مقالات: افتقار الأكثرية النيابية إلى تمثيل أكثرية الناخبين والمقترعين

مقالات: افتقار الأكثرية النيابية إلى تمثيل أكثرية الناخبين والمقترعين

إصدار 2009-06-16

بحسب النتائج الرسمية للانتخابات النيابية التي جرت في 7 حزيران 2009، والمعلنة من قبل وزارة الداخلية، فان الموالاة حصلت على 71 نائب، مقابل حصول المعارضة على 57 نائب، وإذا كان مجموع عدد أعضاء مجلس النواب هو 128، فتكون الموالاة قد حصلت على الأكثرية النيابية.
إلا أنه إزاء هذا الوضع، يمكن أن يطرح السؤال المشروع التالي: هل تمثل الأكثرية النيابية الناتجة عن الانتخابات، فعلاً أكثرية الناخبين أو المقترعين؟ أم أن هذه الأكثرية الأخيرة موجودة في مكان آخر؟
وقبل التحقق من هذه المسالة، يقتضي إلقاء الضوء على مسالة الأساس الدستوري والقانوني للعملية الانتخابية، وذلك نظراً للترابط والتلازم القائم بين هاتين المسألتين.
أولاً: الأساس الدستوري والتشريعي للانتخابات النيابية
تشكل المادة 24 من الدستور (تعديل 1990) الأساس الدستوري للعملية الانتخابية التي جرت في 7 حزيران 2009، حيث ورد فيها ما يأتي:
"يتألف مجلس النواب من نواب منتخبين يكون عددهم وكيفية انتخابهم وفاقاً لقوانين الانتخاب المرعية الإجراء، والى أنه يضع مجلس النواب قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، توزع المقاعد النيابية، وفقاً للقواعد التالية:
أ‌-    بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين
ب‌-    نسبياً بين طوائف كل من الفئتين
ج‌-    نسبياً بين المناطق
إن الأمر اللافت والغريب في هذه المادة، أن المشرع الدستوري لم يشر، بصورة مباشرة، إلى كلمة "مواطن"، بل اقتصرت إشارته على الطوائف والمذاهب والمناطق فقط.
إن القانون رقم 250/ 2008 وتعديلاته، الذي صدر تطبيقاً للقواعد الواردة في المادة 24 من الدستور، يشكل بدوره الأساس التشريعي للعملية الانتخابية.
ويتبين من الرجوع إليه، أن عدد النواب هو 128، مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، ويتوزع النواب المسيحيون على الشكل التالي: 35 للموارنة، 15 للأرثوذكس، 8 للكاثوليك، 6 أرمن وواحد للأقليات ويتوزع النواب المسلمون بدورهم وفقاً لما يلي: 27 للسنة، 27 للشيعة، 8 للدروز ونائبان للعلويين.
وبحسب الجداول المرفقة بقانون الانتخاب، فانه تم توزيع النواب على مختلف المحافظات والدوائر الانتخابية وفقاً لما يأتي:
1-    محافظة بيروت 19 نائب: 5 للدائرة الأولى، 4 للدائرة الثانية، و10 نواب للدائرة الثالثة.
2-    محافظة جبل للبنان 35 نائب: 3 لدائرة جبيل، 5 لكسروان، 8 للمتن، 6 بعبدا، 5 لعاليه و8 نواب لدائرة الشوف.
3-    محافظة الشمال 28 نائب: 8 لدائرة طرابلس، 3 للمنية- الضنية، 7 لعكار، 3 لزغرتا، نائبان للبترون، نائبان لبشري و3 نواب لدائرة الكورة.
4-    محافظة البقاع 23 نائب: 10 لدائرة بعلبك الهرمل، 7 لزحلة، و6 نواب لدائرة البقاع الغربي وراشيا.
5-    محافظة الجنوب 12 نائب: نائبان لدائرة صيدا، 3 لقرى صيدا، 3 لجزين و 4 نواب لدائرة صور.
6-    محافظة النبطية 11 نائب: 3 نواب لدائرة النبطية، 3 لبنت جبيل، و 5 نواب لدائرة مرجعيون وحاصبيا.
وتجدر الإشارة بهذا الشأن، أنه بعد انقضاء ما يناهز 50 سنة، عاد المشرع، واعتمد ذات الدوائر الانتخابية (القضاء) التي كانت معتمدة في قانون الانتخاب الصادر عام 1960.
وبشأن مسالة توزيع النواب على الناخبين والدوائر الانتخابية، فان القاعدة المعتمدة في الأنظمة الديمقراطية البرلمانية، تقوم على أساس تخصيص نائب واحد لكل مجموعة من الناخبين بحيث تكون هذه المجموعة هي ذاتها تقريباً في مختلف الدوائر الانتخابية.
وفي لبنان، بلغ عدد الناخبين، حسب وزارة الداخلية حوالي ثلاثة ملايين مليون و160 ألف ناخب، موزعين على 128 نائب، بحيث ينبغي أن يكون لكل 24.07 ألف ناخب، نائب واحد يمثلهم في البرلمان.
إلا أنه، فعلياً، يتبين من خلال الاطلاع على أرقام الناخبين المسجلين في كل دائرة انتخابية؟، وعدد النواب المحدد لها، أنه تم تخصيص نائب واحد لكل مجموعة من الناخبين، في كل دائرة انتخابية على حدة.
وان المجموعة المعتمدة في دائرة معينة هي مختلفة عن المجموعة المعتمدة في دائرة أخرى، كما يتبين أيضاً، أنه من أصل 26 دائرة انتخابية، يوجد 20 "مجموعة من الناخبين"، مختلفة كل واحدة منها عن الأخرى. وهذا الوضع يتعارض مع القاعدة المعتمدة في الأنظمة الديمقراطية البرلمانية.
والمثال الأبرز على ذلك، هو أنه، خصص، من كل من دوائر كسروان، وجزين وبيروت الأولى، لكل 18 ألف ناخب، نائب واحد في حين أنه في دوائر جبيل- بعلبك الهرمل- بعبدا والدائرتين الثانية والثالثة في بيروت، خصص لكل 25 ألف ناخب، نائب واحد.
وأخيراً، خصص لكل 40 ألف ناخب في كل من دوائر صور النبطية وبنت جبيل، نائب واحد.
وإذا ما أخذنا، كمعيار، الناخب في كل من صور- النبطية وبنت جبيل، وأجرينا مقارنة بينه وبقية الناخبين، من حيث "حجم التمثيل الانتخابي"، لتبين لنا، أن الناخب في كسروان- جزين أو الدائرة الأولى في بيروت، يعادل ناخبين في النبطية وأكثر. أما الناخب في طرابلس- زغرتا- زحلة- الشوف- بعلبك الهرمل- جبيل- وبعبدا، يعادل أكثر من ناخب في صور ونصف، كما أن الناخب في بشري وصيدا يعادل ناخب في النبطية ونصف.
وأخيراً، أن الناخب في البترون يعادل ناخب في النبطية وثلث، أما الناخب في قرى صيدا والمنية- الضنية وعكار يعادل ناخب في بنت جبيل وخمس.
نستخلص بوضوح، مما تقدم، أن هناك تفاوتاً وتمايزاً بين الناخبين اللبنانيين، من حيث "حجم تمثيلهم النيابي"، وهذا الأمر يشكل إخلالاً فادحاً وفاضحاً لمبدأ المساواة بين المواطنين المنصوص عنه في مقدمة الدستور والمكرس في المادة 7 منه، ولقواعد النظام الديمقراطي البرلماني، وهذا الإخلال لا يقتصر على الناخبين التابعين لمحافظات مختلفة، إنما يشمل أيضاً الناخبين التابعين لذات المحافظة والموزعين على دوائرها الانتخابية.
والمثال على ذلك، أن الناخب في دائرة جزين أو دائرة صيدا يتميز عن الناخب في دائرة صور أو النبطية. وكذلك الأمر بالنسبة للناخب في طرابلس، حيث يتميز عن الناخب في عكار أو المنية- الضنية. وأخيراً يتميز الناخب في زحلة أو البقاع الغربي، عن الناخب في بعلبك- الهرمل.
إن هذا الواضع الشاذ من شانه أنه يؤدي إلى إلحاق الظلم والغبن بفئة من الناخبين اللبنانيين بدون أي سبب مشروع.
ثانياً: لمن صوتت أكثرية المقترعين والمنتخبين
من المسلم به، في الأنظمة الديمقراطية البرلمانية، أن اللقاء أو الحزب أو التجمع الذي يفوز بأكثرية المقاعد النيابية، هو الذي يمثل أكثرية المقترعين أو الناخبين. وإذ كان الأمر خلاف ذلك لما أمكنه الحصول على الأكثرية النيابية.
وإن أكثرية المقترعين أو الناخبين التي تمثلها الأكثرية النيابية، قد تزيد أو تنخفض بعد الانتخابات حسب أداء السلطة المنبثقة عن هذه الأكثرية النيابية. إلا أنه يبقى، في جميع الحالات، أن الأكثرية النيابية، تمثل، عند إعلان النتائج أكثرية المقترعين أو الناخبين، وهذا أمر ثابت وأكيد ولا مجال للمناقشة به على الإطلاق.
وفي لبنان، حصلت قوى 14 آذار (الموالاة)، بنتيجة الانتخابات، على الأكثرية النيابية، الأمر الذي يعني، وفقاً لما تقدم، أنها تمثل أكثرية الناخبين والمقترعين، إنما السؤال الذي يطرح، هل أن هذه القوى، حصلت، فعلياً على أكثرية أصوات الناخبين أو المقترعين، حتى يصح القول أنها تمثل هذه الأكثرية؟
في ما يتعلق بالناخبين، فان عددهم بلغ، حسب وزارة الداخلية، ثلاثة ملايين وماية وستون ألف ناخب، في حين بلغ عدد المقترعين مليون وخمسماية وست وسبعون ألف، الأمر الذي يعني أن قوى 14 آذار لا تمثل لوحدها أكثرية الناخبين، كما أن الموالاة والمعارضة معاً يمثلان بالكاد نصف الناخبين، وان أي منهما لا يمكنه القول أنه يمثل أكثرية الناخبين
وفي ما يتعلق بالجهة التي تمثل أكثرية المقترعين، فانه يتبين من المعلومات التي وزعتها وزارة الداخلية والمنشورة في جريدة السفير تاريخ 9 حزيران 2009، أن الأصوات التي نالتها الموالاة هي التالية:
1-    55 ألف صوت في دوائر محافظتي الجنوب والنبطية
2-    226 ألف صوت في دوائر محافظة الشمال
3-    229 ألف صوت في دوائر جبل لبنان
4-    96 ألف صوت في دوائر البقاع
5-    97 ألف صوت في الدائرتين الأولى والثالثة- بيروت
ويكون مجموع ما نالته الموالاة من أصوات في جميع الدوائر الانتخابية (26)، حوالي 700 ألف صوت تقريباً.
أما المعارضة، فإنها نالت، ودوماً حسب جريدة السفير، الأصوات التالية:
1-    294 ألف صوت في دوائر محافظتي الجنوب والنبطية
2-    37 ألف صوت في دائرتي بيروت الأولى والثالثة.
3-    134 ألف صوت في دوائر محافظة الشمال
4-    194 ألف صوت في دوائر جبل لبنان
5-    174 ألف صوت في دوائر البقاع
فيكون مجموع ما نالته المعارضة من أصوات في مختلف الدوائر 26، حوالي 830 ألف صوت تقريباً.
وتقودنا الأصوات التي نالها كل من الفريقين، إلى التأكيد أن المعارضة تمثل نسبة 54% من المقترعين، في حين أن الموالاة لا تمثل سوى 46 % فقط.
واستناداً إلى هذه النسب، كان يتوجب منطقياً، وحسب ما هو معمول به، في الأنظمة الديمقراطية البرلمانية، أن تحصل المعارضة على 69 نائب مقابل 59 نائب للموالاة.
غير أن المعارضة في لبنان وبالرغم من حصولها على أكثرية المقترعين لم تحصل فعلياً سوى على 57 نائب، في حين أن الموالاة نالت 71 مقعداً بالرغم من كونها لا تمثل أكثرية المقترعين.
ويتبين، على صعيد "حجم التمثيل النيابي" المخصص لكل ناخب، أن هناك أكثر من 130 ألف ناخب، لم تؤخذ أصواتهم بعين الاعتبار وذهبت أصواتهم سدى ولا قيمة لها. الأمر الذي يشكل خلالاً فاضحاً لقواعد العدل والمساواة ولحقوق الإنسان السياسية.
وبصرف النظر عن صحة العملية الانتخابية، فان هذا الوضع يتعارض مع مبادئ النظام الديمقراطي البرلماني، التي تشترط، لكي تحكم الأكثرية النيابية، أن تمثل فعلاً، عند إعلان نتائج الانتخابات، أكثرية المقترعين، الأمر غير متوافر في حالة الأكثرية النيابية التي فازت في الانتخابات.
وأمام هذه الوقائع الصحيحة، نقول أن النتائج القانونية للانتخابات النيابية، تشكل "فضيحة" بالمفهوم الديمقراطي البرلماني القائم على ضرورة تمثيل الأكثرية النيابية لأكثرية المقترعين، عند إعلان نتائج الانتخاب.
وقد يسارع البعض إلى القول، أن قاعدة المناصفة هي السبب، إلا أننا من جهتنا نعتبر، أن العامل الأساسي والمهم هو قانون الانتخاب رقم 250/ 2008 الذي اعتمد ذات الدوائر الانتخابية التي كانت قائمة عام 1960، من جهة، والنظام الأكثري من جهة أخرى.
الخلاصة
1-    تفتقر الأكثرية النيابية إلى تمثيل أكثرية الناخبين والمقترعين.
2-    وإن لم تكن تمثل أكثرية الناخبين، إلا أن المعارضة تمثل أكثرية المقترعين، وبالرغم من ذلك فإنها لم تحصل على الأكثرية النيابية.
3-    إن نتائج المقترعين اللبنانيين، وما أفرزته قانوناً من أكثرية (للموالاة) وأقلية نيابية (للمعارضة)، تشكل وضعاً شاذاً، يتعارض مع القواعد المعتمدة في النظام الديمقراطي البرلماني من جهة، ومبدأ المساواة المكرس في الدستور من جهة أخرى.
4-    إن تقسيم لبنان إلى 26 دائرة انتخابية واعتماد النظام الأكثري يقفان وراء هذا الوضع الشاذ، وان المعالجة الصحيحة، قد تكون، عن طريق جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة واعتماد النظام النسبي، مع التقيد دوماً بقاعدة المناصفة.
وفي الختام، نؤكد أن هذه الدراسة لا تهدف إلى المس بقاعدة المناصفة التي تعتبر ملازمة للكيان اللبناني، إنما هدفت حصراً إلى تبيان مدى الظلم والإجحاف اللاحقين بفئة كبيرة من الناخبين اللبنانيين.

 مقالات: حافة التغيير

مقالات: حافة التغيير

قفز الشأن الاقتصادي إلى واجهة الصخب الانتخابي، والهدف على ما يبدو إحباط الخيارات البديلة عبر تعريض أصحابها لمساءلة استباقية رادعة. فجأة يدور النقاش حول فكرة واحدة: إن فوز المعارضة سيضع لبنان أمام متاعب ومخاطر لم يعهدها سابقاً. والفكرة تستحق النقاش لو أن قوى السلطة أحسنت صنعاً، أو أن سلالها ملآى بالغلال. بيد إن زرع المخاوف في هذه المرحلة الفاصلة يستبطن مديحاً لتجربة تستحق الإدانة، ليس لما تسببت به من أزمات، بل لأنها أدت خصوصاً إلى قيام اقتصاد غير واقعي يعمل وفق شروط استثنائية لا يمكن توفيرها دائماً.

 مقالات: التعاون والشراكة بين ضفتي المتوسط: رؤى وملاحظات

مقالات: التعاون والشراكة بين ضفتي المتوسط: رؤى وملاحظات

عرف العقدان الأخيران، انحرافات مشهودة في تحليل الوقائع العالمية، ويتبين ذلك على نحو خاص في رزمة المصطلحات والمفاهيم التي انتشرت بقوة، وتحولت بين ليلة وضحاها إلى أدوات نظريّة رائجة الاستخدام لوصف التطورات، ولأنها أدوات قاصرة ومنحازة فقد أدت إلى تغليب فكرة الصدام على فكرة التفاهم، وحرّضت على الحروب، وتسببت في نشر الفوضى والتمييز ونقص العدالة، فيما كانت وعود النظام الدولي الجديد؛ الرفاهية والسلام والمساواة.

 مقالات: المقاومة ومعضلة التنمية

مقالات: المقاومة ومعضلة التنمية

المقاومة في خطاب مناوئيها عقبة أمام التقدم والازدهار، وهي بحسبهم قوة طرد موروثة تعرقل مضي المنطقة في طريق الاستقرار والنمو والتنمية، فما أن تطوى صفحتها حتى يكتمل جسر العبور إلى الدولة وينعم المتعبون بسماء النظام الدولي الخلابة الصافية. هو منطق بسيط ولا يخلو من بداهة، لكنه لا يقرأ في كتاب قصص النجاح، فالدول النامية التي شقت طريقها نحو التصنيع لم تطرح على نفسها السؤال الخاطئ: ما هو حجم التنازلات السياسية المطلوب تقديمه حتى يتاح لنا تخطي عتبة التنمية، بل كان السؤال معاكساً: ما هو مستوى التقدم الممكن تحقيقه لتوطيد عناصر السيادة القومية التي تضمن ديمومة النمو والرفاهية.


 مقالات: مستقبل أسواق الصرف: الدولار مجدداً أم نظام مزدوج العملة

مقالات: مستقبل أسواق الصرف: الدولار مجدداً أم نظام مزدوج العملة

يكافح الدولار الأميركي للحفاظ على مكانته العالمية مدعوماً بأدوات اقتصادية وسياسية مختلفة، فالعملة الخضراء هي جزء لا يتجزأ من الأمن القومي الأميركي ولا تُترك ببساطة لعوامل العرض والطلب. وفي العادة تعكس الإجراءات التي تقوم بها البنوك المركزية الرئيسية في العالم موازين القوى على المسرح الدولي، وهي في بعض الحالات القناة المناسبة لنقل الأزمات من مكان إلى آخر. وهذه إستراتيجية معروفة داخل النظام الرأسمالي، فالدول الأقوى تعمل على إلزام غيرها بإتباع سياسات نقدية قد لا تصب في مصلحة تلك الدول، كما حصل مع اليابان في تسعينات القرن المنصرم، وكما يحصل اليوم مع معظم الدول النفطية. وبما أنّ حجم الاحتياطيات الرسمية  تشكل حوالي نصف قيمة التجارة الدولية فستظل السلطات النقدية عبر العالم قادرة على التدخل والتأثير بقوة على أسعار الصرف أكثر مما تفعله قوى السوق نفسها.

 مقالات: إصلاح النظام المالي الدولي ... بداية متعثرة

مقالات: إصلاح النظام المالي الدولي ... بداية متعثرة

لم تبعث قمة الدول العشرين الأمل بإصلاح سريع للنظام الاقتصادي الدولي، فقد تغلبت المخاوف على روح المبادرة، وحلّت التسويات محل البحث عن مخارج نهائية لأزمة تنذر بالمزيد. مع ذلك جاء البيان الصادر عنها مسهباً ومليئاً بالوعود، واضعاً بين أيدي صانعي القرار في العالم جدول أعمال طويل يفيض عن إمكاناته الاقتصادية ويتجاوز ظروفه الاقتصادية. فالأزمات تشجع عادة الحلول الفردية وتزيد من قوة التجاذبات الداخلية، دافعة الدول نحو إجراءات أحادية تلحق الضرر بالآخرين. وقد أعربت الأسواق عن عدم ثقتها بنية الدول المشاركة الوفاء بتعهداتها، فظلت على تشاؤمها ولم تنعكس القرارات السخية وعلى أداء أسواق المال والعملات إلا بالقدر اليسير.

 مقالات: النظام الدولي أمام خيارين اميركيين: الانكفاء او الشراكة

مقالات: النظام الدولي أمام خيارين اميركيين: الانكفاء او الشراكة

تجد الولايات المتحدة الأميركية نفسها أمام مهمة شاقة هي إعادة اكتشاف العالم لمعرفة أي طريق عليها سلوكه، والمهمة على أية حال محفوفة بالمخاطر، فالعودة الى الوراء غير ممكنة، والمضي قدماً في الطريق نفسه حماقة لا يمكن تحمل تبعاتها. وليس أمام واشنطن سوى مخارج قليلة، تقع في ذلك الهامش المفتوح ما بين الانكفاء الذي قد يلامس حدود العزلة، أو البحث عن صياغة جديدة لدورها العالمي في إطار من التعاون والشراكة.
و يترتب على الخيارين نتائج اقتصادية وسياسية كثيرة، وتداعياتهما لا تقل أهمية أو خطورة عن تلك التي أدت إليها خيارات أميركية سابقة. ففي التسعينات أرسيت قواعد عمل العولمة على مزيج من الانفتاح والهيمنة بوسائل تجارية واقتصادية، فاتسع النفوذ الأميركي باطراد، وفي عهد جورج بوش صارت الحرب هي الوسيلة لتحقيق الهدف نفسه، لكنها انتهت إلى ما هو معروف من الخسائر والكوارث. وها نحن اليوم نقف عند تقاطع سياسي اقتصادي جديد، حيث إن فشل سياسة الحرب من ناحية وتعذر العودة الى النموذج الاقتصادي العالمي من ناحية ثانية، يمهدان لتغير موازين القوى الاقتصادية وتبدل اتجاهات العولمة. ومن مؤشرات هذا التبدل فرض مزيد من القيود على حركة الرساميل و بدء ارتداد الشركات العابرة نحو بلدانها الأم، وتدني مكانة المؤسسات الاقتصادية الدولية.
ويواجه الاقتصاد العالمي مشكلة التكيف مع التحولات السياسية المرتقبة، فبقدر ما كان العنف الإمبراطوري الأميركي سبباً من أسباب الأزمة المالية، فإن التدهور الاقتصادي الناتج عنها، هو من العوامل التي ترفع منسوب التوتر وتؤدي إلى اتساع محاور الاضطراب في العالم.  وبحسب المؤرخ الأميركي "نيال فرغسون"، الذي رصد طويلاً صراعات القرن العشرين، فإن  عدم الاستقرار الاقتصادي، وانحسار نفوذ الإمبراطوريات و وارتفاع منسوب التوتر العرقي تزيد من احتمال تصاعد العنف. وتجتمع هذه العوامل الثلاث فيما بينها اليوم متفاعلة على نحو غير مسبوق، مما ينذر بتحول العنف الإمبراطوري، إلى عنف فوضوي يتنقل باستمرار على متن أزمة اقتصادية واسعة وعميقة.
هل يمكن ضبط الفوضى الآتية بمجرد استبدال الإدارة الأحادية للعالم بسلطة عالمية متعددة الأطراف تقف الولايات المتحدة على رأسها؟
يتحدث تقرير أعده ثلاثة من كبار الأكاديميين الأميركيين، تحت عنوان "خطة عمل"، وموجه بالأساس الى البيت الأبيض، عن رؤية جديدة للنظام الدولي في إطار ما أسموه "السيادة المسؤولة"، التي تمهد لقيام نظام دولي جديد قائم على التعاون. وبالنسبة لواضعي التقرير فإن الأمن لم يعد مسألة قومية بل بات مرتبطا بالأمن العالمي، ولضمان أمن الولايات المتحدة الأميركية لا بد من نظام دولي يطبق قواعد عالمية مقبولة من الجميع ويتجاوز الأحادية القطبية ولا يسارع الى استعمال القوة.
وعلى أهمية هذا التطور الذي يدل على فشل المقاربة الأمنية للعالم، فإنه غير كاف ما لم يتم الإقرار صراحة بأنّ  قواعد النظام الدولي الجديدة يجب أن تقوم على مسارين متوازيين سياسي واقتصادي، فلا يتم اللجوء مثلاً الى مجموعة العشرين لتنسيق السياسات المالية والنقدية في مواجهة الأزمة بينما تتخذ القرارات الكبرى العسكرية والسياسية في واشنطن إلى جانب عدد قليل من العواصم الغربية في أحسن الأحوال.
ويتطلب ضبط الفوضى تسوية التفاوت القائم داخل النظام الدولي بين الأهمية الاقتصادية للدول  وبين مكانتها السياسية، ومن دون ذلك لن يكون بوسع هذا النظام السيطرة على أزماته السياسية وأزماته الاقتصادية في الوقت نفسه. و ينطبق ذلك بالدرجة الأولى على الولايات المتحدة التي تحظى بقوة عسكرية وسياسية تفوق كثيرا مساهمتها في الاقتصاد العالمي، ولا تقاس تلك المساهمة فقط بحصتها من الناتج العالمي ونصيبها في التجارة الدولية، بل أيضاً بدورها في الوقاية من الأزمات وتهدئة الأسواق. فيما صار أداء الاقتصاد الأميركي المتراجع منذ سنوات مصدر قلق وخطر، وتكفي الإشارة في هذا المجال، إلى أن كلفة تمويل العجز الفدرالي في العامين المقبلين ستتخطى المبالغ اللازمة لإطعام النصف الأكثر فقراً من سكان العالم. و حتى لو اتجهت أميركا لبناء دورها العالمي الجديد على أساس الشراكة والتعاون، فإن ذلك لن يحل المشكلة، ما دامت تعتبر أن من حقها أيضاً تقرير مصير الآخرين ورسم أدوارهم.
يرتبط الاستقرار العالمي إذاً بقيام نظام دولي تحتل فيه الولايات المتحدة موقعاً يتناسب مع أهميتها الفعلية، ويحد من قدرتها على التصرف دون رادع بموارد العالم وخيراته. وهذا غير مستحيل، إذ يكفي أن تقوم بضعة دول نفطية وناشئة بتنويع احتياطاتها حتى يفقد الدولار وظيفته كعملة مرجعية عالمية وتتراجع بذلك السلطة النقدية المطلقة لواشنطن. لكن الأخيرة تتحسب لهذا النوع من المخاطر، وستظل ممسكة بهيمنتها النقدية حتى النهاية ولو من طريق القوة، وحين طالب المصرف المركزي الصيني مؤخراً بعملة احتياط أخرى بدلاً من الدولار، سارع الرئيس الأميركي إلى التأكيد على القوة الاستثنائية لعملة بلاده المستمدة برأيه من  إيمان المستثمرين "بأنّ الولايات المتحدة الأميركية تملك أقوى اقتصاد في العالم وان لديها نظاما سياسياً هو بدوره الأكثر استقرارا".
وسواء اختارت أميركا الانكفاء على الذات، أم الانفراد بإعادة صياغة النظام العالمي، فإنّ العالم لن يتخطى خطر الأزمة ما لم يتخلص من الحمولة الزائدة التي يمثلها التضخم غير المبرر لدور تلك الدولة، وما لم يكن لديه معايير موحدة يمكن تطبيقها على الجميع دون استثناء.

 مقالات: عن الجانب الاقتصادي الاجتماعي لبرنامج الموالاة الانتخابي: العبور الى الدولة ام الى ... الخارج

مقالات: عن الجانب الاقتصادي الاجتماعي لبرنامج الموالاة الانتخابي: العبور الى الدولة ام الى ... الخارج

بوسع أي كان أن يلمس ما هو جديد في برنامج قوى الرابع عشر من آذار الانتخابي، اللغة متواضعة والنبرة لينة والآمال لا تحلق بعيداً. وهذا ليس ثانوياً، فالعنف اللفظي كان وما زال مصدر قوة لهذا الفريق، ويدل اختيار عبارات حذرة على وهن آلة التحريض، التي استمدت مبالغاتها من مرحلة آخذة بالاندثار، ومع أن البيان يقف متردداً عند حدود الآراء المألوفة، فهو يشير إلى أن الراديكالية التي طبعت هذه القوى بطابعها منذ الولادة بل كانت ضمانة وحدتها، لم تعد قابلة للاستمرار. لكن على الرغم ذلك فإن المزج ما بين لغة تتوخى الحوار كما في البيان، والتمسك بالسياسات التقليدية التي فتحت باب الانقسام على مصراعيه، يظهر أن الموالاة ليست مستعدة بعد لتقديم التنازلات اللازمة لانجاز المصالحة وقيام التسوية الوطنية الدائمة على كل الصعد.

 مقالات: مكافحة الفقر: التمكين لا التوزيع

مقالات: مكافحة الفقر: التمكين لا التوزيع

تُطرح قضايا الفقر وعدالة توزيع الدخل في لبنان من مدخلين: مدخل البرامج الاجتماعية المباشرة بما فيها من معونات وعطاءات، ومدخل المالية العامة التي تجد نفسها منغمسة في التعامل مع النتائج وغالبا على نحو مكلف وغير مدروس، وكلا المدخلين يقودان إلى المكان الخطأ، فتكثيف التوزيعات النقدية تحت مسميات اجتماعية شتى يزيد نسبة المداخيل المكتسبة من غير إنتاج، مع ما يرتبه ذلك من نقص في الإنتاجية، وهي نسبة كبيرة بالأساس إذا أخذنا بالحسبان تحويلات المغتربين والتدفقات المالية التي تمول قروضاً شبه دائمة تتجدد تلقائياً.

 مقالات: خطة التحفيز الاقتصادي: التدخل الحكومي الصعب

مقالات: خطة التحفيز الاقتصادي: التدخل الحكومي الصعب

وقع الرئيس الأميركي باراك اوباما على برنامج اقتصادي هو الأضخم في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية وربما في تاريخ العالم. وتوحي أرقام البرنامج التي تساوي787 مليار دولار وتنفق على مدى سنوات، بأن الطريق بات مفتوحا أمام عودة ظافرة لتعاليم مدارس الحماية والتدخل الحكوميين، بل كأنها تعيد عجلة التاريخ إلى الوراء، حين أطلق الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت برنامج "الصفقة الجديدة" 1933-1938 متأثراً بأقوال وتعاليم جون مينارد كينز.

 مقالات: العدوان على غزة قراءة في النتائج على ضوء العقيدة الامنية لكيان العدو وتحولات المنطقة

مقالات: العدوان على غزة قراءة في النتائج على ضوء العقيدة الامنية لكيان العدو وتحولات المنطقة

لم تكن حرب غزة بمعنى ما سوى استئناف لحرب تموز2006، فكلاهما جزء من حروب النظام الدولي التي استهلتها إدارة بوش عام 2002، وهما يقعان في سياق ردة فعل كيان العدو، على التحولات التي تحيط به، ويرى نفسه عاجزا عن توقعها فضلاً عن الإمساك بزمام المبادرة فيها. وقد سجل هذا الكيان إخفاقات متتالية في التكيف مع التحديات الجديدة التي طرأت على المنطقة في العقود الثلاثة الماضية، ولم يتمكن من تشكيل وعي جديد يتناسب مع تبدل أوضاع الفاعلين الرئيسيين فيها، وبروز عناصر جديدة لم تكن موجودة عند نشوئه، وها هي عقيدته الأمنية التي منيت بفشل جديد في غزة، تظهر أنه ما زال ملتصقا بلحظة التأسيس، حين وضع ديفيد بن غوريون الخطوط العريضة لنظرية الأمن القومي، واختصر خلالها التهديدات الوجودية لدولته بالمخاطر التقليدية المتأتية من الجيوش والقوى النظامية.

 مقالات: الخطة الحكومية لمواجهة الأزمة :هل يمكن فصل المسار المالي عن المسار النقدي؟

مقالات: الخطة الحكومية لمواجهة الأزمة :هل يمكن فصل المسار المالي عن المسار النقدي؟

انتظرت الحكومة اللبنانية طويلاً قبل أن تدلي بدلوها بشأن التداعيات الاقتصادية للازمة المالية العالمية. فقد انشغلت في الأشهر الستة الماضية بتعميم رسائل الطمأنة، والثناء دون تحفظ على خياراتها الخاصة. ويعتبر التقرير الذي أعدته رئاسة الحكومة ويتضمن أفكارها الرئيسية لحماية الاقتصاد الحقيقي، أن "الخطوات الاستباقية" التي قامت بها السلطات و"السياسات المالية والنقدية والمصرفية الحكيمة " هي "التي نأت بلبنان ومصارفه عن التأثر بالنتائج المباشرة للأزمة"، متجاهلاً العوامل الأهم مثل تبعية القطاع المصرفي للقطاع العام وافتقار لبنان لسوق مالية قوية.  

 مقالات: التباطؤ في اعمار غزة ورسملة جريمة الحرب

مقالات: التباطؤ في اعمار غزة ورسملة جريمة الحرب

تجرب آلة القتل الإسرائيلية حظها مع ما يعرف "بالحرب ضد السكان"، وهو جيل جديد من العنف يأتي في سياق التحول المطرد لأهداف العدو في صراعه مع المنطقة. فبعد أن كان الهدف في حربي تموز 1993 ونيسان 1996هو الضغط على الحكومة (اللبنانية) لتغيير سياساتها وعلى المدنيين لتغيير خياراتهم، صار الهدف في حرب تموز 2006 والعدوان على غزة، إبادة المجال المدني للمقاومة، كتعويض عن الفشل في جعل المجتمع مناوئاً لها. وبات سقوط هذا الكم الكبير من الضحايا المدنيين مطلوباً بحد ذاته، بل المطلوب أن يكون القتل مشهدياً وسافراً ولا يمكن نسيانه، كما في دفن أسر بأكملها الركام، أو إمطار الأحياء والشوارع بزخات من اللهب.

 مقالات: السياسات التجارية: خيبة في الاتجاهين

مقالات: السياسات التجارية: خيبة في الاتجاهين

أعادت الأزمة العالمية النقاش إلى بداياته بشأن مسائل عدة، من بينها العلاقة بين التنمية وإصلاح قواعد التجارة الدولية. ومع أن الطريق ما زال طويلاً أمام الراغبين برؤية عالم أكثر إنصافا، فإن الآراء المناوئة باتت تطرق أسماع صانعي القرار داخل الدوائر المغلقة. ويتم ذلك بالتزامن مع تضاؤل سطوة النخب السياسية والاقتصادية، التي استخدمت "العنف الرمزي" لفرض آرائها على الآخرين، فالعالم هذه السنة لم يقف متأهباً لتلقي توصيات منتدى دافوس، كما كان يفعل في السابق، بل كان خروج رجب اردوغان العاصف من إحدى الجلسات، محل اهتمام مضاعف مقارنة مع ما لقيه المنتدى نفسه.
وإذا كان من مساهمة مفيدة يقوم بها "المعارضون العالميون" ، فينبغي أن لا تتمثل بتوجيه مزيد من اللوم للنظام الذي أنتج الأزمة، فهذا بالضبط ما يفعله مدير صندوق النقد الدولي ورئيس البنك الدولي، بل وحتى آلان غرينسبان رئيس الاحتياط الفدرالي السابق، ولعل المطلوب هو الانتقال إلى أرض الخصم والبدء بتفكيك المفاهيم بواقعية شديدة، وذلك في استعادة عكسية لما قام به الليبراليون الجدد في بداية الثمانينات حين جرى تحميل سياسات التدخل الحكومي وزر المشاكل التي أعاقت التنمية.
 قيل وقتها، أنّ القيود التجارية هي السبب في بطء التنمية وركود المداخيل، والحل بكل بساطة هو تحرير التجارة الدولية وتعويم أسعار الصرف والتوجه نحو التصدير. ولأن هذه الرؤية هي المبدأ العام الذي قامت عليه العولمة الليبرالية بصيغتها الراهنة، فإنها تستحق نقداً مركزاً.
نقطة الضعف الرئيسية في هذه الرؤية هي أنها تهتم بالآلية التي تتم من خلالها العمليات الاقتصادية وليس بالنتائج المترتبة عليها. فمثلاً تركز مفاوضات جولة الدوحة التي تجري في إطار منظمة التجارة العالمية، على تحرير التجارة في السلع الزراعية، لكنها لا تعير أي انتباه للمشاكل التي يواجهها المزارعون في معظم البلدان، كالحرمان من التأمينات وضعف موقعهم في سلاسل الإنتاج والتوزيع، ناهيك بالمفارقة التي تجعل منتجي الغذاء غير قادرين على تأمين الغذاء الكافي لأسرهم رغم ارتفاع أسعار المواد التي ينتجونها.
تدعو هذه الرؤية أيضا الحكومات والدول إلى نزع الحواجز التي تعيق تدفق السلع، إلا أنها تغض الطرف عن ممارسات احتكارية أشد خطورة تقوم بها الشركات الكبرى المسيطرة على معظم حركة المبادلات الدولية. ويمكن تلمس هذه المفارقة اليوم أكثر من أي وقت مضى. فبالرغم من الركود العالمي وتراجع الطلب، يتوقع البنك الدولي أن يتواصل ارتفاع أسعار المواد الغذائية التي تمثل أكثر من نصف ميزانيات الأسر الفقيرة. وتشير إحصاءات البنك كذلك إلى أنّ المستهلكين لا يستفيدون دائماً من تراجع الأسعار، فالذرة على سبيل المثال تدنى سعرها 32% خلال فصل واحد مؤخراً، لكن هذا السعر بقي على حاله في معظم البلدان الفقيرة. أرقام أخرى أكثر دلالة يوردها تقرير "تجارة متوازنة-زراعة سليمة" الصادر عن مؤسستي "هنريش بول" و"ميسريور" بالاستناد الى حوار دولي واسع النطاق. وبحسب التقرير لا تسيطر المؤسسات المملوكة من الحكومات على السوق العالمية، بل الشركات متعددة الجنسيات التي فاق عددها 60000 شركة ولديها 53 مليون عامل، وتتقاسم فيما بينها احتكارات هائلة. فهناك شركة واحدة مثلاً تستحوذ على ربع سوق الذرة العالمي، وتهيمن عشر شركات على نصف مبيعات البذور في العالم وعشر شركات أخرى على 80% من السوق العالمي للمبيدات. وما ينطبق على الزراعة ينطبق على الصناعة والخدمات المالية وشركات النفط.
المدافعون عن أولوية الانفتاح التجاري، يرون أنه الطريق الوحيد لتعظيم الكفاءة وزيادة الفاعلية، لكنهم يهملون أثر الاحتكارات ويتجاهلون مبدأ العدالة. ففرض شروط متساوية على أطراف غير متساوين لا يضمن تكافؤ الفرص، وتقتضي التجارة المتكافئة منح الدول الأقل نمواً معاملة تفضيلية دائمة و ليس لبضعة سنوات كما في اتفاقيات منظمة التجارة العالمية. العدالة من ناحية أخرى هي فرضية اجتماعية وأخلاقية، لا يمكن وضعها أو تطبيقها إلا في إطار وطني وضمن ممارسة ديمقراطية تكفل تحقيق أقصى قدر ممكن من الرضا العام.
لقد خسر أنصار التجارة الحرة رهانين أساسيين، الأول هو أن يجلب تسخير الموارد المحلية للتصدير النمو والتنمية، هذا ما حدث فعلاً في الاقتصادات التي اعتمدت في آن معاً على المدخرات المحلية والاستثمارات الأجنبية المباشرة، لكنه أخفق في الحالات الأخرى وتسبب بفقدان الأسواق المحلية هامش المناورة اللازم للتقليل من أثر تقلبات في الأسواق العالمية كما حصل أثناء التضخم العالمي الأخير. أما الرهان الثاني فيتمثل في أنّ تشجيع التجارة سيساعد على قيام نظام عالمي متوازن يسوده التعاون. وهذا ما لم يحصل بتاتاً، لأن أسواق السلع تتأثر بمجريات الأمور في الأسواق الأخرى التي يتحكم بها المضاربون (البورصات المالية، أسواق العملات...)، وهذه الأخيرة لا يمكن عزلها عن الأزمات السياسية والأمنية والعسكرية. ولا يخفى أنّ تحرير التجارة من رقابة الدول وضعها تحت رقابة "صانعي الأسواق"، وكانت الضحية الدول الصغيرة التي عانت أكثر من غيرها من الحروب التجارية الخفية التي تدور بين الدول الكبرى، ومن التسويات الضمنية التي تلتزم بها هذا الدول لفض النزاعات في ما بينها.
طوال السنوات الماضية نمت التجارة بأسرع من نمو الناتج العالمي، لكنها خيبت آمال المتأخرين اقتصادياً في أن تكون الحل لأمراض الفقر والتخلف، وخذلت الدول الصناعية التي حسبت أن تحرير الأسواق سيضمن لها الاستقرار ومزيداً من الهيمنة، وبما أن الخيبة هي في الاتجاهين، فإن الوقت مناسب تماماً للعودة إلى المربع الأول والبحث عن المزيج المناسب من الحمائية والانفتاح، بغض النظر عن القواعد التي تسعى منظمة التجارة العالمية إلى فرضها، ويمكن القول من الآن أنها باتت جزءاً من الماضي.

 مقالات: قمة الكويت: تفكيك المسارات السياسية والاقتصادية للتنمية

مقالات: قمة الكويت: تفكيك المسارات السياسية والاقتصادية للتنمية

أخفقت قمة الكويت في أداء واجب التضامن مع غزة، فالهوة بين المشاركين اتسعت إلى حد لم تعد تجدي معه جسور الكلمات، ولا طنين العبارات القوية. وما بين سقف الحد الأدنى في لقاء الدوحة، التي انعقدت بمن حضر، وقعر المبادرة المصرية، مسافة قصيرة، لكنها كافية للتمييز بين وجهتي نظر، واحدة ترى أن على العرب أخذ زمام المبادرة، والثانية تعتبر أن مستقبل المنطقة مرهون لنتائج المفاوضات الطويلة التي تجريها "إسرائيل" مع نفسها.

 مقالات: الحسابات الوطنية في لبنان ... لوحة غير مكتملة

مقالات: الحسابات الوطنية في لبنان ... لوحة غير مكتملة

لا يمكن التحقق من دقة الأرقام الاقتصادية في لبنان، بما في ذلك أرقام الناتج الوطني وتوزيعاته، ونسب النمو.. و هذا انعكاس لحال المحاسبة الوطنية بعد عقدين من نهاية الحرب الأهلية بل لحالها منذ الاستقلال، فباستثناء فترات قصيرة، كان نقص الإحصاءات وتباينها وتعدد مصادرها هو السمة الغالبة، وقد تصرفت الحكومات اللبنانية بحذر تجاه قواعد البيانات الشاملة والدورية، وفضلت عليها الإحصاءات المتفرقة والمتقطعة، التي لا تلزمها بشيء.

 

 مقالات: في حصاد سنة كبيسة: عام النهايات

مقالات: في حصاد سنة كبيسة: عام النهايات

ثلاثمائة وستة وستون يوماً، كانت كافية لتبديد أكاذيب وأوهام نسجت بإتقان أسطورة الحداثة المالية. تبدلت ملامح العالم سريعاً، ولم يبق منها غير ظلال باهتة لوعود كانت قاطعة كالنبوات، فلاقت ما لا تستحقه من فروض الإجلال والإيمان. وحين بدا كل شيء وكأنه يفيض عسلاً وثروة، استقال الوعي، وامتزجت الأخلاق بقيم السوق، وشاع أنّ التقدم يصنعه الماكرون لا الماهرون، وان تحقيق الأمن الاجتماعي رهن للنجاح مهما كان سببه.

 مقالات: ما وراء الأزمة المالية العالمية جولة في الأعماق

مقالات: ما وراء الأزمة المالية العالمية جولة في الأعماق

تطرح الأزمة المالية سؤالاً مكرراً: ما الذي تشهده الرأسمالية، هل إنها تتداعى تداعي الشيوعية السوفيتية قبلها، أم تطوى على نحو مدوٍ إحدى مراحلها تمهيداً للانتقال إلى طور جديد...؟ لقد كان سقوط الاشتراكية وصعود العولمة النيوليبرالية مصدر الهام للباحثين عن نهايات سهلة للتاريخ.. للدولة وللايدولوجيا، وها هي التطورات الراهنة تداعب خيال المولعين بحتميات أخرى، من النوع الذي يستهوي المبشرين منذ زمن بموت وشيك للرأسمالية، وانبعاث أسطوري للإيديولوجيات الهامدة لتحل محلها. 

 مقالات: لبنان والأزمة: تطابق النموذج

مقالات: لبنان والأزمة: تطابق النموذج

هناك أوجه شبه لا يمكن إغفالها بين قواعد عمل الاقتصاد اللبناني والنموذج العالمي المهدد بالسقوط. فالانهيار الذي لا يأتي بالضرورة دفعة واحدة، يبدأ من اللحظة التي يعجز فيها نموذج ما عن ابتكار حلول لمشاكله، أو حين تصبح كلفة استمراره أكبر بكثير من المكاسب الناشئة عنه. أوجه الشبه تلك تدعو إلى تدبر دروس الأزمة بعناية أكبر، والأمر بحاجة إلى شيء من التجريد، فمن دون تحديد السياق الذي ولّد تلك الممارسات الخطيرة، سنجد أنفسنا مشغولين بالأعراض الجانبية للأزمة التي لا تلبث أن تتجدد كلما سنحت لها الفرصة. 

 مقالات: هل يمكن تحييد الاقتصاد؟ ... هل ينبغي ذلك؟

مقالات: هل يمكن تحييد الاقتصاد؟ ... هل ينبغي ذلك؟

دعوة أخرى لفصل الاقتصاد عن السياسة جاءت على لسان رئيس الحكومة. الدعوة هي إحياء لمنطق ساد بعد الطائف، واستئناف لجدل بدأ بعد عدوان تموز وتصاعد على اثر اعتصام المعارضة، وكان الهدف منه فرض توزيع مختلف للمسؤوليات عن الأزمة. لكن من يعتقد بصوابية هذا الفصل لا بد وان يعتقد أيضاً، بأنّ السياسة والاقتصاد يسبحان في فضائين مختلفين، وان لكل منهما حقائقه وقواعد عمله وغاياته وصانعي قراره، فإذا كان أهل السياسة، ملزمين بالمراجعة بين حين وآخر، فإنّ حراس النظام الاقتصادي ليس عليهم لا المراجعة ولا التصحيح ولا حتى تعديل خطة السير، حتى لو امتلأت الطريق بعواقب الفشل.