مؤتمر الصناعة البترولية في لبنان – أوراق عمل في السياسات العامة وقضايا هيكلية - ايار 2017

افتتح د. عبد الحليم فضل الله الجلسة الافتتاحية للمؤتمر مُرحبّاً بالحضور ولافتاً لأهمية عقد المؤتمر، وضرورة مناقشة وضع سياسة وطنية متوازنة للقطاع البترولي في لبنان كفيلة بإستنباط الحلول الآيلة لمعالجة القضايا المطروحة والتي تصدّرها الصندوق السيادي: أهميته، ظروف نشأته، نظامه الداخلي، دوره في السياسة الاقتصادية والمالية للبلد. إضافة الى النقاش المفتوح في ظروف انشاء الشركة الوطنية: الوقت المثالي، طبيعتها القانونية، حدود صلاحيتها وعلاقتها ببقية المؤسسات الوطنية. أضف الى ذلك تأهيل وتطوير الموارد البشرية لمواكبة القطاع النفطي والاستفادة من الثروة الوطنية في الموارد البشرية، كما القدرة على التحكم بالموارد الوطنية.

استهل وزير الطاقة سيزار ابي خليل حديثه عن جاذبية الموارد الهيدروكربونية في لبنان نتيجة تأهل 51 شركة  مهمة في العالم بين صاحب حق ومشغل. وأشاد الوزير بدور هيئة ادارة قطاع البترول في تقليص فترة الاستكشاف من خلال المسوحات الجيوفيزيائية التي أجرتها والتي سمحت لنا بتعويض جزء من الوقت المهدور نتيجة تأخر اصدار المرسومين. ونوّه بمعايير الحوكمة التي راعتها الهيئة في صياغة قانون البترول والمراسيم التطبيقية له. كما أعرب عن رغبة لبنان في الانضمام الى مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية لتعزيز الشفافية في القطاع واعطاء دور قوي للمجتمع المدني في مراقبة أداء القطاع البترولي.

واستعرض وزير الصناعة الدكتور حسين الحاج حسن محاور المؤتمر محاولاً الاجابة عن بعض التساؤلات والاشكاليات المطروحة، وبدأ الحديث عن أهمية حسم النقاشات في الموضوعات المتنازع عليها واقرارها بالوثائق الدولية التي تبيّن صوابية الخيار المطروح. وأضاف الى تقسيم دور الصندوق السيادي الى اطفاء الدين العام من جهة وضمان حقوق الاجيال القادمة من جهة اخرى. كما أشار إلى أهمية ارساء مبادئ الشراكة ما بين القطاع التعليمي وقطاع البترول من أجل ضمان التنسيق اللازم ما بين الصناعة وتقليص فجوة نقص المهارات في القطاع.

وعُقدت الجلسة الاولى للمؤتمر تحت عنوان "معالم أساسية للسياسة الوطنية لقطاع البترول"، ترأس الجلسة الدكتور آلان بيفاني ممثلاً وزير المالية، وقدم الدكتور ناصر حطيط ورقته تحت عنوان "آفاق الطاقة 2050 – رؤية وسياسة وخطة عمل متكاملة لانتاج الطاقة واستغلال الموارد البترولية"، واستعرض تصوراً لسياسة طاقة طويلة الاجل في لبنان حتى عام 2050 محورها الاساسي هو خلق فرص عمل وتهدف إلى تحقيق أمن الطاقة، التنمية المستدامة وتوسيع الاقتصاد وتنويع نشاطاته، خفض الانبعاثات وحفظ البيئة، وتطوير البحث العلمي وأعرب عن رفضه إنشاء صندوق سيادي في ظل الفساد القائم في الدولة حفاظاً على حقوق الاجيال القادمة. وفي المداخلة الأولى تساءل الوزير السابق شربل نحاس عن الخيارات المتاحة أمام لبنان للتصرف بموارده البترولية وقدرته على التحكم فيها وطرح ثلاث خيارات امام لبنان وهي: إما عدم الاستخراج او تأخير التوظيف في الخارج، الخيار الثاني الاستهلاك وهو التوزيع الصريح او المبطن للثروة وهو ما كان معتمداً في لبنان منذ التسعينيات في موضوع استغلال التحويلات الخارجية. اما الخيار الثالث فهو الاستثمار وركز على ان زيادة الاستثمار تعني ايجاد التوازن بين الرساميل المستثمرة وسوق العمل. أما  الدكتور نقولا سركيس فقد استعرض في المداخلة الثانية انواع العقود النفطية في العالم حسناتها وسيئاتها متسائلاً ما إذا كان لبنان صائباً في اختياره، وانتقد اعتماد نظام التراخيص امام الشركات في قطاع النفط لأنها تذكرنا بنظام الامتيازات الذي سبق وتخلت عنه غالبية الدول مطالباً بإنشاء شركة وطنية، والغاء آلية المزايدة في مرسوم الاستخراج والانتاج واعادة النظر في تنظيم هيكلية ادارة قطاع النفط.

عقدت الجلسة الثانية برئاسة الوزير الاستاذ عبد الرحيم مراد تحت عنوان "الصندوق السيادي ودوره في حوكمة الادارة المالية للثروة البترولية"، قدّم الورقة الأساسية الاستاذ علي برّو تحت عنوان "حوكمة الادارة المالية للثروة البترولية في لبنان – الصندوق السيادي"، تطرق فيها الى تعريف الصندوق السيادي، أهدافه، مبادئ حوكمته – مبادئ سنتياغو، وأوصى بضرورة وضع اهداف واستراتيجيات استثمار محددة وواضحة، ووضع قواعد مالية واضحة ترعى استخدام اموال هذا الصندوق، وضرورة ارساء آلية حكم ملائمة تحدد بوضوح دور الحكومة والهيئات الحاكمة ومديري الصندوق، إضافة إلى الاتسام بالشفافية والمساءلة. وفي المداخلة الأولى ركز الدكتور غازي وزني على  ضرورة الاستفادة من التجارب الدولية في مجال ادارة الصناديق السيادية مع الأخذ بالإعتبار خصوصيات الثروة النفطية والمشاكل البنيوية التي يعاني منها الاقتصاد اللبناني أهمها البطالة المرتفعة وارتفاع معدل الدين العام الى الناتج والعجز المزمن في الميزان التجاري، ناهيك عن نسبة الفساد المرتفعة التي يعاني منها لبنان التي جعلته على قائمة أكثر الدول فساداً في العالم، وتساءل الدكتور وزني عن السلطة المسؤولة عن هذا الصندوق المصرف المركزي ام السلطة المالية، كما شدّد على اهمية جعل كل الموارد المالية في الصندوق السيادي دون تفريقها بين المؤسسات وجعله منفصلاً عن السلطة المالية واستخدام اموال هذا الصندوق في الاستثمارات في البنى التحتية التي من شأنها تحسين الحركة الانتاجية في لبنان وزيادة الايرادات المالية ما يمكّن الدولة من السيطرة على حجم دينها العام. المداخلة الثانية للدكتور وسام الذهبي خلص فيها إلى انه لا يمكن اعتبار الصندوق السيادي بديلاً عن السياسة المالية العامة للدولة ولا ضامناً لإرساء سياسة مالية سليمة، ولادارة الصندوق يجب ان ترتبط ارتباطً وثيقاً بادارة الاصول والديون السيادية حيث ان القرار في مراكمة الاصول يجب ان يُنظر اليه في إطار العجز المالي الحالي والديون السيادية. وأضاف ان ادارة الايرادات يجب ان تعتمد مساراً من ثلاث مراحل: المرحلة الأولى تبدأ من تخفيض الدين العام الى 80-100% من الناتج المحلي، المرحلة الثانية الاستمرار في تخفيض الدين وتحقيق الاستقرار وانشاء صندوق استقرار حجمه من 3 إلى 4 % من الناتج المحلي، المرحلة الثالثة تقتضي القيام بإنشاء صندوق الادخار، وركّز على ضبط التوقيت للانتقال بين المراحل الثلاث من خلال استخدام مؤشر الدين العام الى الناتج المحلي. وأضاف أنّ استراتيجيات استثمار الأصول في الخارج قد تشكّل بديلاً ملائماً عن الإستثمار في الداخل.

وناقشت الجلسة الثالثة للمؤتمر دور شركات البترول الوطنية في إدارة وتطوير قطاع البترول ترأسها الوزير السابق الدكتور شربل نحاس، قُدمت الورقة الاساسية على شكل تصور أولي لتأسيس شركة بترول وطنية في لبنان، مع التركيز على المزايا والفرص مقابل عوائق ومخاطر هذه الخطوة، وتطرقت الورقة إلى تقديم تعريف عن شركة البترول الوطنية: هويتها، دورها، شكلها القانوني، دوافع تأسيسها، اغراضها ومكانتها في الصناعة النفطية. ولخّصت الورقة محاذير وعوائق انشاء شركة بترول وطنية في لبنان بالآتي: - قلة الخبرة والمعلومات، وندرة الموارد البشرية المناسبة، ارتفاع كلفة الاستثمار مقابل عوائد غير مؤكدة، الفساد المستشري الذي يؤدي الى تعطيل فاعلية الشركة وتضارب المصالح .وفي الاستراتجيات وسياسات تجنب المحاذير: التوقيت المناسب ومراحل الصناعة النفطية، إنشاء شركة وطنية صاحبة حق غير مشغلة، العمل في المرحلتين التمهيديتين الأولى والثانية، تتولى انشطة تسويقية وتجارية ومهام تنظيمية ضمن ادارة التكتل النفطي، تُمنح حصة تتراوح بين 5 % أو 10 % في رخصة واحدة او أكثر موزعة على بلوك معين او اكثر ذات اهمية خاصة للدولة، عمل الشركة في المراحل المتقدمة (عند المكمن: استكشاف –تطوير الحقل- عمليات الانتاج، أنشطة وسيطة – نقل – المعالجة - التخزين، الاستخدام النهائي – تكرير – بتروكيماويات -تسويق وتجارة)، تحديد متطلبات التمويل، وإرساء معايير الحوكمة للشركة. شارك الدكتور وليد خدوري في مداخلة أولى اساسية متحدثاً انه لا يوجد داعي لتأسيس شركة وطنية قبل الاكتشافات نتيجة وجود لجان تقوم بمراقبة اداء الشركات، وان على الدولة ان تقوم باعداد بنك معلومات عن اللبنانيين المغتربيين العاملين في قطاع النفط والغاز في العالم، كما انه لا يمكن اسقاط تجارب الدول في انشاء الشركات الوطنية على لبنان وذلك لاختلاف ظروف انشائها واهدافها ونُظم ادارتها، وشدّد على ضرورة مساهمة القطاع الخاص في الشركة الوطنية عند توافر الظروف لانشائها بغية تمويلها والتخلص من تأثير  المحاصصات، وأوضح أنّ إمكانية استخدام الخبرات المكتسبة للشركة الوطنية في انواع الطاقة المتجددة. واستهل المداخلة الثانية الدكتور قاسم غريّب حديثه عن التحديات التي يواجهها لبنان في مجال القطاع البترولي وبالأخص في مجال نقص الخبرات اللازمة، وانه بمعزل عن التوقيت وعن أي مسمّى  يُعد انشاء الشركة الوطنية ضرورة وطنية وهو الخيار الأقل كلفة مقارنة بالخيارات المطروحة.

واختتمت أعمال المؤتمر بجلسة رابعة تحت عنوان "الموارد البشرية اللازمة لتطوير الصناعة البترولية محلياً، النظام التعليمي أنموذجاً"، ترأسها الدكتور وسام شباط رئيس هيئة ادارة قطاع البترول في لبنان، واستهل الجلسة بتقديم ملاحظات على المحاور الثلاث السابقة وركّز على ضرورة التعلّم من تجارب البلدان التي سبقتنا، وعلى وضع التوقيت المناسب لإنشاء الصندوق السيادي عقب الانتهاء من مسألة جذب المستثمرين ووضع رؤية وطنية للقطاع البترولي خصوصاً والطاقة عموماً والسعي نحو تنمية كل الصناعات وعدم الاقتصار على الصناعات الناشئة عن القطاع البترولي بغية تنويع وتحصين الاقتصاد، كما تفعيل النقاش الجدّي في تحديد الدور الحقيقي والمطلوب من الشركة الوطنية، إضافة الى وضع خطط لتوجيه الطلاب نحو الاختصاصات التي يحتاجها الاقتصاد. وقدّم الدكتور حسين العزي ورقة العمل الأساسية تحت عنوان "دور القطاع التعليمي في مواكبة مراحل الصناعة النفطية في لبنان"، استعرض فيها ملامح الاستراتجية الوطنية الواردة في القوانين والمراسيم اللبنانية لتأهيل الموارد البشرية العاملة في القطاع النفطي، وشدد على أهمية وضع خطة وطنية للقطاع التعليمي من اجل الاستفادة الامثل من موارد هذا القطاع، كما أجرى تقييماً لمدى جهوزية القطاع التعليمي في لبنان لمواكبة القطاع النفطي في مجال الاختصاصات الجديدة ومحتوى المقررات، وشدّد على أهمية تنوع الاختصاصات وعدم الاقتصار فقط على الهندسة والعلوم وخاصة ان الصناعة البترولية بمراحلها الثلاثة تحتاج مزيجاً متنوعاً من الاختصاصات والخبرات في مجال  الهندسة والعلوم والادارة والقانون، ولفت أيضاً إلى ضرورة وضع خطة لتأهيل الاختصاصات الموجودة حالياً لتتناسب مع حاجات القطاع البترولي. وختم بإستعراض عدد من تجارب الدول في مجال الشراكة بين القطاع التعليمي والبترولي متسائلاً عن صيغة الشراكة الأمثل للبنان. بعد ذلك بدأت المداخلة الأولى للدكتور كمال حمدان الذي شدّد على ضرورة تصحيح الاختلالات القائمة في سوق العمل اللبناني من اجل جعل السياسات المتخذة  في القطاع التعليمي فاعلة .ولفت إلى أنّ لبنان يعاني من نقص حاد في المهارات نتيجة هجرة الكفاءات وغياب التوجيه في الاختصاصات الاخرى. كما تحدّث عن الوضع المتردي للمناهج التعليمية سواء في الجامعات او المعاهد نتيجة غياب الرقابة على المناهج والخطط الوطنية في مجال التعليم العالي والمهني والتقني. وكانت مداخلة ثانية للدكتور عصام عطالله التي تحدّث فيها عن اهمية تطور الانسان اقتصادياً لكي يتم التغيير المنشود للحالة الانسانية اللبنانية وذلك من خلال: تحديد الثروات المحلية والقدرات البشرية من اجل استثمارها، خلق تجمعات ومراكز ابحاث تُحدّد الحاجات الآنية والمستقبلية للموارد، تطوير الانسان من خلال برامج تعيليمة عبر مشروع متكامل تتعاون فيه الجامعات مع الادارات العامة. وقد أضاف كلمته على دور التعليم والابحاث كرؤية مستقبلية تعمل على صناعة كوادر تُمهّد لملء الفراغات في الحاجات الوطنية وخصوصاً تلك الملحة بالقطاعات الانتاجية كالنفط والغاز، والعمل على التخطيط لبناء صناعات رديفة والصناعات المستقبلية من خلال التدريب وخلق برامج متخصصة ضمن الاختصاص والتوازن مع الحداثة، طارحاً الأسئلة الآتية: إلى أين تتجه الصناعات النفطية في المستقبل وهل الحاجة إليها مستمرة الى أمد طويل ؟ما هو تأثير الصناعات والابحاث في الطاقة البديلة وأين لبنان منها؟ وختم بأن الموارد البشرية وترشيدها ضرورة ملحة لا يمكن التغاضي عنها ولا بد من رسم استراتيجية واضحة للتنمية يمكن على أساسها وضع رؤية وخطة ناجحة لتنمية الموارد البشرية.

 

في الختام لابد من تسجيل الملاحظات الآتية:

  • شهد المؤتمر -لاسيما في الإفتتاح- إقبالاً كبيراً وحضوراً نوعياً واسعاً ومشاركة فاعلة من النُخب والفعاليات والهيئات والجهات المختصة.
  • بدا لافتاً الاهتمام الكبير لوزارة الطاقة والمياه وهيئة إدارة قطاع البترول والمشاركين من القطاعات المهنية والتي لها علاقة وثيقة بالبترول.
  • حظيَ المؤتمر بإهتمام إعلامي جيّد وتغطية خبرية واسعة لاسيما في جريدة الأخبار التي نشرت أعمال الجلسات مركّزة على مضامين أوراق العمل المقدّمة.
  • سجّل بعض المشاركين ملاحظاتهم وانطباعاتهم الإيجابية حول أهمية عقد المؤتمر في هذه الظروف التي يدور فيها النقاش حول قطاع هو من أهم القطاعات في البلد وشددوا على متابعة الموضوع لاحقاً.

المقال السابق
حلقة نقاش حول أفق الازمة الخليجية / حزيران 2017
المقال التالي
حلقة نقاش: الصناعة اللبنانية وسبل دعمها وحمايتها / نيسان 2017

مواضيع ذات صلة: