قرار الحكومة بحصر حيازة السلاح بيد الدولة وحدها، نقاش في الميثاقية والشرعية / أيلول 2025

عقد المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق ندوة قانونية تحت عنوان "قرار الحكومة بحصر حيازة السلاح بيد الدولة وحدها – نقاش في الميثاقية والشرعية"، وذلك يوم الخميس الواقع في 11/9/2025، شارك فيها نخبة من المحامين وأساتذة القانون بحضور جمع من المهتمين بالشأن القانوني والشأن العام.


افتتح رئيس المركز الاستشاري الدكتور عبد الحليم فضل الله الندوة مرحبًا بالحضور، قائلاً" إن كل كلمة في هذا العنوان مقصودة ولها دلالات ومعنى، مشيرًا إلى أنّنا لا نريد الدخول بجدال وسجال سياسي في هذه الندوة لكننا نناقش مسألة شديدة الأهمية القانونية لاتصالها بشأننا السياسي وبوضعنا الراهن وبمصيرنا البعيد والقريب، ولأنها تفتح باب النقاش على طبيعة نضالنا السياسي.
كما أضاف هل يجب أن يحصر السلاح بيد الدولة؟ الجواب البديهي نعم، لكنه في لبنان غير بديهي لأسباب عديدة أولها أنّ بديهية الجواب ترتبط ببديهية النظام السياسي، فهل نحن في دولة عادية؟ فنظامنا السياسي قائم على التوافقية وهي استثناء على القاعدة في الأنظمة السياسية.
وأشار إلى أهمية مبدأ المساواة بين اللبنانيين، مشدّدًا على أهمية الحفاظ على الاستقرار، متسائلًا أين السياسات العامة والسياسة الخارجية ملاحظًا أنّنا لا نملك سياسة خارجية، متطرّقًا إلى بعض المفاهيم التي جرى تداولها كالحياد والتضامن العربي والنأي بالنفس واللقاء بين الشرق والغرب...
وانتقد المزاعم القائلة أنّ سحب السلاح يوفّر الاستقرار، فالاستقرار يفرض الإمساك بالسيادة ومنها السيادة الاقتصادية والاجتماعية. ورأى أنّ النقاش في مشروعية قرار الحكومة هو دفاع عن العقد السياسي والعقد الاجتماعي ودفاع عن الدستور وعن سيطرة الدولة على سيادتها وهو دفاع عن المؤسّسات.


ثمّ تحدّث مدير الندوة الدكتور حسين العزّي طارحاً إشكالية الندوة متسائلاً " كيف يمكن لقرار الحكومة حصرية السلاح بيدها أن يحافظ على شرعيته وهو يناقض مبدأ العيش المشترك، ويتنكّر للحقّ الطبيعي في الدفاع عن النفس أمام عدو لا يزال يحتل أرضنا وينتهك سيادتنا"؟
وشدّد على وجوب تفسير بنود ميثاق الطائف وفقًا لسياق ورودها، مميّزًا بين النص على مبدأ بسط سلطة الدولة على أراضيها وبين مبدأ مقاومة الاحتلال وتحرير الجنوب.
وتساءل عن مدى صمود الشرعية التي يستند إليها القرار بمواجهة المشروعية التي اكتسبتها المقاومة بفعل ضرورات التحرير والردع في ظلّ عجز الدولة التاريخي عن القيام بواجبها في حماية لبنان، وسمو حق الدفاع عن النفس في القوانين الوطنية والدولية. وأشار إلى عدم توافق قرار الحكومة مع مبدأ الميثاقية المعتمد في مقدمة الدستور الذي ينص على أن لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك، ولا سيّما إذا كان يستهدف مكوّنًا أساسيًا من مكوّنات النسيج الوطني بما يهدّد السلم الأهلي. 
من جهته قدّم الدكتور محمد طي ورقة المركز القانونية، التي ارتكزت على أبعاد متعددة منها مخالفة قرار الحكومة للحق المقدس في "الحق في الحياة" الذي يأتي في طليعة حقوق الإنسان التي تحميها الشرائع الدولية والوطنية، مشدّدًا على أن  الحق في المقاومة هو تعبير عن الحق في الحياة ولا حقّ يعلو عليه، وأنّ حماية هذا الحق والدفاع عن النفس هما من البديهيات الأساسية في الحياة.
واستعرض الاعتداءات الصهيونية وحروبها على لبنان، مشيرًا إلى أنّ فشل الدولة في الدفاع عن الأرض والشعب أمر حتّم نشوء حركة المقاومة للتصدّي للعدو والدفاع عن النفس، استناداً للحق في تقرير المصير وهو من المبادئ الآمرة في القانون الدولي العمومي.


كما أعتبر د. طيّ أنّ شرعية سلاح المقاومة ومشروعيته تتأتّى من وظيفته التي تمثّلت وتتمثّل بالدفاع عن النفس والمال والكرامة والسيادة، مستعرضًا نصوص القانون الدولي والمواثيق والقرارات الدولية المؤيدة لحركات المقاومة ووسائل مواجهتها للاحتلال ومنها السلاح المقاوم.
وقد استند د. طي في تأكيده لعدم ميثاقية قرار الحكومة إلى ما ورد في اتفاق الطائف  من بنود ووفقاً لتسلسلها، حيث تضمن البند الثاني موضوع حلّ الميليشيات في لبنان، في حين خُصص البند ثالثاً إلى الحق في المقاومة التي أشاد بها البيان الختامي للجنة الثلاثية التي رعت اتفاق الطائف، ليقول إنّ المقصود بالميليشيات تلك التنظيمات التي كانت تقتتل في الداخل وهي تقاتل الجيش اللبناني في حين أنّ المقاومة وردت ضمن إطار "اتّخاذ كافّة الإجراءات اللازمة لتحرير جميع الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي" ومن البديهي أن تكون المقاومة في طليعة هذه الإجراءات.
ورأى أنّ قرار الحكومة يجعل لبنان مكشوفًا قانونًا وواقعًا أمام قوّات العدو؛ قانونًا بجعل هذا السلاح خارجًا على الشرعيّة، وتسهيل الانقضاض عليه؛ وواقعًا بنزع الوسيلة التي يمكن أن يواجه بها لبنان العدو عندما يريد مهاجمته. وهو يتجاهل دفاع المقاومة الإسلاميّة عن البلاد منذ 1982، والمقـاومات السابقة منذ الستينيّات، التي أدى كفاحها جميعًا وما قدّمته من تضحيات وشـهداء، إلى تحرير لبنان من الاحتـلال.
وبعد أن تناول مفاهيم الشرعية: الوطنية والميثاقية والدستورية والقانونية والأخلاقية والشرعية معتبراً أن قرار الحكومة بحصر السلاح جاء فاقداً لجميع تلك الشرعيات، كما انتقد فشل الدولة الاستراتيجي بالدفاع عن البلاد أمام الاعتداءات والأخطار الإسرائيلية، مشدّدًا على أنّ قرار الحكومة سيحوّل لبنان إلى دولة يتحكم بها العدو وستكون أمام لا شرعية استراتيجية.


وكان  وزير الخارجية الأسبق عدنان منصور أول المعقبين على ورقة المركز، مؤكداً أن قرار الحكومة يعرّض لبنان لمزيد من الاعتداءات الإسرائيلية، ومشدّدًا على أنّ المقاومة حقّ كفلته الشرائع والقوانين الدولية، وأنّ اتفاق الطائف اعتمد على المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، فالفقرة (ج) من البند الثالث في هذا الاتفاق نصّت على اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحرير الأرض من الاحتلال الإسرائيلي وهذا ما قامت به المقاومة ضد الاحتلال.
ورأى أنّ قرار الحكومة يطال بالصميم حق اللبنانيين بالدفاع عن أنفسهم وعن وطنهم وأرضهم ويصادر حقهم في المقاومة الذي أقرته القوانين اللبنانية والأممية، مشيرًا إلى أنّ الدولة تعلم أنّ المقاومة حقّ مشروع، وأنّ للعدو أطماعًا قديمة في لبنان وأرضه ومياهه. مؤكّدًا أنّ ذلك القرار يتجاهل الدستور والقانون ولا يعبّر عن مصلحة الشعب، ولا يحمي اللبنانيين ولا يحصّن العيش المشترك بينهم.
وتساءل عمّن سيحمي لبنان مستقبلًا ويقف في وجه الاحتلال وإحباط مشاريع إسرائيل التوسعية في لبنان التي تجاهر بها علنًا؟ ورأى أنّ القرار يتنافى مع القوانين ويتصادم مع شريحة كبيرة من اللبنانيين وحقها بالدفاع عن النفس ومقاومة الاحتلال ويتعارض مع مقدمة الدستور التي تنص على الميثاقية في العيش المشترك. واعتبر أنّه كان على الحكومة أن تقف وقفتها للدفاع عن حقها في تحرير الأرض ومقاومة العدوان. وأن تستند إلى المواثيق الأممية في وجه المبعوثين الذين يملون قراراتهم وإملاءاتهم وشروطهم عليها، لافتًا إلى أنّ الحكومة آثرت أن تلبي مطالب واشنطن التي تصرّ على تجريد لبنان من سلاح مقاومته، وارتضت أن تتجاهل قاعدة شعبية عريضة مقاومة للاحتلال، وإن أدّى ذلك إلى انفجار داخلي يطيح بلبنان وبوحدة أراضيه والعيش المشترك.  


أمّا المحامي عمر زين، فأشار إلى أنّ القرار أتى في وقت يقوم العدو بتسليح مستوطنيه، وفي ظلّ تهديدات الحكومة الإسرائيلية ورئيسها للبنان ورفعها لواء خريطة الشرق الأوسط الجديد التي تتضمّن "خريطة إسرائيل الكبرى".
وبعد أن استعرض مخالفة الصهاينة لمبادئ حقوق الإنسان والشعوب من خلال اعتداءاتهم الخطيرة على الأمن يريدون من جيشنا الوطني أن يقوم بدور الشرطي البلدي لكيانهم. 
ودعا الدولة إلى القيام بخطوات تمكّننا من الدفاع عن بلادنا ومنها: تفعيل قانون التجنيد الإجباري، وتقديم شكاوى يومية إل مجلس الأمن، وعدم الاكتفاء ببيانات الشجب والاستنكار، وتسليح الجيش من مصادر لا تشترط علينا التنازل عن سيادتنا، والحفاظ على فكر المقاومة بكل أطيافه (إسلامية وغيرها) لتكون إلى جانب الجيش لحماية لبنان، والعمل كما دعا الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي إلى دعم الموقف اللبناني والقيام بإلغاء كلّ المعاهدات والاتفاقيات التي عقدتها مع "إسرائيل". وشدّد على وجوب عدم الخوض بمسألة نزع السلاح وحصره إلّا بعد انسحاب العدو الصهيوني من كافّة الأراضي اللبنانية.


ثمّ تحدّث الدكتور عادل يمّين فأشار إلى أنّ موافقة لبنان على المعاهدات الدولية واعتمادها في منظومته القانونية تجعل لبنان ملزمًا بالعمل بها، ومنها قرارات الأمم المتحدة والشرائع الدولية، مؤكّدًا أنّ منع اللبنانيين من ممارسة حقّهم بالمقاومة يناقض الدستور والميثاق، وأنّ المبرّر الوحيد لوقف عمل المقاومة هو زوال أسباب وجودها أي زوال الاحتلال.
وتوقّف عند الورقة الأميركية التي أصدرت الحكومة قرارها وفقًا لها، ليشير إلى أنّه بحال اعتبرت نفسها بحلّ منها في ظلّ عدم موافقة "إسرائيل" وسوريا عليها، يكون الأمر مبتوتًا، وإلّا فإنّ الحكومة تكون قد وقعت في الخطأ.
وبعد أن عدّد الحالات التي تعتبر فيها الحكومة فاقدة للشرعية، أكّد أهمية أن يقوم رئيس الجمهورية بالدعوة إلى طاولة حوار وطني لحلّ القضايا الخلافية بين اللبنانيين، وأن يكون خطابه في عيد الجيش جزءًا من أعمال طاولة الحوار.


أمّا الدكتورة لونا فرحات فتناولت تفسير بنود الميثاق وميّزت بين الميليشيات والمقاومة، وتساءلت عن مدى تأثير القرار على اللبنانيين، وما إذا كان القرار سياديًا أم أنّه أتى استجابة لتدخلات أجنبية، الأمر الذي يثير السؤال عن مدى تمتّع الحكومة بالشرعية.
ورأت وجوب الموازنة بين مبدأ الميثاقية والحق بالدفاع عن النفس والأمة، إذ يجب الحفاظ على المبدأين في القرارات، مشيرة إلى أنّ قرار سحب السلاح هو قرار سياسي وجاء متعارضًا مع سيادة الدولة على قراراتها، لأنّه لا يحمي السيادة والميثاقية والعيش المشترك.
وتطرّقت إلى معاهدة جنيف الرابعة والبروتوكول الأول الإضافي اللذين جعلا حاملي السلاح للدفاع عن أرضهم وأنفسهم مشمولين في الحماية، لتتساءل عمّا إذا تمّ سحب السلاح وعمد العدو إلى التقدّم في الأراضي اللبنانية وقام المدنيون بحمل السلاح لردعه فكيف ستتعامل الحكومة معهم.


وتوقّف الدكتور سليم حداد عند مزاعم العدو من أنّ اعتداءاته تقع تحت عنوان الدفاع عن النفس، مشيرًا إلى أنّ هذا الزعم يتناقض مع شروط حالة الدفاع عن النفس وفي طليعتها أن يكون الدفاع أمام خطر محدق وبالوسائل المتناسبة، وبيّن ما ذهبت إليه محكمة نورمبرغ وتأكيدها أنّ العمل الوقائي في أراضي الغير يكون مبرّرًا فقط إذا كان الدفاع عن النفس حالة ملحة لمواجهة خطر محدق لا يترك فرصة لاختبار الوسائل ولا وقتًا للتشاور. وشدّد على أنّ ما تقوم به "إسرائيل" ليس من الدفاع عن النفس بشيء وإنّما هو اعتداءات مستمرة ومتواصلة ويجب التصدّي لها.
ورأى أنّ قرار الحكومة جاء استنادًا إلى الورقة الأميركية أي بناءً على قرار خارجي وهو ما يتنافى مع السيادة والاستقلال، مستعرضًا التهديدات الأميركية والإسرائيلية التي ترافقت مع صدور قرار الحكومة، ليخلص إلى القول إنّ ما بُنِيَ على باطل فهو باطل، داعيًا بعض المسؤولين إلى التنصّل من الوصاية الأميركية الأوروبية لنتمكن من التفاهم على مستقبل لبنان.

أخيرًا تحدّث الدكتور جاد طعمة فتناول موضوع الميثاقية ومدى انطباق قرار الحكومة على أحكامها، مشيرًا إلى الضوابط الرفيعة التي تعمل المقاومة وفقها في جهادها ضد العدو مكرسة في التعاليم الاسلامية والمسيحية، ولا سبيل للنجاة من المخطط الصهيو- امريكي إلا بالمقاومة مهما غلت التضحيات.


بعد انتهاء كلمات المحاضرين كان النائب الشيخ حسن عزّ الدين أول المناقشين مؤكداً على أنّ الهدف من اتفاق الطائف كان وقف الحرب الأهلية وإعادة روح الوفاق بين اللبنانيين.
ولفت إلى أنّ وثيقة الوفاق الوطني تضمّنت مجموعة من الإصلاحات، ونرى أنّ الحكومة تتجاهلها كلّها ولا تركّز إلّا على سلاح المقاومة.
وأشار إلى أن موضوع حلّ الميليشيات اعتمدته أول حكومة تشكّلت بعد اتفاق الطائف، أمّا المقاومة فأمرها مرتبط بوجود الاحتلال واعتداءاته على لبنان، وأنّ المقاومة هي التي أخرجت المحتل من معظم أراضينا المحتلة. 


ورأى الدكتور سامر عبد الله أن أحدًا لا يمكنه تجاهل الحق بالمقاومة، مشيرًا إلى وجوب عدم إغفال اتفاق الدوحة في النقاش حول الحيثية المتعلقة ببسط سلطة الدولة، معتبراً أنّ قرار الحكومة مخالف للقرار 1701 في ما خصّ المنطقة التي يشملها، خصوصًا أنّ هذا القرار بُنِيَ على اتفاق الهدنة، ورأى أنّ الغاية من قرار حصر السلاح ليست سحبه وإنّما إتلافه حتى يفقد لبنان أيّ قوّة تمكّنه من الدفاع عن نفسه. 


وقد تقدّم بعض الحضور بمداخلات موجزة، لا داعي لذكرها لأنها لم تتضمن أي جديد عما أورده المحاضرون.

وفي الختام توجه مدير الندوة بالشكر لكل من المحاضرين والحضور.

تحميل الملف
المقال السابق
قرار الحكومة بحصر حيازة السلاح بيد الدولة وحدها، نقاش في الميثاقية والشرعية
المقال التالي
قدرة الدبلوماسية وحدهاعلى ردع العدوان؟ - آب 2025

مواضيع ذات صلة: