معركة طوفان الأقصى: قراءة في التحدّيات وسرديات الصراع والأدوار المساندة

رقم الإصدار: 28

تمهيد              

نظَّم المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق بتاريخ في 20 كانون الأول/ ديسمبر 2023 حلقة نقاش تحت عنوان: معركة طوفان الأقصى: قراءة في التحدّيات وسرديات الصراع والأدوار المساندة. انطلق النقاش من ورقة خلفية تضمنت الآتي:
1. لا شك أن معركة طوفان الأقصى، وبالتحديد ضربتها الافتتاحية في السابع من تشرين الأول/أكتوبر لعام 2023، كانت حدثًا استثنائيًا في تاريخ الصراع العربي- الإسرائيلي ومنجزًا تاريخيًا للشعب الفلسطيني ولخيار المقاومة. ومن المؤكد أن بعض آثار تلك الضربة قد ظهر ومنها الكثير لا يزال قيد التبلور، ومن هذه الآثار ما قد يستطيع العدو السيطرة عليه ومنها الكثير الذي من الصعب السيطرة عليه. 

2. لقد أدت معركة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر إلى توليد فرص كثيرة على المستوى الفلسطيني والإقليمي والعربي. فلسطينيًا، وأعادت الزخم للمشروع الوطني الفلسطيني وكرّست محوريّة القضيّة الفلسطينيّة في المنطقة بعد سنوات من محاولة طمسها وولّدت أفقًا جديدًا لمشروع التحرر الوطني الفلسطيني. على صعيد العدو كشفت الأحداث الأخيرة عن فُقّاعة الحصانة الإسرائيلية وأسقطت محاولة إنهاء القضية الفلسطينية وأعادت الكيان إلى طرح الأسئلة ذات الطابع الوجودي والتأسيسي، وحفّزت انقساماته العميقة والمتزايدة وظهّرته عبئًا على المشروع الغربي. وإقليميًا أكّدت عملية طوفان الأقصى على حضور مشروع المقاومة وتَسَانُد جبهاته وصحّة الرهان عليه، وفرضت ضغوطًا كبيرة على مشاريع التسوية والتطبيع وألحقت مزيدًا من الوهن بمنظومة الهيمنة الأميركية في المنطقة.

3. إنّ إدراك واشنطن وكيان العدو لجسامة التداعيات المحتملة للعملية يُساعد على تفسير الحملة الغربية الصهيونيّة الهمجيّة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة بحيث تظهر الحرب أنّها حرب الغرب الاستعماري ضد المنطقة كلها وليس الشعب الفلسطيني فقط. وتبدو الحرب الحاليّة كأنها خليطٌ من صدام الحضارات "والحرب على الإرهاب" والصراع الجيوسياسي. ولذلك بطبيعة الحال، ما دامت الحرب مستعرة وتسعى واشنطن لتحويلها إلى فرصة لترتيب توازنات المنطقة فيما يحاول الصهاينة القضاء على المقاومة الفلسطينية، فإنّ العديد من المخاطر والتحديات تبرز إلى جانب الفرص والمنجزات. بناءً على مجمل هذه القراءة بدأ محور المقاومة منذ اللحظات الأولى للحدث بتحديد دوره وسياساته بما يعزز من احتمال تحقيق المقاومة الفلسطينية لأهدافها. ولذلك اختار المحور اعتماد التدخل المتدحرج في الحدث جامعًا بين التحذير والتصعيد متبنِّيًا خيار الغموض الاستراتيجي لإرباك حسابات العدو ومجاراة معركة قد تكون طويلة وانتقاء أفضل أشكال المساندة لغزة، وأجداها وتطوير ذلك وفق معطيات الميدان والوقائع السياسية المصاحبة له.

4. أيضًا، تطرح معركة طوفان الأقصى، والحملة الصهيونيّة الإباديّة التي أعقبتها، أسئلة محوريّة بخصوص التصورات المرتبطة بالصراع مع العدو، والتي تكشف عن الشرخ المتجدد في النظرة إلى القضيّة الفلسطينيّة. ومن نافلة القول إنّ مسعى واشنطن لوصم المقاومة الفلسطينيّة بالإرهاب وتجريدها من طابعها التحريري والتحرري الراسخ، يستكمل المسار نفسه لاتفاقات إبراهام والاعتراف بضمّ القدس والجولان ومساعي عزل القضية الفلسطينية عن امتدادها العربي والإسلامي الأوسع. وفي الضفة المقابلة تزداد القناعة بأن القضية الفلسطينيّة هي المحور التاريخي والسياسي والاستراتيجي لكل قضايا المنطقة، وأن المقاومة التي تتناقل شعلتها الأجيال هي الأسلوب الناجع لأبناء المنطقة، وبالخصوص الفلسطينيين منهم، لتقرير مصيرهم وامتلاك مستقبلهم.

5. إنّ المساندة الغربية المفتوحة وغير المسبوقة لـ "إسرائيل" في حربها الهستيريّة والإجراميّة على الفلسطينييّن وتبنّي مزاعمها وسرديّاتها دون تردّد، لم تأت من فراغ، ولا تريد طي نتائج الهزيمة العسكريّة المدوّية التي لحقت بها فحسب، بل تعبّر أيضًا عن التوق المتجدّد لدمج "إسرائيل" دمجًا تامًا في الغرب الواسع بل جعلها ركنًا أساسيًّا فيه، مع ما يتضمنه ذلك من مراجعات وترتيبات سياسيّة وعسكرية واقتصاديّة وثقافيّة. ولذلك كان ما رأيناه من دعم مفتوح ومساعدات سخيّة وإطلاق أوصاف قيمية وثقافيّة ودينيّة على مجريات الصراع. وفي هذا السياق لم تتورّع الحكومات الغربيّة عن وضع دعاواها عن القيم العالمية والقانون الدولي جانبًا، مكرّرة على نحو دعائيّ رطاناتها عن حقّ "إسرائيل" وواجبها في الدفاع عن النفس، وإدانة ما تزعم من استعمال المدنييّن دروعًا بشريّة في تبرير مكشوف لقتلهم. 

6. لا ينفصل الحضور العسكري الأميركي المباشر في المنطقة عن الصراع على مستقبل النظام العالمي، والترتيبات الإقليميّة المتصلة به. وهذا البعد الذي يُراد إخفاؤه أو تجاهله ظهر على ألسنة المسؤولين "الإسرائيليين" الذين كرّروا ما قيل أثناء حرب تموز عام 2006 بأن الهدف النهائي هو قيام شرق أوسط جديد يتوّج حربًا حاسمة على مستقبل الإقليم. وفي مقابل ذلك، أدّت عمليّة طوفان الأقصى والحرب الانتقاميّة ضد غزّة إلى استعادة القضيّة الفلسطينيّة دورها المركزي في المنطقة، وموقعها المتقدّم في الحركة العالميّة المناهضة للاحتلال والهيمنة. وقد خلط هذا التحوّل أوراق واشنطن التي أرادت الإمساك بالمنطقة من خلال وضعها بين فكي كماشة التطبيع الملزم لحلفائها والحصار في معاقبة خصومها، قبل التفرّغ لهمومها العالميّة. 

تضمّنت الحلقة، التي عقدت في قاعة مكتبة المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق، جلستي نقاش وشارك فيها نخبة من الباحثين والمعنيّين وافتتحت بكلمة لمدير المركز الدكتور عبد الحليم فضل الله رحّب فيها بالمشاركين معتبرًا أنّ الإشكاليات المطروحة في الندوة حاولت الخروج على السائد من أفكار في محاولة لسبر غور ما حدث في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، مشيرًا إلى أنّ العدو تحوّل في مساره التاريخي من مجتمع قائم على فرضية الحرب الدائمة إلى مجتمع معولم في بداية التسعينيات بما يحاكي النيوليبرالية. وبذلك أصبح يعتني بالفرص (اقتصاديًّا وسياسيًّا) أكثر من اهتمامه بالمخاطر المباشرة، التي افترض أنها تراجعت بفعل أزمات الدول العربيّة المحيطة به. بالمقابل، كان العدو يواجه قوى مقاومة خارج الاندماج في منظومة العولمة مما حدا به إلى التّركيز على المخاطر الجيوسياسية وافترض أنّه أنهى التحدّي المتمثّل بالجيوش الكلاسيكية ليذهب نحو مسار التّطبيع مفترضًا أنّ المقاومة مهما شكّلت من خطر استراتيجي فلا يمكنها أن ترقى إلى خطر وجوديٍّ وهذا ما سقط في 7 أكتوبر.

 

في الجلسة الأولى قُدّمت ست مداخلات مفتاحيّة في العناوين المطروحة التالية:


1-    مستقبل القضيّة الفلسطينيّة ومشروع المقاومة على ضوء معركة طوفان الأقصى والحرب على غزة/ الكاتب والمناضل أ. منير شفيق.
2-    المسارات المحتملة للحرب وانعكاساتها على المستويين العربي والدولي/ أ. سعد محيو.
3-    تحليل خلفيّات الحرب وأهدافها ربطًا بمسار التطبيع والمشاريع الهادفة إلى دمج كيان العدو في المنطقة اقتصاديًّا وسياسيًّا. / د. محمد حسب الرسول.
4-    تفكيك السرديّات السياسيّة والقانونيّة للصراع، والتي أراد منها العدو وداعموه تبرير انتهاك القانون الدولي الإنساني وقوانين الحرب وحقوق الإنسان والقيم العالمية. / د. علي فضل الله
5-    سُبل استعادة العمق العربي والإسلامي والامتداد العالمي للقضية الفلسطينيّة، في مقابل تعامل الغرب الواسع مع "إسرائيل" على أنها جزء لا يتجزأ منه. / د. محسن صالح - مدير عام مركز الزيتونة.
6-    تطوير الأعمال المساندة للمقاومة والشعب الفلسطيني في المجالات السياسية والديبلوماسيّة والثقافية والإعلامية والشعبيّة. / أ. فارس أبي صعب – مركز دراسات الوحدة العربية.
وفي الجلسة الثانية، ناقش المشاركون أفكارًا حول الإشكاليات والمداخلات المقدّمة في الجلسة الأولى.

 

تحميل الملف
المقال السابق
سلسلة المواكبة المستمرة | المواكبة الشهرية لشؤون الصين - إعداد مديرية الدراسات الاستراتيجية/ كانون الثاني 2024
المقال التالي
الرصد الاستراتيجي | إعداد مديرية الدراسات الاستراتيجية / العدد 34 - كانون الأول 2023

مواضيع ذات صلة: