مقالات | آسيا الأهم في المشهد الدولي/ زياد حافظ - آذار 2019

معظم النخب العربية الحاكمة ما زالت متأثرة بنظرية ملكية الولايات المتحدة لتسعة وتسعين بالمائة من أوراق اللعبة والقيادات الخليجية ما زالت تعتقد أن أمنها يمر عبر الولايات المتحدة وأن بوابة استرضاء الولايات المتحدة هي استرضاء الكيان الصهيوني من جهة أخرى أطلقت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة في عهد الرئيس كلنتون مادلين أولبرايت أن الولايات المتحدة هي الدولة التي لا يمكن الاستغناء عنها لسنا متأكدين أن الولايات المتحدة تملك تسعة وتسعين بالمائة من الأوراق وإن امتلكت شيئا فهي احتلال العقل السياسي للنظام الرسمي العربي هذا إذا كان هناك من عقل فقط لا غير والذي لم يعد يمثل الشعوب العربية بكافة أطيافها كما لا نعتقد أن الولايات المتحدة هي الدولة التي لا يمكن الاستغناء عنها كما زعمت مادلين أولبرايت فالأحداث منذ بداية الألفية الثالثة وربما قبل ذلك بعقدين تشير إلى خط بياني واضح في حالة تراجع بل إلى أفول الولايات المتحدة ودورها في العالم مجموعة البريكس ومنظمة شانغهاي من الدلائل التي تؤكد على وجود قوى صاعدة تواكب تراجع الولايات المتحدة لذلك إن ما يحصل على الصعيد الإعلامي في آسيا هو الأهم والأساس وما يحصل في الغرب وفي الولايات المتحدة هو التابع وليس أكثر ولقد أشرنا في أماكن عديدة وفي عدة مناسبات أن مقومات التفوق الأميركي والغربي لم تعد قائمة وأن هناك من ينافسها في كافة المجالات التي كانت تعتقد الولايات المتحدة احتكارا لها بدءا من القوة العسكرية إلى القوة الاقتصادية إلى الريادة في التكنولوجيا إلى آخر مظاهر القوة الناعمة إضافة إلى رداءة القيادات الغربية بشكل عام والأميركية بشكل خاص من هنا نعتقد أن اهتمامات النخب العربية يجب أن تكون منصبة على آسيا وخاصة الكتلة الاوراسية بشكل رئيسي وعلى دول الجنوب العام من إفريقيا إلى أميركا اللاتينية فما يحدث هناك يؤثر بشكل مباشر في الوطن العربي وتأكيدا لما نقوله تصدرت آسيا المشهد الدولي خلال الأيام القليلة الماضية فقمة هانوي التي جمعت رئيس كوريا الشمالية بالرئيس الأميركي تلازم مع أزمة عسكرية خطيرة بين باكستان والهند سرعان ما تراجعت وتيرتها وإن لم تنته أسباب المواجهة كما تلازم مع قمة لوزراء الخارجية لكل من الصين وروسيا والهند في إحدى المدن الصينية ويمكن الإضافة إلى كل ذلك التوتر ا لمستمر في بحر الصين بين الولايات المتحدة والصين وإخفاقات الولايات المتحدة في أفغانستان غير أن الإعلام الغربي لم يذكر الاجتماع بين وزراء الخارجية الثلاثة بل اكتفى بنقل وقائع وتحليلات عائدة للقمة الفاشلة في هانوي وتداعيات المواجهة العسكرية بين باكستان والهند فالاجتماع الثلاثي له دلالاته من حيث يكرس دور الكتلة الاوراسية في المشهد الدولي وتأثيره بطبيعة الحال على مسار الأمور وأخيرا وليس آخرا كان اللقاء اللافت للنظر بين مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران والرئيس السوري بشار الأسد فكيف يمكننا قراءة تلك الأحداث وربطها أولى القراءات هي أن لكل من تلك الأحداث ظروفها الخاصة فالتوتر الباكستاني الهندي مزمن ويعود إلى نشأة الدولة الباكستانية سنة ورسم الحدود بين البلدين على يد المستعمر البريطاني وإرثه الثقيل في النزاع حول مقاطعة كاشمير هذا صحيح ولكن ذلك التوتر يأخذ بعدا مختلفا بعد تشكيل الكتلة الاوراسية والطريق الواحد والحزام الواحد التي تتبناه كل من الصين وروسيا النزاع حول كاشمير ليس محور مداخلتنا إلا من زاوية الأثر على الكتلة الاوراسية والحزام الواحدالطريق الواحد كاشمير تفصل بين الهند وباكستان والصين اقتسام كاشمير بين الدول الثلاثة يأخذ بعده الجيوسياسي مع محاولات الولايات المتحدة لإضعاف الكتلة الاوراسية أو لجعل اختراق يهدد نموها تاريخيا كانت باكستان حليفة الولايات المتحدة بينما الهند كانت متصدرة مجموعة دول عدم الانحياز وعلى علاقة جيدة بالاتحاد السوفياتي مع صعود اليمين الهندوسي إلى السلطة مع حزب جانتا وتراجع دور حزب المؤتمر المؤسس التاريخي لدولة الهند بعد الاستقلال تنامت العلاقة بين الهند والولايات المتحدة ومؤخرا مع الكيان الصهيوني بالمقابل كانت علاقات باكستان والصين جيدة وذلك لإيجاد توازن جيوسياسي مع الهند من وجهة نظر باكستان خاصة بعد الحروب الصينية الهندية في ستينات القرن الماضي وهن يكمن دور باكستان المفصلي علاقة طويلة مع الولايات المتحدة وعلاقة حسن الجوار مع الصين احتمال سيطرة الهند على كل مقاطعة كاشمير يهدد مصالح الصين وخاصة مشروع الممر الصيني الباكستاني الذي يشكل حجر زاوية في مبادرة الحزام الواحدالطريق الواحد والصين على وشك إيصال أوتوستراد يوصل الصين بباكستان من هنا نفهم الاهتمام الكبير للدبلوماسية الصينية في الأزمة الباكستانية الهندية بالمقابل دور روسيا قد يكون أكبر مع الهند نظرا لعلاقات تاريخية ونظرا لفعالية سلاحها الجوي فالتوتر الأخير على الحدود الذي شهد اشتباكا جويا بين الطائرات الهندية الروسية الصنع ميغ والطائرات الباكستانية الأميركية الصنع أف أسفر على تفوق الطائرة الروسية على الطائرة الأميركية وهذا قد يعزز الإمكانية التنافسية للسلاح الجوي الروسي في أسواق جديدة في آسيا بدءا بالهند عبر تسويق طائرتها ميغ وإذا أخذنا بعين الاعتبار ما كشف عنه الرئيس الروسي في العام الماضي في شهر آذارمارس عن النوعية المتفوقة للسلاح الروسي نفهم أبعاد نتائج المواجهة الجوية الهندية الباكستانية لكن بغض النظر عن الأبعاد التجارية في سباق التسلح هناك أبعاد جيوسياسية للأزمة حول الكاشمير فبالنسبة لباكستان فإن تمسكها بكاشمير لا يعود للبعد الديني ولا للبعد التاريخي حول تجاهل الهند نتائج الاستفتاء حول مستقبل كاشمير الذي أفضى إلى الرغبة في الالتحاق بباكستان فهناك الاعتبار الجغرافي حيث كاشمير هي الممر بين الصين وباكستان وبما أن تلك الدولتين تاريخيا على توافق وبما أن مشروع الحزام الواحدالطريق الواحد يشمل باكستان فإن كاشمير تأخذ بعدا جيوسياسيا دوليا وهناك بعض المواقع الإلكترونية تشير إلى دور صهيوني في الهند في التوتر مع باكستان بالمقابل رغبة عمران خان في تخفيض التوتر مع الهند يعكس أيضا رغبة صينية في ضبط الأمور ولعدم السماح للأميركيين للتسلل عبر عرض وساطة بين الأطراف المتنازعة الحدث الثاني الذي خطف الأنظار ولو لفترة وجيزة هو فشل اللقاء بين رئيس الولايات المتحدة الأميركية ورئيس كوريا الشمالية في هانوي للمكان دلالاته حيث هانوي عاصمة الفيتنام التي هزمت الولايات المتحدة والتي أصبحت اليوم معقلا للشركات المتعددة الجنسية الكبرى وهانوي على تخاصم تاريخي مع الصين خلال الحرب ضد الولايات المتحدة وبعدها وخاصة في ضرب الظاهرة الكمبودية الثورية فعقد اللقاء في هانوي كان بمثابة رسالة إلى الصين هذا من جهة من جهة أخرى تفيد الأنباء عن محاولة الرئيس الأميركي استجداء الصين في المفاوضات مع كوريا الشمالية غير أنها لم تثمر وذلك لأسباب واضحة فمن جهة يفرض الرئيس الأميركي العقوبات على الصين ومن جهة أخرى يستجديها فكيف يستقيم ذلك من الواضح أن من يتحمل مسؤولية فشل المفاوضات هو مستشار الرئيس الأميركي جون بولتون وفقا لعدة مصادر فالمعروف عنه أنه لا يؤمن بالاتفاقيات الدولية والمعاهدات التي تكبل الولايات المتحدة وذلك من حيث المبدأ لكن في الحقيقة إن أي تفاهم مع كوريا الشمالية سيسرع بالتقارب بين الكوريتين وبالتالي يتحول موضوع تفكيك المنظومة النووية في شبه الجزيرة الكورية إلى ضرورة خروج القوات الأميركية من كوريا الجنوبية الجدير بالذكر أن اليابانيين وخاصة سكان منطقة اوكيناوا حيت تتواجد أكبر قاعدة أميركية في اليابان صوتوا بكثافة وأكثرية وازنة في استفتاء خاص حول ضرورة خروج القوات الأميركية من اليابان الضغوط الأميركية على حكومة آبي جعلت الأخير يتجاهل التصويت الشعبي فهذا مؤشر عما يمكن أن يحدث في كوريا الجنوبية وبالتالي تعطيل أي اتفاق مع كوريا الشمالية يفي بالغرض من الواضح أيضا أن الرئيس الأميركي لم يقفل الباب نهائيا على إمكانية التوصل إلى اتفاق نعتقد إن الاعتبارات الانتخابية لها دور في توقيت إنجاح المفاوضات فما زالت الولايات المتحدة على مسافة من الانتخابات الرئاسية في خريف لذلك هناك احتمال الوصول إلى اتفاق ما في ربيع يستثمر في الحملة الانتخابية الجدير بالذكر أن جورج بوش الأب لم يستطع توظيف نتائج الحرب الخليج الأولى عام في حملته الانتخابية وكذلك الأمر بالنسبة لمؤتمر مدريد توقيت النجاحات على صعيد السياسة الخارجية مع مقتضيات الحملة الانتخابية مهم جدا الحدث الثالث هو انعقاد اجتماع وزراء الخارجية لكل من الصين وروسيا والهند في مدينة يوكنغ في الصين وهذا الاجتماع تجاهلته كليا وسائل الإعلام الغربية وبالتالي لم تعرف أهميته تناول اللقاء مسألة فنزويلا والتدخل الأميركي في ذلك البلد كما تناول مسألة الأزمة الحدودية بين الباكستان والهند التعقل عند كل من الصين وروسيا ربما لعب دورا كبيرا في تهدئة الأوضاع فكانت مبادرة عمران خان بإفراج الطيار الهندي التي أسقطته وسائل الدفاع الجوية الباكستانية ويشير أحد أهم المراقبين الآسيويين السفير الهندي السابق مك بهدراكومار على موقعه الإلكتروني أن كل من وزراء الخارجية الصيني والروسي بذلا مجهودا لدى حكومتي إسلام آباد ونيو دلهي لتخفيف حدة التوتر وأنهما سيستمران في مراقبة الوضع وآخر المعلومات تفيد أن الولايات المتحدة عرضت خدماتها للوساطة بين كل من باكستان والهند وذلك للحفاظ على دور ما في المعادلات الآسيوية بعد الإخفاقات في كل من أفغانستان وسورية واليمن كذلك الأمر بالنسبة لبلاد الحرمين التي عرضت وساطتها بين البلدين لتكريس ما تعتقده حصلت عليه من ود و نفوذ بعد جولة ولي العهد إلى تلك الدول فالمبادرة الأميركية مع بلاد الحرمين قد تقلق المحور الصيني الروسي في المدى القريب لكن مصالح كل من باكستان والهند هي مع دول الجوار أي دول منظمة شانغهاي في هذا السياق أكد وزير خارجية روسيا نظيره الباكستاني أن منظمة شانغهاي الأمنية قد تكون الإطار المناسب لمكافحة الإرهاب الذي سبب مؤخرا التوتر على الحدود الباكستانية الهندية ما يدعم المبادرة الروسية الصينية مصداقية رغبتهما في تخفيض التوتر وعدم وجود أجندات مخفية تجاه كل من الهند والباكستان خلافا لما يمكن توقعه من المبادرة الأميركية والعربية وحتى الأمم المتحدة غير أنه من الواضح أن حكومة الرياض تسعى أيضا من جهتها عن بدائل عن الغرب بعد تبيان انكشاف الضعف الأميركي فالمستقبل هو في آسيا وليس في أوروبا أو الولايات المتحدة أما اللقاء الهام بين مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران والرئيس السوري بشار الأسد فكان بمثابة صدمة للمراقبين الغربيين لم يفرحوا كثيرا عند نبأ استقالة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف لأن رفض الاستقالة السريع كان بمثابة صفعة للشامتين لكن بالنسبة لاجتماع يوكنغ فإن إيران تشكل موقعا استراتيجيا في منظومة شنغهاي بشكل خاص والكتلة الاوراسية بشكل عام وبالتالي التنسيق بين كل من الجمهورية الإسلامية في إيران والصين وروسيا سيستمر في سياق تكامل سياسي واقتصادية وأمني لن يستطيع الغرب منعه هذا يعني أن إيران ومعها محور المقاومة جزء من تلك الجغرافية السياسية والاقتصادية والأمنية ما يجعل خصوم أي طرف من محور المقاومة على تناقض مباشر مع منظومة الكتلة الاوراسية ويستكمل الحديث في مداخلات لاحقة كاتب وباحث اقتصادي وسياسي وأمين عام سابق للمؤتمر القومي العربي

المقال السابق
مقالات | هل يكون الذكاء الاصطناعي آخر ابتكارات البشر/ احمد فاعور - آذار 2019
المقال التالي
أوراق بحثية: حركة النهضة، تونس/ آمنة رزق - كانون الثاني 2019

مواضيع ذات صلة: