مقالات: الاعلام الغربي والارهاب، الازدواجية والتوظيف / هادي قبيسي - تشرين الاول 2016

عام أنفقت الخزينة الأميركية بأمر من الرئيس كارتر أول مبلغ لدعم الجهاد الإسلامي ضد النظام الأفغاني برئاسة محمد تاراكي ذي الميول الاشتراكية الشيوعية وبرامجه الإستفزازية كان ذلك أول مساهمة غربية في واجب الجهاد بقيمة ستين مليون دولار ولا يزال دافع الضرائب الأميركي حتى يومنا هذا يساهم في هذا الواجب في موازنات سرية وأخرى علنية في سبيل مواجهة أعداء الولايات المتحدة من الأنظمة الظالمة والمعادية للإسلام والمسلمين كما يحلو للجوقة الإعلامية الدولية أن تصفها في تلك المرحلة قدم الأفغان والإسلاميون الذين جاؤوا من مختلف أنحاء العالم لقتال الغزو السوفياتي الملحد على أنهم محاربون في سبيل الحرية وجاء بريجنسكي للقائهم بعد شهر واحد من الغزو وقال لهم بالحرف الواحد نحن نعرف إيمانكم العميق بالله وثقتكم بأن نضالكم سيصل إلى هدفه هذه الأرض هناك أفغانستان هي أرضكم وستعود إليكم يوما ما لأنكم ستنتصرون في القتال وستسترجعون بيوتكم ومساجدكم لأن قضيتكم محقة والله إلى جانبكم وقد تعامل الإعلام الغربي ببراغماتيته المعهودة مع التحول الجديد في تموضع الإسلاميين في خندق واحد مع الإمبريالية الليبرالية وقدمهم للعالم كثوار يقاومون الإمبراطورية المستبدة وساهم الإعلام العربي والإسلامي في التجييش والتعبئة لهذه الحرب كل على طريقته ولغته وغايته ولكن المجهود كله كان يصب في خدمة أميركا وكما قال فرانك أندرسون مسؤول ملف الشرق الأوسط السابق في لانغلي من الصحيح تماما أن هذه الحرب ضد السوفيات في أفغانستان قد خيضت لخدمة أهدافنا لكن بدمائهم هم المجاهدين الأفغان قام الإعلام الغربي في تلك اللحظة بوظيفة تقديم الغطاء السياسي والدعم المعنوي لحركة الجهاد الأفغاني في مواجهة القطب الآخر في العالم كما قام بوظيفة تكييف الجهاديين مع تموضعهم الجديد في هذا الخندق فهم عن قصد أو غير قصد يقفون في الصف الأول للدفاع عن الولايات المتحدة كما قام بوظيفة أخرى هي منع أي تسوية أو عملية تفاوض باكستانية سوفياتية من الوصول إلى حل سلمي يحفظ ماء وجه الغزاة من خلال الدفع بالجهاديين نحو الإيمان والأمل بتحقيق انتصار حاسم ونهائي عبر خطاب إعلامي مبرمج فشل تجربة الأفغان العرب في مصر والجزائر بعد نجاح الحرب ضد السوفيات وانتصار المقاومة في لبنان في حرب نيسان عام أوجدا القناعة لدى البعض بالتوجه نحو العدو البعيد فكانت عمليات كينيا وتنزانيا وعملية المدمرة كول وكانت القمة الموازية لتحرير جنوب لبنان عام عمليات الحادي عشر من أيلول التي شكلت ذروة الخط البياني وفي نفس اللحظة كانت نقطة الانحدار السريع والنهائي للسلفية الجهادية عن مقاربة العدو البعيد لعب الإعلام الغربي دورا في تجنيد وتجييش الدول والمجتمعات والشعوب الغربية لمواجهة الإرهاب ليتم الق الاعلام الغربي ضاء على تنظيم القاعدة الدولي عام ووقف العمليات الدولية بشكل حاسم وإن بالتدريج وكان في الرسائل المبطنة للحرب على الإرهاب تشويه صورة الإسلام والمسلمين إذ أفادت الماكينة الإعلامية الغربية من دم المدنيين الذي سال في المدن الغربية لاختزال الإسلام بتعاليم ابن تيمية وتقديمه دينا همجيا ذباحا وإجراميا حتى في نظر المسلمين والقاطنين في دول العالم الإسلامي والعربي ناهيك عن استهداف وتقييد الجاليات الإسلامية في العالم وكان من أهداف هذه الحرب المستمرة على الدين الإسلامي كبح تقدم تعاليمه بين الشعوب الغربية ووقف رواج قيمة الإسلام الجهادي الذي أثبت جدواه في مواجهة إسرائيل منعا لتمدد هذا الفكر المنقذ للأمة من براثن الإستعمار وكانت تلك خدمة قدمها فكر ابن تيمية وممارسات أتباعه للغرب الناهب دون مقابل وقد أحسن استغلالها إعلامه في الحد الأقصى ذروة الدور الإعلامي الغربي في توظيف وتوجيه إرهاب السلفية الجهادية كانت هنا على هذه الأرض حيث تم تقديم الزرقاوي الأردني قائدا للجهاد في العالم الإسلامي ضد الغزو الأميركي للعراق وذلك في كلمة وزير الخارجية الأميركية كولن باول في مجلس الأمن الدولي قبل شهر واحد من الغزو المجرم حيث قدم بطاقة شخصية للرجل الأخطر على الكوكب وأعلن عن أسر ضابط عمليات دولية تابع لسجين جنائي أردني لم يتعلم من الإسلام شيئا وفق أستاذه أبو محمد المقدسي كان هدف هذه العملية الإعلامية الكبرى التي تدرس الآن في الكلية الحربية الأميركية بعنوان عملية الزرقاوي إعادة توجيه الزخم السلفي الجهادي نحو العدو القريب فبمعرفة الأميركيين بعقلية الزرقاوي الإجرامية استطاعوا تقديمه كبطل جهادي كبير من خلال آلاف التقارير والمقالات التي تلت خطاب كولن باول الشهير وهو الذي لم يخض معركة واحدة غير السلب والنهب والقتل في شوارع الزرقاء في بلده الأم تحول هذا الرجل المغمور والمجهول بفعل الماكينة الإعلامية الغربية إلى بديل عن بن لادن وإلى مركز استقطاب كل مقاتل جاء إلى العراق لحمل السلاح ضد أميركا وقام بتحويل اتجاه البنادق نحو الداخل العراقي بمذاهبه وطوائفه وعشائره ومناطقه المختلفة وبدأ سفك الدم حتى لم يبق شبر في العراق لم يصل إليه دم مظلوم كانت تلك الإنعطافة الأخيرة للسلفية الجهادية في عودتها نحو التجربة الجزائرية وعكوفها النهائي عن الصدام مع الغرب وتحولها إلى ماكينة تدمير للوعي الإسلامي والحضارة والمدنية والاقتصاد والأمن وكل شيء ولا تزال إلى الآن وحين انتهت مهمة ذلك الأردني المجهول وحين غرق في أوحال الأنبار ونالته أسنة العشائر هناك بالجراحات الكثيرة وأيقظت حرب تموز عام في مخيلته وجود خشبة إنقاذ أخيرة هي استهداف العدو البعيد والعودة إلى بيعة بن لادن قدمت أميركا نفسها حامية للإنسانية بالقضاء عليه وقتله في انتصار كبير على الإرهاب والإجرام بعد أن جاء بيترايوس بقوات جديدة ليقوم بواجبات الرجل الأبيض في القضاء على الوحش الذي صنعه كولن باول وكاد يخرج عن السيطرة كانت سوريا خاتمة الدورة السلفية الجهادية حيث لم يعد أمامها على الأرض مقاتلون بعيون خضر بل ثمة عرب ومسلمون فقط هنا في العراق وكان ثمة حجة أو شماعة للجهاد هي الجيش الأميركي أما في سوريا فأيقونة الإرهاب تؤدي وظيفتها بإنسانية كاملة وكان الإرهاب السلفي الجهادي ورمزه آكل القلوب أبو صقار في خندق الدفاع عن الحرية والديموقراطية في سوريا هكذا شاءت الماكينة الغربية تقديمهم مقاتلين دفعتهم أهوال الحرب التي خيضت ل الدفاع عن الكرامة نحو هدر الدم والكرامة واستباحة كل شيء فهم ضحايا الحرب ليس أكثر لقد تمت أنسنة الإرهاب في النهاية وأصبح هذا الوحش المروض خادما مطيعا وأمينا يتمشى على حدود إسرائيل في الجولان المحتل دون أن تصل طلقة واحدة عن طريق الخطأ إلى رأس جندي غاصب هنا أصبح الحضن الإعلامي الغربي مهيأ لتشريع الحرب واستمرارها بلا نهاية بين خريجي سجن بوكا الجولاني والبغدادي كانت قائمة الإرهاب جاهزة للعب دورها فأعطت للجولاني صفة الجهادي العدو الخطير للولايات المتحدة وقدمته للعالم على أنه بطل الثورة وهو الشاب الصغير في العمر المجهول الصورة والمغمور في أوساط الجهاديين وأعطي موقعا محوريا في الصورة الإعلامية بالمقارنة مع أقرانه من السلفيين الذين لهم السابقة في حمل السلاح إلا أنهم لم يكونوا من خريجي أكاديمية بوكا كما يحلو للبعض أن يسميها الخريج الآخر من سامراء كان له دور آخر الوصول بصورة الإسلام إلى مستوى يسهل على رسامي الكاريكاتير في شارلي إيبدو الإستهزاء به والتهكم على رمزه الأقدس إلى جانب الأدوار الميدانية والجغرافية من تدمير الكيانات وإعادة رسم الخرائط الموهومة والمتخيلة والتي منعها من التحول إلى الواقع دم الأحرار الذين اعتمدوا على أنفسهم في المواجهة المصيرية للبغدادي وزمرته دور إعلامي محوري وقد ظهر واضحا من حجم الماكينة الإعلامية التي واكبت الاعلام الغربي سكين الذبح أينما حلت وتحركت وكان للماكينة الغربية الدور الكبير في الترويج لهذه الصورة التي أريد منها هدفان أساسيان من ناحية فتح الطريق أمام الإمتداد الميداني لداعش من خلال صورة الرعب وجعلها المانشيت اليومي لكل الإعلام الغربي ومن ناحية أخرى التخريب النهائي لصورة الإسلام والإسلام الجهادي وتصويره وباء عالميا ووبالا على المسلمين والعرب بحيث تنتهي الأحلام التي استيقظت في الأذهان في عامي و بإمكانية الإسلام الجهادي وقدرته على هزيمة إسرائيل الممثل العسكري للغرب في المنطقة في الخلاصة عملت الماكينة الإعلامية الغربية في خدمة الاستراتيجية الغربية الشاملة التي تأسست وتكرست في حرب أفغانستان الأولى والقائمة على أساس توظيف التيارات الجهادية لضرب أي تهديد يتعرض له الغرب في منطقتنا وقد أظهرت تلك التجربة الوظيفية الأم القيمة التاريخية لهذه التيارات حيث هشمت هيبة وسمعة المشروع الشيوعي السوفياتي دون أن تسقط قطرة دم أميركية واحدة عملت هذه الماكينة بحسب الظروف وفي كل حالة وساحة ولحظة بشكل مختلف فأحيانا قدمت الإرهاب على أنه قتال في سبيل الحرية وأحيانا أعطته لباس الرعب والخوف لتعطي لدوره الإستراتيجي فعالية أكبر واستطاعت في أماكن أخرى أن توجه الحراك الجهادي نحو الساحة والعدو الذي تريد واستثمرت دوما في المدى البعيد نحو ضرب وتشويه صورة الدين الإسلامي وفي خط مواز قدم الغرب نفسه مكافحا للإرهاب كصورة مقبولة أمام الناخبين والمستعمرين وليستفيد منها كمبرر للتدخل في شؤون الدول المصابة بهذا الوباء باحث متخصص في الحركات الاسلامية

المقال السابق
أوراق بحثية: العراق، العقدة الإستراتيجية المستعصية متاهات الداخل وحروب الخارج / د. ياسر عبد الحسين - تشرين الاول 2016
المقال التالي
أوراق بحثية: العقود النفطية اللبنانية "فخ تزايد المديونية"/د. علي زعيتر

مواضيع ذات صلة: