مقالات: دور الإعلام في الفتنة المذهبية

توطئة:

بلغ التطور الإعلامي ذروته حيث أصبح العقل التاسع (بحسب أرسطو) يرى حركة الفضاء، ومنها يشاهد ما يحدث في العقل العاشر (الأرض) ومن عليها  من الناس والأشياء. يصور ما يريد إظهاره، ويقدم الخبر الذي علمَهُ وما على قاطني الكوكب العاشر إلا أن يلتقطوا ما يرسله الأعلى إلى الأدنى(!؟). إن جميع وسائل الاتصال التي أبدعها العقل الإنساني حولت هذا العالم إلى "قرية كونية". أصبح من السهل الوصول إلى أي معلومة بكبسة زر وردة طرف. مع ذلك، وعلى تعددها وانتشارها، بقيت وسائل الإعلام - مرئية ومكتوبة ومسموعة - محتكرة بأيدي القوى المهيمنة والمسيطرة على العالم، التي تعتبر نفسها الأكثر رقيا وتطورا وهي بالتالي ملزمة بنشر التنوير بين الأمم التي تعيش في ظلمات التخلف(!). فالذي يصنع الشيء يحتكر أسراره ومآلاته وطرق استعماله. والإعلام، وإن كان قد بدأ كفكرة للترويج للبضائع المنتجة في العالم الرأسمالي الشره، فقد تحول إلى فكرة لتسويق الثقافة، العقائد والأفكار والخطط السياسية للأقوى. فمن غوبلز النازي الألماني إلى تيد ترنر (صاحب شركة CNN) اليهودي الأمريكي، أثبت الإعلام عن قوته في تحريك العقول والتلاعب بها، وفي إعمال التغيير عبر خلق الفوضى الهدامة وإعادة التركيب للجغرافيا السياسية والديموغرافيا العالمية وخاصة في المناطق الضعيفة.

الآن، إن أحد أهم مقومات العولمة، أو أحادية القطب العالمي، يستند إلى قوة المعرفة بالآخر، وذلك من خلال جمع المعلومات وتصنيفها ونشرها، بعد صياغتها وتقديمها من قبل الناشر. والناشر هو الذي يصنع الصورة والكلمة الفاعلة ويستهدف من يريد تغييره، ويرسل إليه الإشارات المناسبة لكيفيات السلوك الذاتي والاجتماعي والسياسي. هو الذي يجعل من المجاهدين في أفغانستان ضد الإتحاد السوفياتي أبطالاً في لحظة سياسية مناسبة له؛ وهو الذي يقدمهم كإرهابيين عندما يحاربون أرباب العولمة، خاصة من الأمريكيين. نفس الآلة الإعلامية هذه، صنعت من صدام حسين بطلاً قومياً عندما شكل أداة لمحاربة جمهورية إيران الإسلامية، حولته إلى شيطان يجب التخلص منه عندما اقتضت مصلحة المحافظين الجدد، حماة قِيَم الرأسمالية الأخطبوطية، وبإدارة بوش الابن الرأسمالي الصغير. إضافة إلى نماذج سيئة شكلت أدوات لبيع الكلمات، كسلمان رشدي الذي دفعت له المخابرات البريطانية مئات ألوف الجنيهات الإسترلينية ليؤلف كتابه "آيات شيطانية،" على ما يذكر الدكتور علي مزروعي الأمريكي من أصل أفريقي. يمكن العودة إلى آلاف الأمثلة التي حاول الغرب وأنساله الثقافية تشويه عقائد وثقافات الشعوب الأخرى، وخاصة الإسلام. 

تحميل الملف
المقال السابق
اوراق بحثية: هل يجوز دستورياً عدم إنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية
المقال التالي
اوراق بحثية: تجربة حزب الله في حل إشكالية التناقض بين الانتماء الوطني والبناء الإقليمي

مواضيع ذات صلة: