مقدّمة:
تتزايد في السنوات الأخيرة الإشكالات والمعضلات المرتبطة بثورة المعلومات وتأثيرها في المجالين الافتراضي والواقعي. فقد أتاح انتشار الهواتف الذكية والإنترنت الرخيص نسبيًا، عدا عن تداعيات الإغلاق في فترة وباء كورونا، اجتذاب كتلة وازنة من الناس إلى شبكات التواصل الاجتماعي لإنتاج المعلومات وتداولها واستهلاكها بحريّة واسعة بحيث يمكن في كثير من الأحيان للمعلومات المضللة أو الكاذبة أن تسيطر حتى على مسائل بديهية (مثل كروية الأرض) وهكذا صرنا في زمن "ما بعد الحقيقة". وقد بدأت الدول بالتنافس في امتلاك التأثير والنفوذ في الشبكات الاجتماعية ضمن حروب الوعي والمعلومات، فمن ينتصر في المجال المعلوماتي، أي من يشكّل الروايات والسرديات والتصوّرات، يمتلك أفضلية وازنة في المجال الواقعي.
وبناء على ذلك أصبح الدماغ هو البعد الخامس للحرب (إضافة للبر والبحر والجو والفضاء) وأصبحت حملات التضليل المعلوماتي والحروب الإدراكية/ حروب الوعي مجالًا أساسيًا لقياس قوة أي فاعل سياسي. لذلك بدأت الفواعل السياسية في نقل جزء من مواردها وقدراتها إلى المجال الرقمي لبناء شبكات ومِنصّات وخبرات وأدوات للتأثير في هذا المجال من خلال فهم الجمهور المستهدف وبناء الرسائل وإيجاد القنوات لنقلها وقياس نجاحها سواء تمهيدًا لنشر معلومات محدّدة وترويجها (حول فكرة أو حدث أو رواية أو أشخاص... إلخ) أو ردًا على حملات معلومات معادية عبر التشويش والفضح والعزل والاحتواء.
وجدت الدولة أن مجال الدبلوماسية العامة، وهو وسيلة للسياسة الخارجية، المعني بالاتصال الشعبي يمكنه الاستفادة من جماهيرية وسائل التواصل ومميّزاتها للتأثير في تصوّرات الجمهور الخارجي تجاه الدولة نفسها وأحداث محدّدة وتجاه دول وفاعلين آخرين بما يعزّز من مكانة تلك الدولة وسمعتها ومصالحها وسرديّاتها، وهكذا نشأت الدبلوماسية الرقمية كإحدى أدوات بث القوة الناعمة والنفوذ المعلوماتي. ومنذ نهاية العقد الأول للقرن الواحد والعشرين يتزايد اعتماد الدول على الدبلوماسية الرقمية حيث توظّف الدولة الصور الرمزية كجزء من عملية إدارة الصورة، من ضمن عملية أوسع لإدارة ديناميات القوة، وهذه الصور الرمزية تمثّل كيف تريد الدولة أن يجري الاعتراف بها من الآخرين. مثلًا ينطلق ت. كامبر وارين من ذلك للقول إن الدول الحديثة ليست مبنية على القوة والثروة فقط بل على قدرتها على التواصل بكفاءة من خلال وسائل مثل تويتر لعرض مطالبها المعيارية للولاء والوحدة الوطنية .
في المقابل، وبسبب طبيعة هذه المنصّات، زادت قدرة الجمهور على المشاركة والمشاورة في قبول سلطة الفاعلين السياسيين مما ساهم في تشظية قوة الاتصال الجماهيري لتلك الفواعل. وقد ضاعفت ثورة تكنولوجيا الاتصال من أهمّية الجمهور في صناعة السياسة الخارجية، وهو ما دفع بالفاعلين السياسيين إلى تكريس موارد هائلة لتكنولوجيا الاتصال. ولذلك ظهرت فرضية أن الدبلوماسية الرقمية تعزّز الشفافية والديمقراطية والمشاركة العامة، إلا أن ذلك ليس مؤكدًا نظرًا للسطوة المتزايدة للفواعل السياسية في التلاعب المعلوماتي وإتقان ممارسة الحرب الإدراكية بالاستفادة من مميّزات الذكاء الصناعي وتحليل البيانات الكبرى والتقدّم في تقنيات التجسّس والاختراق والاكتشافات المتزايدة في مجالات الدماغ والعلوم العصبية والنفسية والاتصالية.
ومن ضمن الدبلوماسية الرقمية يظهر اهتمام مستجدّ بدراسة أداء السفراء على وسائل التواصل من خلال صفحاتهم الشخصية. فالمشاركة الشخصية للسفير في الاتصال الرقمي تعزّز من وصول الجهاز الدبلوماسي إلى الجمهور، مع الإشارة إلى أن فعالية ذلك ما تزال موضع جدل . بهذا المعنى يصبح السفير دبلوماسيًا مؤثّرًا (influencer) أي يجمع بين دوره الدبلوماسي بكل ما يستوجبه من الرسمية والحذر وعبء التمثيل والعمل المؤسّساتي ودوره كمؤثر رقمي يتفاعل مع الجمهور الافتراضي بأقلّ قدر من الرسميات ويعرض أنشطة من حياته اليومية والشخصية مستحضرًا الفكاهة والطرفة ورموز الثقافة المحلّية. يمثل هذا المزيج تحدّيًا كبيرًا للسفراء ويستلزم منهم تطوير معارف ومهارات ومزايا شخصية ربما يصعب اكتسابها إضافة إلى الدعم المؤسساتي. علمًا بأن سلطة السفير على المنصّات الاجتماعية عُرضة للتحدّي والنقد والتنمّر والاعتراض، وهو مكشوف للسؤال ولضرورة التفاعل والحاجة للعفوية وكلها بمثابة أفخاخ للعمل الدبلوماسي.
من الملاحظ أن دراسات النشاط الرقمي للسفراء تُركّز على منصّة تويتر نظرًا لشعبيتها وللقيود المحدودة على المضمون السياسي بالمقارنة مع المنصّات الأخرى مثل فايسبوك ولسهولة انتشار المحتوى عليها، إضافة إلى السهولة النسبية لجمع الداتا من تويتر مقارنة بفايسبوك على سبيل المثال. لاحظت دراسة منذ العام 2012 أن الدبلوماسية من خلال تويتر تتسم بكونها عامّة بعكس تلك التقليدية التي تحدث خلف أبواب مغلقة. لذلك تويتر ليس متورطًا في إحداث تغيير بنيوي في الممارسة الاجتماعية للدبلوماسية وحسب بل في كيفية وغاية استخدام الدبلوماسيين لهذه التكنولوجيا في سعيهم للقيام بواجباتهم . إن فحص تغريدات السفراء وفهمها يتيحان لنا: التعرّف على أجندات بلادهم وأولوياتها السياسية وطبيعة مصالحها في البلد المضيف؛ وفحص لغتهم ومواقفهم حول القضايا الأساسية لدولتهم؛ وكشف مسارات العمل الأساسية لهم وأي الشرائح الاجتماعية يستهدفون؛ وكذلك التعرّف على تصوّراتهم لكيفية التأثير وإحداث التغيير، وهذا كله مفتاحي لتقييم نواياهم واستخلاص برامج عمل السياسة الخارجية لحكوماتهم.
برزت في لبنان تجربتان لدبلوماسيين اثنين هما السفير البريطاني الأسبق توم فليتشر ودبلوماسي في السفارة الصينية يُكنّى بـ "أبو وسيم". كان فليتشر سفيرًا لبلاده في بيروت بين عامي 2011 و 2015 وساهم في تطوير الاستخدام الدبلوماسي لوسائل التواصل الاجتماعي بحيث أطلق عليه لقب دبلوماسي تويتر Twiplomat، ثم انتشر هذا المفهوم ليشير إلى وظيفة جديدة هي الدبلوماسي الذي يشارك في تبادل الرسائل عبر تويتر مع متابعيه. وقد نال فليتشر جائزة Lovie Special Achievement لاستخدامه منصّات التواصل الاجتماعي خلال خدمته الدبلوماسية في لبنان وقد أصدر عدة كتب حول تجربته هذه لاقت رواجًا واسعًا منها كتاب The Naked Diplomat: Power and Statecraft in the Digital Age. أما "أبو وسيم" (CAO Yi)فكان قنصلًا في سفارة الصين في بيروت (2018 – 2022) ولاقت صفحته في تويتر تفاعلًا كبيرًا من المغرّدين اللبنانيين والعرب إذ كان يتّقن العربية ويغرّد بها ويركّز على إبداء التعاطف والإعجاب بما يخصّ لبنان مستخدمًا وسم #بحبك_يا_لبنان ويعتمد الفكاهة بما يتناسب مع السياق المحلّي (الدبلوماسي الطريف).
تطرح هذه الدراسة سؤالًا أساسيًا حول كيف يحاول السفراء الأجانب في لبنان تحقيق الأجندة السياسية لبلادهم من خلال التغريد على مِنصّة تويتر؟ ومنه تتفرّع عدة أسئلة، ما هي القضايا الأساسية التي يركّزون عليها؟ وما هي المجالات التي تجتذب تغريداتهم وأهداف تلك التغريدات؟ وأخيرًا إلى أي مدى نجح السفراء في اجتذاب التفاعل والاهتمام وهل من علاقة لذلك النجاح أو عدمه بطبيعة المجالات أو الأهداف التي ركّزوا عليها؟
تعتمد الدراسة على تحليل الخطاب النقدي لفحص العلاقة بين اللغة التي استخدمها السفراء في تغريداتهم والمجتمع المستهدف بالتغريد. وتركّز على مراقبة مؤشرات الآداء (مثل خصائص الحساب الشخصي ونمط التغريد والتفاعل) وعلى فك الرموز الثقافية في التغريدات وتحديد المداخل التي حاول السفراء التفاعل مع الجمهور المستهدف من خلالها وتصنيف التغريدات بحسب الهدف منها وفقًا للغة والموضوع. ويتضمّن تحليل الخطاب النقدي دمج تحليل النصّ وتحليل عملية إنتاج النصّ، والاستهلاك والتوزيع والتحليل الاجتماعي الثقافي للحدث الخطابي . وقد تعدّدت الدراسات التي وظّفت هذه التقنية لتحليل التغريدات على منصّة تويتر .
من ناحية منهجية اقتصر البحث في دراسة السلوك الرقمي للسفراء العاملين في لبنان على منصّة تويتر على المنتمين إلى دول أميركا الشمالية والجنوبية وأوروبا وآسيا دون السفراء العرب. فدول هذه القارات الثلاث هي الأكثر نفوذًا وفعالية في لبنان، أما استثناء السفراء العرب فكان للتركيز على دول حيث الفوارق الثقافية والسياسية واضحة. بمحصّلة البحث تم الوصول إلى حسابات 17 سفيرًا (السفراء العاملون في لبنان يتراوح عددهم بين 50 و 60 سفيرًا) استُبعد منهم اثنان (سفيرا الهند وأستراليا) نظرًا لندرة تغريداتهما. في المرحلة الثانية بدأت عملية تحليل يدوي لتغريدات كل من السفراء الـ 15 المنشورة بين أول كانون الثاني 2022 ونهاية نيسان 2022 أي على مدى أربعة أشهر، وقد بلغ عددها 1351 تغريدة. تم تحليل كل من هذه التغريدات وفق جدول تضمّن 20 خانة ذات معلومات وصفية وتحليلية (مهمّة تولّتها زينب عبد الله). تضمّن الشقّ الوصفي معلومات حول مصدر التغريدة/ تغريدة أم إعادة تغريد/ مضمونها/ تاريخها/ المادة المرفقة بها/ لغتها/ عدد الإعجابات وإعادة التغريد والتعليقات وردود السفراء. وتضمّن الشق التحليلي موضوع التغريدة/ الهدف منها/تصنيف التعليقات/احتساب قوة التفاعل مع التغريدة وفق معادلة رياضية. في المرحلة الثالثة تم التحقّق من الداتا وضبطها وترميزها ثم إدخالها في التطبيق الإحصائي SPSS لاستخراج جداول تحليلية تربط بين المتغيّرات المحدّدة في الدراسة (مهمّة تولّتها نرجس عبد الله).
مراجعة الأدبيات:
اهتمّت الدراسات مع بدء الانتشار الواسع لوسائل التواصل في نهاية العقد الأول من القرن 21 بمحاولة فحص كيفية اندماج الدبلوماسية بالإنترنت وهنا كان التركيز على أداء المؤسسات الدبلوماسية أكثر من السفراء أنفسهم . توصّل ل. تام إلى أن الدبلوماسية الرقمية من خلال نشر الأرقام والتعبير عن المشاعر تنمّي الدبلوماسية التقليدية، وتاليًا تمكّن السفراء من التأثير على الجمهور وتثقيفه وبناء الجسور وتعزيز النيّة الطيبة في البلد المضيف . وتزايدت في السنوات الأخيرة الأبحاث حول أنماط تغريدات السفراء على منصّة تويتر لا سيّما بعد وباء كورونا والقيود التي فُرضت على الأنشطة الحيّة بحيث ارتفع منسوب الاتصال والتفاعل عبر الإنترنت في كافّة المجالات بما فيها الدبلوماسية. اجتذبت مِنصّة تويتر الاهتمام الأكبر في دراسات الدبلوماسية الرقمية وذلك بفضل مزاياها للتفاعل والتواصل السياسي وبث الأخبار والمعلومات وكذلك لكونها تتيح جمع داتا التغريدات وتحليلها بسهولة نسبية بالمقارنة مع باقي المنصّات .
اهتمّت الدراسات بالوصول إلى معايير لبناء فئات لتصنيف السلوك الرقمي ودراسة فاعلية كل فئة. اعتمد عمران بلاش على تصنيف "كول" للدبلوماسية العامة وفق خمس فئات وطبقّها على الدبلوماسية الرقمية وهي الاستماع والمناصرة والدبلوماسية العامة والتبادل الدبلوماسي والبث العالمي. فيما ركّزت "نادين ستروب" وزملاؤها على التعرّف إلى سِتّ إستراتيجيات للدبلوماسية الرقمية هي: الاتصال التفاعلي، الاتصال المشخصن personalized، استخدام المشاعر، المعلومات ذات الصلة، الاتصال الشفاف، إنشاء الشبكات . ساهمت هذه التصنيفات في استخراج فئات لفرز التغريدات ودراسة فاعلية كل فئة وأثرها على مستوى التفاعل.
ميّزت الدراسات بين استخدام السفارات أو وزارات الخارجية لوسائل التواصل وبين استخدام السفراء لها. مثلًا أظهرت دراسة أن السفارات الغربية لم تستخدم وسائل التواصل بفعالية من أجل الدبلوماسية وأنها نادرًا ما انخرطت في تواصل تفاعلي مباشر . وفحصت دراسة أخرى الأداء الرقمي لـ 8 سفارات أميركية على تويتر وأظهرت وجود تباين كبير في عدد التغريدات وكذلك في نسبة استخدامها للغة الإنكليزية وفي مصادر المعلومات التي تتضمّنها التغريدات . وأنجز عمران بلاش أطروحة في جامعة أوكلاهوما حول الدبلوماسية العامة ووسائل التواصل وعالجها من خلال تحليل مضمون حسابات تويتر ل 168 سفارة أجنبية في الولايات المتحدة الأميركية. وقد ركّز بلاش على دراسة تأثير مضمون التغريدات على جذب التفاعل الإيجابي من الجمهور . بينما حلّلت دراسة أخرى تغريدات السفارات الأجنبية في الرياض وتوصلت إلى أن القضايا السياسية جاءت في المرتبة الأولى وجاء هدف الإخبار ونقل المعلومات ثانيًا، وفي الختام أوصت بإجراء مزيد من البحوث والدراسات في هذا المجال نظرًا لشحّ الدراسات العربية .
وفضّلت دراسات أخرى التركيز على دراسات حسابات السفراء. وخلصت معظم الدراسات إلى أن حضور السفراء على منصّات التواصل ينعكس في تعزيز الوصول الرقمي لسفارات بلدانهم، وهو ما أكدته دراسة شملت 33 سفارة في لندن و30 سفارة في واشنطن . ودرست نرمين عجوة تغريدات السفير البريطاني في مصر واستخلصت وفق نموذج المترجم الثقافي إجادة استغلال السفير للثقافة المحلّية المصرية حيث احتوت تغريداته عناصر أساسية للثقافة المصرية تمثلت في استخدام اللغة العربية وخاصة اللهجة العامية المصرية واستخدام الرموز الثقافية المألوفة، واستخدام الأسلوب الفكاهي الذي يتمتّع به المصريون، وممارسة طقوس المصريين وعاداتهم في المناسبات المختلفة، واهتمامه بالأبطال المصريين المشهورين في المجالات المختلفة وخاصة الرياضة والفن.
من ناحية السفراء تركّز الاهتمام على دراسة أنماط التغريد وموضوعاته وفحص قدرتها على جذب التفاعل. مثلًا، تبيّن أن موضوعات التغريد لدى السفير الألماني في باكستان خلال سنتين، بعد إجراء تحليل للنصوص، شملت قضايا: الديمقراطية، السياسة والقانون، المجتمع والثقافة (الموضوع الرئيسي لديه)، الصراع والعنف، الشخصية، البيئة والصحة، التنمية الاجتماعية والاقتصادية، الحياة الشخصية، شؤون السفارة. هذه الموضوعات الثمانية تفرّع منها 29 موضوعًا فرعيًا . وفيما ركزت معظم الدراسات على تفاعل السفراء رقميًا مع الجمهور فحص بعضها هذا التفاعل بين الدبلوماسيين أنفسهم. فقد فحصت دراسة صادرة عن تشاثام هاوس كيف يمكن استخدام تويتر للتواصل بين الدول من خلال دبلوماسييها لا سيّما متى يكون التواصل المباشر متعذّرًا وذلك من خلال دراسة سلوك المسؤولين الإيرانيين بين 2013 و 2015 فيما يتعلّق بالتفاوض النووي .
في السنوات الأخيرة برز اهتمام بفحص استخدام السفراء الصينيين لتويتر وذلك بسبب تصاعد التنافس الغربي الصيني واحتدام المنافسة على استقطاب الرأي العالمي. وهذا ما تجسّد بموجة إقبال من الدبلوماسيين الصينيين منذ 2019 على منصّة تويتر ومحاولة الحدّ من وصولهم إلى الجمهور العالمي بزعم أنهم يمارسون حملات معلومات مضلّلة. حلّلت إحدى الدراسات تغريدات 11 سفيرًا صينيًا عام 2021 وتوصّلت إلى أنهم يستخدمون حساباتهم لممارسة نوع من الدبلوماسية في الوقت الحقيقي (عرض مواقفهم في اجتماعات حصلت للتوّ)، والتعليق على أحداث حول العالم، وتعزيز الشفافية المتخيّلة للدبلوماسية (عرض وثائق وتقارير) . وأفضت دراسة أخرى أجريت عن النشاط الرقمي للدبلوماسيين الصينيين في بريطانيا على مدة ثمانية أشهر إلى الكشف عن وجود 62 حسابًا مزيّفًا هدفها الترويج للنشاط الرقمي للدبلوماسيين وكانت مسؤولة عن نصف التفاعل مع نشاط الدبلوماسيين الرقمي وقد أدّت الدراسة إلى إبلاغ تويتر عن 29 حسابًا لإغلاقها .
ركّز عدد آخر من الدراسات على محاولة استخلاص أفضل الممارسات في التغريد الدبلوماسي لاجتذاب للتفاعل. وقد وجدت دراسة أن تضمين التغريدة إحالات وذكرًا لأشخاص (تاغ) يعملون خارج وزارة الخارجية يدلّ على استخدام تويتر لبناء علاقات إيجابية مع مواطنين ومنظمات خارج وزارة الخارجية لتعزيز أهداف الوزارة . وتوصلت دراسة أخرى لنموذج من 3 عوامل مفتاحية للدبلوماسية الرقمية (منها التغريد على تويتر) ترفع مستوى التفاعل والتأثير: الموقف الإيجابي، الإفصاح عن الذات، فضول الاستطلاع . بينما توصّلت دراسة أخرى إلى أن المشاركة عبر وسائل التواصل (التغريد وإعادة التغريد والإعجاب والردّ) كانت مثمرة في كسب الثقة ورعاية العلاقات مع الدبلوماسيين الأجانب والجمهور المحلّي .
يمكن الاستخلاص أن الدراسات في مجال تغريد السفراء بحاجة لسدّ عدة فجوات منها دراسة الاتصال الأفقي بين سفراء الدول على منصّات التواصل وليس بين السفراء والجمهور فقط؛ والاهتمام بكيفية مشاركة السفراء في الدبلوماسية العامة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي في دول الجنوب، وهي مسألة ما تزال قليلة الحضور ؛ دراسة مقارنة لعدد من سفراء دول مختلفة حول أنماط التغريد وكيفية تأثيرها في اجتذاب التفاعل وبناء مجتمع رقمي يتولّى "تكبير" رسائل دولهم في المجال الافتراضي، وذلك لكون معظم الدراسات مخصّصة لسفير محدد أو لسفراء من دولة واحدة.
تضمّ هذه الدراسة أربعة أقسام، يتناول القسم الأول كيف تطوّر دمج الدبلوماسية العامة في المجال الرقمي وولادة "الدبلوماسية الرقمية" وتأثير ذلك على نشاط السفراء على منصّة تويتر. أما القسم الثاني فيستعرض عملية جمع الداتا لـ 15 سفيرًا في لبنان من خلال تغريداتهم على منصة توتير للأشهر الأربعة الأولى من عام 2022، ويفرز هذه الداتا وفق خصائص حسابات السفراء وطبيعة التغريدات واللغة والمواد المرفقة ومعطيات كمّية حول التفاعل مع مجمل التغريدات. أما القسم الثالث فيكشف أبرز القضايا التي شملتها التغريدات والمجالات والغايات التي ارتبطت بالتغريدات لكل سفير. وفي القسم الرابع يجري قياس التفاعل مع التغريدات ربطًا بمتغيّرات التعليقات والمجالات والأهداف من خلال المقارنة بين تغريدات كل سفير على حِدَة والمقارنة بين تغريدات السفراء فيما بينهم. وتخلص الدراسة إلى التمييز بين نمطين من التغريد، تغريد تدخّلي وتغريد تشاركي، يميل السفراء الغربيون نحو النمط الأول، والسفراء الشرقيون نحو النمط الثاني.