تضمن المؤتمر جلسة افتتاحية وثلاث جلسات متوازية مغلقة تناولت كل واحد منها محوراً من المحاور، ثم جلستين مفتوحتين عن فلسطين وجلسة ختامية.
شارك في المؤتمر حوالي 30 مدعواً من العالم العربي يمثلون التيارات الإسلامية والقومية والناصرية و20 مشاركاً من الجمهورية الإسلامية الإيرانية. إلى جانب 50 شخصية وباحثاً من لبنان، جرى اختيارهم على أساس الدور الذي يمكن أن يؤدوه في تعزيز مسار الحوار، مع التركيز على من يمتلك وجهة نظر محددة في العلاقات العربية الإيرانية.
اتسم النقاش في الجلسات المغلقة بالعمق والصراحة في كثير من الأحيان، وتراوح عدد المشاركين في كل واحدة منها ما بين 20 و30 مشاركاً تعاقبوا على تقديم المداخلات في خمس ساعات تقريباً موزعة على فترتين، وقد ساهم هذا الأسلوب في التنظيم في رفع مستوى التفاعل والجدية بين الحضور، وخصوصاً بين المشاركين الإيرانيين والمشاركين العرب الذي يحملون وجهات نظر نقدية تجاه بعض جوانب السياسة الإيرانية.
حظي المؤتمر باهتمام إعلامي لافت وكان صداه هذه المرة قوياً وواضحاً على الصعيد العربي، كما تعرض للهجوم من المنصات الإعلامية المعادية.
نجح المؤتمر في توسيع قاعدة المشاركين الإسلاميين كما سجل حضور جيد للناصريين والقوميين ولليساريين إلى حد ما، وذلك من معظم الدول العربية عدا دول الخليج التي لم يلب أحد منها الدعوة للأسباب المعروفة.
وقائع اليوم الأول
في اليوم الأول للمؤتمر عقدت ثلاث جلسات متوازية.
وسبق الجلسات الثلاث جلسة افتتاحية تحدث فيها على التوالي كل من رئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق الدكتور عبد الحليم فضل الله المؤتمر، معالي وزير الشباب والرياضة محمد فنيش، رئيس المجلس الاستراتيجي كمال خرازي، رئيس مركز الدراسات السياسية والدولية سعيد خطيب زاده، رئيس مركز أنديشه سازان نور سعد الله زراعي، رئيس حزب مصر القوية عبد المنعم ابو الفتوح، المستشار القومي العراقي فالح الفياض، حضره السفير الإيراني في لبنان د. محمد فتحعلي، والسفير السوري علي عبد الكريم، وشخصيات وزارية ونيابية وحزبية وأكاديمية ورؤساء جامعات وحشد كبير من الأساتذة والمفكرين والباحثين في لبنان وإيران والعالم العربي. وعدد من السفراء والدبلوماسيين من دول عربية وإسلامية وغربية.
الافتتاح
استهل الافتتاح بكلمة رئيس المركز، أشار فيها إلى أن هذا المؤتمر هو الثاني في المسار الذي أطلق قبل أكثر من عام، ويأتي مترافقاً مع تبدل في الظروف وإنجازات في الإقليم وتحولات في العالم، لافتاً إلى أن التركيز حينها انصب على تشخيص طبيعة الأزمات والتهديدات الداهمة والحرجة والوشيكة، من قبيل تجزئة الدول وتفتيت المجتمعات وتنازع الهويات، وتهديد البيئة الثقافية والإنسانية الغنية والمتنوعة التي تتميز بها منطقتنا، وشدّد على ضرورة السعي لاستكمال هذا المسار. وذلك، أولاً؛ من خلال تكريس الحوار، بدلاً من الصدام والتسابق على النفوذ، وثانياً؛ من خلال التفكير في البناء السياسي والجيوسياسي المطلوب والمناسب، لمعالجة أسباب الخلاف أو الصراع، وتفكيك العوامل المسببة للأزمات المحلية والإقليمية؛ وثالثاً؛ من خلال تحديد النقاط والأماكن التي ينبغي البدء منها، في رحلة البحث عن التسويات التي تؤسس لمستقبل إقليمي أفضل، مؤكداً على أن نهاية المعارك الأساسية ضد الإرهاب وسقوط الخيار العسكري الذي استهدف شعوباً ودولاً وأنظمة، يعطي فرصة للمضي نحو مستقبل مشترك، يتقاسم فيه العرب والإيرانيون ثمار الأمن والاستقرار والازدهار.
وألقى الدكتور خرازي كلمة استهلها بالحديث عن الجذور التاريخية إلى العلاقات العربية الإيرانية، التي عزّزها الدين الإسلامي وأحدث تحولاً إيجابياً في المجتمع الإيراني، مشيراً إلى أن إيران قدمت خدمات كثيرة للعرب، أسهمت في تطوير العلوم العربية ونقلها إلى مناطق أخرى في العالم. ولفت إلى دعم الجمهورية الإسلامية للعراق وسوريا في مواجهة الإرهاب التكفيري.
وتحدث خرازي عن مرحلة انتصار الثورة الإسلامية، ورأى فيها نقطة التحول التي عززت العلاقات مع العرب، والوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية في وجه الكيان الصهيوني، ودعم حركات المقاومة. لافتاً إلى أن إيران لازالت الداعم الأكبر للقضية الفلسطينية، وهذا الدعم يظهر بطلان الحديث عن الهلال الشيعي المزعوم. كما تحدث عن دعم الجمهورية الإسلامية للعراق وسوريا في مواجهة الإرهاب التكفيري ومساعدتها في منع سقوط دمشق وبغداد في أيدي التكفيريي، معتبراً أنه "لو سقطت سوريا والعراق بأيدي التكفيريين لكانت إسرائيل هي الرابح الأكبر كونها تخشى وجود دول كبرى متماسكة إلى جوارها."
وإذ أعرب عن أسفه لمشاهدة "تواطؤ جديد بين إسرائيل وزعماء الدول العربية ضد الشعب الفلسطيني المظلوم"، رأى أن قرار ترامب الأخير بشأن تهويد القدس هو من وراء هذا التواطؤ، مشدداً على أن التحالف بين العرب وإيران ضروي لمواجهة هذه المؤامرة. وقدم عدة مقترحات، أبرزها: نشر وترويج رؤية استراتيجية تجاه تطورات المنطقة، تبتعد عن إصدار الأحكام المتسرعة المبنية على الجوانب العاطفية؛ تحديد المحاور الاستراتيجية للحوار والنقاش؛ الحوار بين المثقفين الإيرانيين والعرب؛ إضافة إلى قضايا استقرار المنطقة والحفاظ على وحدة دولها.
ثم ألقى الدكتور زراعي كلمة شدد فيها على وجوب إزالة كل جدران العداوة والاختلافات التي بناها الأعداء بيننا، داعياً إلى قبول التنوع الثقافي الموجود بين المسلمين والاستفادة منه في إغناء حضارة الأمة، وأشار زراعي إلى اللقاء الذي حصل (أمس) بين مرشد الجمهورية الإسلامية سماحة الأمام السيد علي الخامنئي وعدد من مسؤولي الدول الإسلامية حيث طرح سماحته هذا الأمر.
ومن ناحيته، نقل الدكتور أبو الفتوح تحيات الشعب المصري للمؤتمرين. وأكد أن الطريق الأفضل لمواجهة الأعداء هو التواصل بين الأمة والعودة إلى القيم؛ لأن بعض الأنظمة باعت نفسها للشيطان .وأشار إلى نجاح الشعب المصري في تحويل اتفاق كامب ديفيد إلى حبر على ورق، واعتبر أن كل الشعوب العربية تعتبر إسرائيل هي عدوة الأمة.، داعياً إلى التواصل بين الشعبين العربي والإيراني، إضافة إلى الضلع الثالث وهو تركيا، مشدداً على أن أي محاولة لإبعاد إيران عن العرب أو تركيا عن العرب هي محاولة مريضة لن يكتب لها النجاح.
وتحدث فالح الفياض عن العلاقة المميزة بين بغداد وطهران، مشيراً إلى أن ثمة علاقة مميزة للعراق وشراكة خاصة مع الجمهورية الإسلامية في محاربة الإرهاب، مؤكداً أن العراق حقق نصراً كبيراً على الرغم من الأطروحات المذهبية والطائفية التي أرادو اغراق العراق فيها، وأشاد في هذا المجال بدور المرجعية الرشيدة والشعب العراقي الواعي، واعتبر أن إيران مؤهلة لأن تكون شريكاً استراتيجياً في بناء التنمية والاستقرار في المنطقة، مشيداً بدورها في دعم حركات المقاومة. وأضاف أن المقاومة فعل واقعي لأنها من الشعب وحققت مكاسب مهمة. داعياً إلى التركيز على مواجهة إسرائيل لأنها تمثل تحدياً وجودياً للعرب، ومشدداً على أن إيران وتركيا حليفين طبيعيين للعرب في هذه المواجهة.
وفي ختام حفل الافتتاح ألقى معالي الوزير محمد فنيش كلمة باسم حزب الله، أشار فيها إلى أن المؤتمر يسعى للتوصل إلى السبل الناجحة لحل النزاعات المحتدمة في منطقتنا واعتماد الدبلوماسية طريقاً ينظم اختلافاتنا الداخلية. وتحدّث عن الوضع في المنطقة، مشيراً إلى خشية دول عربية من التغيير الداخلي وتركيزها في سياستها على التدخل وشن حرب على بلد عربي فقير، كاليمن وغزو آخر كالبحرين، ورأى أن فهم هذه الحقائق واستعداد إيران لمد يد الحوار والتعاون استناداً إلى أولوية صراعها مع السيطرة والسياسة الأميركية في المنطقة ينبغي أن يدفع بعض الدول العربية إلى أن تدرك مصلحتها وملاقاة هذا الاستعداد ووقف حروبها العبثية والتفكير باستقرارها ووحدتها ووحدة الدول العربية واعتماد منهج جديد يقوم على أولوبة الصراع مع المحتل الصهيوني واحترام إرادة الشعوب واعتماد الحوار والحلول السياسية للأزمات. معتبراً أن الوصول إلى مستقبل مشترك آمن ومستقر يسوده التعاون بين العرب وإيران بحاجة لقوى ضغط ومثقفين متحررين ومجتمعات حرة وإرادة مستقلة في موازاة الجهاد في مواجهة الهيمنة الأميركية وربيبتها إسرائيل في عالمنا العربي والإسلامي".
الجلسات
توزعت جلسات اليوم الأول على ثلاثة محاور متوازية هي:
- "جلسة الدولة الوطنية: الاستقلال والشراكة وتماسك الهوية" وقدم خلالها 22 مشاركاً مداخلاتهم، ترأس الفترة الأولى منها د. محمد رضا شيباني، وترأس الفترة الثانية الأستاذ معن بشور.
وعالج المشاركون مفهوم الدولة الوطنية الحديثة وعناصر تكونها والسبل الآيلة إلى قيام دولة وطنية قوية قادرة على بناء علاقات متوازنة وصحيحة، مستندة في قوتها إلى شرعية شعبية تمكنها من مواجهة الأزمات الداخلية والمؤامرات الخارجية، وتحقق الرفاه لشعبها، وتقوم على أساس عقد اجتماعي جديد، يضمن التعددية والحريات، ويلحظ في الوقت نفسه متطلبات الأمن القومي والتموضع الاستراتيجي.
وشكك بعض المشاركين في إمكانية قيام الدولة الوطنية أصلاً لافتقادها مقومات الاستمرار، ومع ذلك، فإن المطلوب من محور المقاومة أن يكون رائداً في هذا المجال من خلال تقديمه نموذجاً لدولة قوية ومزدهرة ومستقلة كما تحاول أن تفعله ايران.
واتفقت الرؤية حول مبدأ المصارحة في مقاربة القضايا مثار النقاش، وتقبل الرأي المقابل، وأن لا يفرض أحد رأيه على الآخر. وكان نقاش دقيق بشأن ما إذا كان الحضور الإيراني في المنطقة هو السبب في ضعف الدولة العربية- كما يُدعى- أم إن ضعف الدولة وعدم إمساكها بقرارها إقليمياً ودولياً وانضمامها إلى أجندات خارجية هو المانع دون قيام علاقة متكافئة وندية وتعزيز العلاقات القائمة على المصالح المشتركة.
وأكد بعض المشاركين الإيرانيين على أن إيران لا تسعى أبداً إلى فرض هيمنتها وسيطرتها على المنطقة، وحتى لو سلمنا جدلاً بذلك فإنه لا تستطيعه بحكم تكوينها الديني والمذهبي والقومي.
ودعا بعضهم إلى إقامة الدولة العلمانية، لكن مع المحافظة على خصائص كل مكون في كل بلد واحترام معتقداته.
وخلصت بعض المداخلات المختصرة إلى ان الدولة الوطنية القطرية الحالية، بالرغم من عيوبها الكثيرة، هي خط الدفاع الأخير ضد المخاطر الداخلية والخارجية التي تواجهها شعوبنا من تشظّ وتناحر أهلي واستباحة للأراضي.
وأكد بعض المشاركين على أن نجاح حركات المقاومة يتوقف في جزء منه على بناء دولة قوية وليس إضعافها، وإن كان الجميع يتوق إلى فضاءات أوسع.
واعتبروا أن من خصوصيات الدولة الوطنية أن تكون موحدة وذات سيادة وقادرة على مواجهة التحديات وممارسة سيادتها واستثمار مواردها وفق مصالح شعوبها.
أما شروط الدولة الوطنية الأساسية، فتتمثّل بقيامها على أساس المواطنة، وأن تضمن الحقوق الأساسية لمواطنيها، وتسلك طريق التنمية والمشاركة، وتكون قادرة على تقديم حلول جذرية للإقليم.
ولفتوا إلى أن من أهم مشكلات الدولة في منطقتنا هو استبداد الحكم فيها، وانشغال السلطة بحماية نفسها أكثر من انشغالها بتمكين المواطنين، وتحولها إلى دول أمنية بوليسية.
وحذّروا من قضية التجزئة والتقسيم كمشروع داهم للمنطقة.
- "جلسة العلاقات الإقليمية: من التوازن إلى الشراكة الواسعة" وقدم خلالها 24 مشاركاً مداخلاتهم وترأس الفترة الأولى منها السيد عادل عبد المهدي، وترأس الفترة الثانية السيد محمد إيراني.
واستعرض المشاركون العلاقات القائمة بين دول المنطقة وطبيعة الحساسيات الموجودة حالياً والتي تجعل دولاً عربية تشعر أنها أقرب إلى العدو الإسرائيلي منها إلى إيران.
ورأى المشاركون أن أهمية الحوار بين العرب وإيران تكمن في أنه السبيل الأفضل لتأمين مشروع إقليمي يحفظ التعاون بين الطرفين، شرط أن يقوم على الحوار على المصارحة.
مشدّدين على أنه من أجل إقامة علاقات صحية بين إيران والعرب يجب أن يمتلك الطرفان القرار والإرادة السياسية، وهذ يتوقف على قوة الدولة نفسها.
وتم التأكيد من الجانب الإيراني وحلفاؤه على أن إيران لا تملك مشروعاً توسعياً في المنطقة، ولا تسعى للسيطرة على العالم العربي. وان رؤية ايران باتت معروفة في أنها لا تكون قوية وقادرة إلا في منطقة قوية.
ولفتوا النظر إلى أن إيران ابتعدت عن الحواجز العقائدية والمذهبية الضيقة في دعمها للعالم العربي وقضاياه العادلة، وفي مقدمها القضية الفلسطينية.
واعتبر المشاركون أنه لا بد على جميع الأطراف في المنطقة احترام سيادة الدول والقواعد الدولية، يعد النقد الذاتي ضرورة لتحديد الاستراتيجية التي نحتاجها في منطقتنا.
وتحدث بعض المشاركين عن أهمية دور الشعوب في عالمنا العربي والإسلامي، معتبراً أن ما حدث في العالم العربي أثبت أن لدى شعوب الأمة العربية والإسلامية قدرات وطاقات هامة، تحتاج فقط إلى توحيد وتوجيه في الاتجاه الصحيح.
داعياً محور المقاومة العمل على عدة نقاط هامة: خلق قنوات تواصل بين الشعوب؛ والى اعتماد ما يسمى الديبلوماسية الشعبية، وتوطيد الصلات بين فئات المهنيين والجامعيين والاكاديميين والناشطين الاجتماعيين والمدنيين وعدم الاكتفاء بالتواصل السياسي. كما دعوا إلى إزالة أسباب الصراعات البينية بين دول المنطقة؛ وتقوية القوة الردعية لمواجهة المخاطر الخارجية؛ وإنشاء تكتلات (عسكرية، اقتصادية، ثقافية ..) تجمع دول المنطقة؛ وتكثيف حركة الاتصال والتواصل في المنطقة؛ كل ذلك على قاعدة أن القضية الفلسطينية والعداء لإسرائيل هما الموضوع الجامع لجميع شعوب المنطقة العربية.
وأشار بعض المشاركين إلى وجود إشكالية حقيقية تتمثل في صعوبة توقع حصول تقارب بين إيران والسعودية. وبالتالي فإن الدول العربية التي يتوقع منها أن تأخذ زمام المبادرة لبناء مركز قومي عربي هي سوريا والعراق.
- "جلسة الأدوار والمشاريع الدولية في الإقليم: كيف ينبغي مقاربتها" وقدم خلالها 20 مشاركاً مداخلاتهم، ترأس الفترة الأولى منها الدكتور إبراهيم الموسوي، وترأس الفترة الثانية الدكتور عباس خاميار.
واستعرض المشاركون الواقع القائم والأحداث التي تعصف في منطقة غرب آسيا والعالم العربي، مشيرين إلى التزاحم الدولي في المنطقة، مع تصاعد للدورين الروسي والصيني، خصوصاً الطموح الصيني عبر درب الحرير، في ظل الفراغ الاستراتيجي الذي تركته الولايات المتحدة الأميركية.
وسأل بعض المشاركين عن مدى إمكانية قيام تعاون عربي إيراني في مواجهة التحديات، وبالتالي، بناء استراتيجية موحدة، تقوم على شراكة إقليمية ودولية تناسب طبيعة المنطقة وتركيبتها المتنوعة؟
ومع ذلك لفت المشاركون إلى أن وجود تعاون واستراتيجية مشتركة يتوقف على طرفين أحدهما الجانب الإيراني، وهو طرف متماسك وصاحب قرار (يعرف ما له وما عليه) وطرف عربي مفكك داخل المنظومة الواحدة، مضافاً إلى أن بعض الدول ترى في إيران تهديداً جدياً لها وللمنطقة العربية، ما يجعل من فكرة التعاون بعيدة المنال.
وسأل بعض آخر عن امكانية الاستفادة من التصدعات التي حصلت في الغرب وفتحت المجال أمام إيران للمناورة في علاقاتها مع الدول الاوروبية، مثل تطوير شراكة فرنسية- إيرانية.
وشدد المشاركون على حق العرب والمسلمين في إدارة شؤونهم بأنفسهم، والمساهمة في تقديم الحلول والمعالجات للأزمات الدولية التي تطالها.
وقال وزير خارجية لبنان السابق عدنان منصور أنه لا بد من وضع خارطة طريق لكيفية معالجة أزمات العرب ليستطيعوا بناء دول ذات سيادة تمكنهم من لعب دور حقيقي وفعال في الإقليم.
وتحدثت النائب ندى الجبوري من العراق عن الاحتلال الأميركي لبلادها، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة أخذت حينها موافقة دول إقليمية على احتلال العراق فيما رفضت الجمهورية الإسلامية هذا الأمر. لكنها قدمت مقاربة نقدية لبعض جوانب الموقف الإيراني في العراق. وهذا كان موضع نقاش صريح، إذ أبدى بعض المشاركين الإيرانيين أسفهم لمحاولة بعض العرب رمي مشاكلهم على إيران، مع العلم أنها لم تقم بأي مبادرة عدائية ضد محيطها منذ الثورة ومع ذلك تتلقى سهام الاستهداف.
وفي حين أشاد بعض المشاركين (الدكتور عبد القادر قرنية من الجزائر) بصدق حزب الله في مقاومة العدو الإسرائيلي، قائلاً وحده السيد حسن نصر الله يرفض الإغراءات حتى لو وضعوا الشمس في يمينه.
وركز بعض المشاركين على ضرورة الاعتصام بالوحدة والعمل المشترك، ودعوا أتباع محور المقاومة إلى الانفتاح على الطرف الآخر. وعقّب احد المشاركين الإيرانيين على ذلك فأكد أن إيران تنتهج دائماً سياسة الانفتاح على الجميع ومحاورة الآخر.
وقائع اليوم الثاني
في اليوم الثاني للمؤتمر انعقدت جلستان، ناقشتا، ضمن محورين، مسألة "التهديد الإسرائيلي لمستقبل القضية الفلسطينية والتعاون العربي الإيراني".
عقد المحور الأول تحت عنوان "نحو استراتيجية إقليمية لمواجهة قرار ترامب بخصوص القدس"، وترأسه حسين شيخ الإسلام، فتحدث عن انتصارات العام 2000 و 2006 في لبنان ضد العدو الإسرائيلي وعام 2017 ضد الإرهاب، مهنئاً لبنان على الانجازات التي حققها، كما تحدث عن مخاطر التقارب بين بعض الدول العربية والكيان الإسرائيلي.
النائب السابق حسن حب الله قدم مداخلة، أكد فيها على خيار المقاومة بكل أشكالها، ورأى أن مواجهة قرار ترامب يجب أن يبدأ من فلسطين، معتبراً أن الوحدة بين الفلسطينيين هي الأساس، داعياً إلى أخذ قرار عملي ضد التطبيع داخلياً مع تأمين الحماية الاقتصادية للفلسطينيين. واعتبر حب الله أن المواجهة تتطلب عدة أمور "عربياً وإسلامياً"، أبرزها: وقف الصراعات في المنطقة العربية، ومحاسبة المعتدي، والعمل على توحيد الأمة، معتبراً أن هذا "شرط أساسي لتحرير فلسطين". كما شدد على مواجهة الحكومات المتآمرة على القضية الفلسطينية. مشيراً إلى الموقف السعودي.
من جهته قدم أسامة حمدان مداخلة، أكد فيها أنّ "خطوة ترامب الأخيرة تمثل خطراً على المنطقة بأسرها"، وحذّر من أن هناك إعادة رسم خرائط في المنطقة بما يسمح بوجود الكيان الصهيوني كعضو طبيعي فيها، ويتم التمهيد لهذا الأمر عبر تصفية القضية الفلسطينية وتحويل الصراع في المنطقة إلى صراعات اثنية وعرقية وطائفية، ولمواجهتها لا بد من تبني مشروع المقاومة، وبناء كتلة إقليمية، تتبنى المقاومة ضدّ الكيان الصهيوني، وإطلاق مشروع إقليمي لمواجهة التطبيع، والعمل على تبريد مناطق الصراع في الإقليم، ووقف حالة الاستنزاف، وتكريس منظومة قيمية جامعة، تغلّب مفهوم الوحدة على التفريق والانقسام، والعمل لإقامة نظام إقليمي جديد، يرتكز على مصالح شعوب المنطقة، وأن تكون السيادة فيه لدول المنطقة". مؤكداً على أن استقرار المنطقة مصلحة جماعية، تتحقق من خلال حالة التكامل، وليس التنافس، وضمن رؤية استراتيجية جامعة، تعتبر إسقاط قرار ترامب نجاح للمنطقة".
ونبّه ماهر الطاهر، من ناحيته، من أن قرار ترامب حول القدس هو حلقة في سلسلة حلقات خطيرة، ولن يقف الأمر عند تهويد القدس، بل ستليه خطوات، تلغي حق العودة، وترحل الفلسطينيين من أراضي 48. ورأى أن قرار ترامب أزاح القناع عن حقيقة السياسة الأميركية المخادعة، وكشف الرجعية العربية التي كانت تصور أنها مع فلسطين ومع القدس. معتبراً أنه لم يبق أي خيار أمامنا سوى المواجهة وتفعيل الانتفاضة ودعمها من كل الشرفاء في العالم العربي والإسلامي وتشكيل قيادة موحدة لها وتحويلها إلى نمط حياة.
ووصف صادق رمضاني، بدوره، قرار ترامب بـ"وعد بلفور الثاني"، داعياً إلى اغتنام هذا المشروع وتحويله إلى فرصة إيجابية، تعيد الوحدة إلى شعوبنا. ورأى أن المقاومة هي الحل الوحيد لمواجهته، معتبراً أن جهل الشعب الأميركي بأحقية القضية الفلسطينية يجعلهم يقفون إلى جانب العدو؛ لذا علينا إنتاج برامج بالللغة الإنكليزية تشرح حقيقة الواقع القائم.
وأخيراً، تحدّث سيف دعنا، فدعا إلى الاستفادة من مئوية جمال عبد الناصر، والتوجه نحو تبني نموذج اقتصادي. ورأى أن مجرد التعاون الإقليمي لا يكفي، قائلاً نحن بحاجة إلى الاندماج الإقليمي، وخلق حاضنة شعبية إقليمية تحمي هذا الاندماج والتعاون، وهذا لا يمكن أن يتم بدون تأمين العدالة للطبقة الفقيرة، وإعطاء المسالة الاجتماعية والاقتصادية ما تستحق من اهتمام.
وانعقد المحور الثاني، برئاسة مديرة مركز دراسات الوحدة العربية الدكتورة لونا أبو سويرح، حول "الانتفاضة الثالثة الشروط والآفاق التي رأت أن مستقبل القضية الفلسطينة متوقف على مستقبل العرب".
وتحدّث منير شفيق، فقدّم قراءة سريعة للتجربة الفلسطينية في مقاومة المشروع الصهيوني، شدّد فيها على ضرورة أن يكون الهدف الدائم هو التحرير الكامل لفلسطين، ولفت إلى وجود خطر داهم يتهدد الضفة الغربية والقدس، معتبراً أنه من خلال الانتفاضة يمكننا مواجهة هذا الخطر والانتصار عليه وتحقيق إنجاز مرحلي في إطار المعركة الكبرى لتحرير كامل فلسطين.
من جهته، رأى كمال خلف الطويل أن استعادة أراضي 67 أمر قابل للتحقق من خلال الانتفاضة ومن خلال العمل الدبلوماسي دون إعطاء إسرائيل أي شرعية ودون التنازل عن أراضي 48 وملفي العودة والتعويض.
ورأى سامي العريان، من ناحيته، أن الحل النهائي سيكون بنضال الشعب الفلسطيني والأمة كلها، داعياً إلى انشاء غرف عمليات في كل العالم العربي لتفعيل الانتفاضة وتوفير كل أشكال الدعم لها وخصوصاً الدعم الاقتصادي. وقال "لا يستطيع الشعب الفلسطيني لوحده أن يفرض على العدو التراجع بل يجب الوقوف إلى جانبه وتقديم كل أشكال الدعم له"، مشيراً إلى نجاح ساحتين في تحقيق الانتصار على العدو هما غزة وجنوب لبنان.
التعقيبات
وعقب على المداخلات عدد من المشاركين، وتمحورت التعقيبات حول تفعيل الانتفاضة ودعمها وإنهاء الانقسام الفلسطيني والعربي، وقطع كل أشكال العلاقة مع العدو الإسرائيلي، والتوحّد تحت لواء المقاومة.
فاعتبر الحاج حسن حدرج على المداخلات أن الشرط الأول لنجاح الانتفاضة هو انهاء الانقسام الداخلي الفلسطيني والتوافق على الثوابت المتفق عليها، وأهمها: إدانة قرار ترامب والعمل على إسقاطه، وإعادة النظر في العلاقات مع العدو، ووقف التنسيق الأمني معه بكافة أشكاله، ورفض الحلول الانتقالية، ورفض الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، والتأكيد على حق الشعب الفلسطيني في ممارسة كل أشكال النضال، عدم القبول بما تريد الولايات المتحدة فرضه من صفقات، القدس هي العاصمة الأبدية لفلسطين، التمسك بحق العودة".
وذُكر في المداخلات أن فلسطين هي قضية العرب عموماً وليست فلسطينية فقط. وانه لا بد من ثورة ثقافية تخرجنا من التبعية لثقافة الغرب، فالمقاومة هي الوحيدة القادرة على تغيير هذا الواقع.
