. وفي سياق مماثل، تعاني الدول المثقلة بالديون أيضًا من الهشاشة الاقتصادية والركود طويل الأمد، وهذا يجعل زيادة فائض الموازنة عملية محفوفة بالمخاطر، كونها تعمق الركود وتحفّز الدورات الاقتصادية.
الخيار الثاني:
زيادة الضرائب دون خفض النفقات. هناك نقاش متشعب بشأن المفاضلة بين زيادة العبء الضريبي وزيادة عبء الدين العام. أنصار زيادة الضريبة يرونها أقل انكماشية من خفض النفقات، بل إنها تأتي في السياق الطبيعي لتوقعات الأفراد، الذين يقابلون ارتفاع الدين -وفق المكافئ الريكاردي- بزيادة استباقية في الادخار تحسبًا منهم لزيادة الضرائب في المستقبل. ولهذا السبب يصير أثر الضريبة حياديًا على الفوائد (لأن الطلب على الائتمان يُقابل بزيادة في عرض المدخرات) ومحدودًا على الاقتصاد. يركز معارضو الضريبة من ناحيتهم على آثارها المشوهة لأداء الاقتصاد، فرفع معدلات الضريبة (وفق منحنى لافر) يزيد عائداتها في المراحل الأولى قبل أن تتقلص لاحقًا.
في لبنان حصل العكس، حيث انخفضت معدلات الادخار وزادت الفوائد بالتزامن مع تصاعد الدين، أي أن الأفراد لم يتحسبوا لاحتمال إقدام السلطات على زيادة الضريبة في مقابل ارتفاع العجز، كما يصعب في الوقت الحالي فرض ضرائب إضافية لأسباب سياسية وشعبية معروفة،.
الخيار الثالث: ربط كلفة الدين العام على نحو مباشر بمؤشرات الاقتصاد الأساسية، بهدف تعقيم الأثر التوزيعي العكسي لخدمة الدين والتخفيف من آثاره السلبية على الرفاهية الكليّة للمجتمع. ويمكن تحقيق هذا الربط مثلًا من خلال إصدار سندات خزينة يُحدد عائدها على أساس معدلات النمو الإسمي إذا كان المطلوب الحفاظ على استقرار نسبة الدين إلى الناتج، أو على أساس النمو الحقيقي إذا كان مطلوبًا خفض هذه النسبة. يٌطرح هذا النوع من السندات في إطار البحث عن حلول مبتكرة لمكافحة تصاعد الديون الحكومية على النطاق العالمي، وهو حل ملائم وخلّاق كونه يضبط وتيرة الدين على إيقاع الاقتصاد فتزداد خدمته بزيادة النمو وتتراجع بتراجعه. ويبدو هذا الخيار منطقيًا بالنسبة إلى لبنان لكنه متأخر وغير كاف، فلو اعتمد في بداية التسعينيات، لكان ديننا العام الآن أقل من ربع الناتج إذا ربط العائد بالنمو الحقيقي، وأعلى قليلًا من نصف الناتج ربطًا بالنمو الاسمي.
الخيار الرابع:
التمويل بالتضخم أي من خلال ما يعرف بتنقيد الدين. يخفض التضخم القيمة الحقيقية للدين العام ويقلل العجز السنوي للموازنة، من خلال زيادة الايرادات بمعدلات تفوق نمو النفقات. بل إنّ هناك من يرى أنّ التمويل بالتضخم في المراحل الأولى للعجز هو أفضل من التمويل بالدين، فإذا اختارت الحكومة الاستدانة في وقت مبكر، فستكون مضطرة في المستقبل الى التنقيد لكن بقيم مالية أكبر بسبب تراكم العجوزات والمديونية.
وكمثال على نجاعة هذا الخيار، يلاحظ أنّ معدلات التضخم كانت أعلى من مستوياتها المعتادة، في السنوات التي شهدت تراجعًا في الدين العام في كل من الولايات الأميركية المتحدة وبريطانيا واليابان وكندا. وقبل عشر سنوات تقريبًا عرف لبنان ظاهرة مماثلة، عندما سجل التضخم في السنوات 2007-2010 معدلات أعلى من مثيلاتها العالمية، وهذا أسهم في خفّض نسبة الدين العام الى الناتج المحلي من 180 بالمئة تقريبًا إلى أقل من 140 بالمئة. وإلى جانب ذلك استفادت الخزينة وقتها من نمو حقيقي مرتفع، ومن ضبط تلقائي للإنفاق العام بسبب اعتماد القاعدة الاثنتي عشرية في عمليات الصرف.
لكن للتضخم كلفته الاقتصادية، إذ يهدد برفع أسعار الفائدة الأسمية، ويعرض المكانة التنافسية للبلد للخطر، ومن شأنه الضغط على أسواق الصرف إذا ما استمر مدة طويلة. وحتى يكون العلاج بالتضخم ناجحًا ومحدود الكلفة، لا بد وأن يكون مفاجئًا وغير متوقع وقصير الأمد. وهذا ما يفسر نجاح التضخم في ابتلاع جزء من الديون الحكوميّة عالميًّا في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، وإخفاقه في تحقيق ذلك في العقود اللاحقة.
وعلى أي حال، التمويل التضخمي للدين العام ليس الدواء الناجع في لبنان، للأسباب الاقتصادية المذكورة ولآثاره التوزيعية الضارة، ولأن سياسة التثبيت النقدي، ستدفع المصرف المركزي الى امتصاص السيولة الإضافية الناتجة عن التضخم، ببيع سندات خزينة أو بإصدار شهادات إيداع بمعدلات فائدة مغرية، يتحملها كلفتها القطاع العام.
الخيار الخامس:
الامتناع عن الدفع. يكثر الحديث عن هذا الخيار الذي يبدو سهلًا من وجهة نظر راديكالية، لكنه ذو تداعيات لا يمكن تحملها إلّا إذا قررت دولة ما الانفصال عن الأسواق المالية العالمية لمدة من الزمن. ويزداد الأمر صعوبة في البلدان التي تشكل الأسواق المالية، وليس الحكومات أو المؤسسات الدولية، المصدر الأول لديونها. فالتفاوض على جدولة الديون ممكن مع الدول وليس مع حملة السندات، وإثارة غضب هؤلاء من خلال التلكؤ عن السداد، سيهدم الجسور التي تعبرها الدولة الى الأسواق العالمية ذهابًا وإيابًا. وفي هذه الحالة لن تقف التداعيات عند حدّ الاستبعاد المؤقت عن تلك الأسواق (كما حصل معه روسيا التي أقصيت 12 عامًا لأنها تخلفت عن الدفع عام 1998)، بل سيتجاوزه بالنسبة الى لبنان، الذي يستحوذ فيه حملة السندات المحليون على الجزء الاكبر من الدين العام، إلى تقويض الثقة الداخلية، ونقل الأزمة على نحو عشوائي وغير منظّم إلى القطاع المالي والمتعاملين معه. وستصل الموجات الارتدادية في نهاية المطاف إلى أسواق الصرف. وبذلك يكون تنقيد الدين أقل خطورة بكثير من الامتناع عن سداده، إذا ما فرض علينا انتقاء أحد الحلول الجذرية الصعبة.
الخيار السادس: تجاهل المشكلة أطول مدة ممكنة. اليابان مثال بارز على أن العيش مع الدين العام لا يلحق بالضرورة أذى خطيرًا بالاقتصاد. تسجل هذه الدولة أعلى نسبة دين عام في العالم، تقدر بـ 236.4 بالمائة قياسًا إلى ناتج محلي يزيد عن 4.8 تريليون دولار أميركي. وعلى الرغم من نمو هذا الدين دون انقطاع زهاء ربع قرن، حافظ هذا البلد على موقع ريادي ومتقدم على قائمة الاقتصادات الكبرى، ويتمتع الفرد فيه بنصيب من الناتج يساوي أربعة أضعاف متوسطه العالمي تقريبًا، على الرغم من الركود المزمن الذي يعاني منه لأسباب اقتصادية وسياسية وجيوبوليتيكية أكثر منها مالية.
لكن إذا صح تجاهل الدين في اقتصاد صناعي وقوي وذي قدرة تصديرية هائلة، فإنه لا يصح البتة في اقتصاد ضعيف وغير منتج، ويقتطع من موازناته مبالغ طائلة لخدمة ديونه. وعلى سبيل المقارنة تلامس أسعار الفائدة في لبنان 15 بالمئة حاليًا على بعض أنواع الودائع والقروض، في مقابل معدلات سالبة في اليابان (-0.1 بالمئة)، وفيما تمتص فوائد الدين العام ما لايقل عن 50 بالمئة من ايرادات الموازنة، تقل هذه النسبة عن 8 بالمئة في الدول متوسطة الدخل و4.8 بالمئة في المنطقة العربية وجوارها وما يتراوح بين 4 بالمئة و13 بالمئة في الدول الصناعية المثقلة بالديون، ولا يتجاوز معدلها العالمي 6.5 بالمئة. وبوسع الدول الصناعية أن تستخدم عائدات التصدير الهائلة (683 مليار دولار في حالة اليابان) في تأمين حاجاتها من العملات الأجنبية على المدى الطويل، فيما تعجز صادراتنا السنوية عن تأمين ما يكفي من العملات اللازمة لتمويل شهرين من الاستيراد فقط.
الخيار السابع: رفع معدلات النمو. من الناحية النظرية يؤدي توسيع الاقتصاد إلى تقليل العجز وتحقيق فوائض تلقائيّة في الموازنة وتعزيز المتانة المالية وإراحة الأسواق النقدية.
لكن الطريقة التي اعتدنا عليها في تمويل عجز الموازنة، تغذي دائرة اقتصادية-مالية رديئة وكابحة للنشاط الاقتصادي وفق التسلسل الآتي: الفوائد المرتفعة تزيد كلفة تمويل الاقتصاد وتجتذب تدفقات مالية لا تساهم إلا على نحو يسير في تكوين رأس المال الثابت. تضغط الفوائض المالية على التوازنات الاقتصادية وتؤدي الى رفع التكاليف من خلال زيادة أسعار السلع والخدمات غير القابلة للتبادل الدولي. يقلل ارتفاع التكاليف تنافسية البلد، فينخفض النمو وتنخفض معه واردات الخزينة ما يحتّم اللجوء إلى مزيد من القروض التي ترفع الفوائد مجددًا وهكذا... وهذا يعني أن السيطرة على الدين هو شرط من شروط تعزيز النمو بقدر ما هو نتيجة من نتائجه، وأن إطلاق النشاط الاقتصادي من عقاله غير ممكن إلا إذا حٌلّ هذا التشابك وأفلتت  الأسواق من قبضة تلك الدائرة الرديئة.
وفي الخلاصة.. لسنا ملزمين انتقاء واحد من الخيارات المذكورة، بل إنّ الاستراتيجية العملانية والمركبة للخروج من مأزق الدين تقوم على جمع خيارات عدة في مزيج واحد: تنشيط الدورة الاقتصادية من خلال زيادة معدلات الاستثمار، وضبط النفقات من خلال السيطرة على كتلة الفوائد وايقاف كل انواع الهدر والانفاق غير المجدي، وزيادة الايرادات من خلال إصلاح القوانين الضريبية وتطويرها ورفع الجهد الضريبي الى مستوياته في البلدان المماثلة، ناهيك بتعزيز شبكات الأمان الضرورية لتمكين الفئات الهشّة من مواجهة احتمالات تفاقم الازمة.
لكن المعضلة هي في التضارب المحتمل بين الأهداف والمسارات.. كيف نحقق فوائض أولية في الموازنة دون أن يكون لذلك أثر انكماشي على الاقتصاد؟ كيف نزيد الجهد الضريبي دون إحداث مزيد من الخلل في توزيع الثروات المداخيل؟ وما هي الطريقة المناسبة لجعل اجراءات المعالجة واقعية ومستدامة وطويلة الأمد؟..
الإجابة الأوليّة على ذلك، هي في إحداث صدمة إيجابية تمتد آثارها إلى المجالات المالية والنقدية والاقتصادية والاجتماعية في آن معًا، وهذا ما يمكن تحقيقه من خلال خفض طوعي وفوري لخدمة الدين العام لمدة زمنية محددة وبقيم معتد بها، ويمكن تقليص بند خدمة الدين العام في الموازنة المقبلة بنسبة لا تقل عن 10 بالمئة إذا ما اتفق مثلًا على تجديد استحقاقات الديون بفوائد منخفضة. وإذا ما أضيف الى ذلك حزمة من الاجراءات المالية والادارية الأخرى، يمكن التخلص في مدة وجيزة من ثلث عجز الموازنة العامة، دون المس بالتوازنات الاجتماعية أو التسبب بانكماش اقتصادي. ويمكن النظر إلى خفض معدلات الفائدة (على عكس الاتجاه الحالي لزيادتها) على انه الوسيلة الأفضل لإعادة ربط مسار الدين العام بقاطرة الاقتصاد الحقيقي، وهو أيضًا نقطة تقاطع بين سياسات خفض الدين وزيادة النمو وتنويع الاقتصاد وخفض تكاليف الانتاج وتسهيل الوصول إلى أسواق رأس المال وتلبية الحاجات المستحقة كالسكن بتكاليف معقولة.
وعلى العموم، إن مقاربة ناجحة لمشكلة الدين العام لا بد أن تراعي ثلاثة أمور: أن تكون جزءًا من إصلاح اقتصادي أوسع مدى وأعمق تأثيرًا يشارك فيها كل أطراف الانتاج والقرار، وأن يدرك واضعوها أن أزمتنا الراهنة هي نتيجة إخفاق الرؤية الاقتصادية المالية التي سيطرت خلال ربع قرن مضى، وأنّ يعي هؤلاء ان كلفة الخروج من مأزق الدين العام أو التعايش معه، يجب أن تقع بالدرجة الأولى وبالتناسب على الفئات الأكثر استفادة من هذا الدين ومسؤولية عنه.
لقد ولد من رحم الأزمة المالية والاقتصادية وما أحاط بها من هدر وفساد وفوضى وعدم مساواة فادحة، طبقة ضئيلة الحجم تركزت في أيديها الثروة والدخل. يحظى أغنى بضعة آلاف من هؤلاء بدخل سنوي من بضعة ملايين من الدولارات للفرد الواحد، وتتغذى ثرواتهم من نعيم الدين العام، فيما يرزح نصف الشعب اللبناني الواقع في أدنى السلم، تحت وطأة ظروف لا تختلف عن بلدان جنوب الصحراء الأفريقية، ودخل سنوي يقل عن ثلاثة آلاف دولار للفرد الواحد، ومع ذلك هم يشاطرون الدولة رغيف خبزهم في خدمة ديون قررتها أقلية رغمًا عنهم، دون ان تعود عليهم بأقل فائدة..
لا يمكن العثور على مخرج من المأزق، دون ان نقلب هذه المعادلة رأسًا على عقب، فلا تُغرم الغالبية لمصلحة الأقلية، ولا توزع الأعباء والمسؤوليات على نحو غير واقعي وغير عادل، وليكن التصحيح منظمًا وعاجلًا وفي أوانه، قبل أن تفرضه الأحداث فرضًا بمسارات عشوائية وأثمان باهظة ونتاج متواضعة.. وربما بعد فوات الأوان.


* رئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق

 أوراق بحثية: داعش بعد العراق وسوريا، المآلات والخيارات/د. محمد محمود مرتضى – شباط 2018

أوراق بحثية: داعش بعد العراق وسوريا، المآلات والخيارات/د. محمد محمود مرتضى – شباط 2018

إصدار 2018-02-26

ما بين عام 2014 تاريخ سيطرة تنظيم داعش على أجزاء واسعة من العراق وسوريا وإعلان الخلافة، وعام 2017 التاريخ المفترض لإنتهاء سيطرة التنظيم على معظم الأراضي التي سيطر عليها بما فيها الموصل والرقة، ثلاث سنوات تغيرت فيها الجغرافيا السياسية في المنطقة. قوات أميركية في العراق وسوريا، دخول تركي محدود جداً في العراق وتوغل أكبر في سوريا، قواعد عسكرية روسيا في سوريا مع مشاركة عسكرية فعالة، تواجد إيراني عسكري مباشر محدود، مع دعم كبير في العديد والعتاد لتنظيمات حليفة للحكومة السورية.

 أوراق بحثية: واشنطن القرن الحادي والعشرين على خطى أواخر عهد روما القديمة؟ ترامب ليس صاعقة في سماء صافية/ سعد محيو –شباط 2018

أوراق بحثية: واشنطن القرن الحادي والعشرين على خطى أواخر عهد روما القديمة؟ ترامب ليس صاعقة في سماء صافية/ سعد محيو –شباط 2018

إصدار 2018-02-26

نُسب إلى رئيسة الحكومة البريطانية السابقة مرغريت تاتشر قولها إلى وزير خارجيتها، غداة لقائها الأول مع الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان، وهي تربت فوق رأسها: "بيتر، ليس هناك شيء هنا. ليس هناك شىء بين أذنيه". لو كانت ثاتشر حيّة الآن، لما كانت مُضّطرة إلى قول أي شيء عن دونالد ترامب. الصحافة والعديد من السياسيين الأميركيين يتكفلون حالياً بهذه المهمة على أكمل. فهذا الرئيس الجديد يوصف كل يوم بأنه "جاهل، وأمّي، وكاذب، ومُدّعٍ، غارق حتى أذنيه في غرامه النرجسي مع ذاته المتضخمة، ومتهوّر "وباختصار" غير جدير بأن يكون رئيساً للقوة العظمى الوحيدة في العالم"، على حد تعبير باراك أوباما.

 أوراق عمل: مستقبل المشروع الصهيوني في ضوء تحولات البيئة الإقليمية: من التفوق إلى اللايقين/ د. عبد الحليم فضل الله - تشرين الثاني 2017

أوراق عمل: مستقبل المشروع الصهيوني في ضوء تحولات البيئة الإقليمية: من التفوق إلى اللايقين/ د. عبد الحليم فضل الله - تشرين الثاني 2017

قدّم الدكتور عبد الحليم فضل الله في مؤتمر: وعد بلفور، مئوية مشروع استعماري ... ؟ أي مستقبل للمشروع الصهيوني؟! ورقة عمل تحت عنوان: مستقبل المشروع الصهيوني في ضوء تحولات البيئة الإقليمية: من التفوق إلى اللايقين، وذلك يوم الجمعة بتاريخ 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2017- أوتيل كراون بلازا.

 

 

 

* مدير عام المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق في بيروت (2009- )

  أستاذ محاضر في كلية العلوم الاقتصادية وإدارة الأعمال - الجامعة اللبنانية (2010- )

abhfadlallah@hotmail.com

 أوراق عمل: الإصلاح الضريبي في لبنان، مقاربة على ضوء مقتضيات العدالة والكفاءة والفعالية/ د. عبد الحليم فضل الله - تشرين الثاني 2017

أوراق عمل: الإصلاح الضريبي في لبنان، مقاربة على ضوء مقتضيات العدالة والكفاءة والفعالية/ د. عبد الحليم فضل الله - تشرين الثاني 2017

السياسة الضريبية هي مؤشر على الاتجاه الذي تتبناه الدولة: هل هو اجتماعي يميل إلى معيار العدالة؟ أم اقتصادي يغلب معيار الكفاءة؟ أم...؟
خلال التسعينيات اعتمد لبنان مقاربة ضريبية غير واقعية ومفرطة في ليبراليتها.
فشلت فكرة الجنة الضريبية في حينه، والتي قامت بصورة أساسية على    تمويل عمليات إعادة الاعمار بالاعتماد على مدخرات الآخرين (الاموال والقروض الخارجية) وليس على تعبئة المدخرات المحلية.

* مدير عام المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق في بيروت (2009- )

  أستاذ محاضر في كلية العلوم الاقتصادية وإدارة الأعمال - الجامعة اللبنانية (2010- )

abhfadlallah@hotmail.com

 أوراق عمل: جذور التباين الاجتماعي والاقتصادي في لبنان، تحليل العوامل والأسباب من نهاية القرن التاسع عشر وحتى نشوب الحرب الأهلية

أوراق عمل: جذور التباين الاجتماعي والاقتصادي في لبنان، تحليل العوامل والأسباب من نهاية القرن التاسع عشر وحتى نشوب الحرب الأهلية

يحلل هذا البحث ظاهرة اللامساواة في توزيع الدخل في لبنان من خلال تتبع جذورها ورصد العوامل المؤسسة لها. والمفارقة هي ان تلك الظاهرة ترافقت مع مراحل طويلة نسبياً من الازدهار ولا سيما في الحقبة الفاصلة ما بين الاستقلال 1943 والحرب الأهلية 1975، وسجل بنتيجتها هذا البلد اعلى معدل للدخل الفردي في البلدان العربية غير النفطية. ولم ينعكس النمو المرتفع إيجابا على معامل عدم المساواة بل ربما تسبب في اتساع الفجوات بين المحافظات والقطاعات والطبقات المختلفة، تبعاً لانحياز السياسات وصانعيها إلى مناطق ومجموعات دون أخرى.

 

* مدير عام المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق في بيروت (2009- )

  أستاذ محاضر في كلية العلوم الاقتصادية وإدارة الأعمال - الجامعة اللبنانية (2010- )

abhfadlallah@hotmail.com

 أوراق بحثية: السياسة الخارجية للجماعة الاسلامية في باكستان...البنى والمرتكزات / هادي حسين - آب 2017

أوراق بحثية: السياسة الخارجية للجماعة الاسلامية في باكستان...البنى والمرتكزات / هادي حسين - آب 2017

إصدار 2017-07-31

الجماعة الإسلامية في باكستان، أو كما يُطلقون عليها بالأردو "جماعتِ اسلامى پاكستان"، ليست كغيرها من الأحزاب والقوى الإسلاموية على الساحة الباكستانية، وإن كان يجمعها جميعاً إستخدامها لمقولة "الشريعة" لنقض شرعية النظام والسلطة الحاكمة على حدٍ سواء، فضلاً عن بروز عجز هذه الجماعات والقوى الإسلاموية أمام مسألة الدين – الدولة – الهوية، وهو ما ألقى بظلاله على خطاب هذه الجماعات، ونتيجة لهكذا خطاب تائه أصبح هناك مشكلة ثقة بين الجماهير بل وحتى القواعد التنظيمية من جهة، وقيادات الجماعات الإسلاموية، حيث أن القائد "الآغا جي" أو "مولانا" أو "المُلا" هو كل شيء، حتى أقرب الأجلين، الموت أو الموت.

 مراجعة كتب: لماذا يكذب القادة، الحقيقة حول الكذب في السياسة الدولية - 2011

مراجعة كتب: لماذا يكذب القادة، الحقيقة حول الكذب في السياسة الدولية - 2011

إصدار 2017-06-12

عمد ميرشايمر الذي يعتبر واحدا من أكثر المفكرين الواقعيين على صعيد السياسة الخارجية ومن أكثرهم تأثيرا في العلاقات الدولية في العالم في مقدمة مؤلفه إلى الإحاطة العامة بمجمل ما سيتطرق إليه من أفكار مصوبا على بعض الإيضاحات المفاهيمية كمرتكز للانطلاق في طرحه

 أوراق بحثية: العلاقات الباكستانية - الصينية، استجابة للتحديات والفرص المشتركة / هادي حسين - حزيران 2017

أوراق بحثية: العلاقات الباكستانية - الصينية، استجابة للتحديات والفرص المشتركة / هادي حسين - حزيران 2017

إصدار 2017-06-06

تقوم بين الصين وباكستان علاقات وثيقة منذ عقود. فقد  كانت باكستان من أوائل الدول التي اعترفت بالصين بدلاً من تايوان عام 1951. وفي عام 1962 عززت الحرب الصينية - الهندية هذه العلاقة. من وجهة نظر باكستان لا تزال المعارضة للهند عنصراً هاما في العلاقة مع الصين لكن السياسة الصينية تجاه الهند تبدو أقل تركيزاً على باكستان نظراً إلى أن المخاوف الصينية من قيام شراكة هندية - أميركية تهدف إلى تطويق الصين هي التي تحكم سياسات بكين في جنوب آسيا.

 اوراق عمل: الخيار الأوراسي ومعضلة الأمن في غرب أسيا - كانون الاول 2016

اوراق عمل: الخيار الأوراسي ومعضلة الأمن في غرب أسيا - كانون الاول 2016

إصدار 2017-01-07

منطقة غرب آسيا تشمل بنحو ما أغلب الشرق الأوسط واستخدام المصطلح مقصود كما يتضح في نهاية المقال يشكل موضوع الأمن والاستقرار في غرب آسيا سؤالا ملحا وحرجا في واحد من أكثر الأقاليم فوضوية واضطرابا في العالم تعزز الفوضى من معضلة الأمن بسبب تزايد الريبة والشك لدى اللاعبين السياسيين بما يطلق دينامية من السباق المحموم للتسلح والقوة فكلما قام لاعب سياسي بجهد عسكري ولو دفاعي اعتبار اللاعب الآخر هذا الجهد تهديدا له وحاول حشد المزيد من موارد القوة لموازنة خطوات الطرف الأول الذي سيرى بدوره في ذلك تهديدا فيعمل على تعزيز أمنه مجددا وهكذا دواليك تعتبر هذه المعضلة من أبرز العقبات التي تعترض اقامة نظام أمني مستقر في غرب آسيا والخروج من هذه المعضلة يستلزم بناء مجموعة ضمانات ذات صدقية وصمامات آمان تكسر هذه الحلقة المفرغة تحاجج هذه المقالة أن القوى الأوراسية الفاعلة قادرة على التصدي لهذا الدور الذي لا بد منه وهو ما يمكن تلمس بداياته في غرب آسيا خلال السنوات الاخيرة علما أن القوى الاقليمية في غرب آسيا والقوى الاوراسية تمتلك مصالح متبادلة للتعاون في إطار تأسيس نظام إقليمي يؤمن الاستقرار في غرب آسيا كما أن هذا الدور للقوى الأوراسي يستدعي من العالم العربي وتركيا وايران اعادة بناء او اكتشاف المكون الآسيوي في هويتها والخروج من الذهنية الشرق أوسطية إن بناء وإدارة أي نظام إقليمي في غرب آسيا لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار صعود لعبة الجيوبولتيك في أوراسيا حيث تحاول الولايات المتحدة منع ظهور قوة اقليمية مهيمنة داخل هذا المجال واحتواء القوى الصاعدة يؤدي صعود هذه اللعبة في إحد نتائجه إلى تصاعد اهتمام القوى الأوراسية الكبرى الصين وروسيا بمنطقة غرب آسيا حيث الانكفاء النسبي للدور الأميركي لحساب أدوار اللاعبين الإقليميين على أننا في المقابل لا نتجاهل إمكانية حدوث توترات متزايدة داخل المجال الأوراسي قد تنعكس سلبا على غرب آسيا ولذا لا بد من توفير صمامات آمان ذاتية للأقليم في نهاية المطاف إن تطور دور القوى الأوراسية بالتحديد الصين وروسيا في منطقة غرب أسيا قد يحفز التوازن والاستقرار داخل المنطقة وهو دور يتكامل مع جهود قوى المقاومة في درء الخطر الإرهابي التكفيري وخلق بيئة كابحة للأطماع الصهيونية وذلك لأسباب عدة منها إشغال جزء من الانكفاء الأميركي ولأنها قوى لها مصلحة في الإستقرار الإقليمي ولا تمتلك نوايا توسعية بالمعنى الإمبريالي وتشكل السياسات الأميركية أبرز محفزات الفوضى والحرب في المنطقة باعتبارها إما عوارض جانبية للسياسات التوسعية الأميركية أو نتائج متعمدة لهذه السياسات بغية استنزاف القوى الفاعلة وإعادة تشكيل خارطة النفوذ والتوازنات ربما أدى الانكفاء الأميركي إلى ظهور الفوضى على المدى القريب إلا أنه يشكل فرصة على المدى البعيد لاستعادة دول المنطقة لقرارها والتحول نحو سياسات عقلانية لا سيما مع تطور أدوار القوى الأوراسية الوازنة آنفة الذكر تبدي القوى الإقليمية انفتاحا متزايدا على القوى الأوراسية مثل الصين وروسيا وكذلك ألمانيا إن قررت أو دفعتها واشنطن لتعميق دورها الأوراسي بفعل سياسة الانكفاء والانعزالية هذا الانفتاح من القوى الاقليمية ذات الوزن الفاعل سيشكل حافزا للقوى الأوراسية لتوسعة وتشبيك متزايد لمصالحها الجيواستراتيجية والاقتصادية في المنطقة وذلك من منطلق ندي ومتوازن ويمكن لقوى المجال الأوراسي الوازنة أن تشكل شبكة أمان وقناة اتصال وتبريد تسهم في خفض مستوى العنف وإطلاق عملية لبناء الثقة المتبادلة ورعاية التسوية السياسية الا أن ذلك يستدعي انتقال القوى الإقليمية من ذهنية اللعبة الصفرية وهو انتقال ستحفزه التجارب المرهقة خلال السنوات الاخيرة فالحرب تصنع الدول وعقلانيتها على السواء إن الخيار الأوراسي لم ينضج بعد ولذا يمكننا المساهمة في تطويره من خلال فهمنا لأهدافنا ومصالحنا وظروف المنطقة والمساهمة في النقاش حوله مع القوى الأوراسية وننطلق هنا من فرضية أن الجغرافيا هي مجرد منتج لمخيلتنا ويعاد بناؤها اجتماعيا أي إننا بحاجة إلى جهد لإعادة بناء هوية وقيم مشتركة مع عمقنا الآسيوي من دون ذوبان فالدول بحسب النظرية البنائي قادرة من خلال إعادة بناء معنى الأفكار والمعايير التي تحكم النظام الدولي والاقليمي على أن تشكل تصرفات هذا النظام من هذا المنطلق دأب الإمام السيد علي الخامنئي على الدعوة إلى استبدال مصطلح غرب آسيا عوضا عن الشرق الأوسط وقد عقد مؤخرا مؤتمر طهران الأمني الأول حول النظام الأمني الإقليمي لمنطقة غرب آسيا كترجمة لهذا التوجه بالتالي يمكن البدء بعملية بناء هوية أوراسية مشتركة تماثل ما قام به الاوروبيون والاميركيون في بناء هوية أطلسية مشتركة فالأفكار والقيم عندما يعاد تشكيلها يمكن أن تعيد تعريف وتحديد طبيعة البنى المادية التي تعود بدورها لتأثر في تلك الأفكار والقيم والبنائية قادرة على شرح التغير والتحول في العلاقات الدولية وتقديم بدائل وفق ما ينبغي أن يكون بعكس المدرسة الواقعية التي تكتفي بتفسير الواقع كما هو والتي تتعامل مع مفاهيم العلاقات الدولية باعتبارها امرا ثابتا وذلك أن البنائية لا تنطلق من المصالح مثل النظريات التقليدية في العلاقات الدولية بل من الأفكار والقيم التي تشكل المصالح القومية ومن خلال ذلك يمكن لدول وقوى المنطقة إعادة تعريف مصالحها بما يتناسب مع كون هذه المنطقة هي غرب آسيا وليس الشرق الأوسط هنا تظهر مسؤولية النخب ومراكز القرار في تقديم خطاب جديد يبث قيما وأفكارا تعزز الهوية الاسيوية للمنطقة وتظهر عمق صلاتها ومصالحها من الأمن الى الثقافة مع العمق الاوراسي إن العولمة النيوليبرالية والتحالف الاطلسي ليسا قدرا بل إنهما يتعرضان حاليا لتحد داخلي غير مسبوق يهدد شرعيتهما واستمراريتهما هذه ليست دعوة للقطيعة مع الغرب ولا ذلك ممكن حتى بل دعوة للسعي لتنويع الخيارات وفحص البدائل وبناء مسارات مع القوى الصاعدة في النظام الدولي لا بد من تعزيز الحوار والتواصل مع القوى الأوراسية الوازنة وبناء جملة من المفاهيم والقيم المؤسسة وهو جهد ينبغي أن يشمل المستويات الرسمية وما دون الرسمية في آن واحد هذا الجهد في صياغة هوية مشتركة مع المجال الأوراسي لا بد أن يكون متبادلا بين قوى غرب آسيا والقوى الأوراسية من شأن مساهمة قوى غرب آسيا في هذا الجهد أن تضمن أخذ مصالحها ودورها بعين الاعتبار وتتحمل القوى الإقليمية في غرب آسيا مسؤولية خلق مناخ إقليمي يحتضن الفكرة الأوراسية كما تراها وهذا ما سيسهم في رسم حدود تدخل القوى الاوراسية ومنعها من استخدام المنطقة للتنافس ومساعدتها على صياغة اليات للتعاون والشراكة فيما بينها إن ذلك يسهم في تفادي تهديدين محتملين لا بد من أخذهما بعين الاعتبار بناء على التفكير بمنطق السيناريو الأسوأ الأول أن تتجه القوى الأوراسية نحو منطق الهيمنة داخل غرب آسيا أو أن يتحول الإقليم إلى ساحة صراع بين القوى الأوراسية قالت شاعرة أميركية يوما سفينة تتجه غربا وأخرى شرقا بذات الرياح فما يحدد مسار السفن هي الأشرعة لا العواصف فهل نعدل أشرعتنا باحث في العلاقات الدولية ملخص ورقة قدمت في مؤتمر طهران الأمني الأول كانون الأول

 أوراق بحثية: أثر العولمة الاقتصادية على القيم، دراسة في تحولات مجتمع الاستهلاك واتجاهاته / د. عبد الحليم فضل الله - تشرين الأول 2016

أوراق بحثية: أثر العولمة الاقتصادية على القيم، دراسة في تحولات مجتمع الاستهلاك واتجاهاته / د. عبد الحليم فضل الله - تشرين الأول 2016

إن تضخيم الاستهلاك صار طوق النجاة الذي لا غنى عنه لانتشال الرأسمالية من نزعتها الانكماشية على المدى الطويل. ففي سياق التطور الاقتصادي تزيد متوسطات الدخل ويرتفع مستوى المعيشة، ويزيد معهما الميل الحدي للادخار، وهذا معناه خفض النمو من خلال سحب قيم متزايدة من الناتج إلى خارج الدورة الاقتصادية. ولا يمكن تفادي ذلك دون دفع الناس إلى الانفاق دون هوادة، في مجالات تبتعد شيئًا فشيئًا عن حاجاتهم الأساسية وضرورات حياتهم.

 أوراق بحثية: مجتمع المقاومة في العهد التكنوتروني آليات التحصين ومباني التأسيس العولمي / عبد العالي عبدوني - كانون الأول 2016

أوراق بحثية: مجتمع المقاومة في العهد التكنوتروني آليات التحصين ومباني التأسيس العولمي / عبد العالي عبدوني - كانون الأول 2016

ما هو مجتمع المقاومة هل هو مجتمع حقيقي يتماهى مع باقي المجتمعات المفتوحة أم هو أقرب إلى مجتمع مجرد متمعير في الذهن دون مصداق خارجي هل هو متحيز في جغرافيا معينة أم متمرد على قانون التربة متماهي مع قانون الفكرة هل هو ذلك الامتداد الاجتماعي الذي تترعرع فيه المقاومة أم مجرد ترفع لفظي لاحتواء الأفكار المضادة للمقاومة والموجودة على الأرض فعلا هي أسئلة كثيرة تتناسل مولدة إخوتها دون جواب شاف يغلقها أو حتى يقطع الطريق أمامها

 أوراق بحثية: العراق، العقدة الإستراتيجية المستعصية متاهات الداخل وحروب الخارج / د. ياسر عبد الحسين - تشرين الاول 2016

أوراق بحثية: العراق، العقدة الإستراتيجية المستعصية متاهات الداخل وحروب الخارج / د. ياسر عبد الحسين - تشرين الاول 2016

عاد الملف العراقي يتصدر الاهتمام الدولي والإقليمي، بعد أن أفل لسنوات إثر الانسحاب الأميركي، ولعل السبب الأبرز هو أن العراق تحوّل إلى ساحة الحرب الرئيسة لمواجهة تنظيم داعش ISIS منذ عام 2014 وأحداث الموصل، هذا العراق الذي يقاتل في مقدمة دول العالم والمنطقة لمواجهة متطرفي القارات السبع.

 مقالات: الاعلام الغربي والارهاب، الازدواجية والتوظيف / هادي قبيسي - تشرين الاول 2016

مقالات: الاعلام الغربي والارهاب، الازدواجية والتوظيف / هادي قبيسي - تشرين الاول 2016

إصدار 2016-11-02

عام أنفقت الخزينة الأميركية بأمر من الرئيس كارتر أول مبلغ لدعم الجهاد الإسلامي ضد النظام الأفغاني برئاسة محمد تاراكي ذي الميول الاشتراكية الشيوعية وبرامجه الإستفزازية كان ذلك أول مساهمة غربية في واجب الجهاد بقيمة ستين مليون دولار ولا يزال دافع الضرائب الأميركي حتى يومنا هذا يساهم في هذا الواجب في موازنات سرية وأخرى علنية في سبيل مواجهة أعداء الولايات المتحدة من الأنظمة الظالمة والمعادية للإسلام والمسلمين كما يحلو للجوقة الإعلامية الدولية أن تصفها في تلك المرحلة قدم الأفغان والإسلاميون الذين جاؤوا من مختلف أنحاء العالم لقتال الغزو السوفياتي الملحد على أنهم محاربون في سبيل الحرية وجاء بريجنسكي للقائهم بعد شهر واحد من الغزو وقال لهم بالحرف الواحد نحن نعرف إيمانكم العميق بالله وثقتكم بأن نضالكم سيصل إلى هدفه هذه الأرض هناك أفغانستان هي أرضكم وستعود إليكم يوما ما لأنكم ستنتصرون في القتال وستسترجعون بيوتكم ومساجدكم لأن قضيتكم محقة والله إلى جانبكم وقد تعامل الإعلام الغربي ببراغماتيته المعهودة مع التحول الجديد في تموضع الإسلاميين في خندق واحد مع الإمبريالية الليبرالية وقدمهم للعالم كثوار يقاومون الإمبراطورية المستبدة وساهم الإعلام العربي والإسلامي في التجييش والتعبئة لهذه الحرب كل على طريقته ولغته وغايته ولكن المجهود كله كان يصب في خدمة أميركا وكما قال فرانك أندرسون مسؤول ملف الشرق الأوسط السابق في لانغلي من الصحيح تماما أن هذه الحرب ضد السوفيات في أفغانستان قد خيضت لخدمة أهدافنا لكن بدمائهم هم المجاهدين الأفغان قام الإعلام الغربي في تلك اللحظة بوظيفة تقديم الغطاء السياسي والدعم المعنوي لحركة الجهاد الأفغاني في مواجهة القطب الآخر في العالم كما قام بوظيفة تكييف الجهاديين مع تموضعهم الجديد في هذا الخندق فهم عن قصد أو غير قصد يقفون في الصف الأول للدفاع عن الولايات المتحدة كما قام بوظيفة أخرى هي منع أي تسوية أو عملية تفاوض باكستانية سوفياتية من الوصول إلى حل سلمي يحفظ ماء وجه الغزاة من خلال الدفع بالجهاديين نحو الإيمان والأمل بتحقيق انتصار حاسم ونهائي عبر خطاب إعلامي مبرمج فشل تجربة الأفغان العرب في مصر والجزائر بعد نجاح الحرب ضد السوفيات وانتصار المقاومة في لبنان في حرب نيسان عام أوجدا القناعة لدى البعض بالتوجه نحو العدو البعيد فكانت عمليات كينيا وتنزانيا وعملية المدمرة كول وكانت القمة الموازية لتحرير جنوب لبنان عام عمليات الحادي عشر من أيلول التي شكلت ذروة الخط البياني وفي نفس اللحظة كانت نقطة الانحدار السريع والنهائي للسلفية الجهادية عن مقاربة العدو البعيد لعب الإعلام الغربي دورا في تجنيد وتجييش الدول والمجتمعات والشعوب الغربية لمواجهة الإرهاب ليتم الق الاعلام الغربي ضاء على تنظيم القاعدة الدولي عام ووقف العمليات الدولية بشكل حاسم وإن بالتدريج وكان في الرسائل المبطنة للحرب على الإرهاب تشويه صورة الإسلام والمسلمين إذ أفادت الماكينة الإعلامية الغربية من دم المدنيين الذي سال في المدن الغربية لاختزال الإسلام بتعاليم ابن تيمية وتقديمه دينا همجيا ذباحا وإجراميا حتى في نظر المسلمين والقاطنين في دول العالم الإسلامي والعربي ناهيك عن استهداف وتقييد الجاليات الإسلامية في العالم وكان من أهداف هذه الحرب المستمرة على الدين الإسلامي كبح تقدم تعاليمه بين الشعوب الغربية ووقف رواج قيمة الإسلام الجهادي الذي أثبت جدواه في مواجهة إسرائيل منعا لتمدد هذا الفكر المنقذ للأمة من براثن الإستعمار وكانت تلك خدمة قدمها فكر ابن تيمية وممارسات أتباعه للغرب الناهب دون مقابل وقد أحسن استغلالها إعلامه في الحد الأقصى ذروة الدور الإعلامي الغربي في توظيف وتوجيه إرهاب السلفية الجهادية كانت هنا على هذه الأرض حيث تم تقديم الزرقاوي الأردني قائدا للجهاد في العالم الإسلامي ضد الغزو الأميركي للعراق وذلك في كلمة وزير الخارجية الأميركية كولن باول في مجلس الأمن الدولي قبل شهر واحد من الغزو المجرم حيث قدم بطاقة شخصية للرجل الأخطر على الكوكب وأعلن عن أسر ضابط عمليات دولية تابع لسجين جنائي أردني لم يتعلم من الإسلام شيئا وفق أستاذه أبو محمد المقدسي كان هدف هذه العملية الإعلامية الكبرى التي تدرس الآن في الكلية الحربية الأميركية بعنوان عملية الزرقاوي إعادة توجيه الزخم السلفي الجهادي نحو العدو القريب فبمعرفة الأميركيين بعقلية الزرقاوي الإجرامية استطاعوا تقديمه كبطل جهادي كبير من خلال آلاف التقارير والمقالات التي تلت خطاب كولن باول الشهير وهو الذي لم يخض معركة واحدة غير السلب والنهب والقتل في شوارع الزرقاء في بلده الأم تحول هذا الرجل المغمور والمجهول بفعل الماكينة الإعلامية الغربية إلى بديل عن بن لادن وإلى مركز استقطاب كل مقاتل جاء إلى العراق لحمل السلاح ضد أميركا وقام بتحويل اتجاه البنادق نحو الداخل العراقي بمذاهبه وطوائفه وعشائره ومناطقه المختلفة وبدأ سفك الدم حتى لم يبق شبر في العراق لم يصل إليه دم مظلوم كانت تلك الإنعطافة الأخيرة للسلفية الجهادية في عودتها نحو التجربة الجزائرية وعكوفها النهائي عن الصدام مع الغرب وتحولها إلى ماكينة تدمير للوعي الإسلامي والحضارة والمدنية والاقتصاد والأمن وكل شيء ولا تزال إلى الآن وحين انتهت مهمة ذلك الأردني المجهول وحين غرق في أوحال الأنبار ونالته أسنة العشائر هناك بالجراحات الكثيرة وأيقظت حرب تموز عام في مخيلته وجود خشبة إنقاذ أخيرة هي استهداف العدو البعيد والعودة إلى بيعة بن لادن قدمت أميركا نفسها حامية للإنسانية بالقضاء عليه وقتله في انتصار كبير على الإرهاب والإجرام بعد أن جاء بيترايوس بقوات جديدة ليقوم بواجبات الرجل الأبيض في القضاء على الوحش الذي صنعه كولن باول وكاد يخرج عن السيطرة كانت سوريا خاتمة الدورة السلفية الجهادية حيث لم يعد أمامها على الأرض مقاتلون بعيون خضر بل ثمة عرب ومسلمون فقط هنا في العراق وكان ثمة حجة أو شماعة للجهاد هي الجيش الأميركي أما في سوريا فأيقونة الإرهاب تؤدي وظيفتها بإنسانية كاملة وكان الإرهاب السلفي الجهادي ورمزه آكل القلوب أبو صقار في خندق الدفاع عن الحرية والديموقراطية في سوريا هكذا شاءت الماكينة الغربية تقديمهم مقاتلين دفعتهم أهوال الحرب التي خيضت ل الدفاع عن الكرامة نحو هدر الدم والكرامة واستباحة كل شيء فهم ضحايا الحرب ليس أكثر لقد تمت أنسنة الإرهاب في النهاية وأصبح هذا الوحش المروض خادما مطيعا وأمينا يتمشى على حدود إسرائيل في الجولان المحتل دون أن تصل طلقة واحدة عن طريق الخطأ إلى رأس جندي غاصب هنا أصبح الحضن الإعلامي الغربي مهيأ لتشريع الحرب واستمرارها بلا نهاية بين خريجي سجن بوكا الجولاني والبغدادي كانت قائمة الإرهاب جاهزة للعب دورها فأعطت للجولاني صفة الجهادي العدو الخطير للولايات المتحدة وقدمته للعالم على أنه بطل الثورة وهو الشاب الصغير في العمر المجهول الصورة والمغمور في أوساط الجهاديين وأعطي موقعا محوريا في الصورة الإعلامية بالمقارنة مع أقرانه من السلفيين الذين لهم السابقة في حمل السلاح إلا أنهم لم يكونوا من خريجي أكاديمية بوكا كما يحلو للبعض أن يسميها الخريج الآخر من سامراء كان له دور آخر الوصول بصورة الإسلام إلى مستوى يسهل على رسامي الكاريكاتير في شارلي إيبدو الإستهزاء به والتهكم على رمزه الأقدس إلى جانب الأدوار الميدانية والجغرافية من تدمير الكيانات وإعادة رسم الخرائط الموهومة والمتخيلة والتي منعها من التحول إلى الواقع دم الأحرار الذين اعتمدوا على أنفسهم في المواجهة المصيرية للبغدادي وزمرته دور إعلامي محوري وقد ظهر واضحا من حجم الماكينة الإعلامية التي واكبت الاعلام الغربي سكين الذبح أينما حلت وتحركت وكان للماكينة الغربية الدور الكبير في الترويج لهذه الصورة التي أريد منها هدفان أساسيان من ناحية فتح الطريق أمام الإمتداد الميداني لداعش من خلال صورة الرعب وجعلها المانشيت اليومي لكل الإعلام الغربي ومن ناحية أخرى التخريب النهائي لصورة الإسلام والإسلام الجهادي وتصويره وباء عالميا ووبالا على المسلمين والعرب بحيث تنتهي الأحلام التي استيقظت في الأذهان في عامي و بإمكانية الإسلام الجهادي وقدرته على هزيمة إسرائيل الممثل العسكري للغرب في المنطقة في الخلاصة عملت الماكينة الإعلامية الغربية في خدمة الاستراتيجية الغربية الشاملة التي تأسست وتكرست في حرب أفغانستان الأولى والقائمة على أساس توظيف التيارات الجهادية لضرب أي تهديد يتعرض له الغرب في منطقتنا وقد أظهرت تلك التجربة الوظيفية الأم القيمة التاريخية لهذه التيارات حيث هشمت هيبة وسمعة المشروع الشيوعي السوفياتي دون أن تسقط قطرة دم أميركية واحدة عملت هذه الماكينة بحسب الظروف وفي كل حالة وساحة ولحظة بشكل مختلف فأحيانا قدمت الإرهاب على أنه قتال في سبيل الحرية وأحيانا أعطته لباس الرعب والخوف لتعطي لدوره الإستراتيجي فعالية أكبر واستطاعت في أماكن أخرى أن توجه الحراك الجهادي نحو الساحة والعدو الذي تريد واستثمرت دوما في المدى البعيد نحو ضرب وتشويه صورة الدين الإسلامي وفي خط مواز قدم الغرب نفسه مكافحا للإرهاب كصورة مقبولة أمام الناخبين والمستعمرين وليستفيد منها كمبرر للتدخل في شؤون الدول المصابة بهذا الوباء باحث متخصص في الحركات الاسلامية

 أوراق بحثية: المملكة السعودية أجنحة الحكم وسلطة القرار ، المخاطر والتحديات / تموز 2016

أوراق بحثية: المملكة السعودية أجنحة الحكم وسلطة القرار ، المخاطر والتحديات / تموز 2016

إصدار 2016-07-12

أربعة وثمانون عامًا مضت على حكم عائلة آل سعود لبلاد الحرمين الشريفين ضمن دولتهم الثالثة. وضع أسس هذا الحكم رسميًا عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود عام 1932، وتعاقب أبناؤه على الحكم مع سعود عام 1953 وصولًا إلى سلمان اليوم وقد مرّت مملكة السعوديين بالعديد من المخاطر والتحديات الداخلية والخارجية، لكن مما لا شك فيه أن عوامل حفظ الحكم من الانهيار والسقوط لطالما ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بالإمبريالية العالمية التي تمثلت في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي بالبريطانيين وفي مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية بالأميركيين وتبقى السعودية مدينة ببقاء واستمرار حكمها لعهد روزفلت - عبد العزيز اللذين أسسا في شباط/فبراير 1945 وهما على متن الطراد كوينسي قرب قناة السويس العلاقة الثنائية القائمة على الأمن مقابل النفط. إلا أن متغيرات كثيرة حصلت في مرحلة ما بعد 11 أيلول/سبتمبر 2001، وصولًا إلى توتر ملحوظ حاليًا في العلاقة بين واشنطن والرياض، كل ذلك يؤثر على الحكم السعودي وتطرح اسئلة عديدة بالتزامن مع انتقال الحكم من جيل أبناء عبد العزيز إلى أحفاده. وهنا يكمن لبّ الأزمة المرتقبة لما للضغوط الخارجية والتورط في حروب الإقليم من تأثيرات على أجنحة الحكم السعودي المتنافسة أصلاً، الأمر الذي ينذر بانفجار الصراع مع وفاة آخر الملوك الابناء سلمان بن عبد العزيز.

 أوراق بحثية: أكراد سوريا: البنية الاجتماعية والخيارات السياسية بعد 2011 / حزيران 2016

أوراق بحثية: أكراد سوريا: البنية الاجتماعية والخيارات السياسية بعد 2011 / حزيران 2016

تكتسب القضية الكردية في الوقت الحالي أهمية كبيرة يتلخص جوهرها في التناقض بين السعي الكردي في سبيل حق تقرير المصير وبين رفض السلطات الحاكمة في الدول التي يتوزع فيها الأكراد الاعتراف بما يعتبره هذا الشعب حقوقًا له. إلا أن هذه القضية لا تؤثر في الوضع السياسي لبلدان الشرق الأوسط حيث يتواجد فحسب بل تؤثر أيضًا في علاقات الأكراد الدولية وفي سياسة الدول الغربية تجاه المنطقة.