كما جرى التأكيد على وجوب استنهاض أمتنا لإنجاز التحرير الكامل، ورفض الطروحات التي تتحدّث عن تجزئة التحرير، إذ لا بد من دحر الاحتلال عن فلسطين بغض النظر عن الأساليب المعتمدة، والعمل باستراتيجية مواجهة متكاملة، أساسها فعل ميداني ودعم اقتصادي ومالي.
واكد المشاركون على ضرورة العمل على سحب الاعتراف بالكيان الصهيوني، وقطع الأنظمة العربية العلاقات مع كيان العدو بكل إطاراتها وأشكالها، وتفعيل قرارات المقاطعة العربية وطرد الكيان الصهيوني من المنتديات الدولية، وتعليق اتفاق أوسلو أو الغائه.
الجلسة الختامية
انعقدت الجلسة الختامية الدكتور برئاسة محمد رؤوف شيباني تحت عنوان "التعاون العربي– الإيراني رؤى مستقبلية"، فقد قدّم ملخصاً عن الجلسات السابقة التي عقدت. وأكد على ضرورة استمرار الحوار وإيجاد الجسور بين شعوبنا، وهي سياسة ثابتة تتبعها الجمهورية الإسلامية. إضافة إلى تضامن إيران الكامل مع الشعب الفلسطيني ووقوفها إلى جانبه حتى تحرير فلسطين كاملة.
وتحدث حسين أكبري عن أن إيران والعرب ليسا مفهومين منفصلين، وأن ابتعادهما عن بعضهما يسهل على العدو النيل منهم.
وتطرق صادق المهدي في رسالة إلى المؤتمر بعد أن تعذر عليه الحضور لأسباب أمنية وداخلية في السودان، إلى التحديات التي يعاني منها العالم الإسلامي، وقدم اقتراحاً بتوقيع معاهدة تعايش عربية تركية إيرانية .
ثم تحدث ليث شبيلات الذي حذر من الخطر التكفيري على الأمة، معتبراً أن هذه الفاجعة أكبر بكثير من نكسة 48، داعياً إيران، كونها تقود محور المقاومة، إلى بذل الجهود الممكنة لتنقية الأفكار التي يستفيد منها التكفيريون، مضيفاً أنه يجب أن يبرز مجموعة من المفكرين العرب والإيرانيين والأتراك ويواجهون، كل ضمن ساحته، الآراء الشعبوية".
ودعا نور الدين عرباوي إلى الاستمرار بهذا الحوار حتى نتمكن من تمحيص المشكلات. وقال "الأوضاع العربية في أكثر من ساحة سيئة، وهناك تهديد حقيقي للدولة؛ لذا فالحاجة اليوم أكيدة إلى حلول سياسية يدمج فيها كل الأطراف خصوصاً في سوريا".
وختم المؤتمر بكلمة رئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق لفت فيها إلى أنه لن تطلق توصيات بصورة مباشرة، بل سيصدر عن هذا المؤتمر وثيقة متكاملة كي تكون منطلقاً إلى التقدم إلى الأمام.
وأشار إلى التقاء المتحاورين على مسألة فلسطين والابتعاد عن الانفسامات وتجزئة الدول، وعلى فكرة أن هناك مصالح مشتركة تجمع الجميع، وأن على هؤلاء أن يمضوا قدماً في حوار معمّق لانتاج نموذج متعدد الأبعاد على مختلف المستويات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية والثقافية، وأيضاً في المجالين الوطني والإقليمي والدولي، معلنًا أن المؤتمر سيطلق مبادرة لتأسيس الأمانة العامة لمنتدى الحوار الإيراني العربي، على أن تضم نخبة فاعلة مؤسسة، لها دور في التفكير وفي بناء مستقبل المنطقة، تضع مسارات جدية للتواصل والتفاعل المستمر.
وقد أعلن أنه وخلال أسبوعين ستنجز الوثيقة التي ستصدر عن هذا المؤتمر والتي ستؤسس للمسارات القادمة.
وختم بتوجيه الشكر لجميع المشاركين والقادمين من إيران ولبنان ومختلف الدول العربية.